محمد الأمين نافع الزعيمان السياسيان والكاتبان والشاعران المتمكنان، السيدان/ شوقي بدري وياسر عرمان، علي علاتهما رجلان لا يستهان بمكانتهما في السياسة والثقافة والأدب، وليسا بأية حال رويبضات أو جرابيع أو جرذان كما يحلو للبعض أن يصفهما أو يصف من يصنع صنيعهما ويقف مواقفهما، حاشا وكلا. لكنهما مثل غيرهما من الساسة وأشباه الساسة باتا أسيرين لمرض تناقض المواقف العضال، شفانا الله وإياهما، الأستاذان بدري وعرمان وكل الشلة الموالية للحركة الشعبية لتحرير السودان سابقاً وتحرير الجنوب حالياً من مليشيات أتور وأجانق وفلان وعلان، مشكلتهم أنهم تعاملوا مع الحركة الشعبية كوكلاء شماليين ينجزون لها أعمالها ويدشنون منشآتها في الشمال ودوائر الشرق الأوسط وشمال افريقيا، واتضح أنهم لم يكونوا مناضلين أصلاء يسعون مع الراحل المقيم قرنق الي بناء السودان الجديد وإعادة طلاء جدرانه بألوان جديدة. أقول هذا بكل هذه الصراحة الأقرب الي الوقاحة لأنني أرى أن المنطق يقول: إن هؤلاء كما بدأوا حياتهم السياسية قبل الالتحاق بالحركة وبعده مناضلين شرفاء في سبيل مبادئ انسانية ووطنية أفنوا زهرة شبابهم من أجلها، كان المفترض أن ينهوها شرفاء كرماء بمجرد تحول الحركة عن الأهداف السودانية المشتركة واتضاح ذلك التحول ووصوله الي درجة التآمر جنوبياً وشمالياً واقليمياً ودولياً علي الشهيد قرنق والتعجيل بإنهاء حياته قبل سريان سمومه الوحدوية والانسانية ورحابة أفقه في مفاصل السودانيين جميعاً ناهيك عن الجنوبيين. كان المفترض أن يرفعوا أصواتهم داوية مرددين: لا لانفصالٍ قد عملنا، بل نحن للسودان الموحد فداء. لكنهم لم يفعلوا، بل ساروا في ركاب التآمر الي نهاية الشوط، ثم تجاوزوه الآن الي بداية الشوط الثاني، أي إنجاز مقاولات ومنشآت الحركة الشعبية التمزيقية في السودان الشمالي تحت زعم إعادة توحيد السودان بعد رحيل الانقاذ، وكأن الدول مجرد قطاطي وخيام شعر نقوضها ونستخف حملها متى نشاء ونعيد بناءها أو نصبها متى وأين وكيف شئنا، عجبي!!!!. بالنسبة للأستاذ/ بدري أبرأ ذمته الانفصالية صارخاً: (نحن قبيل شن قلنا؟)، فذكرنا بأنه كتب كتاباً عن ضرورة وحتمية انفصال الجنوب قبل خمسين سنة، أي قبل ظهور دعوة الطريقة الطيبية المصطفوية الانفصالية المتأخرة بنصف قرنٍ أو يزيد، بمعنى أنه بينما كان الناس مشغولين بعقد الموائد المستديرة والمستطيلة عن قضية الجنوب والتمسك بوحدة السودان، كان هو يدعو الي فصل الجنوب مع أنه يقول إنه جنوبي الهوى والمنشأ والعشق ثم المصاهرة وتخليف الأبناء ذوي الأسماء الجنوبية، ولا أدري ما إذا كان ينوي بعد فصل الجنوب حينها أن يكون شمالياً أمدرمانياً أم جنوبياً ملكالياً، أم سويدياً علي الحياد كما هو الآن، لا له في طور الشمال ولا في طحين الجنوب؟. بيد أن الأستاذ/ شوقي بدري ملول سياسياً وأدبياً ولا يعرف الاستقرار علي حال، فعندما قلبت حكاية الانفصال جداً في جد عند اقتراب الاستفتاء، صرخ يجعر: وا جنوباه، حيث تفوق علي مقولة النحاس باشا الشهيرة: (تقطع يدي ولا يقطع السودان)، بالقول: (تقطع رقبتي ولا يقطع الجنوب)، إلا أنه وقد أيقن الآن برحيل الجنوب الي غير رجعة عاد يسدي النصائح والحكم الكجورية للجنوبيين بما يقتل فرحتهم بالانفصال وينفرهم ويزهدهم في الاستقلال الذي طالما تمناه لهم ودعاهم اليه، ويقول لهم بأغلظ العبارات إن الانفصال أو الاستقلال موش لعب عيال، بل هو ألمي حار مو لعب قعونجة، وأنهم يجب ألا يحسبوا المجد تمراً هم آكلوه، بل لن يبلغوا المجد حتى يلعقوا الصبرا، كما قال الشاعر، تأمل ما قاله لهم بالحرف: (فمشكلة الدول الافريقية جميعاً هو اننا لم نفشل فقط في ان نطور بلادنا , بل أن نحافظ على ما ورثناه , من استقرار و معقولية بعد الاستقلال ). وتأمل هذه النصيحة الغالية بالذات: (الحصول على الاستقلال اسهل من المحافظه عليه وتنميه البلد) ، يالها من نصائح غالية ولكن بعد وقوع فاس الانفصال في الراس، وكأني بشوقي الشيطان الذي دفع الجنوبيين الي الانفصال دفعاً فلما انفصلوا قال لهم إني بريءٌ مما صنعتم من عجل الانفصال!!. ثم تتبع الجنوبيين كالكجوريين منهم ينقب لهم عن مخابئ طلاسم وعقد الفتن والمشاكل واحدةً واحدة بطريقة تجعل من الاستقلال في فم وخياشيم الجنوبيين ملح، ملح، وليس سكر، سكر وحياة عيني وعينيه!. ما هذا يا عمنا؟ تدعو السودانيين شمالاً وجنوباً الي الانفصال والعيش منفصلين علي غرار مبدأ الفصل العنصري "عش منفصلاً ودع غيرك يعيش منفصلاً" ثم تطبق ذلك عملياً في الانفصال عن الجبهة العريضة، ثم تضحك علي الجميع صارخاً: غشيتكم، دقستكم، غشمرتكم؟!!! إنك لو صدقت مع نفسك كما عهدناك لما قعدت الآن تكتب الشعر عن ضياع الأخلاق الامدرمانية ولا تسكب دموع التماسيح ولا النصائح الشاعرية للجنوبيين الذين فرطت فيهم قبل تفريط الطيب مصطفى فيهم بزمانٍ طويل، طويل. للمزيد من مواقف بدري هذه أرجو الاطلاع علي مقاله ( يا أحفاد جانق ...الخ) ومقال ( شوقي بدري ...حبل الكذب قصير) للأستاذ/ شرف الدين الزاكي. الأستاذ عرمان نأتي به هنا كأسطع نموذج للنخبة الشمالية والجنوبية المدمنة للفشل وبالتالي ينسحب كل ما نقوله عنه الي تلك النخب التي أكلت راسنا بالوحدة والسودان الجديد، وزرعت لنا كل أنواع الزعازع والتصدع في أوصال الوطن كراهةً في أخو سيد الدكان، كما يقول الأستاذ/ عبد الله علي ابراهيم، إذ إن الدكان هو السودان وسيد الدكان هو الشعب أما أخو سيد الدكان فهو حكومة الإنقاذ، فكيف بالله عليكم يا بني عرمان وعلمان تبيعون وتجردون الدكان كله وتشعلون فيه عود الثقاب بما فيه ومن فيه نكاية بأخو سيد الدكان الذي استظل في ظل الدكان ذات هجيرةً تقلي الحبة متأسياً بالانقلابيين قبله، مردداً: أحرامٌ علي بلابله الدوح، حلالٌ علي الطير من كل جنس؟!!. ثم تأتوننا متباكين، بعضكم يتساءل حزيناً، (أي جوازٍ سيحمل عبد الفضيل الماظ)؟ وبعضكم يطالب بنقل رفاة ضحايا أحداث توريت 1955م، أما كنتم في غنى عن هذه الجرسة والتوجع والتفجع في غير الأوان لو حافظتم علي السودان موحداً؟ أما كنتم في غنىً عن هذه الألغاز والورطات القانونية والدبلوماسية وهذا الحرج والهرج والمرج والجوطة شمالاً وجنوباً لو اكتفى كلٌّ منكم بقول الخير أو الصمت وصم الخشم بدل الكحة والتقيؤ بسموم الانفصال والتحريض عليه؟؟؟. أما كان الأجدر بعرمان مثلاً أن يدشن حملة الاستتاء تحت شعار بيتي الشعر العربيين القديمين يخاطب بهما الجنوب والشمال؟ حيث يقول الأول: ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ،،، يمينك فانظر أيَّ كفٍّ تبدَّل؟ ويقول الآخر: دعوت علي سعدٍ فلما فقدته ،،، وجربت أقواماً بكيت علي سعد؟ بدلاً من التباكي علي الأطلال والبحث عن وطن لألماظ ورفاة الضحايا والشهداء علي أنقاض الوطن الذي أضاعه بتحفيز من انفصل بمنح الجوائز برفع العقوبات وغيرها من الحوافز وتهديد من تبقى موحداً متماسكاً بفرض المزيد من العقوبات والتدخلات الخارجية هدماً وتفتيتاً للسودان المتبقي (الفضل)؟، عن أي وطنٍ لعبد اللطيف وصحبه أو لرفات الضحايا تتحدثون وأنتم تُعمِلون معاول الهدم والتقويض في مفاصل وعرى السودان صباح مساء؟ إن ما حدث الآن هو من نوع (التسوِّي بإيدك يغلب أجاويدك) (والتسوي كريت في القرض تلقا في جلدا)، فهنيئاً لكم جميعاً يا نخب الشمال والجنوب المدمنة للفشل بما صدتم من زادٍ جنته أيديكم.