الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سُودانياتٌ قبلَ قرار ٍبقابل ِالأوْطاَن-مَنْ يُرّشح لجامعة العرب؟
نشر في سودانيزاونلاين يوم 18 - 05 - 2011


"سوف يأتي"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني*
الجمعة: 13 مايو 2011
"للكّعبة ربٌ يحميها"، قال المُطّلب جد المصطفي لأبرهة وجحافله، وفيله منتفخ الأوداج حولها، قبل أن تبيدهم "طَيْرَاً أبَابِيل". طالب الشيخ الحكيم بإبله. أفما يُسَّلم الجمع في جامعة العرب المولودة عام 1945 بحق أقلياتهم القائمة لنيل إبلها منذ وُجدت المنطقة قبل آلاف السنين ؟! حقهم في حكم أقاليمهم كياناتٍ تختص تحديث حياتهم؛ تنمية مجتمعاتهم؛ إنهاض إقتصادهم؛ إعلاء ثقافاتهم؛ وتوقير كرامة إنسانهم؟
لمعالجة هذه القضايا المصيرية، ينبغي للأمين العام للجامعة العربية أن ينهض، قائدا مهموما بالأقليات السياسية والثقافية والدينية وقومياتها المحرومة في المنطقة العربية، مدافعا عن حقوقها، متبنيا أفكارها، ناطقا معاناتها، ملتزما إصلاح حياتها، حريصا علي إرضائها. فهذا يا صاحبي أغلي ما يجني مجاهدٌ في حياته إن إدّعي رعية؛ إذاك يشمخ بهم شخصه، سفيرا فوق كل عادةٍ لكل دول المنطقة، لا حافظا لإجتماعات مجالسها ودورات لجانها، إن قنع بالمنصب الرفيع لا غير، صفوة ً في أيدي حكامها.
مجموعاتٍ متلاطمة
لا يساورن شكٌ أحدا، أن المنافسة الجارية بين أعضاء الجامعة العربية لملْ منصب الأمين العام تحمل صراعاً لا يخفي؛ يزداد حدةً عمّا يجري عادة ً في المنظمات الإقليمية والدولية الشبيهة لأسباب بعضها استاتيكي، لا يتزحزح؛ وبعضها ديناميكي، تحركه تجربة تصقلها حكمة، "ومن يُؤتَ الحِكْمَة فقدْ أُوتِي خَيرَاً كثِيرَاَ" (البقرة: 269). وللتنافس علي المنصب في حالة الجامعة العربية أبعادٌ تتميز بإختلافٍ لا يقل مسافة عن تركيبة المنطقة العربية المعقدة، التي تنتشر علي شمال إفريقيا وصحاريها الكبري، متداخلة في إمتداد جغرافي إستراتيجي الأهمية من النواحي الإقتصادية والأمنية، متأقلمة. تخترق في اضطراب هائل مشاريع "العولمة" في القارة الآسيوية وبلدان شبه الجزيرة ومنحني هلالها الخصيب.
علي رأس الأبعاد، إتصاف النظام السياسي لدول التعاون العربي الآسيوية بالممالك والإمارات، حين تشكّلت في الدول العربية الإفريقية وبلدان الشام جمهوريات يحكمها رؤساءٌ من عامة الشعب. تتبدي من إختلاف الأوصاف تناقضات تنموية إجتماعية وسكانية واضحة بين مجموعاتٍ ثلاث: في أكبر مجموعةٍ، يطغي علي عرب إفريقيا تزاوج سكاني عميقٌ مضي قرونا طويلة في القارة الأم مع أهاليها الأصليين الذين لم ينقطع نضالهم يوما لحكم أنفسهم بأنفسهم، برغم ما أُفضّت إليه جموعهم وقومياتهم التليدة إلي أقلياتٍ سياسية وثقافية مهمشة عواملٌ سياسيةٌ وإقتصادية جشعة، خارجية وداخلية علي حد السواء.
علي النقيض في تالي جمع، قلما تمازج عرب الخليج بحجم سكاني كبير مع المغتربة القادمين من خارج مجتمعاتهم. سائحين في أرض الرّب ما أفلحوا بعد في كسر حواجز التمييز الإجتماعي العنيد بينهم وبين الأهالي. العين علي مالهم، والقلب علي أوطانهم. أما عرب الشام، أقل العربان عددا وأكثرهم تحزبا، فقد تبلورت مع الأزمان إشكالاتهم السياسية هوياتٍ مزدحمة، ما قلل منها قطميرا تفوقٌ بالنفط، ولم يزدها التنظيم الحديث إلا حِرابا بوقع القبائل وموقع العقائد.
منطق العنجهة
في مستويً آخر من التحليل، يعاني عرب آسيا مثل الأفارقة والشوام هموما مزمنة من قومياتٍ لم يتسع صدر الدولة لنزعاتها الذاتية للإستقلال بثقافاتها، تمثل بعضها فرض الدولة عليه. وانطلق بعضها بفروضه، يناضل لحكم نفسه بنفسه. في القائمة حالات مختلفة الوضع: الأكراد في العراق وسوريا، الفلسطينيين في إسرائيل والأردن ولبنان، الأمازيق في الجزائر والمغرب، الأقباط والنوبيين في مصر، الموريتانيين غير البربر الحاكمة في موريتانيا، وأغلبية عُظمي من السودانيين أهل الأصول و الثقافات غير العربية في كل أنحاء القطر - مثالا، لا حصرا.
شأن موسيقي العرب الرتيبة، بلغ تكاثر الترديد والترجيع في تعامل سلطات العرب مع مطالب الأقليات القوية شأوا بعيدا، دون حسم ٍعادل لحقوقهم الإنسانية والقومية، أو تطوير سياسي-معرفي لمعزوفة نضالاتهم في أوبرالية وطنية متجانسة، رائعة الإيقاع والتنغيم. ولن تنتظم علاقات شعبٍ بحكومة تتخذ بإستبداد السلطة والمال من قمع الشعوب مهنة. لا حِسّ لها. تمسك عنهم ما تقتنص منهم، وترسل الجندرمة - مجندين من أبنآئهم لضربهم. "ألا سَآء ما يَحكُمُون".
من الإختلافات الظاهرة تركز مذهب الشيعة في الشام ومجتمعاتٍ عربية آسيوية أخري، وتمسك عرب إفريقيا بالسُنّة ومذاهبها منهاجا. سكانيا، يمثل الأفارقة الأهالي والعربان أغلبية في المنطقة العربية بأكملها. مع تنوع البيئة في طول المنطقة وعرضها، وما تتحكم فيه من إنتاج وعمالةٍ ومنتجات، نري في عالم العرب اليوم إنطواءا مُدلّهما، يسير علي تناقض يتقعر بنيته الإجتماعية والثقافية، ثم ينفتح أيا كان، بلا ميعاد، علي اختلافاتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ عميقة، ترتدي حُلل العصبية القديمة إمتداداتٍ معاصرة، لكأنما الجِّن بشرا منها، يسكنون الصحراء، كما زعمت قبل الإسلام أساطيرهم.
صرف عالم الإجتماع السياسي المفكر المصري سعد الدين إبراهيم، مؤسس مركز إبن خلدون للدراسات الإنمائية، جهدا كبيرا في رسالته العلمية لدراسة الأقليات في العالم العربي، وكرّس الوقت الطويل يلاحق أحوالهم ويرفع من تحت الركام حقوقهم المكبوتة، حتي إنه ليُفتي بأقوي منطق ٍصدقيةَ متينة لا تعاين إرضاء سلطةٍ أو سخط ملة: قَابِل المنطقة العربية وسلامها واقعٌ لا محالة في أيدي أقلياتها المضطهدة، لا في سلطة جمهرةٍ متحكمة – بَحَثَ ناشط الحقوق. وجدَ. كتبَ. وأعلن، حين أحجم بُحاث وكُتاب ومُعلنون.
إنقسام مستمر
منذ تأسيسها في أربعينيات القرن الماضي، تواصل التنافس والصراع في علاقات القوة واتخاذ قراراتها بين مجلس عرب آسيا الصاعدة ومجالس عرب إفريقيا القائدة في الجامعة العربية. قاسي الأمين العام شاذلي القليبي آثار إنقسام العرب علي أنفسهم بعد إتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر مؤسسة الجامعة، وكُبْرَي دولها في القارتين؛ ثم نقل الجامعة العربية لتونس؛ وتصاعُد الجفوة والعداوة بالإعلام والصحافة ردحا مُريعا. ثم عاني خليفته الناصح الأمين عمرو موسي الأمّرين من إنقسام دول الجامعة علي كتلها الجيويوليتيكية والأيديولوجية بعد حرب الخليج التي استولي العراق بها علي الكويت بالغزو العسكري المباشر، إلي أن استعادت الشقيقة دولتها.
سيجد خليفة عمرو في تربيزة الأمانة ملفاتٍ يشيب من هولها الولدان، لعل أشدها تجذرا وأطولها عمرا صراعات الأقليات السياسية مع مراكز السلطة في معظم الدول العربية. أما أخطرها خُسرا فمشاركة دول الخليج بالمال والعتاد والإعلام و"العون الإنساني" غزو الناتو الجماهيرية "العربية" الليبية "الشقيقة"، غزوا مباشرا لا ريبة فيه ولا دبلوماسية ولا جامعة عربية أو أكاديمية. أعان بدو الخليج مع الفرنجة علي صُنع فصل من العداء الفاجر بين بدو الليبيين. أشعلوا حربا أهلية لا يعلم إلا الله في أي قرنٍ يقفل التاريخ صفحتها.
"وأخيرا القمة العربية"! مقال لهذا الكاتب (3 ابريل 2006) نشر بالإنجليزية في سودان تربيون، علقنا فيه علي تناول الجامعة العربية في قمة ملوكها ورؤسائها لبحث حالة شعوبهم ودولهم ما أصدروا من توصيات وقرارات في عام 2006.
نعرج بإختصار شديد لما ورد في ذلك المقال. نراه وقد شهدنا بحمد الله مشهدا متكررا في قمم تالية أن البيان الختامي نسخة جاهزة للإمضاء، فالملوك والرؤساء يعزفون عن التصريح. يكتفون بالتلميح في كافة قضايا الأقليات السكانية في المنطقة العربية، ولو كانت بيت القصيد لحل أزمات الأكراد والفلسطينيين والسودانيين الدارفوريين والجنوبيين وشيعة الشام وأهل السُنة المحاطين بإيران، وغيرهم من أهل المنطقة. كذا لم يتغير موقف العرب إلي عامنا هذا (2011) عما كان عليه حالهم عام 2006 بما يدعو للتعليق، فما يُعنينا مصلحة الأقليات.
رحّبت قمة 2006 بإقتراح مصري لعقد جلسة تشاورية ما بين إنعقاد لقاءات القمة العادية (الأهرام، القاهرة: 30 مارس 2006). قلنا: سوف تتيح الجلسات المقترحة على الأرجح أعمال المتابعة والتنسيق السياسي على مستوى عال؛ إلا أن هذه الجلسات قد تجهض بدورها الحوار أو الرؤية العربية بقراراتٍ "جاهزة الصنع"!
دارفور في قمة عربية
ضمن بيان القمة: "ندعو كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية للعمل على إعادة الأمن والإستقرار في السودان ... ندعو كافة الأطراف السودانية المشاركة في محادثات السلام حول دارفور لمضاعفة جهودها للتوصل إلى اتفاق شامل ونهائي لحل أزمة دارفور". كانت تلك مناشدة القمة العربية في "إعلان الخرطوم" الصادر في العاصمة السودانية 29 مارس 2006.
ولقد عبّرت القمة عن عواطف جياشة "تضامناً مع الوحدة العربية" في مواجهة "الغزو الخارجي". كانت العواطف "جعجعة بغير طحين". أخفقت القمة، بحضور خمسة فقط من رؤساء الدول، في إلزام الدول المشاركة بقرارات واضحة لتسوية الخلاف مع المجتمع المدني ومجموعات المعارضة حول دمقرطة أنظمة الحكم، وإنجاز التعهدات الاقليمية والدولية تجاه المرأة والأقليات الإثنية والدينية، وغيرها من الجماعات المضطهدة.
تكشف نظرة خاطفة للتركيبة السياسية لدارفور عن التأثير السياسي-الديني لحزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي في المنطقة منذ الحقبة الاستعمارية وصولاً للأزمنة الحاضرة. هذان الحزبان، بجانب المجموعات المكافحة الأخرى بما فيها الحزب الفيدرالي، العديد من الروابط والاتحادات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، مجموعات التمرد الدارفورية حديثة النشأة، الفصيل المعارض في الجبهة القومية الإسلامية "حزب المؤتمر الشعبي"، وبضع مجموعات بدوية وزراعية أخرى تشكّل الغالبية الساحقة لسكان دارفور، وهي أغلبية لا يمكن لأية تسوية للأزمة في دارفور أن تتجاوزها بأي شكل من الأشكال.
"الأطراف الدولية والاقليمية المهتمة" و"الأطراف السودانية المشاركة"، تحديداً حكومة السودان، جرت مخاطبتها بواسطة القمة. جرى إقصاء معظم هذه القوي المعارضة من كافة عمليات صنع القرار، بما فيها مفاوضات السلام الهامة بين الحكومة المركزية ومناطق الجنوب، ودارفور، وشرق السودان، برغم ما يعنيه الإقصاء من إلحاق الضرر البالغ بالوطن.
إستراتيجيات القوى الخارجية لعملية السلام أكدت على إنجاز ترتيبات قصيرة المدى لهيكل الحكم على أساس إتفاقيات وقف إطلاق النار. أخطأت الإستراتيجيات في تقدير الإستجابات الوطنية وردود الفعل السالبة المتوقعة على المدى الطويل. وبالتجاهل الشديد للحقائق الهامة في الساحة السودانية، بشكل ٍلا داعي له، أخطأ الرعاة الدوليون لعملية السلام في البلاد، بما فيهم الولايات المتحدة، الإتحاد الأوروبي، الإيقاد، والإتحاد الإفريقي في تقدير الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه المعارضة السودانية في مفاوضات السلام (الشمالية-الجنوبية) التي خلصت إلى اتفاق حصري أُسموه إتفاقا للسلام "الشامل" في يناير 2005.
سارت القمة العربية على ذات النهج، متجاهلة طبيعة الأزمة، والحاجة لضمان مشاركةٍ سودانيةٍ واسعةٍ في السعي الراهن لسلام دائم، وإستقرار سياسي في البلاد.
معارضة قوية
نحو ما جرى التعبير عنه أمام إجتماعات القمة الإفريقية في الخرطوم، واجه إجتماع القمة العربية في العاصمة السودانية معارضة قويّة من منظمات حقوق الإنسان والديمقراطية العديدة، إحتجاجا على ترؤس حكومة الجبهة القومية الإسلامية [المؤتمر الوطني] القمعية لإجتماعات القمة، وهي الحكومة التي يتجاهل رئيسها الأجندة الوطنية الأكثر إلحاحاً لتحقيق المصالحة الوطنية بتسوية الصراعات في دارفور وشرق السودان، وقف أعمال الارهاب الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في مواجهة المجتمع المدني، التصالح مع مجموعات المعارضة، وتسليم المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية للمحاكمة الدولية، إلخ.
تماماً كما كان متوقعاً، إنتهزت حكومة الوحدة الوطنية التي تسيطر عليها الجبهة الفرصة لإحتكار عملية صنع القرار الوطني، في تعاون وثيق مع الإتحاد الإفريقي والجامعة العربية، في كل الأجندة الوطنية الحسّاسة التي تتطلب شرعا،ً أوسع إجماع وطني (أزمة دارفور، أزمة شرق السودان، أزمة السياسة الخارجية مع مجلس الأمن الدولي، أزمة المحكمة الجنائية الدولية، وأزمة الحكم الإنتقالي في السودان عامة). ما قال به مراقبون عديدون داخل البلاد وخارجها، إن مسلك الجبهة الحاكمة يواصل إضعاف دور حكومة جنوب السودان، إضافة إلى الإقصاء العنيد للمعارضة الشمالية في ما يتعلق بدارفور وشئون البلاد الأخرى.
بصرف النظر عن التأييد "الرسمي" الذي خلعه الإتحاد الإفريقي/القمة العربية على حكام الجبهة، فإن التحديات المتقّدة التي لا تنطفيء جذوتها للقوى والحركات الديمقراطية السودانية في مواجهة مليشيات الجبهة وأجهزتها الأمنية، وخططها الاقتصادية غير المقبولة، بما فيها صفقات النفط المثيرة للتساؤل والفساد المالي، ومواجهاتها المتصاعدة مع المجتمع الدولي وهيئاته، عزلت النظام الحاكم في الساحات الوطنية والدولية، وتسبّب أذى بالغاً لوضع السلام ووحدة البلاد.
دعا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1556 (2004) حكومة السودان، تطلعاً إلى تطبيق فعّال لاتفاق نيفاشا وسودان موّحد وسلمي يعمل في تناغم مع كافة الدول الأخرى لتنمية السودان، إلى "تسهيل وصول العون الإنساني الدولي؛ دفع تحقيق مستقل في تنسيق مع الأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان؛ تسهيل عمل المراقبين حسب إتفاق إنجمينا لوقف اطلاق النار؛ التعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان؛ إنجاز إتفاق سياسي دون إبطاء؛ الوفاء بإلتزاماتها الخاصة بنزع سلاح مليشيات الجنجويد؛ وإلقاء القبض على قادتهم وتقديمهم للعدالة بجانب الذين تعاونوا معهم".
عوضاً عن ممارسة الضغوط على نظام الجبهة لحمله على إبداء إلتزام مسئول لتطبيق هذه التعهدات الدولية، قررت القمة العربية منح جائزة تشجيعية على "الإدارة الواعية لأعمال القمة... بالحكمة والخبرة المشهود لها بالكفاءة والتجديد... للرئيس عمر البشير والذي سيشهد العمل العربي المشترك في ظل رئاسته المزيد من الانجازات والتطوير لما فيه خير الأمة العربية"!
وبعموميةٍ تتجنب الإشارة إلى الحاجة لتوجيه دعوة مباشرة للمعارضة السودانية للمشاركة مع الطرفين المتفاوضين في محادثات السلام الجارية بين معارضة دارفور والحكومة، في الوقت الذي تقدم فيه الجامعة "دعماً عربياً لقوات الإتحاد الافريقي" لم يتم الإفصاح حينها عن نوعه، أهدر الإعلان العربي - بشكل ٍغير خافٍ - عنصراً أساسياً لضمان حلول مستحقة للأزمة السياسية في الدولة السودانية، بشكل عام، وإقليم دارفور، بشكل خاص. ولهذا، قصرت هذه الاستراتيجيات عن تقديم تسويةٍ فاعلةٍ للأزمة المستفحلة تحظى بدعم المعارضة والحكومة والخارج.
حاجة الجامعة لأقليات قائدة
أختم قولي بالصّلاة مُتمما، أيا ربِّي صلي وبارك وسّلما، علي المصطفي، وآله، وصحبه، أهل الصفا. ما أحلي تقرُب الصوفية السامية في منطقتنا بخشوعها وتقواها لإلهنا الأعلي، وحبها لنبيه الأحمدا وأشقائه المرسلين والأنبياء. وما أبعدها عن هذا المعترك الدامي بالمظالم والمغانم، والإضرار بالقوميات المسالمة، وإجبارها علي القتال، ومواصلة إبادتها كما تفعل سلطة الإنقلابيين الإسلاميين دون نجاح يُذكر في محاولة إخضاعها.
تعود إتفاقية السلام السودانية 1988 بأصلها الصوفي العميق إلي سودانية الفطرة، وحق الأقلية، ومقاومة تجبر السلطة. فما أبعد المنطقة وشعوبها العربية وقومياتها الأهلية من هُواة البطش ومحترفي الإستبداد في الداخل والخارج، ومُضِّي المركز العابث في تفتيت أقاليمها لإحكام السيطرة الخائبة علي مصالحها والتلهي بإحباط آمالها.
وغداً يومٌ جديد.
*الأيام: متابعات مايو 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.