يوسف عزت / كندا عندما وقعت حركة التحرير والعدالة بقيادة الدكتور التجاني سيسي على وثيقة سلام دارفور بالدوحة يوم 14 يوليو 2011 ، كانت تعلم إنها توقع منفردة وإن هنالك حركات أخرى غيرها في ساحة دارفور ، وإن الكثير من السهام مصوبة نحو الخطوة التي اقدمت عليها ، ولكنها قبلت التحدي ووقع د. التجاني سيسي على الإتفاق ليضع بذلك عتبة في درب طويل نحو إنجاز السلام الكامل. بالتأكيد هنالك قراءات لحركة التحرير والعدالة وتبريرات لهذه الخطوة ، اولها إن هنالك تغير في المواقف الدولية والاقليمية لن تجعل من ازمة دارفور في صدارة الاهتمام الدولي كما كان عليه الامر خلال السنوات الماضية ، كما إن الرهان على الداخل السوداني ليساهم في حل الازمة عبر التغيير الشامل من خلال الشارع ثبت إنه صعب التحقيق مع إنه ليس مستحيلاً لكن يقول اهلنا " الجيعان فورة البرمة قاسية عليه " وما بالك بإنتظار ثمانية اعوام في المعسكرات وقتل يومي وترويع لشعب في المعسكرات وفي اللامكان ! كما إن خلال السنوات الماضية وحتى اللحظة الراهنة لم تخرج اي مسيرة في قلب الخرطوم تندد بما حاق بأهل دارفور او ايا من أقاليم الهامش ، وبالانتظار اكثر ستكون دارفور مثل الجنوب الذي استمرت الحرب فيه خمسن عاماً بينما كان انسان الشمال بما فيه دارفور غافلاً عن آهوالها. لكن الدافع الاكبر يتمثل في الرغبة الكبيرة في اوساط شعب دارفور في السلام وحاجتهم لحركة تقاتل بقوة او تفاوض بثبات في انتزاع الحقوق. لقد كانت مراسم التوقيع بداية لتحديات جديدة امام اهل دارفور وامام حركة التحرير والعدالة التي تكونت من مجموع حركات ثورية مقاتلة وأفراد لهم مواقفهم المعلنة خلال الازمة وأختارت قيادة معروفة لأهل دارفور برمزية القبيلة والتاريخ السابق ، وحركة هذا شأنها لابد أن تحسب كل صغيرة وكبيرة قبل ان توقع على وثيقة نظر لها كثير من الناشطين والمهتمين بريبة لا تخفى ، بل واستهجن البعض هذه الخطوة وآخرين استلوا سيوفهم لكي يشرحوا جسد الحركة ويدمغوا قيادتها بالكثير من الاوصاف التي تزيد من التحدي امامها كي تثبت العكس مع الايام او تخسر الرهان. إن الحركة مضت في هذه الخطوة وشرعت في الدخول للسودان لتنفيذ الاتفاق ، مما يدل على إن جملة الآراء الناقدة او الأصوات المعارضة هي خارج الحسابات الدقيقة للحركة والتي دفعتها لتوقيع الاتفاق والمضي فيه دون إلتفات. تكونت حركة التحرير والعدالة من فصائل متعددة ولكنها تعود بخلفيتها لحركة تحرير السودان وأخرى من العدل والمساواة ، بالاضافة لجبهة القوى الثورية المتحدة. وبهذا الاجمال نجد إن هذه الفصائل تشكلت من خلفيات قبلية مختلفة ، وهنا لابد من الاشارة إلى إن القبيلة ظلت مؤثرة في الثورة المسلحة التي انطلقت من دارفور منذ اول رصاصة، وقد افرزت الحرب واقعاً قبلياً مراً انعكس على تشكيلة الحركات ، حيث صار لكل قبيلة فصيل بل لكل " خشم بيت" حركة تعبر عنه ، فقد لجأ القادة لقبائلهم لكي تناصرهم في الحرب وفي المغانم ايضاً. هذا الواقع لا يمكن الخروج منه إلا بوحدة إندماجية تخلص قادة الحركات من ألتزامات مترتبة عليهم من قبل القبائل ، وفي ذات الوقت تؤدي لميلاد حركة متنوعة ترتكز على برنامج للتغيير ، وقادرة على توحيد خيارات أهل دارفور وكسر شوكة الصراع القبلي وبناء سلام إجتماعي يعيد النازحين واللاجئين ومتضرري الحرب إلى قراهم وبواديهم ، وبدء دورة جديدة للحياة في الاقليم. كما اسلفت إن مشارب حركة التحرير والعدالة المتعددة تؤهلها لكي تكون الجسم المفقود في دارفور ، فهي حركة لا يجمع بين عضويتها غير الموقف من الازمة في دارفور وكيفية معالجتها وكيفية وقف نزيف الدم وصنع سلام يعيد المشردين الى بيوتهم ومناطقهم كما اسلفت ، ويخلق وحدة بين اهل دارفور حتى ولو في حدها الادنى ليُبنى عليها السلام. وحتى الآن لا يوجد شيئ دائم في الحركة فكل آليات عملها مرحلية مرتبطة بالظرف الراهن وقد تفرق دروب السياسة مستقبلاً كادرها او تنجح في خلق تنظيم سياسي مفتوح يخرج بها من اطار المحلية الدارفورية وتؤسس حزباً او حركة قومية تجمع الشتات السوداني وتناضل من اجل التغيير الشامل ، وكل ذلك مرهون بأداء قيادتها وعضويتها وبحصيلة التجربة الراهنة وما ستؤدي اليه من بناء ثقة بين قياداتها وما سيتولد من السلام الذي تم التوقيع عليه وادائها في تنفيذه. وفي إشارتنا للروح القبلية التي حولت معظم الحركات لواجهات لقبائل أو ادوات لطموح قياداتها بعيداً عن الهم العام ، لن تكون حركة التحرير والعدالة إثتثناءاً ، ففي الحركة قبائل وفصائل ونزعات فردية وروح للتنافس وكل شيئ من امراض واقعنا الدارفوري والسوداني ، ولكن اول التحديات كيف يمكن لحركة جمعت كل الازمات في سلة واحدة ان تتجاوزها لتحل ازمة دارفور ؟ كانت هنالك حكمة في إدارة الحركة خلال الفترة الماضية وإستمرارية هذه الحكمة هي التي ستماسك الحركة في مرحلة هي الاصعب والاشد حاجة للتماسك. تعرضت الحركة لإنشقاقات كثيرة لكنها استطاعت ان تتجاوزها ، ولكن مستقبلها قد لا يتحمل اي إنشقاق لانه وعلى الخلفية القبلية المذكورة سيؤدي أي انشقاق في مرحلة تنفيذ الاتفاق لشق المجتمع الذي تحاول الحركة توحيده وهذا ما سيعيق تنفيذ السلام على ارض الواقع ، وتحديداً إذا نظرنا إن دواقع حركة التحرير والعدالة للتوقيع تتلخص في : 1/ إعادة النازحين واللاجئين ومتضرري الحرب 2- المصالحات 3- تنمية دارفور هذه الاهداف التي سعت الحركة للتأكيد عليها في إتفاق الدوحة هي الاساس لأي سلام ، وإن وثيقة الدوحة لمن قرأها ، سيجد إنها وإذا ما نفذت كاملة ستوقف الموت اليومي الذي عايشه انسان دارفور طيلة السنوات الماضية، ويمكن ان تساهم في عودة النازحين واللاجئين وتضع دارفور في طريق السلام. لكن هذه الاشياء لا يمكن ان تتحقق بدون حركة قوية ومتماسكة وذات رؤية واضحة المعالم لكل عضويتها ، حركة تتخلص من رواسب القبيلة والنزعات الاحادية في القيادة وتحترم مواثيقها وقراراتها ، حركة تستطيع ان تكون منبراً لكل اهل دارفور والسودان ، مما يؤهلها للصمود امام مطبات التنفيذ. فالمعروف إن الحكومة لم توقع مع حركة التحرير والعدالة سلاماً دون ان تكون لها حسابات ومصلحة كبيرة في هذا الاتفاق، وبالتأكيد لديها حساباتها في كيفية التنفيذ وحتى ما بعد التنفيذ . وبالتالي تحتاج الحركة قبل كل شيئ آخر لقراءة واقع دارفور جيداً وحساب مصالح الجميع لكي تستطيع إن تبلغ مراميها من الإتفاق. فواقع دارفور اليوم يختلف من دارفور قبل الحرب . هنالك ازمة إجتماعية وإحتقانات ومشكلة ارض ومعسكرات ويتامى ومشردين ...الخ. وإعتقاد أي فصيل او شخص إنه يملك عصاة سحرية للحل يكون غافلاً عن حقيقية الاوضاع ، كما إن الازمة المجتمعية الداخلية قد تعوق عودة النازحين واللاجئين حتى وإن منحت اليوناميد الفصل السابع فلا يمكن توفير الامن إلا من خلال تفاوض داخلي يجد كل شخص مصالحه فيه ، وإلا سيعود الناس لتكريس الاوضاع الراهنة ، خصوصاً إذا كانت هنالك ثمة مصلحة راهنة لطرف قد يخسرها بتحقق السلام. كما إن إنفاذ الاتفاق بين حركة التحرير والعدالة والحكومة محفوف بموقف القوى الاخرى التي لم توقع وظروف نموها ، فإذا ما تغيرت موازين القوى بين الحكومة والحركات الرافضة للإتفاقية قد تجد حركة التحرير والعدالة نفسها في موقف صعب اما تربط مصيرها مع المؤتمر الوطني او تخرج من الاتفاقية . وهذا ما حدث لإتفاقية ابوجا التي استغنت الحكومة عن من وقعوها بمجرد أن ادركت إن إنهاء الازمة ليس بيدهم وفشل فصيل مني مناوي في إعادة النازحين واللاجئين طيلة مدة بقائه في الحكومة بل فشل حتى في ترك ذكرى جميلة لدى اهل دارفور. أقول هذا لكي يدرك الرافضين للإتفاقية أو الذين تجاهلوها إن بالامكان فعل شيئ لوقف الحرب وإن خيار حركة التحرير والعدالة بالتوقيع على الوثيقة لم يأت بدون تفكير او حسابات ، فالحركة وبكل مكوناتها المتعددة تستطيع أن تكون الحركة الاقوى والاكبر والقادرة على صنع السلام في دارفور وها يتوقف على انتصارها على التفكير البسيط والنزعات الوظيفية السائدة وإذا ما استطاعت ان تقوي وحدتها الداخلية ، وأن توجد خطاباً شاملاً لحل الازمة الإجتماعية والاهم من ذلك أن لا يتسرب شعور لعضويتها إن هنالك شبهة عمل قبلي يدار في الظلام. او إن داخل الحركة حركة اخرى محصورة على قبائل او اشخاص لهم نزعة الانفراد والاقصاء كما ساد تجربة الحركات.