زفرات حرى لم أدهش لحديث السفير السوري بالخرطوم حبيب عباس حول الثورات التي تجتاح عالمنا العربي بقدر ما دهشت أن يأتي هذا الحديث عبر صحيفة «الإنتباهة» التي ما وُلدت إلا لإحداث التغيير الجذري في السودان وتصحيح الأخطاء التاريخية التي أضاعت أمتنا بلا حول منها ولا قوة فجعلتها تتنكَّب الطريق وتتردَّى إلى قاع الدنيا بعد أن سادت العالم قرونًا عدداً. بالرغم من إعجابي بالرئيس السوري بشار الأسد الشاب المثقف صاحب المبادئ والمواقف القومية الصامدة في وجه الغطرسة والصلف الإسرائيلي والأمريكي فإني أجد نفسي مضطراً لتأييد الثورة السورية كما أيّدتُ غيرها في مختلف أرجاء الوطن العربي. لم يكن السفير في رأيي موفقاً وهو ينتقد الثورات العربية في ليبيا وتونس واليمن، وكان الأجدر به أن ينأى بنفسه عن الخوض في ُلجة تلك القضية، ليس لأن هذا لا يتسق مع منصبه الدبلوماسي الذي يُفترض أن يُبعده عن إدانة التغيير الذي حدث في تلك البلاد مما قد يعرِّض علاقة دولته لحرج مع الأنظمة الثورية الحاكمة أو التي ستحكم، وإنما لأنه اتّخذ من دفاعه عن الحكومة التي يمثلها مبرراً لمهاجمة التغيير في تلك الدول. السيد السفير قال إن الأمة العربية «تمر بمرحلة حقيقية لا تُحسد عليها» وأنكر أن يسمى التغيير الذي يجتاح عدداً من الدول العربية بالثورة معللاً ذلك بعبارة لأن «الثورات يصحبها تغيير جذري ويُفترض أن تأتي بالبديل»!! والعجيب أن الرجل لا فُضّ فوه أشاد بثورة مصر في حين اعترض على الثورات الأخرى رغم علمه أن كل الثورات اتّخذت ذات المنحى في التغيير من خلال فترة انتقالية تسبق الانتخابات!! وقال الرجل عن ليبيا إنه رغم تحفظاتهم الكثيرة على مواقف القذافي إلا أن ليبيا «للأسف الشديد الآن في وضع مأساوي» ووصفها بالعراق الثاني في الوطن العربي!! لست أدري والله ماذا يقترح السيد السفير على الشعب الليبي حتى يتجنَّب الوضع المأساوي الذي أحزنه؟! هل يصبر لمدة أربعين سنة أخرى إلى أن يموت القذافي ثم يعقبه ابنه سيف الإسلام لمدة ثمانين سنة ثم أبناؤهما إلى يوم القيامة ومن هو المسؤول عن هذا الوضع المأساوي؟! أليس هو ذلك المجنون الذي يقتل شعبَه من أجل أن يظلَّ حاكماً عليه إلى الأبد وهو الذي يقول إنه ليس رئيساً حتى يتنحّى؟! ذات السؤال يُطرح بالنسبة لليمن الذي قال عنه السفير إنه «ذهب في نفق مظلم بعد أن وصلت المصالحة إلى طريق مسدود وأصبح الصراع مسلحاً وهو ينبئ بكارثة اقتصادية وسياسية وبشرية»!! أرجو من السيد السفير أن يجيب عن السؤال: من تُراه هو المسؤول عن كل ذلك وهل يعني بكلامه أن يظلّ الناس صامتين مستكينين ليحكمهم علي عبد الله صالح ثلاثين عاماً أخرى ثم يورثها لأبنائه بقانون الحق الإلهي للملوك؟! إن الثورات العربية يا عزيزي السفير تفتح أبواب الأمل لمستقبل مشرق يسود عالمنا العربي والإسلامي ويعيده إلى ذرى المجد التي ترجل منها حين أسلم قياده إلى هؤلاء الطواغيت الفاسدين الذين أحالوا بلادهم إلى دول تابعة ذليلة لا يتطلع قادتُها إلا إلى البقاء الأبدي في كراسي الحكم التي يتوارثونها أباً عن جد... نعم تفتح أبواب الأمل لمستقبل تسودُه الحرية والنهضة والتطور حتى تعود أمجادنا السابقة. أما سوريا فالسؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: لماذا انتظر الأسد كل هذه السنين ولم يبدأ التغيير إلا بعد أن اضطر إلى ذلك تحت هدير عشاق الحرية الذين لطالما قُصفوا بالطائرات وماتوا بالآلاف في حماة وغيرها؟! لماذا لا يزال الشعب يُسحل رغم رفع قانون الطوارئ ولماذا لا يُتاح للإعلام الحُر أن يوثق وينقل الأخبار مثلما يحدث في اليمن مثلاً ومن الذي أعطى حزباً واحداً «البعث» حق أن يكون هو دون غيره وبالدستور «الحزب الطليعي» الذي يجب أن ينصاع له الشعب كل الشعب حاكماً إلى الأبد؟! ثم من هو الذي سيُشرف على إنشاء الأحزاب وعلى الانتخابات؟! أهم ذات أعضاء الحزب الطليعي أم أنها سلطة أخرى مستقلة؟! أسئلة كثيرة يصعب على المرء أن يمضي في طرحها لكن أظن أن على السيد السفير أن يتخلى عن التعليق على الثورات العربية الأخرى ولا أظن أن حجج الاستهداف تكفي لإقناع الناس بالكف عن المطالبة بحقوقهم في الحرية والكرامة فالشعب الحُر هو الأكثر تأهيلاً للتصدي للعدو الصهيوني حين يعلم أنه صاحب القرار ولا يخوض الحرب ضد دولة الكيان الصهيوني دفاعاً عن نظام يقهره أو استجابة لتوجيهات من الحزب الطليعي الذي جثم على أنفاس الشعب السوري منذ ما يزيد على الأربعين عاماً وأرجو أن يعلم الأخ السفير أن التصدي للكيان الصهيوني أمرٌ محمود لكنه لا يبرِّر قهر الشعب وإذلاله.. أقول هذا بالرغم من تقديري الكبير لمواقف الرئيس بشار الأسد الذي أرجو أن يخطو بجد نحو التغيير الذي يطلبُه الشعبُ السوري. عثمان ميرغني!! ٭ «دين الطيب مصطفى هو دين آخر غير الإسلام الذي نفهمه.. دين عنصري فيه سادة وعبيد.. دين بالبطاقة الحزبية والجهوية والقبلية»!! هذا ما كتبه عثمان ميرغني الذي خصّص صفحة كاملة علاوة على عموده للرد على مقال كتبتُه معقِّباً على مقال سطّره ليس عني وإنما عن الوزيرة سناء حمد ولم أرد على الأخ عثمان لأنه كتب عني أو تعرّض لشخصي وإنما انتصاراً لفكرة ودحضاً لمفاهيم مغلوطة والعجب العجاب أن عثمان لم يتعرض لحججي وإنما نحا منحى آخر تهجّم من خلاله على شخصي بكلام اعتدتُ عليه مثل ما ظل أتباع الحركة الشعبية يرمونني به من حديث حول عنصريتي لأني دعوتُ إلى فصل الشمال عن الجنوب. على كل حال لم أجد ما يستحق الرد سوى قوله إني أفلتُ من الفكرة وأُمسكُ بخناق كاتبها وضرب أمثلة بحديثي عن الرويبضة عرمان وباقان ومنصور خالد وهذا شرفٌ أعتز به وأفخر، وأسأل الله تعالى القبول فقد أمسك القرآن بخناق أبي لهب والوليد بن المغيرة وعبد الله بن أبي سلول ونزل القرآن الكريم حاضّاً رسوله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم...» ولي أسوة حسنة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم.