لماذا نزحوا إلى شمال السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياحة فكرية
نشر في سودانيزاونلاين يوم 29 - 05 - 2011


سُودانياتٌ قبلَ قرار ٍبقابل ِالأوْطاَن
"طريق الثورة للأحرار"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
السبت: 28 مايو 2011
متفكرين في مشاريع الإصلاح والتغيير الإجتماعي في إقتصاديات المجتمع وشؤونه السياسية والثقافية، أصدر كُتابٌ مؤلفاتٍ هامة تناولت أوضاع المسلمين الفكرية في الوقت الحاضر من منظور إدراكهم العميق للإسلام العظيم، ورؤاهم الفلسفية والأيديولوجية الموصولة به ما بلغوا، إعتمادا علي إجتهادهم المعرفي بأصوله الشرعية، مذاهب فقهه، وطرق ممارسته.
نعرض في هذا الأسبوع شيئا من عطائهم الرصين؛ نستطلع بعض ما شدّ فكر الغرب لآرائهم، وما ينأي به الرأي في أكثر من جانبٍ بين العالمين: عالم الغرب الديمقراطي، وعالم المسلمين الروحاني. لا نري من جانبنا حُكما مطلقا علي أي منهما: في الغرب روحانية تجفو، وفي الشرق مادية تطفو. نعالج الفرق بنسبيةٍ قد تبدو وسطا، راجين أن يحفطنا الرب من ناكثيه عهدا، وفي مستودع الرأي آيه الحكيم: "إنّمَا يَبلُوكُمُ اللهُ بِه، وَلَيُبّيٍنّنّ لَكُم يَِِِِِوْمَ القِيَامَةِ مَا كُنتُم فِيهِ تَخَتلِفُون" [النحل: 92].
مساهمات ملهمة
عام 2001، أصدرت برنتس هول لعالم إجتماع المعرفة Irving M. Zeitlin مؤلفه الموسوم: الأيديولوجية وتطور النظريات الإجتماعية. إستعرض فيه أشهر أفكار الغرب منذ صدور نظرية مونتسكيو في القرن الثامن عشر في مفهوم القوانين. وبلغ حسن الختام بعرض نظريات علم المعرفة بمساهمة المفكر الألماني كارل مانهايم في منتصف القرن العشرين حول الفكر المحافظ، والأيديولوجية، واليتوبيا، ووضع المثقفين ودورهم في تغيير المجتمع.
يشرح مانهايم نظريته بإبتداع المفاهيم، عدة النظرية وسبيلها للبنآء: "الأيديولوجية في مفهومها تشمل تحديد أفكار المعارضين وفق الموقف من ناحية، مع عدم إدراكها بأن فكرها الخاص يتنفذه الموقف الذي تجد نفسها عليه في نفس الآن. هذا ما يُطلّق عليه "الصياغة الخاصة" للمفهوم الكلي للأيديولوجية. أما "الصياغة العامة" فتُطّبق عندما يكون للفرد الشجاعة لوضع كل وجهات النظر في التحليل، بما فيها وجهة نظره، ليس وجهة نظر الخصم فحسب. فإذا وضع الصيغة العامة للمفهوم الكلي في إستقصاءٍ يُجري بغير تقييم – أي بعدم تقييم إنطوآء الأفكار علي الحق أو البطلان - كإن الحاصل علم إجتماع المعرفة" (387).
نلخص ناتجاً مفيداَ لتنظير المفكر مانهايم في كلمتين: "إن مَنْ يدرس سؤالا إجتماعيا أو تاريخيا معينا، ولو كان مقصده من البحث موضوعيا بحتا، عليه أن يعي الحقيقة التي كشف عنها علم إجتماع المعرفة: كل وجهات النظر، بما فيها وجهة نظر الدارس نفسه، متحيزة وآحادية". فأين الموضوعية إذاً؟
يقول مفكر علم إجتماع المعرفة: "آحادية أفكارنا يهُّب أمامها ما يعارضها. فتُستحضر ربما مواقع فكرية متصارعة بالفعل، وتكمل بعضها بعضا". يعلق زايتلن هنا بأن "معرفتنا واستطاعتنا التوصل للحقيقة تدفع بها افتراضا الحقيقة عينها: الفرد يستعمل تشكيلة من وجهات النظر. يدرس من خلالها ظاهرة معينة. فيدفع بها إكتشاف الأسس الإجتماعية وجهات نظر مختلفة" (ما قبله).
يأتي زايتلن علي نقد للإدراك الشائع لفكرة مانهايم في "لا إنتمائية المثقفين لأي طبقة إجتماعية معينة"، مشيرا إلي أن هذا التوصيف قديم نسبيا في أفكار مانهايم. ولكن زايتلن يري في ذلك الفهم "تفسيرا مُخلا لآراء المفكر. فرأي مانهايم في الإنتلجنسيا أنها لا تمثل طبقة إجتماعية [مثل العمال أو المزارعين أو التجارٍ]. لأنه ليست لأفرادها مصالح مشتركة، وليس بإمكانهم أن يكونوا حزبا خاصا بهم، وأخيرا، هم غير قادرين علي إتيان الفعل المتميز بالعمومية والإنسجام. إنهم، في الحقيقة، ضغمائيين، ينتمون لطبقة أو أخري؛ ولكنهم لا يخاطبوا ذاتيتهم أبدا" (388).
معرفة الشرق
الشرق كما نراه مهبط الوحي ومنبع الحكمة وأسرار الروحانية النورانية. ومع تمتع الشرق بفكر الغرب، وما أسهم به من أفكار عقلانية، وتأملات فلسفية، وكشوف علمانية، نجد الغرب محروما لمدي بعيد من التمتع بمساهمات الشرق القديم منها والمعاصر، لضعف الترجمة والتبادل الثقافي، وتعمق علاقات التسلط السياسي والتغول الإستعماري الذي لا تزال آثاره قوية بالتفوق الإقتصادي وتقنية الحرب، مما يضعف من كل محاولات اليونسكو ومنظمات الحقوق والديمقراطية في كل أنحاء العالم لإشاعة أخلاقيات التعامل المتساوي بين الدول والمجتمعات.
لأهل الشرق، والسودانيون في قلب جغرافيتهم السياسية تاريخا وحاضرا وقابلا، مرجعيتهم الخاصة بهم، وإن أفنوا العمر حياة وتعلما في الغرب، والطبع يغلب التطبع. أديان الشرق، وبداواته، وأسره الممتدة، وقيم تكافله العرقي والإثني، وعراقة ثقافاته هي مكونات عقله، ووجدانه الواعي. وهي فطرته ومصدر مجادلاته "وكان الإنسانُ أكثرَ شّئ جَدَلا" [الكهف] في محكم التنزيل. فالفرق بين العالمين في رأينا ليس موضوع تخلفٍ أو تقدم علي الإطلاق. ولكنه واقع اختلافٍ معقدٍ، تكوينا ومعرفة. سواءا بسواء.
لمن عاش في الشرق وأحسن التعرف علي كنه مجتمعاته مرتكزا ومنطلقا، ومن قضي في الغرب زمنا أتاح له تفهم طباعه وأنماط حياته نقاط إتفاق معدودة، دوائر فراق غير محدودة. وطالما تعلق لقآؤنا اليوم يا صاحبي في التعرف علي فهم أساطين المعرفة في الغرب للمفهوم الكلي للأيديولوجية، ودور الإنتلجنسيا في صناعتها وتسخيرها، وعلاقتها بالطبقة الإجتماعية، يظهر لنا علي الفور فرقان أساسيان بين تعامل العالمين الفكري:
ولعُ الغرب بفردية الإنسان، وتمسكه بخصوصيته، في مقابل قوام الشرق بقيمه الإجتماعية وتعلقه بإجماعها العملي. هذه واحدة. والثانية، إنصياع الشرق لروحانياته وهيمنتها الكلية التي يصعب حقا تخطي سلطانها علي وجدان إنسانه؛ ونحن نخاطب هنا إنسانه الحر وجماهيره المستقلة عن تبعية السلطة - ولا نقول أبدا حكوماته أو هيئاتها السلطوية. فهذه جماعات مسخة التفكير مطموسة الأداء؛ - فقاعاتٌ يطالع الدارس في وجودها المتسطح زبداَ، "يًذْهَبُ جُفآءَا".
ديمقراطية سودانية
نأخذ من أفكار مانهايم مدخلا نقارن به مواقف لمفكرين مسلمين في قضايا مجتمعنا الذي تحفل ثقافاته في عهوده الديمقراطية خاصة بمسائل الفكر والأدب الشيقة، في خدمة الإصلاح والتغيير الإجتماعي. عهودٌ شهدت في ظل الإزدهار الثقافي بأجواء الحرية والديمقراطية، علي قصر عمرها المقتول ثلاث مرات بأيدي الجندرمة منذ الإستقلال، إستضافة أول مؤتمر لحقوق الإنسان العربي عام 1986 باكورة حكومة الإنتفاضة الجماهيرية المنتخبة.
فتحت حكومة الصادق المهدي لمؤتمر حقوق العرب السليبة أبواب الخرطوم يغترف نشطاؤه ومفكروه من كرم جماهير شعبنا وحسها الراقي بحقوق السودانيين وسائر الشعوب، بعد أن أوصدت كل الدول العربية أبوابها، وأحكمت إغلاق نوافذها، دون إستضافة مؤتمر الدفاع الحقوقي العليم عن إنسانها العربي المكلوم. فلمَنْ لم يتعلم بعد أن يحترم سبق السودانيين عالم الشرق بالإنتفاضات الجماهيرية والثورات الشعبية في القرون القديمة وعهود الحداثة، أن يعلم كيف أن السودانيين نافسوا الغرب بحكوماتهم الديمقراطية في تعاطف السلطة الرسمية مع حركة المجتمع الطوعية ماقبل إستقلال السودان في يناير 1956.
كان في مقدمة زعامات المؤتمر الحقوقي فتحي رضوان وفاروق أبو عيسي ولفيف من عَمّدة المنظمات العربية المناضلة في سبيل الحريات والحقوق من مختلف البلدان العربية. خف لإستقبالهم في ليالي الخرطوم الحقوقية مجلس أمانة المنظمة السودانية لحقوق الإنسان الوليدة بقيادة محمد عمر بشير وبشير البكري وأمين مكي مدني وبيتر كوت وعزيزة عصمت وصدقي كبلو ونورالدين الطاهر وعمر شمينا وعلي سليمان فضل الله وآخرون بينهم هذا الكاتب. ومن أغلي ما شدّد عليه رضوان مقولته الذهبية: "حقوق الإنسان أوجز ذكرها القرآن الكريم في كلمة واحدة بيّن بها حكمة خلق الله البشر"شُعُوبَا وَقبَائلَ، لِتعَارَفُوا".
نتفق مع المفكر المعرفي كارل مانهايم وزايتلن ونظرائهما في أن جماعة المثقفين – الإنتلجنسيا – ليس لها توصيف طبقي واحد. فمن المثقفين من ينسلخ عن موقعه الإجتماعي المحدد بإنتمائه لقوي المجتمع الإنتاجية، أي موقعه الطبقي. المثقف مثالا وليد طبقة ثرية أو مهنية وسطي، ينضم إلي أيديولوجية طبقةٍ أخري يناضل معها لتغيير حياتها للأفضل، ولو أدي به نضاله لمخاصمة أصله. وما لم تقف عليه معرفة الغرب زمنا، أن إنتلجنسيا الشرق يربط زمامها ما تحلل منه مثقفوا الغرب قرونا طويلة: مرجعيات الشرق الروحانية، وروابطه الأسرية، وقيمه الإجتماعية.
ما لم يفهم الغرب تنفذ هذه القوي في عقلية الشرق وقرارات أفعاله، ويستوعب حقيقة ثقافاته، وطغيانها علي ما عداها من فكر وأداء، لن يتعايش العالمان في سواء. ما من حق الغرب أن يفرض مفاهيمه، أو أنظمته، ناهيك بقناعاته السياسية علي الشرق – تماما مثلما أن الشرق لا يحق له أن يغصب الغرب علي تبني أديانه أو أخلاقياته الروحانية. وفي إعتقاده الراسخ: لن يخرج تعايش متمدن صحيح عن حكمة الخالق عباده "شعُوبَا وقبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، وإلا أضحي التبادل – كما يعيشه الجميع حاليا - صراعا لا غير للتسيطر، تحكما وتسلطا؛ أوعدوانا صريحا غاشما من الاقوياء علي من يقل عنهم بأسا، مهما تقنع بديمقراطية أوإغاثة منكوب.
محاولة لفهم مسلمي الشرق
عام 2006، جمع م. أ. مقتدر خان، الباحث غير المقيم في معهد بروكينقز المرموق بعاصمة الغرب واشنطن، في مؤلفه Islamic Democratic Discourse عرضا إسلاميا ديمقراطيا – نظرية، حوارا ومنظورات فلسفية، توليفة مثيرة لأبحاثٍ في فكر المسلمين، ومواقفهم من قضايا الحداثة والصراع القائم بين أيديولوجيتها وأشكالها السياسية من ناحية، وروحانيات الشرق ومرجعياته الثقافية من ناحية أخري. نقتطف من الكتاب شيئا من مقدمة محرره خان لما أفلح في تقديمه بإيجاز صافٍ لمحتوياته، مع تعليق خفيف.
ركّز خان همه في "فشل المسلمين في إخراج نموذج ناجع للحكم لتقلب الأنظمة بين الديكتاتورية والديمقراطية نظرا لطبيعة البني السياسية المزعزعة في عالم المسلمين، مقارنا بإستقرار الحكم في بلدان الغرب والهند في العالم الثالث... سعي المسلمين لم ينفد، مع ذلك، لتبني عمليات تحقق الديمقراطية في دولهم. يبرز دور الإسلام في دائرة المسلم العامة علي أنه السؤال الوحيد الذي يستلزم بحق إجابة، ولم يصدر إلي الآن إجماعٌ بين المسلمين عليه…".
"يطالب الجمهور بالمزيد من الحريات والحقوق السياسية والثقافية في إيران؛ وبالتشدد في تطبيق الإسلام في المملكة السعودية؛ والتوسع في أحكام الشرع في تركيا وباكستان. ونلاحظ في نفس الأقطار معارضة كافية للإسلاميين من أنظمة علمانية سلطوية تتمتع بقدر كاف من الدعم لتمنع قيام ثوراتٍ إسلاميةٍ شعبية" (xiii-xii).
لا يجد الباحث مقتدر خان حرجا في وصف أفكار العلمانيين والإسلاميين علي اختلافها بالتطرف، لذا اختار أبحاثا "معتدلة تبغي إيجاد مكان للإسلام والديمقراطية معا". ومن المعتدلين، يكتب خان عن أفكار الشاعر محمد إقبال (1910-1930) الداعية لقيام ديمقراطية إسلامية في شبه القارة الهندية، "فالإسلام عقيدة ترفض كلا من الكهنوت والأرستقراطية. ومع نبذه لنزعات الهيمنة من الإمبراطورية البريطانية، لم يمتنع إقبال عن إبدآء إعجابه بميولها الديمقراطية".
ويشير خان ضمن ذكره دراساتٍ في توافق الديمقراطية والإسلام، إلي مساهمات محمد ناصر في إندونسيا (1955)، وس. م. ظفار في باكستان (1980)، ومهدي بازرجان في إيران (1983)، وحمايون كبير (1968)، وعلي بالاك في تركيا، و مساهمة إلياس أحمد (1944) التي افاضت البحث في "دور العقد الإجتماعي والدولة الإسلامية. واستنبأ فيها كثيرا من الحوار الجاري في الحال، قائلا إن المجتمع المدني مثله مثل الدولة الإسلامية يؤسس علي العقود الإجتماعية... وتوقف مليا في دستور المدينة الشهير ليُظهر طبيعة الإسلام المدنية الديمقراطية" ((xiv.
فهم غربيين للإسلام
تطرقت مقدمة خان إلي معالجة الأبحاث الأكاديمية في أمريكا لمسألة الديمقراطية والإسلام. خص بالذكر كاتبتين: فاطمة مرنيسي، باحثة مسلمة في الفكر الأنثوي، وعزيزة الحبري التي تعمل مع بيت خبرة غربي حكومي. مؤلف مرنيسي بالفرنسة الإسلام والديمقراطية تُرجم إلي الإنجليزية. تقول فيه بأسلوب قصصي"لم يفئ بالمعايير العقلانية في علوم الإسلام، ولم يتبع تمحيص النظرية السياسية، ولا دقة تحليل السوسيولوجيا المنهجي: إن الديمقراطية غائبة عن العالم العربي لأن الإسلام والديمقراطية لا يتفقان". أما الحبري في مقالتها الطويلة "دستورية الإسلام ومفهوم الديمقراطية"، فتخلص إلي أن "الشريعة متفقة مع الحكم الديمقراطي. وهي في بنيتها وصيغتها تشبه تماما الدستور الأمريكي. وكمثل الدستور الأمريكي، يجب أن يُطبق الشرع الإسلامي بالإجماع الشعبي" [xvi].
كتاب غربيون أخر يذكرهم خان. وضعوا الإسلام نصب أعينهم في أعقاب سقوط الإتحاد السوفيتي: مقالة برنارد لويس في سبتمبر (1990) يدّعي فيها أن البعث الإسلامي يمثل التحدي القابل للغرب علي اساس الحرية تمثل أهم فارق بين الإسلام والغرب. أضاف أستاذ هارفارد صمويل هنتنغتن بُعدا مستطالا لمخاوف لويس بمقالاته في "تصادم الحضارات بين الإسلام والديمقراطية" - صيغة أجندة بحثية لإثارة تدخل القوي المعنية.
كلمة حق وتقدير أزجاها المقتدر خان لكاتبين أمريكيين: جون إسبزيتو وجون فل لنشر مؤلفهما Islam and Democracy الذي بيّن في جلاءٍ النظرية الإسلامية، وتتبع التطورات السياسية في عالم المسلمين. الإسلام ليس متفقا فحسب مع الديمقراطية، وجداه؛ ولكن نهوض الإسلام السياسي كان بطريقته الخاصة مثيرا ديمقراطيا، في رأيهما. صناع القرار ظلوا في ريبةٍ من ذلك الرأي. وبقي الإعلام ومعه الحكومة تحت نفوذ مستثمري السياسات. يقولون: طالما اتبّع المسلمون قيم الإسلام، فإن الديمقراطية سوف لا تتجذر في الشرق الأوسط المسلم" (.(xvi بئس ما يقولون!
تعليقنا: "لا تقضوا برأي واحد"
رأينا تعدد الآراء حول الإسلام العظيم بين مفكري الغرب والشرق. مختلفين كانوا أم متفقين. وشأن الفكر الإختلاف. "لا إكْرَاه فِي الدِين"، رددتها معي في فرح وإعجاب زميلة من تايوان في مناقشةٍ مع آخرين في جامعة براون عام 1982 حول حرية الرأي والعقيدة في الشرق.
نحتكم الآن إلي مرجعيات الغرب والشرق معا علي سبيل المقارنة. خلص مانهايم بعلمانيته قبل 50 عاما إلي أن "كل وجهات النظر، بما فيها وجهة نظر الدارس نفسه، متحيزة وآحادية"، وهي من كشوف علم إجتماع المعرفة التي يعتبر المفكر من مؤسسيها المهمين. ثم أغنانا المقتدر خان عن إيجاد الدلائل البحثية الموثقة في تعمق الإختلاف بين كتاب المسلمين وغير المسلمين في شأن تآخي تعاليم الإسلام والقيم الديمقراطية.
فإذا رغب دارسٌ في مقاربة هذه الحقائق البحثية بالنظر في مصادر الإسلام الأزلية، عليه بحديث المصطفي لعلي إبن أبي طالب عن "الأمر ينزل بنا فيه قرآن ولم تمض فيه منك سُنّة؟" فقال: "إجمعوا له العالمين [أو العابدين] من المؤمنين، فاجعلوه شوري بينكم، ولا تقضوا فيه براي واحد." ما أبلغ حكمتك أيها النبي الكريم. وما أبغض سياسات التسلط وممارسات القمع! ما أكبرها جريرة إذ تنفذ بإسم دينك الحنيف. وما أبشع الجهل الذي استعاذ بالرّب منه خير عباده من الأنبيآء والمرسلين، وورثتهم من العلماء والمفكرين.
فانظر صاحبي، ماذا يفعل الإستبداد والظلم والجهل الظلوم بكتابنا السودانيين والصحفيين هذه الأيام؟ وماذا يخطط له جهاز الإستخبارات والأمن الوطني لمحاكمة الكاتب عمر عبدالله القراي علي آرائه وانتقاداته لأداء السلطة أمام محكمة الجنايات!
• أمنعوا محاكمة القراي بالإستخبارات.
• وكُفوا الإضرار بالإسلام وعباد الله.
ستاتي بلادنا لا شك في ذلك سلطة ديمقراطية منتخبة، يفخر الجميع بها، كما سجل التاريخ بالحق لحكومة الإنتفاضة المنتخبة عام 1986؛ أخطأت وأصابت؛ ولكنها لم تكتفِ بكفالة حرية الصحافة والرأي علي أوسع نطاق بحكم القانون في الوطن؛ فمدت يداً طويلةً لكل حُقوقًِي المنطقة العربية، يقيموا دون من ٍأو أذي مؤتمرهم في الحريات وحقوق الإنسان في عاصمة النيلين الفريدة.
وغداَ يومُ جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.