محمد وقيع الله آخر الجمهوريين الذين رموا أنفسهم في طريقي هو المدعو أحمد العجب، الذي ادعى أني نقلت كلام شيخه محمود محمد طه نقلا مبتورا بقصد تشويهه وحرف معناه. قال مما يليني في مقاله الذي عنوانه (الأستاذ محمود مابين ميزان القيم وتلبيس أحمد طه ووقيع الله):" ولما رأت هذه القوى الرجعية أن فكرة الحزب لم تمت بموت صاحبها عمدت إلى تشويهها بافتراءات كُتَّاب لا يرعون لله إلَّاً ولا ذمة أمثال محمد وقيع الله الذى بلغ به الفجور فى الخصومة أن يخون فى النقل من كتاب الأستاذ محمود: الرسالة الثانية من الإسلام حيث وقف فى نقله من سياق الكتاب عند كلمتي "ويكون الله" ولم يواصل فى النقل بعد هاتين الكلمتين مباشرة حيث تتم الفكرة بالقول: "غير انه ليس لله تعالى صورة فيكونها ولا نهاية فيبلغها وانما يصبح حظه من ذلك ان يكون مستمر التكوين". والحقيقة أني وقفت في النقل عند ذلك الحد لأن ما تبقى من النص أخطر وأدهى، ويحتاج إلى معالجة خاصة كانت ستخرجنا إن ولجنا فيها من مسار البحث. ولكن هاهو ذا أحمق من الجمهوريين يجيئ فيتيح لنا فرصة جيدة لعلاج البقية الباقية من نص شيخه الملحد. ما حذف أعظم ودعنا نأتي بالنص جميعه ما أوردناه منه سابقا وما حذفناه: قال الشيخ التالف:" ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية، فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير، ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله، معاوضة لفعله، فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله. وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه " كل يوم هو في شأن" والى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال " تخلقوا باخلاق الله أن ربي على صراط مستقيم" وقد قال تعالى "كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون". (محمود محمد طه، الرسالة الثانية من الإسلام، الخرطوم، الطبعة الثالثة، 1969م، ص 107-108). والفقرة الثانية من النص هي التي كنت قد حذفتها. وواضح أن معنى الفقرة الثانية لا ينفي معنى الأولى. ويتضح عند التدقيق فيه أنه لا يثبت معنى الفقرة الأولى ويؤكده وحسب، وإنما يصعد به إلى أفق أعلى من آفاق التجديف والتزييف. حيث يجيئ بدعوى أخرى تقول بأن الإله نفسه يكون حالة تطور مستمر. وإذن فإن نظرية التطور والترقي لا تنطبق على البشر فقط، وإنما تشمل الله تعالى عما يصفون. معنى كلمة ربانيين وقد استدل التالف محمود بقول الله تعالى:" كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ". ظانا أن معنى كونوا ربانيين أي كونوا أربابا أو آلهة. وهذا جهل منه مريع. إذ لا تعني كلمة ربانيين هذا المعنى العجيب. وإنما تعني كما قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد، أي: حكماء علماء حلماء. وكما قال الحسن وغير واحد: فقهاء ، وكما روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة: يعني أهل عبادة وأهل تقوى. وقيل الربانيون: هم الذين يربون الناس بصغار العلم وهم الدعاة والفقراء (أو الفقرا بالنطق العامي السوداني). وغريب جدا أن الشيخ التالف لم ينتبه وهو في عجلة من أمره لاستغلال هذا الآية الشريفة وتوجيهها لتحقيق مقصده، إلى أن مطلعها ينفي نفيا صريحا هذا المعنى الذي استخرجه منها. قال الله تعالى:( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ). آل عمران:79. وطبعا ليس غريبا ألا ينتبه لذلك أتباعه المندفعون، فهم لا يمكن أن يظنوا بشيخهم مظنة خطأ أو زلل صغير أو كبير. وقبيل استدلاله بالآية على هذا النحو المغلوط ذكر الشيخ التالف محمود حديثا نسبه إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو منه براء. وهو الحديث القائل:" تخلقوا بأخلاق الله أن ربي على صراط مستقيم". وفي تخريجه قال الإمام الحافظ محمد ناصر الدين الألباني: لا أصل له. (كُلّ يومٍ هُوَ في شَأنٍ) وقبيل ذلك استدل التالف ذلك استدلالا خاطئا بقول الله تعالى (كُلّ يومٍ هُوَ في شَأنٍ). ليستنتج منه أن الله تعالى عن ذلك يبقى في حالة تطور وترَقٍّ دائم!! وهو استنتاج أكثر من فاسد، ويكشف عن اعتباطية هذا الشخص في تفسير النصوص بما يخدم هواه. وأما المعنى الصحيح لهذه الآية الكريمة فقد شرحه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما رواه عنه الدرداء، رضي الله عنه أن: من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين. وقد روي عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في قول الله عز وجل: كل يوم هو في شأن قال: يغفر ذنبا ويكشف كربا ويجيب داعيا. وقيل: من شأنه أن يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويرزق ويمنع. وقيل: أراد شأنه في يومي الدنيا والآخرة. وهذا ملخص ما قاله العلماء في تفسير الآية الكريمة وقد حشده الإمام القرطبي في تفسيره. فهي أبعد ما تكون عما خطر بقلب الدجال العابث بالقرآن محمود محمد طه الذي استنتج منها أن الله تعالى في حالة تطور مستمر! وتعالى الله عن ذلك علوا عظيما.