*( كيف السبيل إلى الرضا وتجنب الشكوى في بلاد فيها النفوس تحترق تحت رق؟..) - أديب إسحاق - .. قبل سنوات كنت في زيارة أكاديمية في ألمانيا، في إحدى الجلسات عرّفوني على شخص وقالوا لي: إنه شقيق المستشار شرويدر، سألته ماذا يشتغل، قال إني عاطل عن العمل، قلت له: شقيق مستشار وعاطل عن العمل؟ قال: لو ساعدني أخي في الحصول على عمل، ربما يكلفه ذلك موقعه، لأنهم سيتهمونه باستغلال موقعه لمنافع شخصية. في بلادنا العكس تماما ً، إذا لم يضمن المسؤول وبالذات إذا كان (كوز) رصيدا ً له ولنسل نسله، يكيفهم خمسة قرون، سيتهمونه بأنه لم يستغل موقعه أحسن استغلال. في إحدى الدول، والخبر لا يزال ساخنا ً، اضطرت زوجة رئيس الوزراء لتشتغل راقصة، لتحسن دخل الأسرة، والرقص عندهم ليس نقيصة، وعندنا لم يكن نقيصة، فالرقص كان منذ أقدم العصور مرتبطا ً بالطقوس المقدسة حصرا ً لأن الرقص حالة توحد بالمطلق، وامتزاج باللامتناهي لكن في ظل دولة المشروع الخلبي المكنى ب ( الحضاري) تم تسطيح كل شيء. كان الشاعر والرئيس السنغالي الأسبق ليبور سينغور يقول: كانت أمي حين تفرح بي فرحة كبيرة، لا تضمني أو تقبلني، بل كانت ترقص وكأنها في حالة عبادة. في ظل دولة الكيزان، لا تضطر الواحدة منهن لترقص كي تحسن دخل زوجها هي توصله إلى الموقع، وهو يحصل المال.!! شخصية اليوم.. ونستون تشرشل: .. يعتبر تشرشل من أهم زعماء الإنجليز وأظرفهم فهو المؤلف والخطيب اللامع الذي ألهب مشاعر الإنجليز وجعلهم يصمدون في وجه هجمات الطائرات النازية الجهنمية، ومن ثم أصبح بطل الحرب وواحدا ً ممن حققوا النصر على النازية. ومع ذلك خسر الانتخابات بعد الحرب لأن لا شيء أزليا ً، ولكل فرد طلقته، ولا بد أن يستهلكها ويأتي غيره.. كان تشرشل حكيما ً. هو الذي قال: نهندس المدينة ثم تهندسنا. أي نرتب المكان ثم يفرض سلطته علينا ويؤقلمنا ( سلطة المكان). وهو أول مَنْ رفع الإصبعين السبابة والوسطى شارة للنصر. مع أن الوسطى لها مهام أخرى. وهو الذي قال لسائقه مرة: لا تسرع لأني مستعجل. لأنه لو أسرع فقد لا يصل إلا لمقبرة احمد شرفي. كان تشرشل يلح إلى درجة التوسل على روزفلت للدخول في الحرب إلى جانب الحلفاء، وكان روزفلت يماطل. كانت الإدارة الأمريكية تريد الدخول في الحرب لكن متأخرة، أي بعد أن تكون تلك الدول قد أنهكت وتدخل بكامل طاقتها وتقطف ثمار النصر وتتحكم بالشروط وبالحصص من كعكة النصر. بينما الشعب الأمريكي كان يرفض الحرب لأنه رأى ويلاتها وما حل بالشعوب. علمت المخابرات الأمريكية من زميلتها البريطانية بنية الطيران الياباني لمهاجمة القوات الأمريكية في بيرل هاربر. لكنها لم تحرك ساكنا ً. كان بالامكان التصدي لليابانيين وتقليل الخسائر حتى العشر. لكنهم جعلوا اليابانيين ينزلون أفدح الخسائر بالقوات الأمريكية، وهنا هب الشعب الأمريكي كله مطالبا ً بدخول الحرب والثأر من اليابانيين. وهذا ما سعى إليه روزفلت وإدارته. ( تماما ً كما حصل في تفجيرات سبتمبر) هذه هي العقلية الأمريكية. دخلت أمريكا الحرب بكامل طاقمها، وأنهتها بقنابل هيروشيما وناجازاكي. حتى احتفالات النصر ومحاكمات نورمبيرغ كانت على الطريقة الهوليودية، وظهرت كأنها منقذة الحلفاء.. نعود لتشرشل: ذات مرة كان في الحمام وكان يتمرن على خطاب، فسمعته زوجته فنادته: هل تكلمني؟ قال لها: إني أكلم مجلس العموم. ومرة صب جام غضبه على مجلس العموم وقال: إن نصف أعضاء مجلس العموم لصوص. فقامت القيامة ولم تقعد، والكل بما فيهم الملكة طالبوه بالاعتذار. فاعتذر وقال: إن نصف أعضاء مجلس العموم ليسوا لصوصا ً.. من تراث كيزان الباسيفيكي: هذه قصة رواها شخصيا ً أحد رحالة القرن الخامس عشر، قال: حططت رحالي مرة في إحدى جزر الباسيفيكي فوجدت فيها أرضا ً طيبة غنية وطبيعة خلابة، فقررت أن أقضي فيها بعض الوقت، ريثما تأتي سفينة تقلني إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح، حيث لم تكن قناة السويس قد حفرت. في تلك الأثناء انتشرت في الجزيرة السرقات والصفقات والتعديات على المال العام باسم الدين بشكل رهيب وعم الفقر رغم كثرة الخيرات، وفرضت الضرائب والزكاة، بكل الأشكال والألوان لتعويض السرقات، وكلما لاحت فرصة لتغيير بعض الوزراء والولاة، علا صراخهم وتوسلاتهم، بأن يبقوهم ريثما يستكملون خططهم، لأنهم لم يأخذوا وقتهم الكافي لتنفيذها. وكلما انتقدهم واحد من كتّاب الجزيرة، أسكتوه تحت أسباب لا علاقة لها بالموضوع، وسنوا له قانون للنشر والمطبوعات، واتهموه بأنه يشوش على عملهم ويفقد إنجازاتهم بريقها، ولا يرى إلا النصف الفارغ من الكأس مع أنهم أخذوا حتى الكأس. ساءت الأمور كثيرا ً وكشفت الرعية خططهم الحقيقية وصارت مرعوبة من أن يكملوا خططهم، وفي إحدى الوزارات السيادية كان هناك اجتماع عام مع الوالي وأركانه، فوجد البعض فرصته لطرح أفكاره، لعل خروجا ً من القمقم الذي يعيشون فيه، فطرح هذا البعض على الوالي المطلب التالي: يا سيادة الوالي: لقد تنازلنا عن كل مطالبنا التي اعتدناها، لم يعد يهمنا إصلاح الوزارة ولا غيره، لكن نطلب شيئا ً واحدا ً فقط: وهو أن يسن قانون يقطع يد السارق. أطرق الوالي مليا ً وقال : هذا أمر ممكن لكن أعطونا مهلة لنقيم دورات مكثفة لي وللكثير من زملائي الولاة والوزراء ولمعاونينا ولمديرينا، كي نتمكن من التوقيع باليد اليسرى.