لعبة غبية وساذجة ومكشوفة، تلك التي تحاولها الحركة الشعبية في قطاعها الشمالي، الذي بات يتيماً يتذوق مرارة تخلي أمه التي ولدته من رحمها عنه، وإلقائها له على قارعة الطريق أو في مكب النفايات السياسي. تتمثل هذه اللعبة الغبية الساذجة، في تصريحات قيادات القطاع الشمالي عقار والحلو عرمان التي ملأوا بها الأرض ضجيجاً هذه الأيام، فهم يتحدثون عن تمديد الفترة الانتقالية لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، ويدعون لاستمرار هذه الفترة ووضع ترتيبات جديدة، خاصة ما يتعلق بالأمور الأمنية والعسكرية، ويبررون ذلك بخصوصية هاتين المنطقتين بالرغم من تبعيتهما للشمال واختصاصهما بالمشورة الشعبية. والغرض من هذه الجلبة والضجة، أن مالك عقار وعبد العزيز الحلو، يمثلان بوجودهما في النيل الأزرق وجنوب كردفان بجيشيهما التابعين للجيش الشعبي منذ 2005م وضعاً شاذاً وانتهاكاً صريحاً للاتفاقية والبروتكول الخاص بالترتيبات الأمنية والعسكرية، ونسبة لظروف التغافل والتساهل من المؤتمر الوطني والحكومة الاتحادية تم غض الطرف عن وجود الجيش الشعبي في جنوب كردفان وقوامه أبناء النوبة وقوات الجيش الشعبي التابعة لمالك عقار في النيل الأزرق. ولم تطبق على هذه القوات في المنطقتين ما جاء في البروتكول، إما أن تذهب جنوباً أو وراء الخط الحدودي 1/1/1956م، أو يتم تطبيق عمليات الدمج والتسريح وفق برنامج DDR، ولم ترغب الحركة الشعبية الأم ولا وكلاؤها في النيل الأزرق وجنوب كردفان في أيٍ من هذين الخيارين، وبقيت القوات موجودة وتمارس نشاطها وتحركاتها وانتهاكاتها بشكل صريح وعلني لا يتفق مع الاتفاقية ولا مع مقتضى الحال، بعد اختيار الجنوب الانفصال. والطبيعي أن تقوم القوات المسلحة التي أعلنت أنها تمهل قوات الجيش الشعبي في المنطقتين أسبوعاً للذهاب إلى الجنوب أو تصفية وجودها في الشمال تماماً، بوضع ترتيباتها للتعامل مع وضع هذه القوات وطردها شر طردة من جنوب كردفان والنيل الأزرق، واستعادة المناطق التي تسيطر عليها، وهي ليست بأقل من أبيي مثل كاودا وجلد بجنوب كردفان والكرمك وقيسان في النيل الأزرق. هذا الوجود للجيش الشعبي غير شرعي ويتناقض مع سيادة الدولة على أراضيها، وفيه استفزاز كبير للقوات المسلحة، ولن يقبل بهذا الوضع أحد في الشمال بعد الآن، فهذه قوات عميلة تتبع لدولة أخرى، فمن أراد البقاء في الشمال في المنطقة التي ينتمي إليها، فإما أن يدمج أو يسرح، وإيجاد ترتيبات أخرى تضمن له وسيلة كسب عيش وسط المجتمع. وكل لعبة عقار والحلو وعرمان أنهم بدون هذا الجيش سيكونون بلا أنياب وأظافر، ويخافون يوماً تشخص فيه الأبصار مثل يوم أبيي وإنه لقريب ... وقريب جداً! شهداء المسيرية نظم أبناء قبيلة المسيرية بولاية الخرطوم عصر أمس لقاءً حاشداً لتأبين شهدائهم في معارك أبيي الأخيرة التي تمت استعادتها وطرد الجيش الشعبي والحركة الشعبية منها، وذلك بساحة أرض المعارض ببري، حيث كانوا يتلقون العزاء، وينظمون مهرجاناً خطابياً كبيراً وخطيراً. أطياف السودان المختلفة في شماله من قبائل ومجموعات سكانية وأصقاع وجهات، كانت حاضرة أمس بجانب القوى السياسية وكبار المسؤولين في الدولة وعدد من الوزراء.. ومشاعر الفرح بالسيطرة على أبيي كانت طاغية، برغم مناسبته المحددة وهي العزاء وذكر الشهداء وسيرتهم وما قدموه لوطنهم وأرضهم وحقوقهم. عدد كبير من المتحدثين والشعراء اعتلوا منصة الخطابة، أجمعوا على شيء واحد هو أن أبيي شمالية ولا مراء في ذلك ولا جدال، وأنه لا تراجع عنها أبداً ولا انسحاب، مع التأكيد على أن العلاقة بين دينكا نقوك المسيرية هي علاقة تاريخية قديمة حاولت الحركة الشعبية إفسادها وتمزيقها، وكان أول المتحدثين الأمير إسماعيل يوسف أحد أبرز زعماء وقيادات المسيرية، الذي أكد أن أبيي لا تهاون ولا تساهل ولا مساومة فيها. لكن أكثر ما لفت الحضور وأثار دهشتهم، الطريقة الصريحة والشجاعة والقوية التي تحدث بها زكريا أتيم أبرز قيادات أبيي من دينكا نقوك، الذي تحدث عن تاريخ العلاقة بين القبيلتين وتطوراتها ومتانة الصلة بينهما، والعيش المشترك الذي كان. ونفى أن يكون للقبيلة دور في ما حدث، وقال ما حدث في كل قضية أبيي بسبب الحركة الشعبية التي تعمل ضد مصالح المسيرية ودينكا نقوك، ولو ترك الأمر للقبيلتين لأمكن التوصل إلى اتفاق، ولن تنفصل القبيلتان أبداً سواء أكانت أبيي شمالية أو جنوبية. وتحدثت رموز من المسيرية، حسن صباحي نائب الدائرة في المجلس الوطني الذي دعا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لترك القبيلتين للاتفاق على حل بينهما، وقال إن ما تم في لاهاي تسوية بين شريكي الحكم، وكشف عن بعض تفاصيل ما دار في الاجتماع بين وفد القبيلة ووفد مجلس الأمن الدولي. حسين حمدي الأمين العام للقطاع الغربي وجه رسائل للحركة ودينكا نقوك والمجتمع الدولي وأهل السودان قاطبة. والوالي السابق سلمان سليمان الصافي تحدث حديث العارف بالمنطقة وعددها شبراً شبراً، وقال إنهم باسم قبائل التماس يقفون مع المسيرية ويدافعون عن أرض شمالية، والمسيرية ليسوا وحدهم. الفريق أول شرطة الطيب عبد الرحمن مختار، طرح أسئلة عديدة عن كيفية إدخال أبيي في مفاوضات نيفاشا وهي أرض شمالية؟ وقال سنكشف عن أسرار ذلك في الوقت المناسب. الفريق مهدي بابو نمر تحدث بلغة رفيعة وبليغة، وقال إن الفرح الأكبر سيكون يوم 9 يوليو القادم عندما يبسط فرسان المسيرية سيطرتهم على أرضهم حتى قبر أبو نفيسة جنوب بحر العرب عند حدود 1/1/1956م. وتحدث الدكتور عيسى بشرى وزير العلوم والتقانة حديثاً شاملاً، وقال إن ما حدث في أبيي ليس هجوماً فقط، بل هو حلقة من سلسلة محاولات لتمدد الحركة شمالاً، وهاجم الجيش الشعبي ووفد مجلس الأمن الدولي، وقال إنه لا توجد جهة محايدة في هذا الصراع، وقال لسنا دعاة حرب. أما البروف إبراهيم أحمد عمر مستشار رئيس الجمهورية فقد تحدث بحماس دافق وشعور قوي طغى على نبرات صوته، مشيداً بالمسيرية وشجاعتهم وكرمهم واستضافتهم منذ تاريخ بعيد لدينكا نقوك، ودفاعهم عن الأرض والعرض وحماية ثغرة مهمة من ثغرات البلاد. وأكد أن سياسة الحكومة تقوم على أربع كلمات، وهي أن أبيي شمالية وآمنة ومستقرة وستغشاها التنمية بإذن الله، ودعا إلى قيم جديدة وعلاقة تقوم على التعايش القبلي، وشنَّ هجوماً عنيفاً على أعداء السودان والمجتمع الدولي الذي يكيد بعضه للبلاد ويعمل على زعزعة الاستقرار بها، وجدد تأكيدات الرئيس بأن أبيي شمالية، وألا تخرج القوات المسلحة منها إلا باتفاق بين المسيرية ودينكا نقوك، فلا نكوص ولا تراجع ولا خذلان بل ثبات ثبات.