مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    سلطان دار مساليت: إرادة الشعب السوداني وقوة الله نسفت مخطط إعلان دولة دارفور من باريس    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    الخال والسيرة الهلالية!    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    الإمارات العربية تتبرأ من دعم مليشيا الدعم السريع    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنقاذ تكررفي النيل الأزرق خطأها التاريخي الفادح في معالجة مشكلة الجنوب -بدرالدين يوسف دفع الله السيمت


فلندع صوت العقل يتحدث
وتشرع في تمزيق ما تبقى من السودان، باللجوء إلى السلاح ،وسفك الدماء،
وتصفية المعارضة من أجل تأسيس جمهوريتها الثانية، دون أن تستمع لصوت العقل
رئيس الجمهورية لا يملك سلطة لعزل الولاة المنتخبين
لقد إطلعت بصحيفة سودانيز أون لاين على مقال قصير في غاية الروعة والإبداع كتبه الزميل الفاضل الأستاذ نبيل أديب عبدالله المحامي.
لم يفعل الأستاذ الفاضل نبيل في مقاله اللطيف، سوى أن قام بإيراد نص المادة (211) من الدستور القومي الإنتقالي، والتي تحدد سلطات رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ... كل من قرأ هذا النص الواضح يتضح له أن رئيس الجمهورية لا يملك أية صلاحيات دستورية لعزل أي من حكام الولايات المنتخبين.
ثم استطرد الأستاذ الفاضل نبيل ليورد لنا نص المادة (179) (1) من الدستور القومي الإنتقالي والتي تحدد الكيفية الإجرائية لحجب الثقة عن ولاة الولايات المنتخبين، وكيفية إعادة إنتخاب الوالي الجديد... كل من قرأ هذا النص الواضح يتضح له أن رئيس الجمهورية لا يملك سلطة عزل الولاة، لأن الدستور قد رسم طريقا واضحا لعزل الوالي، وليس لرئيس الجمهورية في ذلك من سلطة سوى دعوة الناخبين لإنتخابات مبكرة، لإختيار الوالي الجديد ، خلال ستين يوما من تاريخ حجب الثقة عن الوالي بموجب قرار يصدر من ثلاثة أرباع جميع أصوات أعضاء المجلس التشريعي للولاية المعنية.
ونضيف إلى النصوص الواضحة ، التي أوردها الأستاذ الكريم، أن رئيس الجمهورية لا يستطيع عزل الولاة المنتخبين، لأنه لم يعينهم في الأساس.
كما هو معلوم في مبادئ القانون، إن لم نقل في أبجديات المنطق، أن الذي يملك حق التعيين هو الذي يملك حق العزل ولذلك لا بد من الرجوع للشعب، صاحب السلطة في إنتخاب الولاة، وقد رسم الدستور الآليات والإجراءات اللازمة للرجوع للشعب، بنصوص واضحة، ولا إجتهاد مع وضوح النص ، كما يقول فقهاء القانون.
ثم اكتفى الأستاذ الكريم بختم النصوص البينة التي أوردها، بعبارته الرائعة : " وعندما يتحدث الدستور، فلنصغي جميعا"... و هي عبارة شافية وحاسمة ودامغة، ومقنعة كل الإقناع لكل ذي عقل... لذا، فليسمح لي الأستاذ الفاضل أن أقيد عبارته، وأضيف إلى فاصلتها عبارة أخرى هي: " لو كنا عقلاء" .
لو كنا عقلاء، لتسآلنا أين الدستور؟
ولكن ، أين هو الدستور؟ ألم تأت الإنقاذ إلى سدة السلطة بوأد الدستور؟ إذا تجاوزنا عن ذلك الإنقلاب العسكري، الذي هو سبب وجود الإنقاذ، وحاسبنا الإنقاذ بدستورها القومي الإنتقالي، كأمر واقع، فلا بد أن نتسآءل: هل مازال دستورها قوميا؟ أي قومية هذه؟ أهي قومية الشمال وحده؟ أم قومية الشمال والجنوب؟
وهنا يثور سؤال هام : بأي دستور تحكم الإنقاذ البلاد الآن؟ إن الإنقاذ ما زالت تحكم شمال السودان بدستور الفترة الإنتقالية التي إنتهى أمدها بنتيجة الإستفتاء لصالح إنفصال الجنوب، وقيام دولة الجنوب مع بقاء بعض المسائل المعلقة في إيبي والمشورة الشعبية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان والترتيبات الأمنية وترسيم الحدود.
إننا أمام أوضاع دستورية وإدارية وإقتصادية وإجتماعية جديدة كل الجدة، وتختلف كليا عن الوضع القديم للسودان بدولته المعروفة وحدوده المعروفة ... لهذا السبب الواضح فقد شرعت دولة الجنوب في إجراء ترتيبات جديدة، تتناسب مع أوضاع حكم الدولة الوليدة... أما حكومة الشمال، فإنها ما زالت تصر على أنها حكومة السودان، بعد أن ذهب ثلث شعب السودان ، وثلث أرضه... وما زال رئيس الجمهورية، هو رئيس جمهورية السودان ، وكأن شيئا لم يحدث، وكأن أصوات الناخبين الذين إنتخبوه، ثم أصبحوا أجانب في غمضة عين لاتعني شيئا... وما زالت حكومة الشمال تصر على الحكم بالدستور الإنتقالي، رغم إلغاء معظم فصوله وأبوابه ومواده وفقراته وجداوله بموجب أحكام المادة (226) (10) منه، والتي تنص نصا صريحا على ما يلي: " إذا جاءت نتيجة الإستفتاء، حول تقرير المصير لصالح إنفصال الجنوب، فإن إبواب وفصول ومواد وفقرات وجداول هذا الدستورالتي تنص على مؤسسات جنوب السودان وتمثيله وحقوقه والتزاماته تعتبر ملغاة" ... فإذا صرفنا النظر عن هذا التعميم المخل والذي يخالف القاعدة الراسخة في الصياغة القانونية والتي تلزم بتحديد النص أو النصوص المراد إلغاؤها، فإننا نجد أنفسنا، أمام دستور ممزق ومتناقض، ولا أريد أن أتحدث في هذه العجالة عن مواد هذا الدستور الممزق، التي يناقض بعضها بعضا.
يبدو إن حكومة الإنقاذ تعتمد على نص غامض، هو نص المادة (226) (9) من دستورها الإنتقالي الذي ينص على : " يحكم هذا الستور الفترة الإنتقالية، ويكون خاضعا لأي تعديل أو مراجعة وفقا للمادة (224) ويظل ساريا إلى حين إعتماد دستور دائم" إن هذا النص غير دستوري ، ويحتاج لإعادة نظر، إذ كيف يستمر العمل بدستور مستمد من إتفاقية السلام الشامل التي إنتهى أجلها، والتي تعتبر أحكامها التي لم تضمن صراحة في الدستور جزءا من الدستور!!
ما هو التكييف القانوني لإتفاقية السلام الشامل؟
إتفاقية السلام الشامل لدي التكييف القانوني السليم لا تعتبر إتفاقية دولية رغم توقيع شهود الدول الأجنبية عليها، لأنها لم تبرم ولم توقع بين دولتين، كما أنها ليست ميثاقا شعبيا، تم إقراره بإستفتاء شعبي، أو صدقت عليه جمعية تأسيسية، حتى تكون أساسا للدستور... إتفاقية السلام هي مجرد إتفاقية بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، ولكن تجئ خصوصيتها من أنها أوقفت الحرب الدائرة بين الشريكين ( المؤتمراالوطني والحركة الشعبية) في جنوب السودان، والتي أهلكت الحرث والنسل... خصوصية إتفاقية السلام الشامل تجئ من كونها منحت السودان فترة إنتقالية، أو قل على وجه الدقة، هدنة من حرب مدمرة، ممهدة بذلك للطريق الذي عسى أن يؤدي لعهد السلام والديمقراطية والمساواة.
بهذا المعنى وفي هذا المستوى، فلا يمكن لعاقل أن يعترض على إتفاقية السلام الشامل والتي أرغمت حكومة الإنقاذ على التنازل من الإستمرار في سفك دماء المواطنين الجنوبيين باسم الجهاد المقدس، بل على التنازل عن الكثير مما كانت تسميه ثوابتها ، فاضطرت الإنقاذ إلى الإعتراف بالتعدد الثقافي المنصوص عليه في الدستور الإنتقالي، وإلى الإعتراف بحقوق غير المسلمين وبحقوق المرأة في تولي جميع المناصب العامة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية، بل أضطرت الإنقاذ إلى الإعتراف بحرية العقيدة مما يعني عدم دستورية مواد قانون عقوبات السودان المتعلقة بحكم الردة عن الإسلام، بل عدم دستورية كثير من أحكام قوانين سبتمبر التي تزعم الإنقاذ أن إنقلابها العسكري قد جاء لتطبيقها، بحجة أنها تمثل شرع الله.
كيف يستمر العمل بمثل هذا الدستور المتناقض ولمدة غير محدودة!! هذا فضلا، عن أن المادة (224) التي يتم بموجبها التعديل، هي نفسها تحتاج إلى تعديل لمواكبة ما يستجد من أوضاع نسبة لتغير تكوين مجلسي الهيئة التشريعية بعد إنفصال الجنوب .
هل تريدون الحق!! لقد نجحت الإنقاذ في وأد كل القيم الدستورية والأخلاقية والقانونية، في يوم الثلاثين من يونيو 1989، ثم ظلت على هذا النهج لأكثر من عشرين عاما، تسخر إمكانيات الدولة في برمجة العقول، وغسل الأدمغة، وممارسة الدجل باسم الدين، وهي تسوق الشعب السوداني نحو موارد الهلاك وهو معصوب العينين.
ولكن بالرغم من كل هذا الخراب والدمار ، فإن الإنقاذ لم تنجح في وأد العقل السوداني الذي ما زالت جذوته حية متوهجة، وإن غطى عليها رماد كثيف، من الجهالات الدينية والنعرات العنصرية.
العقل السوداني، هو نصيب كل فرد سوداني من عقل البشرية الواحد، بنكهة سودانية متعددة الثقافات ومتنوعة الأعراق... عقل البشرية الواحد هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، والتي لا تتبدل مهما طرأ عليها من جهالات ورعونات، لأنها دين القيم الرفيعة المائلة حنيفة نحو الله، لأنها فطرته، وإن كان الكثيرون منا لا يعلمون ذلك، رغم وضوح النص: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة التي فطر الناس عليها، لاتبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
ومن شدة ثقتنا في الله، ومن شدة ثقتنا في العقل البشري، فإننا نخاطب ضمير الشعب السوداني، ونثق في طاقاته الكمينة، رغم الإضطراب الفكري ، والبؤس الثقافي، والتشويش الوجداني، والفساد الأخلاقي، اولئك الذين جاءوا في أذيال حكومة الإنقاذ.
أي لجوء للسلاح سوف يعقد من مشاكل السودان
سوف لا يأتي أي خير من اللجوء للسلاح، ولذلك لابد للعقلاء من أهل السودان، أن يدخلوا في السلم كافة، ولا يتبعوا خطوات الشيطان، فإنه ما من السلام بد، لأن السلام هو دعوة الله: " والله يدعو إلى دار السلام" وما يدعو له الله العظيم، لا بد كائن لا محالة، كان ذلك في الكتاب مسطورا... من هذا المنطلق فإنني أدين أي سفك للدماء من أي طرف كان، سواء كان من الحركة الشعبية، او من حكومة الإنقاذ، ولكن الذي أراه أن حكومة الإنقاذ تريد أن تبرئ نفسها من الدماء التي سفكتها ، وأن تتهرب من مسئوليتها التاريخية، وتضع كل اللوم على الحركة الشعبية.
لو كنا عقلاء، فإننا لا نسأل عن من هو الذي بدأ الحرب!! لأن الحرب أصبحت أمرا
واقعا.. الأسئلة الموضوعية هي : كيف نوقف الحرب؟ وكيف نعالج الآثار المدمرة
للمآسي الإنسانية التي ترتبت عليها الحرب؟ وما هو السبيل للسلام المستدام؟
لقد تبادل الطرفان الإتهامات حول من بدأ الحرب!! وقد نجحت حكومة الإنقاذ في تجنيد كل الصحف الصادرة في الخرطوم، وكل القنوات الفضائية المتاحة لها، لإثبات أن الحركة الشعبية هي التي بدأت الحرب... ولنفرض جدلا أن الحركة الشعبية هي التي بدأت الحرب - رغم أن ذلك أمر مشكوك فيه أشد الشك للإسباب التي نوردها أدناها - فهل يكون ذلك مبررا للإنقاذ أن تقوم بعملياتها العسكرية المدمرة وبآليات ثقيلة، بل وبالطائرات، مما روع المواطنين ، وعرض منطقة النيل الأزرق لمأساة إنسانية كبيرة، أفلحت الإنقاذ في إخفائها مؤقتا، ولكن ذلك التضليل لن يطول أمده.
إن قرائن الأحوال تدل ، على ان حكومة الإنقاذ لم تكن ترد على الحركة الشعبية، وانما كانت مستعدة كامل الإستعداد لتنفيذ مخططها الواضح في التصفية الشاملة للحركة الشعبية ، وتعطيل الدستور ، وإعلان حالة الطوائ ، وعزل الوالي المنتخب... الإنقاذ كانت تعلم سلفا أن خلق مثل هذا الوضع المرعب، سوف يؤدي إلى زعزعة الأمان والإستقرار، مما يجعل سكان شمال السودان تحت رحمة حكومة الإنقاذ... هذا فضلا عن أن مثل هذه الحروب سوف تكسب الإنقاذ تعاطف الجهات العنصرية في شمال السودان - وهذا هو الذي حدث بالفعل - مما يمهد الطريق لخلق جو من الإرهاب تستطيع الإنقاذ في غمرته، تمرير خطتها المبيتة لتأسيس الجمهورية الثانية التىي لا تعترف بالتعدد الثقافي على حد تعبير الرئيس البشير... ولا تعترف بحرية التعبير، إذ أن كل من يتطاول على الرئيس البشير في الجمهورية الثانية ، سيعرض نفسه لعقوبة الإعدام على حد تعبير نائبه علي عثمان محمد طه.
إن حكومة الإنقاذ لم تتعلم من تجربتها المريرة في جنوب السودان، فقد ظلت تحارب في جنوب السودان، مستغلة الدين لأغراض السياسة، ثم إضطرت في خاتمة المطاف لتوقيع إتفاقية السلام، وفصل الجنوب، وها هي تكرر نفس الخطأ في النيل الأزرق.. بل إن الإنقاذ لم تتعلم من تجربتها القريبة في أبيي ، فهي قد إجتاحت أبيي عسكريا مثلما فعلت في النيل الأزرق، ولكنها أضطرت للتراجع تحت الضغط الدولي، وستفعل ذلك في النيل الأزرق عاجلا أو آجلا.
المطلوب الآن وقف هذه الحرب وإدانتها، بصرف النظر عن الذي بدأها... المطلوب الآن، الرجوع لطاولة المفاوضات ، ولحكم القانون، وسيادة النظام... ليس هناك بديل لحكم القانون سوى الفوضى، ولا بديل للسلام إلا الحرب.
لماذا تمنع حكومة الإنقاذ منظمات الإغاثة الدولية من العمل في منطقة النيل الأزرق؟
مما يثبت سوء نية حكومة الإنقاذ منعها منظمات الإغاثة الدولية من العمل في منطقة النيل الأزرق ، رغم ضخامة الكارثة ، ورغم عظم المأساة الإنسانية التي تتطلب تدخلا دوليا سريعا .
لقد كنت بمدينة الروصيرص في يومي الخميس والجمعة
الأول والثاني من سبتمبر، فما الذي جرى؟
لم يكن خافيا على جميع المتتبعين للأحداث، ان حكومة الإنقاذ كانت تحشد جيوشها، وتستعد عسكريا لحرب محتملة في أي وقت، كما ان الحركة الشعبية كانت تحشد حشودها من الجانب الآخر...لقد كانت تلك الإستعدادات أمرا مشهودا، ولم يكن هناك من سر في تلك التحركات العسكرية الواضحة.
إزاء هذا الوضع القابل للإنفجار، ونسبة للصلات الكثيرة التي تربطني بهذه المنطقة ، فقد جرت إتصالات عديدة بيني وبين الكثير من الأصدقاء الحادبين على إستقرار المنطقة وسلامتها... على ضوء ذلك قررت الحضور لمدينة الروصيرص لعمل أي شئ يمكن أن يساهم في نزع فتيل الأزمة، فقد عز علينا أن نقف متفرجين ومدينتنا الجميلة على وشك الإحتراق.
ولما كان الكثير من أصدقائنا لا ينتمون للحركة الشعبية ، أو المؤتمر الوطني، فقد كانت الفرصة سانحة للتوسط، لاسيما أن الوالي ملك عقار وبعض زعماء المؤتمر الوطني قد رحبوا بالفكرة، ووافقوا على الإجتماع بنا، ودراسة ما يمكن فعله لتجنب تفجر الأوضاع بصورة يصعب السيطرة عليها.
وصلت إلى مدينة الروصيرص في عصر يوم الخميس الأول من سبتمبر، ونزلت بمنزل أحد أقربائي وكان بصحبتي بعض الأصدقاء، وقد كان أغلبهم لا تربطه صلة بالنيل الأزرق سوى حب السلام والحرص على السودان والنية الصادقة في الحب والوئام.
فور وصولنا،تقاطر علينا إخوة كرام وأصدقاء قدامى ، وبعض الأقرباء، وقد كان بينهم بعض القياديين بالمؤتمر الوطني وبعض زعماء الإتحاديين والأمة والشعبي، والمستقلين الذين لا ينتمون لأي حزب.
لقد أجمع الحاضرون رغم تباين أفكارهم على مبادئ هامة، أولها : لا للحرب ، مهما كانت الأسباب، وأن اللجوء للسلاح سوف يعقد المشاكل ، وسوف لا يأتي منه خير أبدا، وثانيها أن حكومة الحركة الشعبية تحتاج إلى كثير من الترشيد ، فهم يأخذون عليها تهميش المثقفين والمواطنين الذين لا ينتمون إلى الحركة الشعبية، ولذلك فإنهم ينصحون بإعادة النظر في التعيينات التي تمت على أسس عنصرية ودون مراعاة لشروط الكفاءة و الخبرة والمؤهلات العلمية... كما يطالبون أيضا حكومة النيل الأزرق بالشفافية والمساواة وتطبيق مبادئ الحكم الرشيد.
بعد نهاية الإجتماع إتصلت هاتفيا بالوالي ملك عقار والذي وعد بالإجتماع بنا في مساء اليوم التالي أي يوم الجمعة الثاني من سبتمبر، للنظر في جميع المسائل المختلف عليها، وأكد لي أنه ضد قيام أي حرب في النيل الأزرق، ولكنه سيرد إذا تم الإعتداء على قواته.
لقد كان من المقرر أن نقابل بعض الشخصيات المرموقة في مدينة الروصيرص في نهار الجمعة، على رأسهم الناظر يوسف المك حسن عدلان ناظر عموم قبائل النيل الأزرق، والذي كان ولا يزال يبذل مجهودات مقدرة في رأب الصدع، ولكن تلك المقابلات لم تتم ، نسبة لوقوع الأحداث المؤسفة و نشوب الحرب اللعينة في نفس فجر ذلك اليوم، أو قبله بقليل.
لقد كنت شاهد عيان لكارثة إنسانية عظيمة و حكومة الإنقاذ منعت منظمات الإغاثة العالمية من
العمل في النيل الأزرق حتى لا ينفضح أمر المأساة ، وحتى يتسنى لها إكمال مخططها المبيت
لم نستطع الخروج من مدينة الروصيرص إلا بعد ظهر الجمعة، نسبة لغلق الجسر الوحيد الذي يربط الروصيرص بالدمازين والذي لم يفتح إلا في ساعة من نهار ، تمكنت فيها مع أصدقائي الخروج من مدينة الدمازين.
عند خروجنا من مدينة الدمازين، والتي صارت مدينة أشباح، شاهدنا على جانبي الطريق ، ولمسافة تربو على المائة كيلو متر، عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشبان والرجال، يسيرون على الأقدام، وهم يهيمون على وجوههم ، دون خبز ودون ماء... إنه منظر يقطع نياط القلوب، وتنفطر له الأكباد... وقد كان المحظوظون من هؤلاء البؤساء يركبون عربات الكارو أو الركشات أو العجلات والتي تعطل معظمها على جانبي الطريق.
هذا وقد تمكن المواطنون الأكثر حظا من الفرار من منازلهم ، أما بسياراتهم الخاصة، أو بالسيارات الحكومية، أو بالسيارات الحكومية، او بالمواصلات العامة من بصات وسيارات أجرة، والتي غادرت جميعها المدينة.
لم يظهر أهل المؤتمر الوطني، إلا في قرية ودالنيل البعيدة عن الدمازين، وهم يحملون بعض الماء و، وبعض الخبز، وهم يرددون " الله أكبر" في محاولات بئيسة، لإستغلال المأساة الإنسانية، وتوظيفها لإغراض السياسة.
لقد تم تشريد عشرات الآلاف من المواطنين ، وبالذات سكان المنطقة الأصليين من القبائل الأفريقية ، حتى صار الكثيرون من سكان جنوب الدمازين لاجئيين في أثيوبيا... أما بقية السكان فقد فر معظمهم شمالا كما تقدم، إذ ليس لهم أي خيار سوى ذلك.
لقد عطلت أهوال المأساة المدارس، وعرقلت أعمال المستشفيات، وخربت موسم الحصاد في هذه المنطقة الزراعية البالغة الأهمية، وقد غادر جميع الأجانب مواقع عملهم... ومن المؤسف حقا أن وسائل الإعلام الرسمية لم تعكس الحقيقة، بل طففتها والقت عليها ظلالا كثيفة من التحوير والتعتيم والتبديل وفقا لهوى حكومة الإنقاذ... وحتى قناة الجزيرة التي صورت طرفا من المأساة ، كانت تتحدث عن حوالي ثلاثة الآف من النازحين، بينما العدد الحقيقي ، مائة الف أو يزيدون.
لقد نشأت كتلة ثالثة بمدينة الروصيرص لاتنتمي للمؤتمر
الوطني ولا للحركة الشعبية، وقد كانت ولا زالت تنادي بالسلام
لقد كان الكثيرون من أبناء النيل الأزرق ، الذين لا ينتمون للفريقين المتحاربين، يستشعرون خطورة الموقف، وقد بذلوا بعض الجهود، وكونوا كتلة ثالثة لدرء خطر الحرب، ولكن دواعي الحرب المعقدة والمتشابكة، قد كانت أكبر من جهودهم ، وأكبر من جهودنا.
المطلوب الآن، مساندة هذه الكتلة الثالثة، وترشيدها وتنظيمها، وعلى جميع الأحرار والمفكرين في جميع أنحاء السودان التضامن مع هذا الشعب الصغير المهدد بالإبادة في أرضه، وفي عقر داره.
المطلوب الآن، إغاثة دولية عاجلة ، لا تقتصر على الغذاء والكساء والمأوى، وإنما تمتد لتشمل الدارس والمستشفيات، والتي تردت أحوالها.
فلندع صوت العقل يتحدث، فإن الأمل معقود في جهودك و في جهودي و جهود الثالث والرابع، فإن الشمعة الضئيلة تبدد ظلام الليل البهيم، وليس هناك ليل لا يتلوه فجر.
المطلوب الآن ، نشر ثقافة السلام الصحيحة، فإن التجارب البشرية الطويلة قد دلت على أن الحرب لا تحل مشكلة، ولكننا لا نتعلم من التجارب: " ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر* حكمة بالغة فما تغني النذر"
يحدوني أمل وطيد أن الحكمة سوف تبلغ نهايتها ، بإستقرارها في عقولنا، مما يغنينا عن نذارات جديدة، وعن تكرارالتجارب الفاشلة، وما ذلك على الله بعزيز... ويقولون: متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا... سلام هي حتى مطلع الفجر.
بدرالدين يوسف دفع الله االسيمت
كتبه في البحرين
في الحادي عشر من سبتمبر 2011
الموافق الثالث عشر من شوال 1432 هجرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.