ظلّت قضية صناعة الدستور( السودانى ) المتّفق عليه سودانياً ، محل جدل طويل ، و حوار متقطّع ، بين مكوّنات المجتمع السودانى - و بخاصة وسط قواه الحيّة - منذ عقود طويلة . و قد توالت عمليّات الإستقطاب الحاد و الإستقطاب المضاد ، و استمرت منذ عقود خلت ، حول طبيعة الدستور و ملامحه الأساسية . و كان - و ظلّ - الصراع يدور حول مصطلحى ومشروعى (الدستور المدنى الديمقراطى ) و ( الدستور الإسلامى ) بمختلف تسمياته و موديلاته . و قد بقيت مسألة الهويّة السودانية فى قلب و مركز كل النقاشات ، لأهميتها فى الوصول للدستور المنشود .دستور يحترم و يستوعب و يدير التنوّع الموجود فى المجتمع السودانى .و يكرّس لوحدة البلاد ، و يحميها من شرور وآفات النزاعات المسلّحة والحروب و التشرزم و العنف . و يغلق الباب - نهائياً - أمام إستمرار إجترار حالات الحلقة الشريرة ، المتمثّلة فى الإنقلابات العسكرية و المدنية على النظام الديمقراطى . حالياً ، يعكف " عباقرة " حزب المؤتمر الوطنى - فى دهاليزه العجيبة - على إعداد دستور " جديد لنج - موديل 2011 " ، يدشّن به عهد ( الجمهورية الثانية ) يكرّس للحكم الشمولى و الدولة الثيوقراطية . و يسعى بعض منظّريه على تغليف الفكرة بورق ( سولفان أبيض ) لتسويقها و بيعها تحت شعار( الدستور الإسلامى ). منطلقين من تصوّر خاطىء و مفهوم مغلوط و قصير النظر، مفاده أنّ ذهاب " جنوب السودان " و تأسيسه لدولته المستقلّة ، قد أسقط - نهائياً و للابد - التنوّع من خارطة السودان " الفضل " !. و جعل البلاد و العباد كتلة موحّدة ، يسكنها عرب و مسلمون فقط !. فسمعنا " أحاديث جديدة " و " آيات شيطانية " عن أن البلاد قد أصبحت - الآن - تتمتع بما يطلقون عليه - فى الغرف السرّية - بحالة من "النقاء العرقى " ، للدرجة التى بدأ فيها بعض " الغلاة " يطالبون بالتخلّص من الإسم القديم و تبعاته . و يبشّرون بتغيير إسم السودان - ربّما - إلى " بلاد البيضان " !. و تنزّلت علينا - فجأة - أرقام و نسب مئوية تدّعى أن " العروبة والإسلام" أصبحت تشكّل 98 فى المائة فى التكوين السكّانى ، مما يجعل فكرة تسويق الدستور الإسلامى مسألة يسهل " بلعها "، و إن كان يصعب "هضمها " فى الواقع !. فى الضفّة الأخرى من النهر، هناك شبه أتفاق يرى المعبّرون عنه ، أن دولة المواطنة و الديمقراطية و إحترام و تعزيز حقوق الإنسان ، هى الغايات الكبرى التى ينبغى أن يبنى على مبادئها أىّ دستور قادم . و أنّ باب ( وثيقة الحقوق ) الوارد فى الدستور الإنتقالى لعام 2005 ، يعتبر من أهم المكتسبات الجديدة فى عالم الدساتير السودانية . و ينبغى أن يحمل أىّ دستور جديد هذه القيم و يحافظ عليها. الجهود المخلصة و الصادقة . والحراك الإيجابى حول الدستور السودانى المطلوب ، الذى تبشّر به و تقوده و تعبّر عنه منظمّات المجتمع المدنى - و إن بدأت متفرّقة - تحتاج للتعرّف إليها و التعريف بمحتوياتها . كما تحتاج لفتح أوسع حوار مجتمعى حولها ، بهدف الوصول بها إلى غاياتها المنشودة فى صناعة دستور سودانى حديث ، يعبّر عن آمال و تطلّعات الشعب السودانى بكل مكوّناته . دستور يضمن الإتفاق عليه . و يشعر كل مواطنة و مواطن أنّهما جزء أصيل فى عملية صناعته . و لديهم الإستعداد و القوّة و الرغبة للدفاع عنه و التبشير بقيمه . و قد بدأنا نسمع لغة و تعبيرات و مفاهيم جديدة مثل( جندرة الدستور ) مضافاً إلى مدنيته و ديمقراطيته . فى مثل هذه الظروف و الملابسات ، هناك ضرورة موضوعية و قصوى لوجود و بناء تحالف قوى يحمل رؤى المجتمع المدنى وتصوّراته للدستور المرتقب. و لن يتأتّى ذلك ، دون إعلاء رايات العمل والتنسيق المشترك . و التواضع على صيغة موحّدة متفق عليها من الجميع ، يتم التداول حولها بديمقراطية وشفافية عالية.و من المؤمّل و الممكن - جدّاً - أن تكون الصحافة الحرّة و الشراكة معها ، هى رأس الرمح فى عملية المناصرة . و من هنا نبدأ . فالشعب يريد توحيد الجهود ، لا تشتيتها . فلنبدأ عملية المناصرة اليوم قبل الغد !.