محمد الأمين نافع حديث الكؤوس، لا شك، ذو شجون وفنون وجنون، فهناك كأس ابن كلثوم التي شربها في دمشق وبعلبك وقاصرين وقبلها في الأندرين، وكأس شوقي وابن هاني التي حفها الحبب، ثم ابريق أبي ماضي الذي انتهره قائلاً: أيها الإبريق مالك والصلف *** فلا أنت من بلورٍ ولا أنت من صدف. كما يمر مجرى حديث الكأس بكأس عادل الباز الفرعية المقامة علي هامش كأس العالم في جنوب افريقيا كنشاط مصاحب، والتي هدد بتفجيرها في الجو علي رؤوس الندماء مستعرضاً بها مشاهدي المباريات في طلعات جوية بهلوانية نالت دهشة وإعجاب المشاهدين وربما تكون قد أثارت لدى فئات بعينها الحنق والهلع معاً من وقوع المحظور، ثم ينتقل الحديث انتقالاً سلساً لابد منه الي الكؤوس الكروية الاقليمية والدولية، القارية والعابرة للقارات، والتي لم يسمع أحد من بينها بكأسٍ للأمم العربية، اللهم إلا كاسة مية تبل الريق في صحراء افريقيا الكبرى والربع الخالي. وربما يكمن السر في ذلك في نظرة منظرينا القوميين بأن العرب أمة وأرومة واحدة وليسوا أمماً كأمم برج بابل التي يتحدث كلٌّ منها بلسان، ويغني بلسان كما يقول عمنا/ أكلاب معبراً عن حالته اللغوية المزدوجة، كما أن البعض يضيف الي التعدد في لسان الغناء التعدد في الرقص علي ذلك الغناء، حسب عاداته وابتداعاته في الرقص، فهناك من يهز الرأس أو أصابع القدمين طرباً لأغنية، بينما يعبر آخر عن طربه لذات الأغنية بالصفير والتلوِّي كأفعى الأمزون، وآخر وآخر....والخ. ومع هذا الإصرار علي النفي القاطع لعدم وجود أكثر من أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة كما يزعم الزاعمون نجد الكؤوس العربية مدوِّرة تتطاير "متبحلقة في الهواء" مرسلةً السهام الي قلوب بعضها البعض في أية مناسبة كروية تجمعها، كما أن التنافس في كل شيء وعلي كل شيء، بطولياً كان أو باطلاً أو متبطلاً يظل قائماً في العوالم العربية، زنقة، زنقة، شارع، شارع، بيت، بيت، كما يقول القذافي. والطريف والغريب في أمر هذا التنافس الذي لا يعرف الشرف، أن يتنافس فيه المتنافسون حتى علي البطالة السافرة، ناهيك عن المقنَّعة. وضمن مهرجانات صراع الديكة وتناطح الخرفان العربية هذي تأتي في هذا الموسم معركة الترشح لمنصب النسب والحسب والبطولة والشرف، منصب المناصب وكأس الكؤوس العربية، منصب الأمين العام للجامعة العربية. الأمير مؤخراً الأستاذ/ مصطفى بن عبد العزيز البطيلان، و"المعروف لدينا" في السودان بمصطفى عبد العزيز البطل، مجرداً من ألقاب الإمارة والسمو الملكي وسائر الحقوق الملكية والعسكرية، بل وحتى حقوق المكوكية السودانية، اللهم إلا إذا كانت البحوث الجينية الحديثة “very recent” قد دلت علي أنه ربما كان سليل إحدى الأسر النوبية المالكة في العصور الغابرة التي أعقبت الطوفان بقليل، أو بعد استقرار الحمامة والغراب علي الأرض وتعلمهما المشي بأيام معدودة. هذا الأمير أو مدَّعي الإمارة، حتى إشعار آخر، بذل مؤخراً جهوداً علمية ودينية وسايكولوجية وفيزولوجية مكثفة حتي يثبت أهليته لمنافسة مواطنه السوداني، ابن مدينته وساكن حارته، الدكتور/ مصطفى عثمان اسماعيل أشهر وزراء خارجية الإنقاذ علي منصب الأمين العام للجامعة العربية. وفي هذه المنافسة غير المتكافئة لا بينه وبين نظيره السوداني ولا بينهما مجتمعَين وبين عتاولة المرشحين من العرب النشامى الأقحاح لهذا المنصب "الأشرف مِ الشرف"، استمات الرجل كل الاستماتة في الانتساب الي والاحتساب علي هذا الشرف السامي الرفيع الذي تراق علي جوانبه الدماء غزيرةً دفاقة من المحيط الي الخليج وتقطع في سبيله الأعناق والأرزاق. ومن الاستماتة في سبيل الظفر بشيء أن تخلط الحق الصراح بالباطل الصريح وأن تغش لبن الحقيقة أو لا تغسل ماعونه مثل سليمة بائعة اللبن فتزكم رائحة الغش الأنوف، وأي أنوفٍ تزكم؟؟؟ الأنوف العربية الشماء الصحيحة المارن والأنوف العبرية المدببة بغية غرز قرون استشعارها الطويلة في مسامات الجلد العربي المتجعد الجاف والمترامي الأطراف، وأخيراً أنوفنا التي أنفت منها الأنوف وانصرفت عنها الأنظار، وإحقاقاً للحق الذي لا نبتغي سواه لابد لنا أولاً من توجيه الطعون التالية علي ترشيح مرشحنا المدعي بطولة هذه المنافسة، ثم التعريج علي مواطنه الذي رشح نفسه ضده في دائرة السودان، ثم تقديم مذكرة اعتراض قانوني عاجلة تعترض علي جواز ترشيح السوادنة لهذا المنصب من أصله، والقطع لهم بأن لا يحدثوا أنفسهم ولا تحدثهم أنفسهم بالحلم بتسنُّم هذا المنصب ولا تنسُّم هوائه خالص، خالص. أولى الاعتراضات علي البطل ينصب علي إصراره عن علمٍ وتعمُّد علي نفي عروبة منافسه لتسجيل نقطة لصالحه بحجب المعلومات الصحيحة عن منافسه وإحلال معلومات خاطئة محلها لتحقيق مصلحة ظاهرة، ألا وهي عدم أهلية المنافس الند لخوض هذه المنافسة وبالتالي استبعاده عن حلبة المنافسة بشكل كلي ونهائي، بينما المشهور عن المنافس المستهدف والذي هو الدكتور/ اسماعيل أنه من قبيلة عربية قح تسمى الشويحات، وصحيح قد تكون هذه القبيلة العربية قد تعرضت بالمساكنة والمسكنة وتقادم الزمن لتشويحات "حسب النطق النوبي لكلمة تشوُّهات" في بنية وتقاطيع الجسم وربما في اللسان أخذت منها اسمها هذا. أرجو أن تكون اللغة القانونية والفقهية والتاريخية هنا صحيحة. ثاني الاعتراضات أيضاً علي إصرار البطل علي الترشح والدخول في حزازات وتدافعات بالمناكب مع مواطنه الحميم لمنصب وضع نفسه ومنافسه معاً في سلة عدم الأهلية له، ألا وهي سلة براءة المتنافسين السودانيين جميعاً "عاملين علي باطلين" من الدم العربي والخلو من كولستروله براءة الذئب من دم ابن يعقوب. إذن لماذا هذا الإصرار علي هذا الباطل الذي لن يستطيع البطل بضجيجه وعجيجه أن يجعل منه حقاً يقوم مقام الحجة، أليست هذه إذاً معركة في غير معترك، أليست معركة باطلين ومتبطلين، لا أبطال مثل سمو الأمير البطل. ثالث الاعتراضات نوجهها لادعاء البطل كل البطولات لنفسه وتجريد المنافسين له منها، مثل أنه كاتب مشهور علي مستوى العالم وأنه حتى الإغريق قد وضعوه في مصاف فلاسفتهم المشهورين، بينما منافسه لا يملك من ذلك كله من قطمير. وهذا ادعاء باطل قائم علي باطل، حيث بالغاً ما بلغت الكتابة والنبوغ فيها فلن ترفع صاحبها الي مقام الإمارة والرفعة والسمو، بينما البطولة المدغمسة يمكن أن ترفع صاحبها الي أعلى عليين، والكاتب نفسه ذكر أشخاصاً لا حظ لهم لافي بطولة السيف ولا في بطولة القلم، باستثناء الدكتور/ غازي صلاح الدين، قفزت أسهم حظوظهم الي أعلى المناصب وأوثر الكراسي، لذلك نرى أن حجته في الأهلية للمنصب بناءاً علي هذه الحجة وحسب منطقه، نقطة لصالح منافسه وخصم من رصيده البطولي في المنافسة، فالنبوغ في الكتابة واستظهار القرآن الكريم والإنجيل والعلم وحتى الجمع بين الماء والنار ليس من مؤهلات تبوؤ مناصب هذا العصر، لذا هذه الحجة يمكن للبطل أن يبلَّها ويبل بها ريقه الذي جففه الصياح في المنادة علي نفسه في المزاد العربي العام في السوق العربي والشعبي والافرنجي والميناء البري والبحري والجوي، وليعلم أن الباز ليس به جنون عظمة مثل البطل حتى يصف له شرب محاية عقده مع صحيفته دواءاً أو غذاءاً. وبمناسبة المؤهلات هذه يمكن أن يرشح البطل نفسه في بطولات منصبية ونسبية وحسبية أخرى كالإفتاء الشرعي مثلاً لعموم الأمم والديار العربية، لأنه أظهر طاقات استظهار عالية للنصوص من الكتاب والسنة والقياس والإجماع وكل القواعد الفقهية، إذ لم يظهر في مقاله الذي دشن به حملته الانتخابية أو الترشيحية للمنصب المذكور أي أثر لاستحضار النصوص من الذاكرة الالكترونية التي تسير بمحركات الديزل، أقصد قوقل، بل استحضرها، بسم الله، مشاء الله، من الذاكرة العضوية رأساً وتواً. وإن لم يتيسر له الإفتاء في دار العروبة فليتجه "غرباً باتجاه الشرق" فيرشح نفسه مفتياً لجميع الملل والنحل الامريكية التي يجيد لغاتها ويعيش ويحيى عاداتها كل يوم وكل ساعة وكل فجر، كما يقول الأبنودي. هناك المزيد من الاعتراضات ولكن دعوني أتوقف بكم عند هذا الحد مستغفراً لي ولمن اعترضت عليه ومن لف لفه، مع أمنياتي له بالتوفيق الي ما يصبو اليه رغم العتاب والاعتراض، إذ في النهاية كل الكلام كلام جرايد وكل "الأحداث" مانشيتات كما يقول الصحفيون الحكوميون منهم والمستقلون. أنتقل بكم الي الحديث الحذر والخالي من الهذر والهظار عن الدكتور/ مصطفى عثمان اسماعيل، فقط، لا غير، وذلك لأن الحديث هنا ليس ذا شجون فحسب، بل ذا مطبات ومسالك ومنحدرات وعرة وحادة، لتعلقه بشخصية رسمية تشغل منصباً رسمياً ذا حصانة محلية واقليمية ودولية يحسب لها كل حساب، فضلاً عن ترشيح سعادته ترشيحاً جاداً لمنصب اقليمي رفيع له حسابات في البنوك والصناديق الدولية، فترشيحه ليس مثل ترشيح أو ترشُّح الأمير/ البطيلان مجرد ترشّح لشخص كل مؤهلاته امتلاك لابتوب وقلم سيال وذاكرة حادة ليس لسبب ذاتي استثنائي، إنما لخلوها من كولسترول الهموم السياسية والرسمية التي تنوء بمنافسه مصطفى الآخر. وبمناسبة اتخاذ الحيطة والحذر في الحديث عن اسماعيل وحكومته تحضرني حدوتة مصرية عن صعيدي ركب الترماي الشوقبدراوي، أو ربما يكون من بتوع الأتوبيس بتاع عادل إمام، لا أدري علي وجه الدقة، وضع راكب رجله علي رجله أثناء رحلة المركبة، ومع أن الزحام وتزاحم الكتوف والأرجل أمر عادي في مصر عموماً والقاهرة بالذات، إلا أن الصعيدي ذهب في تفسير تمادي الرجل في وضع رجله علي رجله الي الاعتقاد بأن ذلك ربما يعود الي تمتع الرجل بمزية أو سلطة حكومية تخوله ذلك أو علي الأقل لا تسمح بالاعتراض عليه، ولكن طول الرحلة واستمرار "الوضعية غير المنطقية" لرجل الرجل اضطرت الصعيدي الي التوكل علي الحي الدائم وتوجيه السؤال الي صاحب الرِّجل مباشرة عما إذا كان يعمل في الحكومة؟ فأجابه الرجل أن لا، فسأله الصعيدي عن تفاصيل وأسئلة فرعية أخرى بغية التثبت الكامل من حقيقة عدم وجود أية صلة للرجل بالحكومة، وعندما ثبت لديه عدم ترتب أية تبعات علي حديثه انتفش الصعيدي علي القاهري وردَّ عليه بروح الحمش الصعيدي: "طب وليش حاطط رجلش علي رجلي؟" انتهى حديث الصعيدي، فلنعد الي صاحبنا الاسماعيلي، مصطفى اسماعيل، هذا الرجل بالطبع يستحق هذا المنصب وأكبر منه دولياً واقليمياً بشرط، ألا وهو أن يكون منصباً لخدمة الأمة أو الأمم العربية لوجه الله والعروبة، لا لعبة من لعبات وألاعيب كؤوس الأمم أو الأندية العربية، نحن في غنىً عن التمرغ في تراب وطين ميادينها وزيادة طينها بللاً علي بلل. أيضاً من المعلوم بالضرورة أن هناك اتفاق جنتلمان عربي فصيح بأن هذا المنصب هو عطية المزين العربية التي تتنازل عنها عن طيب خاطر كل الدول العربية الصحيحة النسب والمعتلة، الكبرى والصغرى لمصر أخت بلادنا نحن بالذات، فلماذا ننازع الحق أهله، خاصةً وأن المقرَّ بالنسبة لنا علي مرمى حجر، أو فركة كعب علي رأي المصريين. من هنا يجب أن نعلم بأن حلمنا بالترشح لهذا المنصب لا أساس له من الوجاهة ولا موقع له في إعراب كتب الأعاريب، وأن اعتراضنا علي المرشح المصري/ مصطفى الفقي، يا للهول واللهو، هو إيه حكاية الاصطفائية المصطفوية لأسماء المرشحين لهذا المنصب؟، إن اعتراضنا هذا علي الشخص، لا علي مصر الدولة والصولة وأخيراً الثورة. ولا يعني هذا بحال أننا في حالة عدم الاستجابة لاعتراضنا وفرض الفقي بقرار عربي ومباركة امريكية وسكوت اسرائيلي وتواطؤ بريطاني فرنسي، سوف نضرب بهذا الموروث العربي في توارث هذا المنصب عرض حائط المبكى العربي ونعلن عن مرشحنا البلدي البديل، لا وألف لا، لن يحدث ذلك أبداً، ولن تؤتى المواريث والتركات العربية من قبلنا "إتلاغاً". وهذا الخوف والهلع من خرق العادات العربية الحميدة والتقاليد الشرقية الشرفية والتشريفية الشريفة هو الذي يجعلنا نقود بدورنا حملة مضادة لحملة الهنادوة في الأهرام الجديدة نؤيد فيها مرشح الأهرام القديمة، مرشح المصاروة، ولو علي الصفحات الداخلية لصحيفة "الأحداث" السودانية.