• في البدء حسبت الوصول لهذه البلاد البعيدة مستحيلا ولكن ولله الحمد والشكر مثنى وثلاثة وبفضل الخطوط القطرية يسر وسهل فبعد رحلة استغرقت أكثر من 18 ساعة طيران وصلنا لمدينة جراندفالي في الشمال الامريكي هطلت دموعي وانا احتضن أبنتي الساكنة تلك المنافي المعروف صقيعها حينما يكسو النبات والجماد بالثوب الابيض ناصع البياض جاءت فقط لأجل التحصيل العلمي النوعي ولم التقيها لأكثر من سنتين فهدهدتني لاكف البكاء فاليوم " فرحتها وغدا فرحتي بها " خرجنا من المطار بعد افادة بضياع حقيبتي والتي وصلتني معززة مكرمة وباعتزار ممهور لخطأ فني ساقها لاحدى مدن او للريف الامريكي فاذا بامطار غزيرة تتدفق وكأن السماء تكرم وفادتي فمرة اخرى اطلقت العنان لدموعي وللتفاؤل ان يسكن بدواخلي وحديث ما انقطع منذ وصولي سأحدثكم قرائي الاعزاء بشيء منه. • لم يكن من بدء إلا الذهاب لاقرب متجر وفي طريقنا أشرقت الشمس دون إستيذان إن هذا وقت الفجر أم المساء وهي تمدد ألسنتها الذهبية لتتواري مرة اخرى خلف السحب في حراكها شرقا غربا لتعود وهكذا فدخلنا للمول فاذا المدينة كلها هناك تلكم صبايا يتقافزنا تلك تشتري فستانها واخرى تقيس حذاء وأخرين يتشاورون حول باقات الورود المعدة للخريجين وهناك في ركن الهدايا وكروت التهاني مشترين وذاك طفل يرسم أخته في روب التخرج وهكذا .. قلت لابنتي نحن فقدنا شنطتنا فمال هؤلاء قالت لا تستعجلي أمي فالمساء لناظره قريب. • وقبل الموعد بوقت كاف كنا في الحرم الجامعي جاء د.محمود صالح عميد السودانيين بولاية متشيجان وجاءت من مدينة هورد التي تبعد اكثر من ساعتين " مدام سوزن وزوجها مستر باين " الاسرة الامريكية التي احتضنت ابنتي خلال خطواتها الاولى في هذه الديار ودون مقابل مالي او " شمارات وحديث القيل والقال " الذي اقتطع وقتا ثمينا من رزنامة اهلنا الطيبين ولم نتمكن إلا من كراسي الطوابق العليا للساحة الارضية المخصصة للخريجين اللذين دخلوا بدقة متناهية وبحسب التخصص تحية للعلم الامريكي وبعد كلمة الرئيس الشرفي ومدير الجامعة بدأ اعلان اسماء الخريجين ليتعالى تصفيق الاسر والاصدقاء والمتابعين لعلامات البهجة التي يسجلها كل متخرج على شاشات العرض الضخمة المنصوبة باركان المسرح تتييح للجميع المتابعة الدقيقة. • مع انتهاء المراسيم الرسمية عجت ساحة الجامعة بالخريجين واساتذتهم والحائزين على درجات علمية رفيعة لكنهم في تواضع العلماء سواسيا مع العامة في سينفونية مشحونة بالفرح العفوي تصفيق وصفير ورقص وتصوير بمشاركة الاباء والامهات وكبار السن بكامل اناقتهم إتكاءة على العصي او الكراسي المتحركة فالمدينة وما جاورها وكأنها في عرس ومهرجان وطني مطاعم المدينة كانت هي الاخرى في كامل العدد وبقوائم طعام اعد خصيصا لهذا اليوم يدخلها الخريجين باروابهم فيحيهم روادها واصحابها ويلتقطوا معهم الصور التذكارية . • في طريقنا للسكن كان المارة يقفون خصيصا ليقدموا التهاني ومن سياراتهم يلوحون بابتسامات عريضة وتعليقات عفوية احدى السيدات استاذنتنا للانتظار فدلفت لحديقة منزلها لتأتي بغصن وردة حمراء وكان المتخرجة أبنتها أو تربطنا بها صلة قربة فلم اتمالك حبس دموعي ما هذه الاريحية التي تقف تقديرا للعلم والمتعلم .. قد يقول البعض ان مراسم الاحتفال بالخريجين لا تختلف كثيرا ولكن المختلف حقا المشاركة المجتمعية وهي دليل ناصع لتقدير وتشجيع المتعلمين والمعلمين ففي قطر مثلا والتي رحلت لها اكثر من جامعة عالمية جاءت بمنهجها وطرق تدريسها ولكن ومع الاسف الشديد لم تستطيع ان تنقل لنا كمجتمعات الاحتفاء بالمتعلم والوقوف على حصاد ابحاثه ودراسته ومثابرته للتميز وإن تم ذلك فهو في الحدود الضيقة التي لا تغادر مرابع الاقربين . • في ذات التوقيت اتابع الصحف القطرية التي نقلت حفلات التخرج لافرع ذات ولكن دون أي نبض فرح إنداح للمدينة واهلها وساكنيها .. وكأن الناس في بلادنا فقدوا الحس الانساني بوهج العلم وقدسيته واغلقوا ابوابهم وشبابيكهم لكي لا تدخل اليها نسائم ربيع السعادة بالانجازات العلمية والتقدير لمن قطفوا غصن من شجرة التعليم الذي تجاهد سمو الشيخة موزا بنت ناصر لتغرسه وتوطنه بدولة قطر.. بارك الله جهدها ومبروك لكل من حصد علما ..
عواطف عبداللطيف awatifderar [email protected] اعلامية مقيمة بقطر همسة : بكتاب التخرج وضعت نجوم مقابل بعض الاسماء .. هي درجات شرف للفت الانظار لمن يصلحوا لسلك التدريس لتدوير المعرفة وبداية تقدير لسلك التعليم وللمعلم .. وللحديث بقية .