السماني شكر الله الفريق صلاح عبد الله محمد الشهير (بقوش) المولود بديار الشايقية منطقة نوري في العام 1957م نشأ و ترعرع في مدينة بورتسودان كأي طفل عادي درس بمدارسها ومن ثم انتقل إلى جامعة الخرطوم كلية الهندسة و التي قدمته إلى الاتجاه الاسلامي عضواً نشطاً مهتم بجمع المعلومات للتنظيم و كادر أهله ذكائه الثاقب أن يتدرج بسرعة في التنظيم وينال ثقة قيادته التي احتضنته بعد التخرج ليعمل في شركات خاصة بالحركة الإسلامية , وعقب الانتفاضة كان مسؤولاً أمنياً في حزب الجبهة الإسلامية التي انقلبت على نظام الحكم الديمقراطي صبيحة 30/6/1989م وقد شكل هذا الانقلاب فرصة لصلاح قوش و العديد من قيادات الصف الثاني و الثالث في الجبهة الاسلامية لتولي مراكز قيادية في الحكومة الجديدة خاصة أن الجبهة لم تشأ تقديم قيادات الصف الأول محاولة في بداية الأمر تسويق أن الانقلاب قامت به المؤسسة العسكرية و ليس الجبهة الاسلامية و لكنهم دعموا الجيش للحالة الاقتصادية المتردية التي وصلت إليها البلاد وانفراط عقد الأمن في العاصمة و المدن والانتصارات الساحقة لقوات الحركة الشعبية على الجيش السوداني مما استدعى تدخل الجيش في المشهد السياسي. ولج الفريق المهندس صلاح قوش عالم الشهرة من بوابة الأمن و المخابرات و تعرف عليه الشعب السوداني و العالم من حولنا من هذا الباب فبعد أن عمل فيه وتدرج إلى أن أصبح مديراً لجهاز الأمن و المخابرات بعد دمج الجهازين و بسلطات واسعة لم تتوفر للمدراء الذين سبقوه في الجهازين معاً ,وقد ساهمت أحداث (11سبتمبر) و ما تلاها من إعلان الحرب العالمية على الإرهاب (الجماعات الاسلامية المتشددة) في بروز شخصية مدير جهاز الأمن و المخابرات السودانية كلاعب دولي مأثر خاصة إذا علمنا أن في بداية عقد التسعينات توافد على السودان ألاف الإسلاميين الموصفين بالتشدد من مختلف دول العالم خاصة دول الشمال الإفريقي (تونس و الجزائر و مصر) علاوة على احتضان السودان لتنظيم القاعدة و زعيمه الشيخ أسامة بن لادن كمستثمر في الزراعة و الطرق و الجسور مما يعني توفر معلومات ثمينة عن هذه الجماعات لدى أجهزة الأمن و المخابرات السودانية, ولعمري لم تكن الحكومة السودانية تمتلك أي خيار في تبادل هذه المعلومات مع أجهزة المخابرات الغربية و خاصة دائرة المخابرات الأمريكية (CIA) فقد قال الرئيس بوش قولته المشهورة في هذه الحرب من ليس معنا فهو ضدنا, و يحسب كثير من العقلاء للحكومة السودانية بتعاونها الاستخباري هذا أنها جنبت السودان ضربة أمريكية محتملة على قرار ما حدث في أفغانستان و العراق و قد كان الفريق قوش هو رأس الحربة في هذه العملية, التي لا تروق لكثير من منتسبي الحركة الاسلامية السودانية خاصة العامة المتشددين منهم باعتبار أن هذا دعم للكفار و إعانة لهم على إخوانهم المسلمين ولكن رأت الدولة و قيادتها الأمنية أن هذا التعاون جنب البلاد و العباد كارثة كبرى بل هو الأساس في إطالة عمر نظام الانقاذ إلى يومنا هذا فسجل السودان الحافل بالتعاون مع الحركات الاسلامية و تدخله في القرن الإفريقي و محاولته تصدير الثورة الاسلامية إلى دول الجوار كلها جرائم كفيلة في نظر الغرب بجعلة ضمن الدول الراعية للإرهاب و المصدرة له. كل ذلك زاد من مكانة و هيبة الفريق صلاح قوش وقدمه كرجل دولة أكثر منه رجل مخابرات, ولكن هذا لم يروق للكثيرين من نافذي الحزب الحاكم وتحدث الكثير منهم في مجالسه الخاصة عن امبراطورية صلاح الأمنية و المالية و عملوا جاهدين على ازاحته من قيادة جهاز الأمن و المخابرات فكالوا له مختلف الدسائس, وهذا ليس بدعاً من الطبع بل هو طبع غالب في المتنافسين على السلطة في كل المجتمعات و الحقب الزمنية فمصالح الرجال و أهواهم تتحكم بطريقة تفكيرهم و ليس المبادئ و القيم كما يظن البعض فعالم السياسة والأمن البقاء فيه للقوي و المصلحة مقدمة على كل قيمة و مبدأ , استطاع المنافسين إقناع الرئيس البشير بعزل الفريق صلاح قوش من قيادة جهاز الأمن و المخابرات ولكن لم يستطيعوا اقناع الرئيس بإبعاده كلياً عن المشهد الأمني العام فأصدر الرئيس مرسوماً جمهورياً بتعيينه مستشاراً أمنياً له بل أنشأ هذه المستشارية خصيصاً لقوش, وواضح أن قناعات الرئيس و ثقته في الفريق ما كان لها أن تتزعزع بمجرد وشايات ينقلها بعض المقربين من القصر ولكن خروج الفريق من قيادة الجهاز كانت البداية كما يعلم الجميع للصراع المرير الذي خاضه صلاح قوش مع منافسيه و الذي سرعان بدأت ملامح نتيجته تظهر و بلغ مداه بإعفاء الفريق صلاح قوش من جميع مناصبه الأمنية , و قد اعتبر الكثير من المراقبين أن هذا النصر الساحق الذي حققه منافسي قوش عليه سيكون نقطة تحول كبرى في موازين القوى و مراكزها بين قيادات الحزب الحاكم في السودان و أزرعه الأمنية, لم يرمي قوش على ما أعتقد المنديل و ظل قريباً من دوائر القرار متمسكاً بخيط عضويته في البرلمان كنائب في البرلمان و عضويته التي لا ينكرها أحد في المؤتمر الوطني وظل الصراع بين المتنافسين في الخفاء أكبر منه في العلن حتى فوجئنا بنبأ اكتشاف المحاولة الانقلابية الفاشلة و قد كانت الصدمة مدوية للشارع السوداني و لكثير من المراقبين عند اعلان أسماء المتهمين في هذه المحاولة و التي على رأسها اثنين من أهم قيادات النظام الأمنية و العسكرية ( الفريق صلاح قوش و العميد ود ابراهيم) مؤكد أن الكثير من الناس قد صدم بهذا الإعلان و بعضهم عد هذا ضرب من ضروب التمويه و شكك في صدق الاعلان و البعض اعتبرها تدبيراً للتخلص من قوة الرجلين و إلى الأبد .. ولكن بعض الناس صدق الرواية الحكومية و آمن أن المحاولة التخريبية كما سميت حقيقة و ما الذي يمنع ذلك فصلاح قوش بقوة شخصيته القيادية لا يوجد ما يمنع حلمه بقيادة السودان وما الذي يمنع من تحقيق هذا الحلم وكذلك رفيقه الآخر العميد ود ابراهيم وجميع من اتهم معه في هذه المحاولة, و لا يهمني أنا هنا أن كانت المحاولة تخريبية حقيقة أم تكتيكاً اتبعه المنافسين لإقصاء قوش نهائياً عن المشهد السياسي بل و محاولة اقصائه من الحياة بشكل كامل بل الأهم من ذلك هو مدى التأثير الذي أحدث إعلان المحاولة على المؤيدين و المعارضين للنظام و ما يحفره في ذاكرة الشعب السوداني. هلل الكثير من السودانيين على ضفتي الحياة السياسية (المع و الضد) لاعتقال الفريق صلاح قوش و أصحابه وتفنن البعض في سرد الروايات و القصص عن صلاح قوش و بيوت الأشباح و التعذيب, ولكن العاقل من تفكر و تدبر , فخيال الناس واسع و الكلام ليس بفلوس , يحسب للفريق صلاح قوش أنه بنى جهاز أمن مخابرات على درجة عالية من المهنية و التدريب و انه قد جنب البلاد و العباد العقاب الأمريكي المتوقع بعد أحداث 11 سبتمبر و التي بعدها أصبحت الولاياتالمتحدة كالكلب المسعور , ليس من النبل وكرم الأخلاق التشفي في أحد . في الشهور السابقة صدرت أوامر بالعفو عن مدبري المحاولة الانقلابية و خرج الجميع عدا الفريق صلاح قوش و مدير مكتبه و الغريب أن اسمه أيضاً صلاح و هذا يدعم فرضية أن لصلاح قوش منافسين قريبين من النظام لا يريدون حتى تمتعه بالعفو الرئاسي و السبب معروف للقاصي و الداني ,و الآن وقد صدر أمر الافراج عن صلاح قوش بصفة شخصية أولاً ينبغي لنا أن بنارك له أن فك الله أسره وأعاده لحضن أسرته الصغيرة و نأمل يفك الله أسر كل المساجين من بني وطني الطيبين و ليعلم السجان أن أرض السودان واسعة يمكن أن تسع الجميع و أن اختلاف الرؤى لا يفسد للود قضية وليت صاحب هذه الصلاحية ينعم على بقية أسر المعتقلين الآخرين أين ما وجدوا في السودان و يطلق سراحهم عسى و لعل تصيبه منهم دعوة بالخير في هذا الشهر الفضيل و أن تكون هذه الفضيلة بداية للم شمل كل أبناء الوطن من كل جهاته و أعراقه فنحن في أشد الحاجة للوفاق و التوافق شبعنا حروب و مؤامرات و محاولات تخريبية. و الآن وقد خرج الفريق صلاح قوش من سجنه و عاد إلى بيته كان أول تصريحاته أنه مازال عضواً بالمؤتمر الوطني ووفي لمبادئ الحركة الإسلامية و فوقها كمان نائب بالبرلمان و سوف يعود لممارسة دوره فيه, بل سارع المجلس الوطني مرحباً بعودة العضو البرلماني صلاح قوش و أعلنت سامية أحمد محمد أنه لا يوجد مانع قانوني يمنع على قوش ممارسة حقه كعضو في البرلمان , وهذا يعيد العلاقة الحافلة بين صلاح قوش و منافسيه إلى حلبة الصراع من جديد فالرجل بقوة شخصيته أظن أنه حتماً سيحاول استعادة موقعه في دفة القيادة و ان كنت استبعد فرضية الانتقام المهم هنا هو استعادة القيادة التي سلبت و لا يوجد أي مانع أخلاقي أو مهني يحظر على الرجل استعادة هيبته التي سلبت منه , وهذا يعني أننا موعودون في الشهور القليلة القادمة بفواصل من المكر و الدهاء السياسي و التي تفرض علينا مجموعة من الأسئلة التي لا نحتاج للإجابة عنها الآن بل ستجيب عنها الأيام القادمة من قبيل: كيف ستكون طبيعة العلاقة بين من روج لضلوع صلاح قوش في المحاولة التخريبية و حاول جاهداً تسديد الضربة القاضية له في هذه المرة؟؟؟؟؟ وهل سيترك المنافسين شخص بذكاء صلاح و قدراته أن يعمل مرتاحاً حتى يزيلهم من أمامه؟؟؟ و السؤال الكبير ما هي الأيادي الحقيقية التي كانت وراء إطلاق سراح الفريق؟؟؟؟ وهل لما وراء الحدود أي دور في هذه العملية ؟؟؟ و ما هو المستفيد الأكبر من خروج صلاح قوش ومن هو الخاسر الأكبر ؟؟؟ أسئلة كثيرة تدور و ستجيب عنها الأيام القادمات ولكن الذي لا أشك فيه مطلقاً أن النظام كنظام و ليس أفراداً هو الكاسب من هذه العملية أولاً أعاد إليه أحد أكثر أبنائه حنكة ومكراً و ذكاء و هو يعاني من تحرشات معارضيه و تدهور الأوضاع الأمنية في الجوار الإقليمي يجعل الوضع عصيباً على النظام , و قوش هو فتى الأمن القوي بلا شك يمكن أن يكون في تفكيره و تدبيره الخلاص من كثير من المشاكل , كما كسب النظام بعضاً من وقاره الذي أظهر قيادته بالرحمة و الالتزام وأرسل رسالة إلى جميع المنتسبين أن النظام لا يفرط في أبنائه و أن الثورة لا تأكل بنيها وهذا كفيل بزيادة التزام الملتزم ويزيل شك الكثير ممن تردد بعد اعلان المحاولة, و المكسب الكبير ازالة الاحتقان الموجود في أجهزة الدولة الأمنية بسبب اعتقال قوش خاصة و أن هنالك العديد من المحبين للرجل بين أفراد هذه الأجهزة ومن يدينون له بالولاء و البعض يثق في قدراته و اخلاصه للنظام وكامل مشروعة.