سلطان دار مساليت: إرادة الشعب السوداني وقوة الله نسفت مخطط إعلان دولة دارفور من باريس    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    موقف موسى هلال يجب أن يسجل في دفاتر التاريخ    الخال والسيرة الهلالية!    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    نائب البرهان يصدر توجيها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    بمشاركة أمريكا والسعودية وتركيا .. الإمارات تعلن انطلاق التمرين الجوي المشترك متعدد الجنسيات "علم الصحراء 9" لعام 2024    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذهب اختزال مصطلح "التهميش" في دلالته العرقية :قراءه نقدية .. بقلم: د.صبري محمد خليل
نشر في سودانيل يوم 06 - 07 - 2017

د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تمهيد : شاع في الخطاب السياسي السوداني في العقود الاخيره استخدام مصطلح " التهميش " ، بصيغ متعددة (الهامش،المناطق المهمشة،التهميش) ، وقد ساهم في هذا الشيوع اشتمال بيان الحركة الشعبية لتحرير السودان "المانفستو" الصادر عام 1983م على مصطلحي (Centre ) "المركز"،و( Periphery) " الأطراف"، وثيقي الصلة بالمصطلح، تأثرا بالايديولوجيه الماركسية حينها. غير أن كثير من هذه الاستخدامات خاطئ ، وهذه الدراسة هي قراءه نقدية لأحد هذه الاستخدامات الخاطئة للمصطلح ، ممثله في المذهب الذي يختزل المصطلح في بعده العرقي ، والذي يتناقض مع الدلالة الاصليه "التاريخية" للمصطلح ، والسياق الفكري- التاريخي الذي ظهرت فيه ، فضلا عن تناقضه مع التعدد الدلالي للمصطلح ، طبقا لتعدد أبعاد المشكلة التي يعبر عنها .
أولا: الدلالة الاصليه "التاريخية" للمصطلح (مدرسه التبعية ذات المنطلقات الماركسية): ترجع الدلالة الاصليه "التاريخية" لمصطلح التهميش إلى كتابات ما أطلق عليه اسم مدرسه التبعية ، التي يمكن اعتبارها محاوله لتطوير أو تجديد الماركسية ، وهى ترجع سبب التخلف الاقتصادي للدول النامية إلى سيطرة النظام الاقتصادي الراسمالى العالمي على اقتصاديات هذه الدول ، وقد ظهرت للرد على نظرية "التحديث" الليبرالية / الراسماليه، التي تفترض أن سبب التخلف الاقتصادي لهذه الدول ، هو أنها لم تندمج في النظام الاقتصادي الراسمالى العالمي، وتعرضت هذه المدرسة للنقد من جهة كونها تركز على الأسباب الخارجية للتخلف الاقتصادي للدول النامية "كالاستعمار والتبعية.."، لكنها تجاهل دور أسبابه الداخلية " كالاستبداد والفساد وانخفاض مستوى التعليم والتقنية..." ، ومن ابرز أعلام هذه المدرسة: أندري غوندر فرانك (Andre Gunder Frank) / سرجيو باغو( Sergio Bagú ) / فرناندو هنريك كاردوزو (Fernando Henrique Cardoso) / سلسو فورتادو ( Celso Furtado ) / راؤول بربيش (Raúl Prebisch) . ومن ابرز المفكرين الاقتصاديين العرب الذين اخذوا بهذه النظرية دكتور/ سمير أمين الذي تأثر بالأخير( الاقتصادي الأرجنتيني راؤول بربيش ) ، فاستخدم مصطلحي ( المركز والأطراف " الهامش" ) لصياغة نظرية مضمونها إن المظهر الأساسي للتناقص في النظام الرأسمالي العالمي، هو ذلك الذي يضع مركزه (الدول الراسماليه المتقدمة المسيطرة) ، في مواجهه أطرافه " الدول النامية التابعة " .
ثانيا: التعدد الدلالي للمصطلح طبقا لتعدد أبعاده: بالاضافه إلى الدلالة الاصليه " التاريخية " لمصطلح التهميش المذكورة أعلاه، فان المصطلح يتصف بالتعدد الدلالي،الناتج عن تعدد أبعاد"مستويات " المشكلة التي يعبر عنها ، ومن هذه الدلالات:
ا/ الدلالة السياسية للمصطلح : ومضمونها انفراد حزب أو فئة بالسلطة دون الشعب.
ب/الدلالة الاقتصادية للمصطلح: ومضمونها انفراد فئة (طبقه) بالثروة دون باقي الفئات، وهى الدلالة التي تركزت عليها مدرسه التبعية - كما اشرنا عن الحديث عن الدلالة الاصليه التاريخية للمصطلح- اتساقا مع كون الماركسية تركز على دور العوامل الاقتصادية،دون غيرها من عوامل.
ج/ الدلالة النوعية للمصطلح: ومضمونها شيوع الثقافة الذكوريه، التي تقصى المراْه وتسلبها حقوقها...
د/ الدلالة العرقية للمصطلح: ومضمونها الاستعلاء العرقي التي تمارسه جماعه أو جماعات ذات أصول عرقيه معينه .
ثالثا: التعدد الدلالي للمصطلح طبقا لتعدد فلسفاته: كما يتصف مصطلح "التهميش "بالتعدد الدلالي،الناتج عن تعدد الفلسفات ومناهج المعرفة المستخدمة في تناوله .
مصطلح سالب: وإذا انتقلنا إلى تحديد طبيعة مصطلح التهميش، فإننا نجد أن المصطلح على تعدد دلالاته هو مصطلح سالب وليس موجب، بمعنى أن المصطلح يصف مشكله معينه (هي مشكله التهميش) ولا يتضمن اى حل لهذه المشكلة ، فالاتفاق على وجود مشكله التهميش ، لا يحول دون الاختلاف حول طبيعة هذه المشكلة، أو طبيعة حل هذه المشكلة.
نقد مذهب اختزال المصطلح في دلالته العرقية: وفيما يلي نعرض لأوجه نقد مذهب اختزال مصطلح التهميش" في بعده العرقي .
أولا: التناقض مع التعدد الدلالي للمصطلح: ان هذا المذهب يتناقض مع الدلالة الاصليه "التاريخية" للمصطلح ، والسياق الفكري- التاريخي الذي ظهرت فيه " وهى دلاله اقتصاديه" ، فضلا عن تناقضه مع التعدد الدلالي للمصطلح"فهو ذو دلالات سياسيه، اقتصاديه، نوعيه...متعددة" ، طبقا لتعدد أبعاد المشكلة التي يعبر عنها .
ثانيا :التناقض مع الواقع الاجتماعي السودانى: كما أن اختزال هذا المذهب لمصطلح التهميش في بعده العرقي، ثم تختزل الأخير في الاستعلاء العرقي الذي تمارسه جماعات قبليه سودانيه معينه "الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العرقية العربية" ،و التي يطلق عليهم اسم العرب أو الشماليين ،يتناقض مع الواقع الاجتماعي السوداني من عده أوجه:
ا/ فهذا المذهب يتناسى أن الاستعلاء العرقي هو من بقايا الطور القبلي، ويسود في كل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية، كمحصله لتخلف النمو الاجتماعي للمجتمع السوداني ككل. فالعنصرية هي نمط تفكير وسلوك سلبي من مخلفات الطور القبلي، الذي معيار الانتماء إليه العرق، وسبب استمرارها هو تخلف النمو الاجتماعي والحضاري،لذا يجب العمل المشترك والتدريجي على القضاء عليها بالقضاء على أسبابها ، وليس تحميل مسئوليه شيوعها في المجتمع لجماعات قبليه أو شعوبيه معينه على وجه الانفراد، وإعفاء غيرها من جماعات قبليه من هذه المسئولية .
ب/ أن هذا المذهب يفهم العروبة فهما عرقيا، فهو هنا يلتقي مع المذهب الذي ظهر كرد فعل عليه ، وهو مذهب العصبية القبلية العربية، وهذا الفهم العرقي للعروبة يتناقض مع حقيقة اختلاط الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العرقية العربية بغيرها من الجماعات السودانية ذات الأصول العرقية غير العربية بدرجات متفاوتة. فضلا عن أن الجماعات القبلية ذات الأصول العرقية العربية الأقل اختلاطا بغيرها كالزبيديه والرشايده واقعه تحت إطار التهميش ، بل لقد اختارت فئات منها في وقت ما التحالف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان(الأسود الحرة).
ج/ أن كثير من الجماعات السودانية ذات الأصول العرقية العربية تتعرض أيضا للاستعلاء العرقي من جماعات قبليه وشعوبيه سودانيه ذات أصول عرقيه غير عربيه ، ومن مظاهره في استخدامها للفظ "عربي" بدلاله سلبيه، مضمونها عدم التحضر، نتيجة الخلط بين احدي دلالات لفظ عربي بمعنى البدوي- ما يقابل الأعراب في القرآن الكريم- وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، والعروبة كطور تكوين اجتماعي متقدم عن أطوار التكوين الاجتماعي القبلي والشعوبي،هو الطور القومي"طور الامه".فضلا عن تعرض كثبر من هذه الجماعات للتهميش ، كغيرها من جماعات قبليه سودانيه أخرى.
د/ أما لفظ شمالي فذو دلالات جغرافيه متعددة، فيعنى كل السودان ماعدا الجنوب، و يعنى سكان الولاية الشمالية، غير انه لا يتطابق مع لفظ عربي طبقا لهذا المذهب، لأنه ينفى صفه العروبة عن القبائل ذات الأصول العرقية النوبية " الحلفاويون والمحس والسكوت والدناقلة" وهم نصف سكان الولايات الشمالية، وهو يستدل على ذلك بكونها تستخدم لغة شعوبيه خاصة، تتفرع إلى لهجات قبليه متعددة، في حين أن استخدامها لهذه اللغة الخاصة ، لم يلغي اشتراكها مع غيرها من جماعات قبليه سودانيه ، في استخدام اللغة القومية المشتركة "اللغة العربية" .
ه/ أن الولايات الشمالية والوسطى ليست اقل تهميشا من غيرها من الولايات ، بإقرار كثير من قيادات الحركة الشعبية تحرير السودان ، فضلا عن دعوتها لسكان هذه الولايات للانضمام إليها.
و/ أن التهميش السياسي والاقتصادي يعنى انفراد فئة بالسلطة والثروة دون باقي الشعب، بما فيه الجماعات القبلية والشعوبية التي تنتمي إليها تلك الفئة .وبالتالي فان الاشتراك في الانتماء القبلي أو الشعوبي، لا يعنى الاشتراك في تهميش الغير ، ولا يضمن عدم الوقوع ضحية التهميش .
ى/ من المعلوم أن هناك فوارق بين الريف و المدن ، وداخل المدن بين أحيائها المختلفة في كل المجتمعات ، حتى تلك المتجانسة عرقيا ،نتيجة لأسباب متعددة ، أهمها شيوع النظام الاقتصادي الراسمالى على مستوى العالم كله ، فالتهميش غبر مقصور على السودان أو غيره من المجتمعات التي تسود فيها العنصرية، نتيجة لشيوع القبلية فيها .
ثالثا: استبدال وحده مطلق بأخرى: و مذهب اختزال مصطلح التهميش في بعده العرقي يلزم منه استبدال وحدة مطلقه في مجال الهوية وغيرها من مجالات "سياسيه/ اقتصاديه/ قانونيه..." بأخرى ، فهذا المذهب يتجاوز الرفض"المشروع" لمذهب العصبية القبلية العربية ، الذي يتحدث عن العرب الحاليين كما لو كانوا سلاله عرقيه لعرب الجاهلية، اى يخلط بين العرب – في الطور القومي "طور الامه" ، الذي معيار الانتماء إليه لغوى لقول الرسول(صلى الله عليه وسلم) " من تكلم العربية فهو عربي "،والعرب في الطور القبلي الذي معيار الانتماء إليه النسب "الإعراب" ، لان هذا المذهب يلزم منه إقصاء الجماعات ذات الأصول العرقية غير العربية، فينتقل هذا المذهب إلى الرفض "غير المشروع " لعلاقة الانتماء العربية للشخصية الحضارية العامة السودانية، ذات المضمون اللساني غير العرقي، والتي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة القومية المشتركة لكل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية،بصرف النظر عن أصولها العرقية او لهجاتها القبلية أو لغاتها الشعوبية الخاصة . . كما يتجاوز هذا المذهب الرفض "المشروع" للمذاهب التي ينسبها أصحابها إلى الإسلام ، والتي يلزم منها إقصاء غير المسلمين- والتي تتناقض في حقيقة الامر مع جوهر الإسلام- إلى الرفض"غير المشروع " إلى الإسلام كدين ، والذي اقر مفهوم المواطنة "وثيقة المدينة"، وحمى حقوق الأقليات الدينية...وأسس للتعايش الديني... ، وعلاقة الانتماء الاسلاميه للشخصية السودانية، ذات المضمون الديني -الحضاري فالإسلام ليس دين فقط، بل دين وحضارة، فإذا كان الإسلام كدين مقصور على المسلمين ،فانه كحضارة يشمل المسلمين وغير المسلمين؛ فالإسلام ليس دين المسلمين السودانيين فقط، بل هو مصدر لكثير من القيم الحضارية- التى تتضمن الكثير من العادات والتقاليد ذات المصدر الاسلامى- للشخصية الحضارية العامة السودانية (التي تشمل السودانيين المسلمين وغير المسلمين). وبهذا يتحول هذا المذهب إلى محاوله فاشلة لإلغاء علاقات الانتماء العربية الاسلاميه للشخصية الحضارية العامة السودانية ، وتأخذ هذه المحاولة أشكال عده منها: الهجوم على الثقافة العربية الاسلاميه كالقول بوجود مركزية عربية إسلاميه على غرار المركزية الاوربيه، وتبنى مقولات نقاد المركزية الاوربيه (الاغتراب،المركز والهامش، الاستعمار...) وتطبيقها على الهوية الحضارية لهذه الشعوب في علاقتها بعلاقات انتمائها العربية الاسلاميه ، والدعوة إلى استبدال اللغة العربية بلغه أخرى(كالانجليزية "لغه المستعمر"). ، وسبب فشل هذه المحاولة أنها محاوله لاقتلاع الشخصية الحضارية لهذه الشعوب من جذورها الحضارية، وهنا وجه الالتقاء بين هذا المذهب والتغريب.
رابعا:افتراض ان علاقة الانتماء الافريقيه اجتماعيه حضاريه وليست جغرافيه قاريه: وينطلق هذا المذهب فى اغلب الأحيان من مذهب يفترض أن الأصل في علاقة الانتماء الافريقيه للشخصيات العامة الحضارية المتعددة للأمم والشعوب والقبائل .. القاطنة في إفريقيا- ومنها الشعب السوداني- أنها علاقة انتماء اجتماعيه حضاريه ، ووجه الخطأ في هذا المذهب أن لعلاقة الانتماء الافريقيه مضمونين: مضمون رئيسي جغرافي قاري ، وهذا يعنى أن الأصل فيها هو كونها علاقة انتماء جغرافيه قارية ، ومضمون ثانوي اجتماعي حضاري ، اى وجود قيم اجتماعيه وحضاريه مشتركه بين الأمم والشعوب والقبائل القاطنة في أفريقيا، لكن لا توجد وحده اجتماعيه وحضاريه بينها.
افتراضات خاطئة: وينطلق هذا المذهب من عدد من الافتراضات الخاطئة ومنها:
ا/ إفريقيا هي وحده اجتماعيه حضاريه واحده ( أمه ): وهو ما يتناقض مع حقيقة أن قارة أفريقيا تضم العديد من الأمم والشعوب والقبائل التي لم يرقى ما هو مشترك بينها (تفاعل مجتمعاتها مع البيئة الجغرافية المشتركة) إلى أن تكون أمه واحده .
ب/ الوحدة الافريقيه دوله بسيطة: اتساقا مع هذا الافتراض الخاطئ فان هذا المذهب يفهم الوحدة الافريقيه على أنها دوله بسيطة أو إتحاديه( فيدرالية)، وهو ما يتناقض مع واقع أن كثير من الدول الافريقيه،لم تستطيع أن تحافظ على وحده الدولة ذات الشكل البسيط أو الفيدرالي ، نتيجة للحروب الاهليه، الناتجة عن الصراع القبلي داخل حدودها.:. ، فان أقصى ما يمكن تحقيقه من وحدة افريقية هو إنشاء هيئات مشتركه بين الأمم والشعوب الافريقيه، تنوب عنها في ممارسه بعض السلطات الداخلية والخارجية،وهو ما عبر عنه في الفكر السياسي الحديث بالدولة تعاهديه( الكونفدراليه).
ج/ علاقة الانتماء الافريقيه تلغى علاقات الانتماء الحضارية الأخرى: فهي تقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء القومية "العربية" للشعوب العربية المسلمة القاطنة في إفريقيا – وخاصة الشعوب التي تشكلت - من ناحية عرقيه - من خلال اختلاط العرب مع جماعات قبليه وشعوبيه غير عربيه كالسودانيين والصوماليين والارتريين...في حين أن علاقة الانتماء العربية ذات مضمون لساني - حضاري غير عرقي،فمضمونها أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية لهذه الشعوب بصرف النظر عن أصولها العرقية، أو لهجاتها القبلية ولغاتها الشعوبية الخاصة .كما تقتضى إلغاء علاقة الانتماء الدينية " الاسلاميه " لهذه الشعوب ، في حين أن الإسلام هو واحد من أكثر الأديان انتشارا في إفريقيا- بالاضافه إلى الدين المسيحي-فضلا عن أن علاقة الانتماء الاسلاميه ذات مضمون ديني- حضاري ، و تعنى أن الإسلام لا يقتصر على الإسلام كدين، بل يمتد فيشمل الإسلام كحضارة، وبالتالي فانه أذا كان الإسلام كدين يقتصر على المسلمين من هذه الشعوب ،فانه كحضارة يشمل المسلمين وغير المسلمين من هذه الشعوب، فهو مصدر لكثير من القيم الحضارية للشخصية العامة الحضارية "الوطنية" "المسلمة وغير المسلمة" لهذه الشعوب .
د/المطابقة بين مصطلحي افريقى وحامى: وهو ما يتناقض مع حقيقة أن الجنس الحامي (الزنجي) يتوزع في كل قارات العالم ،كما أن قارة إفريقيا تضم بالاضافه إلى الحاميين، الحاميين- الساميين (كالسودانيين والارتريين والصوماليين والإثيوبيين...)،والسامين(كشعوب العربية شمال القارة)،وحتى بعض الآريين (ومنهم بعض الأوربيين الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا وغيرها...)، أما تقسيم سكان أفريقيا إلى محليين ووافدين ، لتبرير هذا التنوع العرقي في أفريقيا، فهو لا يصح إلا في حاله الحديث عن بعض الأوربيين الذين استوطنوا جنوب القارة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان الشعب المصري الافريقى الانتماء الجغرافي، رغم انه لا ينتمي إلى الجنس الحامي، فهو محصله اختلاط الشعب المصري القديم (الفرعوني)(السامي) مع العرب (الساميين)، فان جذوره ترجع إلى أربعه ألف عام .
خامسا: تكريس الانفصال: ويلزم من مذهب اختزال مصطلح التهميش في بعده العرقي تكريس الانفصال، بدلا من الدعوة إلى الوحدة ، مع العمل المشترك على حل مشكله التهميش ، مرجع ذلك أن هذا المذهب يلزم منه استبدال وحدة مطلقه بأخرى، وذلك لأنه ظهر كرد فعل ذاتي "عاطفي" ، على المذاهب التي يلزم منها الوحدة المطلقة "كمذهب العصبية القبلية العربية " ،وليس كحل موضوعي"عقلاني" لمشكله التهميش. ولا يمكن أن يتحقق اى مذهب للوحدة المطلقة في الواقع بشكل كامل إلا من خلال خيارين ، الأول هو القضاء على الأخر"القبلي او الشعوبي"، رغم انه ينتمي إلى ذات الوطن الواحد، وهو خيار مستحيل في عصرنا،والثاني هو الانفصال عن هذا الأخر وهو الخيار الممكن. وهذا ما يفسر لنا غلبه التيار الانفصالي على التيار الوحدوى في الحركة الشعبية لتحرير السودان، وما ترتب على هذا من تغليب لخيار الانفصال، وهذا الخيار لا يؤدى إلا إلى مزيد من التفتيت ، وهو ما يفسر لنا قيام صراع قبلي مسلح فى جنوب السودان بعد انفصاله عن الشمال ، وظاهره الانشقاقات المتوالية فئ الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال.
تغليب خيار الوحدة وتجاوز مذهب اختزال التهميش فى بعده العرقي: لذا فان تحقيق الاستقرار فى جنوب السودان- وشماله- يقتضى العمل على ضمان عدم التراجع خطوات أخرى للوراء بمزيد التجزئة " التفتيت" ، وذلك عبر التوافق بين النخب السياسية الجنوبية والشمالية ، على جمله من القواعد والقوانين والاتفاقيات..القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية...التي تتيح للروابط الموضوعية "الجغرافية،التاريخية،الاجتماعية،الحضارية..."،التي ستظل تشد اجزاء الوطن رغم الانفصال السياسي، و تقلل من مقدره الحدود السياسية على تعطيلها، والعمل على حل الخلافات عبر التفاوض، والتوافق على تحقيق الاستقرار في جنوب السودان وشماله، والعمل على اتخاذ كل الخطوات الممكنة اتجاه الوحدة وفق أسس واقعيه عمليه ومن أمثلتها "الكونفدراليه".غير أن تغليب خيار الوحدة يتضمن ضرورة إجراء مراجعه فكريه شامله للمفاهيم السياسية السائدة ، تتضمن تجاوز مذهب اختزال التهميش فى بعده العرقي، والإقرار بالتعدد الدلالي لمصطلح التهميش، كتعبير عن تعدد أبعاد مشكله التهميش التي يعبر عنها .
سادسا:تدعيم التمييز العنصري بدون قصد: كما أن هذا المذهب رغم انه ظهر كرد فعل على المذاهب التي يلزم منها التمييز العنصري، إلا انه يلتقي معها في بعض أسسها النظرية، وهو بهذا يساهم في تدعيم هذه المذاهب بدون قصد، ذلك أن مذاهب التمييز العنصري تعطى للون الأسود وغيره من الخصائص الفسيولوجية للجنس الحامي دلاله اجتماعيه سالبه، بينما هذا المذهب يعطيها دلاله ايجابيه، بينما مناهضه التمييز العنصري تستند إلى مقوله علميه ، هي أن الناس لا يتميزون فيما بينهم بألوانهم وخصائصهم الفسيولوجية الأخرى، وبالتالي تستند إلى أن اللون وغيره من الخصائص الفسيولوجية ذو دلاله محايدة اجتماعيا(وليست سالبه أو ايجابيه) ،
سابعا: التناقض مع النسق الفكري للمصطلح: كما نجد العديد من الكتاب السودانيين الذين ينطلقون من مذهب اختزال مصطلح التهميش في بعده العرقي، في تحليلهم للواقع الاجتماعي السوداني ، والذين يستخدمون مصطلح "تهميش" طبقا لدلاله تتناقض مع النسق الفكري الذي ينطلقون منه. فبعضهم ينطلق من المذهب الماركسي"ذو المضمون الانسانى "الاممى" غير العرقى"، والذي يركز أساسا على التهميش الاقتصادي الطبقي الذي تمارسه الطبقة السائدة على الطبقات المسودة. كما ان بعضهم ينطلق من المذهب الليبرالي، الذي يركز أساسا على التهميش السياسي ، والذي يستند إلى مفهوم المجتمع المدني، والذي من شروطه عدم الاستناد إلى روابط الدم " العشائرية والقبلية."
ثامنا:الموقف السلبي من القومية العربية: ويتخذ أنصار مذهب اختزال مصطلح "التهميش" في بعده العرقي، موقف سلبي من القومية العربية ، يرتكز أساسا على اتهامها بالعنصرية، ويستند بصوره أساسيه إلى اختزال هذا المذهب لمصطلح التهميش في بعده العرقي، ثم يختزل الأخير في استعلاء عرقي ، تمارسه جماعات قبلية سودانية ذات الأصول العرقية العربية، على غيرها من جماعات سودانيه ذات أصول عرقيه غير عربيه.
تصورات خاطئة للقومية العربية: كما يستند هذا الموقف السلبي من القومية العربية أيضا إلى تصورات خاطئة للقومية العربية ومنها :
ا/ الخلط بين مذهب العصبية القبلية العربية و القومية العربية: بينما الأول يتحدث عن العرب الحاليين ( اى العرب في الطور القومي"طور الامه" )، كما لو كانوا سلاله عرقيه لعرب الجاهلية،اى لو كانوا لا يزالوا في الطور القبلي ، الذي معيار الانتماء إليه النسب ، لذا ينظر هذا المذهب للعروبة من معيار عرقي ، أما القومية العربية فهي علاقة انتماء إلى الامه العربية ،فهي تتصل بالعرب في الطور القومي "طور الامه" ، الذي معيار الانتماء إليه لغوى لقول الرسول(صلى الله عليه وسلم) (من تكلم العربية فهو عربي )،لذا فان القومية العربية- كعلاقة انتماء أو كمذاهب- تنظر للعروبة من معيار لغوى غير عرقي .
ب/ الخلط بين القومية العربية كعلاقة انتماء وكحركة سياسيه : فالقومية العربية ، كعلاقة انتماء للشخصية لحضاريه للشعوب العربية ، ذات مضمون لساني "لغوى" غير عرقي، فهي غير عنصريه، اما القومية العربية كحركات سياسيه إيديولوجيات "مذاهب سياسيه" فلا يمكن اتهامها بالعنصرية ما لم تقر بذلك"نظريا أو فعليا".
ج/الخلط بين المذاهب القومية العربية المتعددة: فلا يجوز التحدث عن القومية العربية كما لو كانت مذهب واحد، بينما الواقع من الأمر أنها مذاهب متعددة ،وبالتالي بفرض وجود مذهب عنصري، لا يمكن اتهام جميع المذاهب بالعنصرية.
د/ تجاهل أن هدف الحركة القومية العربيه التحرر من الاستعمار وليس استعمار أمم أخرى: كما يتجاهل كثير من أنصار هذا المذهب أن هدف الحركة القومية العربية في كل مراحلها التاريخية كان هو التحرر من الاستعمار بكافه أشكاله وليس استعمار أمم والشعوب أخرى"كما في الحركات القومية الاوربيه كالنازية)، فقد ظهرت أولا كرد فعل على حركه التتريك ، والتي تبنتها الحركة الطورانيه العلمانية ، التي تهدف إلى فرض اللغة التركية، وإلغاء اللغة والهوية العربية للامه العربية ،والتي حولت الدوله العثمانية من دوله مشتركه بين وأمم وشعوب مسلمه كالعرب والأتراك، إلى دوله لاستعمار الأتراك للأمم والشعوب الأخرى.كما ظهرت الحركة القومية العربية بعد النصف الثاني من القرن العشرين بعد قيام ثوره 23 يوليو 1952 بقياده قائدها جمال عبد الناصر بهدف التحرر من الاستعمار القديم ،وهو ما نجحت فى تحقيقه، وتهدف الحركة القومية العربية المعاصرة الى التحرر من الاستعمار الجديد"اى مناهضه السياسات الامبريالية الامريكيه في المنطقة العربيه بتحقيق حد ادني من الوحدة والتضامن بين الشعوب العربية "..
ه/ تجاهل الموقف الايجابي لحركه التحرر القومي العربي من الاستعمار من حركات التحرر الوطني الافريقى: كما يتجاهل بعض أنصار هذا المذهب الموقف الايجابي لحركه التحرر القومي العربي من الاستعمار، بقياده الزعيم الراحل جمال عبد الناصر (رحمه الله تعالى ) ،من حركات التحرر الوطني الافريقى على المستويين النظري والعملي :
أولا : المستوى النظري: فعلى المستوى النظري نجد أن الوثائق النظرية للتجربة الناصرية الاساسيه قد اتخذت موقفا ايجابيا من علاقة الانتماء الافريقيه :
ا/ إقرار علاقة الانتماء الافريقيه: حيث أقرت هذه الوثائق بعلاقة الانتماء الافريقيه للشعوب العربية التي تعيش في قارة إفريقيا (بالاضافه إلى علاقات الانتماء الأخرى كعلاقات الانتماء العربية والاسلاميه)،ورد في ميثاق العمل الوطني ( إن شعبنا ينتمي إلى القارتين ( إفريقيا وآسيا) اللتين تدور فيهما الآن أعظم معارك التحرير الوطني وهو أبرز سمات القرن العشرين) و ( إن شعبنا يعيش على الباب الشمالي الشرقي لإفريقيا المناضلة وهو لا يستطيع أن يعيش فى عزله عن تطورها السياسى والاجتماعي والاقتصادي).
ب/ رفض التمييز العنصري: كما رفضت هذه الوثائق التمييز العنصري الذى يضمر اتخاذ موقف سلبي من علاقة الانتماء الافريقيه ، ورد في ميثاق العمل الوطني ( إن إصرار شعبنا على مقاومة التميز العنصري هو إدراك سليم للمغزى الحقيقي لسياسة التمييز العنصري..إن الاستعمار فى واقع أمره هو سيطرة تتعرض لها الشعوب من الأجنبي بقصد تمكينه من استغلال ثرواتها وجهدها..وليس التمييز العنصري إلا لونًا من ألوان استغلال ثروات الشعوب وجهدها..فإن التمييز بين الناس على أساس اللون هو تمهيد للتفرقة بين قيمة جهودهم..).
ج/الوحدة الافريقيه: كما دعت هذه الوثائق إلى تحقيق الوحدة الافريقيه، التي هي ترجمه سياسيه لعلاقة الانتماء الافريقيه المشتركة بين المجتمعات الافريقيه ،ورد في ميثاق العمل الوطني (إذا كان شعبنا يؤمن بوحدة عربية فهو يؤمن بجامعة إفريقية ويؤمن بتضامن آسيوي إفريقي).
ثانيا: المستوى العملي : أما على المستوى العملي فقد ترجمت المواقف الايجابية لمصر في العهد الناصري من حركه التحرر الافريقى من الاستعمار، هذا الموقف الايجابي من علاقة الانتماء الافريقيه : فقد ساندت مصر حينها كل حركات التحرير الإفريقية في شرق القارة( الصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا)،وغربها( غانا وغينيا ونيجريا)،ووسطها(الكونغو"زائير")، وجنوبها(روديسيا وانجولا وموزمبيق)، كما فتحت مصر حينها أبوابها للاجئين من الزعماء السياسيين الافارقه، و لعب الإعلام المصري حينها دورًا كبيرًا مؤثرًا في مساندة حركات التحرر في إفريقيا.كما كان لمصر حينها دور فاعل في قيام منظمة الوحدة الإفريقية وصدور ميثاق"منظمة الوحدة الإفريقية".25 مايو 1963، وقد أجمعت كل الدول الإفريقية على عقد المؤتمر الثاني للمنظمة بالقاهرة ،تقديرًا للدور الذي بذلته مصر من أجل قيام منظمة الوحدة الأفريقية.واستضافت مصر هذا المؤتمر في 18 يوليو 1964 ....(عبد الناصر وأفريقيا..زعيم قاد قارة / صبري غنيم . ثورة يوليو 1952وأفريقيا / د.السعيد البدوي).
و/ افتراض أن مذهب التفسير السياسي للدين " الإسلام السياسي " يتخذ موقف ايجابي من القومية العربية : كما يفترض كثير من أنصار هذا المذهب أن مذهب التفسير السياسي للدين "الذي يعبر عنه البعض خطا بمصطلح " الإسلام السياسي" يعبر عن الإسلام كدين،ويمثل المسلمين،ويترتب على هذا الافتراض الخاطئ ، نسبه التهميش الذي تمارسه الجماعات والتنظيمات والحركات السياسية التي تتبنى هذا المذهب ،على غير المسلمين إلى الإسلام والمسلمين ، كما يفترض هؤلاء أن هذا المذهب يتخذ موقف ابجابى من القومية العربية،ويترتب على هذا الافتراض الخاطئ نسبه التهميش الذي تمارسه الجماعات والتنظيمات والحركات السياسية التي تتبنى هذا المذهب ،على الجماعات القبلية والشعوبية ذات الأصول العرقية غير العربية إلى القومية العربية. وفيما يلي نبين أوجه الخطأ في هذين الافتراضين.
1- الإسلام السياسي مذهب لجماعه من المسلمين وليس دين لجماعه المسلمين: فالتفسير السياسي للدين "الإسلام السياسي" هو مذهب - اى هو اجتهاد بشرى متغير- وليس هو الدين الاسلامى- اى ليس وضع الهي ثابت- وان نسبه أصحابه للدين الاسلامى- وبالتالي فان لا يجوز نسبه ما فيه من أخطاء إلى أصحابه وليس إلى الدين الاسلامى، كما أن الجماعات والتنظيمات والحركات السياسية التي تتبنى هذا المذهب هي جماعه من المسلمين وليست جماعه المسلمين – وان ادعت بعضها ذلك -
2- تناقض مضمون مذهب التفسير السياسي للدين "الإسلام السياسي" مع التدين الشعبي : وإذا تناولنا مضمون مذهب التفسير السياسي للدين فإننا نخلص إلى انه مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة ، يقوم على إثبات العلاقة بينهما ، ولكنه يتطرف في هذا الإثبات إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط. فهذا المذهب لا يتسق مع المنظور السياسي الاسلامى ، الذي يجعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة وحدة وارتباط " وليست علاقة خلط أو تطابق كما في الثيوقراطيه "، لان السلطة في المنظور السياسي الإسلامي مقيده بمفاهيم وقيم قواعد كليه ، مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعي الدلالة "كالشورى والعدل والمساواة.... .وعلاقة تمييز"وليست علاقة فصل كما في العلمانية" ، لان الإسلام- ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت والاجتهاد ككسب بشرى متغير. كما أن هذا المذهب يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجه من الدين، حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة والوسيلة هي الدين، بينما الدين هو الأصل" الغاية" والسياسة هي الفرع" الوسيلة" ، وهو ما أشارت إليه كثير من النصوص كقوله تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ...)( الحج). ومرجع التطرف مذهب التفسير السياسي للدين في إثبات العلاقة بين الدين والدولة أن هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة كرد فعل على الليبرالية والتي باستنادها إلى العلمانية نفت اى علاقة للدين بالدولة. وطبقا للتعريف السابق فان هذا المذهب هو بدعه في ذاته " اى يستند إلى مفاهيم بدعية "، ومن أهم هذه المفاهيم هو القول بان الامامه" بمعنى السلطة" أصل من أصول الدين وليست فرع من فروعه، وهو ما يخالف مذهب أهل السنة في الامامه ، والقائم على أن الامامه "بمعنى السلطه"هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله كما قرر علماء أهل السنة، يقول الامام الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ... ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363). كما أن هذا المذهب بدعه فيما يلزم منه اى يلزم منه مفاهيم بدعية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أولا: تكفير المخالف فى المذهب، وهو يخالف مذهب أهل السنة، القائم على اباحه الخلاف في فروع الدين دون أصوله، وبالتالي عدم جواز تكفير المخالف في المذهب، يقول ابن مفلح ( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)(الآداب الشرعية 1/186)، ثانيا:اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين:وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة : يقول تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104)..ويترتب على بدعية مذهب التفسير السياسي للدين ، ومخالفته لمذهب أهل السنة بتفريعاته الكلامي والفقفهيه المتعددة ، انه يتناقض مع التدين الشعبي السائد في اغلب الأمم والشعوب المسلمة- ومنها الشعب السوداني- لان مذهب أهل السنه أصبح جزء من البنية الحضارية لهذه الشعوب والأمم ألمسلمه ، وشكل هوية التدين الشعبي فيها .
الموقف السلبي لمذهب التفسير السياسي للدين من القومية العربية: كما أن موقف مذهب التفسير السياسي للدين "الإسلام السياسي " من القومية العربية ، طبقا لمستواه النظري- في صيغته الاصليه - هو موقف سلبي ، فهو يرتب على تقريره علاقة الانتماء الاسلاميه بما هى علاقة انتماء دينيه إلغاء غيرها من علاقات الانتماء ومنها علاقة الانتماء العربية ، بما هي علاقة انتماء قوميه إلى أمه معينه هي الامه العربية ، ومرجع ذلك انه يتبنى مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي ، القائم على افتراضين خاطئين :الأول هو أن الإسلام ينكر وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي المتعددة،وهو افتراض يتعارض مع حقيقة إقرار الإسلام كدين لوحدات وأطوار التكوين الاجتماعي المتعددة وهى :الأسرة كما في قوله تعالى ﴿وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة﴾، وقوله تعالى ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾.والعشيرة كما في قوله تعالى ﴿وانذر عشيرتك الأقربين﴾ .والقبيلة والشعب كما فى قوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا . والامه التي مناط الانتماء إليها هو اللسان وليس النسب لقول الرسول (صلى لله عليه وسلم)(ليست العربية بأحد من أب ولا أم إنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي)، كما تتميز باستقرار الجماعات في الأرض، فتكون ديارها، قال تعالى ﴿أنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومني تولهم فأولئك هم الظالمون﴾ (الممتحنة:9) . الافتراض الثاني أن الإسلام ينكر علاقات الانتماء إلى وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي وهو ما يتعارض مع إقرار الإسلام كدين لعلاقات الانتماء إلى وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي ( ومنها علاقة الانتماء القومية ...) ومن أدله ذلك : قال تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )(الزخرف : 44)، وفى السنة النبوية ورد في الحديث سأل واثلة قال: (يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه) قال (لا ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم) (رواه أبن ماجه والإمام أحمد)..أما إقرار مذهب التفسير السياسي للدين بعلاقة الانتماء القومية العربية فهو طبقا لمستواه العملي- اى عند اصطدامه بالواقع الاجتماعي- وهو لا يتجاوز الإقرار بها إلى الانطلاق منها فى مواقفه السياسية والاجتماعية ،بل ينطلق من مذهب العصبية القبلية العربية كأمر واقع وليس كمبدأ نظري.
خاتمه : حل مشكله التهميش: أما حل مشكله التهميش فيكون على مستويين:
أولا: المستوى العملي"الواقعى": الإقرار بمشكله التهميش (اى الإقرار بمصطلح تهميش كمصطلح سلبي)، والإقرار بأنها مشكله ذات أبعاد متعددة (اى الإقرار بالتعدد الدلالي للمصطلح )، وأنها محصله تراكم تاريخي طويل، وان حلها يكون بالعمل المشترك والتدريجي (بالانتقال من ما هو كائن ،إلى ما هو الممكن، إلى ما ينبغي أن يكون).
ثانيا: المستوى الفكري : محاربه نمط التفكير البدعى شبه الخرافي شبه الاسطورى الذي يشكل الأساس النظري للمذاهب التي تقوم على التهميش،اى الوحدة المطلقة في مجالات الهوية، المجال السياسي ،الاقتصادي، القانوني،الثقافي... وتبنى نمط التفكير الاجتهادي العلمي العقلاني الذي يشكل الأساس النظري للمذهب الذي يدعو إلى تجاوز التهميش إلى المساواة،اى مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجالات الهوية، المجال السياسي، الاقتصادي ،القانوني،الثقافي....
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.