مصطفى عبد العزيز البطل [email protected] من المؤكد أن الاعلامي التنويري الطاهر حسن التوم يرى للدكتور ناصر السيد، الامين العام للحزب الاشتراكي الاسلامي، دوراً في مسار المدافعة السياسية خلال نصف القرن الماضي يستحق الاسترجاع والمدارسة. وإلا لما استضافه في برنامجه التوثيقي الذائع (مراجعات)، على مدى خمس حلقات، تحدث فيها الضيف باستفاضة عن حزمة من أحداث تاريخنا السياسي. بيد أنني لا أدري لماذا تذكرت، وانا اتابع الحوار مع ناصر السيد، الاخوة (البوربون) وقصتهم المستعادة المكرورة عن تكديس الأخطاء واعادة انتاج التاريخ! هناك واقعة حدثت في العام 1985 يبدو ان الدكتور ناصر السيد يرى انها الركن الأساس والمعلم الأبرز في مسار حياته النضالية، ويؤمن إيمان العجائز بأنه حدث تاريخي جدير بالتخليد. ولذلك فإنه ما فتئ يذكر تلك الواقعة بفخر زائد ويستعيدها باستمرار، قولاً وكتابة، عند كل مناسبة تتهيّأ له فيها سانحة الاستعادة والتكرار. تقول رواية الرجل أن العقيد جون قرنق دخل قاعة الاجتماعات، للالتقاء بوفد التجمع الوطني عقب انتفاضة ابريل 1985، وفي معيته الدكتور منصور خالد. وهنا وقف ناصر السيد فأعلن انهيار المفاوضات بين التجمع والحركة الشعبية، ثم خرج من القاعة يتبعه وفد التجمع، تاركين جون قرنق جالساً (في حالة ذهول، وقد وضع رأسه بين يديه)، والى جانبه الدكتور منصور خالد. والسؤال الذي ينتصب هنا هو: طيب، ولماذا؟ الاجابة عند ناصر السيد هي أن منصور من سدنة مايو، وأنه شغل مناصب سياسية في ظل نظامها. ومن هنا كان الموقف الحاسم تجاه المفاوضات مع الحركة الشعبية. يا سلام. يا للمبدئية والصرامة المنهجية والاتساق الخلقي، يا للنضال الوطني على أُصوله! هناك شئ واحد يحيرني في مواقف ودعاوى الدكتور ناصر السيد (النضالية) (المبدئية). وهو أن الرجل نفسه – أعني ناصر السيد – كان قد سعى سعياً حثيثاً للمشاركة في مؤسسات الحكم المايوي، وابتغى أن يكون جزءاً من مايو ونظامها، ونهض في ذلك المسعي نهضةً ما زالت فصولها محفورة في الرؤوس ومسطورة في الطروس. أي والله. كان الدكتور ناصر الدين السيد قد رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب المايوي في بدايات الثمانينات، بعد أن اجيز اسمه ضمن المجازين للترشيح. وفي علم الكافة أن المرشحين لعضوية مجالس الشعب كان يتعين عليهم الحصول على مباركة التنظيم السياسي الشمولي الأوحد عهدذاك. وعندما اندلعت انتفاضة ابريل كانت اللافتات القماشية التي تحمل شعارات (انتخبوا مرشحكم ناصر السيد لعضوية مجلس الشعب)، ما تزال معلقة على الجدران في تقاطعات الشوارع بإحدى الأحياء العريقة بمدينة ام درمان، لم ترثّ بعد! كان الدكتور منصور خالد يعمل في منظمة اليونسكو مقيماً في باريس عندما استولى القوميون والشيوعيون على السلطة عام 1969. وقد سعت اليه السلطة الجديدة في مكانه فابتعثت اليه عن طريق سفارتها ترجوه موافاتها الى الخرطوم، بعد ان رشحه للمشاركة في حكومتها أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني. وعندما حضر الرجل عُرض عليه منصب وزير الشباب. كانت مواكب المساندة الشعبية للنظام الجديد عهدذاك مهيبة، تهتزّ لها أرجاء الخرطوم. لم يسع منصور، وانما سعى اليه الحكام الجدد. لم يطلب، بل طلبت السلطة تأييده ومشاركته، إذ كانت تعلم أن رصيده عند المتعلمين السودانيين بعد سلسلته الشهيرة (حوار مع الصفوة) مما لا يجوز الاستهانة به. أما ناصر السيد فقد سعي وطلب. سعي بيده وظلفه الى موطئ قدم في مؤسسات الحكم المايوي، وطلب موقعاً في برلمانها، بعد ان أجازه التنظيم السياسي الشمولي. وكان ذلك، من عجب، في زمن انحسرت فيه مايو وانكسرت! سُئل منصور ذات يوم: يقال انك من صنائع مايو، فماذا تقول؟ فرد على الفور: "لا. أنا لست من صنائع مايو. أنا من صنّاع مايو". أما ناصر السيد فلا هنا ولا هناك. لا هو من الصنائع، ولا هو من الصنّاع. ولكنه اعترف بمايو وارتضاها، ودخل حلبتها، ومشى في مناكبها، وتاقت نفسه الى شئ من فومها وعدسها وبصلها. لو كنت في مكان الدكتور ناصر السيد لما جئت على سيرة منصور، ولا سيرة مايو، لا بالخير ولا بالشر. لا من قريب ولا من بعيد. هكذا تقضي الحكمة والتفكير الراشد. ولكن من يقنع الديك؟ الوزير عوض الجيد ناقشني صديقي، الاسلاموي، الخبير الاعلامي والمستشار القانوني، الاستاذ أحمد كمال الدين حول ما كتبت في السبدراتيات عن الاستاذ عوض الجيد محمد أحمد، الوزير الأسبق برئاسة الجمهورية. وقد رأيت من باب الانصاف للوزير الأسبق أن أنشر فيما يلي جانباً من ملاحظات أحمد، الذي أكد لى أنه يفهم تماماً أن ما جاء في مقالي لا يعدو ان يكون كتابة ساخرة باسلوب عرفه عني قرائي، وأنني أحمل للاستاذ عوض الجيد ما هو أهل له من التجلة: (دعني أختلف، يا مصطفى، معك، ومع الترابي، ومع منصور خالد، مع التقدير لتجربتهم التي ولدت آراءهم عن، الدكتور حالياً، عوض الجيد محمد أحمد. أولا: انتقاؤك لمنصور مرجعاً لنقد تقويم سبدرات انتقاء مجروح لحبك لمنصور. ثانياً: الترابي مولع بالموهبة اللامعة لا بالذكاء العادي الملتزم أكاديمياً، غير الثائر على رتابة الأكاديمية. لهذا لعله لم يقوّم الجانب الآخر في عوض الجيد. و بهذا نحفظ للدكتور عوض الجيد قدراته في تقديم عمل كالذي قدم، بأي درجة كانت. ثالثاً: تدرب عوض الجيد في مكتب الأستاذ توفيق عبد المجيد (المشهور بال لورد) وهو من المحامين المتطرفين في اختيار من يتدربون معه من المستجدين. عرفته عن قرب لعام كامل في مكتبه. و لم أصل إلى مكتبه إلا بواسطة، و بعد أن تحقق من الواسطة من أشياء. و كان يمدح عوض الجيد، الذي جلست على مكتبه بعد أن أكمل تدربه واستقل بمكتبه. ويشغل عوض الجيد حاليا موقعا استشارياً مرموقاً في دولة قطر، قبل و بعد أن كلل جهوده الأكاديمية بدكتوراه في القانون).