استلقيت على فراش التعب بعد ان قضينا يوم دراسى مرهق فى البحث عن سر النغم, كنا نسكن فى سكن جماعى يضم اغلب طلبة المعهد العالى للموسيقى و المسرح " سابقا " – كلية الموسيقى و الدراما حاليا, و يقع المسكن فى حى بانت شرق بامدرمان " عمارة الجزولى ", و كان مكان الدراسة على بعد خطوات من السكن اى قصر الشباب و الاطفال الذى لم يستقر بة المعهد فاصبح فى ترحال دائم بين احياء العاصمة القومية, الى ان جاء الحال واستقر بة المقام فى مبانى حكومية بالحلة الجديدة جوار ميدان المولد. فبينما كنت افكر كيف قضيت يومى اتانى صديق قديم وقطع على تفكيرى وبدون مقدمات سئلنى هل شاركت الفنان عثمان حسين العزف من قبل اى كنت عضوء بفرقتة الموسيقية الماسية؟ فانتفطة و كأن ماء بارد قد صب على راسى, كأن رزاز المطر يداعب صدرى, فشعرت بدفئ غريب وشئ بطعم الحرمان قد زال عنى ونسيت التعب, و قلت لى صديقى لا لم اشارك الفنان عثمان حسن العزف من قبل و لكن لماذا؟ فابتسم صديقى و قال لى نريدك ان تنضم الى فرقة الاستاذ, وسوف نسافر الى مدينة بورتسودان فى الاسبوع القادم لقضاء ليلة رأس السنة هناك على ضفاف البحر الاحمر, و كان العام 1990 قد شارف على الانتهاء, فسرحت بذهنى بعيدا اى سعادة هذة التى انا فيها سوف اعزف مع الاستاذ وانا مازلت طالبا بالصف الثانى فبدات اتذكر اغانية الشجية, ولكن شئ بطعم الحرمان قد عاودنى و انا اردد. كل طائر مرتحل عبر البحر كايس الاهل حملتوا اشواقى الدفيقة انة شئ من الفرح بطعم الحرمان, هل سوف نرتحل الى الاوطان ثانيا, ام فقد نرسل هذة الاشواق مع كل مسافر لاننا نبحث عن المصير هنا, و هل تستطيع الليالى ان تجمعنا مع من نحب كما كنا لا ندرى- لقد تغنى عثمان حسين و شكل ثنائية مع المبدع بازرعة حيث قال: ياحبيبى قلت لى فى اللقاء الاول بين همس البلبل واخر جدول وضياء الفجر فى الافق تلالا ثم ذاب الموج فى الشط و سال و لكن شئ من الفرح بطعم الحرمان عاودنى, فسافرنا الى مدينة بورتسودان " عروس الشرق " فى شتاء عام 1990 فكان اليوم جميلا ممطر رطب كطقس مدينة ملبورن الاسترالية التى ياتيها المطر بدون مواعيد. حفل راس السنة 1990 كان يقام فى كازينوا البحر الاحمر, فكانت افتتاحية الحفل اغنية شجن, الشجن الذى و دعنا بة عام 90 – لنستقبل اشجانا اخرى مزيج من الفرح و الحزن, فغازلنا البحر و غازلنا, و خاطبت البحر يابحر هل نحن منك واليك؟ فرد البحر لست ادرى, فكنا نشكو هجر الحبيب, وتقمسنا شخصية الشاعر الذى جعلنا نتغنى باغنية شجن. لى متين يلازمك فى هواك مر الشجن و يطول بايامك سهر و يطول عذاب يا قلبى لو كانت محبتة بالتمن يكفيك هدرت عمر حرقت علية شباب ولكن شئ من الفرح بطعم الحرمان قد عاودنى, فكنا ننظر الى السفن البعيدة التى كأنها تسخر من سكان الارض فاتخذت البحر حياة لها, هؤلاء البحارى الذين يحتفلون بطريقتهم الخاصة على متن السفن التى تبعد مسافة من الشاطئ لا يتون الية بل يغازلونة باصوات البوق الذى اصابنا بدوار البحر, جميع الناس فرحى و يتبادلون السلام " سنغنيب " , كانت ليلة من ليالى العمر الوردية لا ادرى كيف بدات و لا حتى كيف انتهت, انها ليالى الفرح الهلامى, فلم يفارقنا عثمان حسين لحظة و كان يعاتب الحبيب الذى سلى: فى حياتى قبلك انت عشت قصة حب قاسية لسة مازالت بقلبى ذكرياتى المرة باقية و لكن شئ من الفرح بطعم الحرمان قد عاودنى, انة المصير الذى يوشح حياة كل انسان يحس اما بشوق او شجن. و لكن نحن هنا نبحث عن مصير اخر مصير تحقيق الطموحات, مصير مساعدة الاهل وتطوير الفكر و التعليم وعكس ثقافة بلادنا, انة الوعد الذى تغنى بة الاستاذ فى تلك الانشودة التى خاطب بها الشاعر محبوبتة: اوعدينى بكلمة منك واحكى لى عنى وعنك وين مكانك وين حنانك وين انها مشاعر جميلة ان يتعاهد اثنين فى التخطيط للمصير, ولكن شئ من الفرح بطعم الحرمان قد عاودنى. و قد احتسبنا الفقيد القامة عثمان حسين الذى زاد تمسكة بالخلق السودانى الاصيل من الق موهبتة فارتبط بوجدان الامة واصبح مطربا قوميا طاف ارجاء السودان و غنى لامجادة وانجازات ابنائة, حاملا راية الفن السودانى الاصيل فى مختلف المحافل.