و مرة اخرى يطل علينا صاحب "حرب الهامش ضد الهامش..." بتلك الكتابات الشبحية الباهتة و غير المترابطة و التى يحاول فيها إحتقار منتقدى مقاله الكارثة و التقليل من شأنهم ووصفهم بالادعياء و بالكذب و الجهل و بالشخوص الكاركاتورية وكل ذلك فى عملية لا يمكن وصفها إلاّ بالشخصنة من الدرجة الاولى مناقضا بذلك وفى وضوح تام موقفه الداعى بغير ذلك و تلك وضعية لا يمكن وصفها إلاّ بالنفاق. نعم لقد حاولنا بدراجات متفاوتة فضح بعض من منطوقات خطابه فى ذلك المقال و الذى وصفنا جوانب منه بعنصرية قُحّة و لا زلنا نرى ذلك و لعل ابلغ دليل على ما ذهبنا إليه هو ان تلقف المدعو الطيب مصطفى بؤرة الكراهية و العنصرية و الانحطاط رسالة المقال المذكور و الإحتفال بها على نحو شبقى و مرضى، و قد عبرنا عن ذلك ايضاً فى مكان آخر. (المقال هنا) هذه المرة يخرج علينا صاحب حرب الهامش ضد الهامش بخطاب مهجّس بالبارانوية فحواه ان هناك "اشباح" مقنّعة كانت تتربص به وتترصده قبل ان تخلع عنها اقنعتها و تهاجمه و لكنه لم يوضح ما إذا كان هذا الرصد و التربص قد تما عبر متابعة كتاباته و من ثم نقدها أم ان هناك اشكالاً اخرى للرصد و المتابعة يقول "كان التربص والترصد والترصد ورد هكذاواضحا والغرض مرض لنزع قناع النفاق ". ولعله من سخريات القدر ان لا يختلف هذا عن المزاعم و الدعاوى الايديلوجية لاصحاب الاسلام السياسى و الجماعات المتطرفة الاخرى و التى تكرر و تجتر القول بأن هناك من يتربص بها و يترصدها و ان الاسلام فى خطر؛ إلخ. و ينتهى الخطاب العرضحالجى كما هو متوقع بإتهام نقاده و مخالفيه فى الرأى؛ يتهمهم بإساءة فهم مقاصده، علماً بأن المقال المقصود كان عادياً فى كل شيئ حتى فى مزاعمه على النحو الذى حاولنا إبانته فى ردنا المختصر والموسوم ب"تهافت خطاب الهامش...". و فى معرض ردوده الدراماتيكية ذكر صاحب حرب الهامش ضد الهامش بأننا فى سعينا للإثارة قمنا بإختيار عنوان "اشتر و عوير" (هكذا تماماً) لتوصيف افكاره و ذلك بإستخدامنا لمصطلح "الترامبية" و الذى بررنا أستخدامنا له بالقول ان الغرض من المقال المذكور هو "إصدار الادانات القطعية غير القائمة على اية اسس عقلانية من اجل تجييش غاضبين فى محاولة لتدشين وضعية يمكن تسميتها ب "الترامبية السودانية" و لذا لا نرى ما يستحق الرد على تلك المحاولة اليائسة الساعية إلى تتفيه موقفنا. لقد تباكى صاحب حرب الهامش على الهامش، تباكى على ما أسماه ب"تآكل النموذج السودانى" الذى يصفه ب"التهذيب و الكياسة و الود". هذه الصياغة العنيفة الغرض منها تجريد المخالفين له فى الرأى من تلك القيم و بالتالى حتى تسهل الإساءة إليهم على النحو الذى ذكرنا. و مصدر العنف فى تلك صياغة ياتى ببساطة من كونه مجرد إختراع من بنات الخيال، فمثل تلك الوضعية (النموذج) لم تنوجد لا فى ماضى او حاضر السودان و كذلك بالنسبة للمستقبل و ذلك لسببن: الاول "المجتمع السودانى" (هذه الدالة العصية على التدليل) ككل مجتمعات الدنيا به "الخيّر" و "الشرير" و به عدد غير متناهى من وضعيات رمادية تملأ الفضاء المبثوث بين هذين المكانين؛ و ثانيا لان إستشراء العنف داخل المجتمع السودانى على "قفا من يشيل" بعضا منه قامت به و لا تزل الدولة السودانية ضد مواطنيها حتى قبل الاستقلال الصورى فى 1956 و لم يتوقف إلاّ فى فترة قصيرة (1972-1983) و هو توقف أشبه بالهدنة او إستراحة محارب؛ و فى حربها غير المقدسة ضد مواطنيها إستخدمت الدولة ترسانتها الايدولوجية (بمافى ذلك العنصرية) و القمعية دون هوادة او رحمة كما يحدث الآن مع اهل الهامش. هذا العنف فى السودان لا ينحصر على المؤسسات العسكرية و الامنية و لكنه يتجاوزذلك ليشمل المدرسة والمسجد و المسيد و المستشفى و الاسواق و الاندية و المنابر الالكترونية إلخ.. و هو عنف يحتاج إلى عمل بحثى صارم صادق لسبر كنهه و من ثم التعامل معه و لذا فأية مزاعم بوجود نماذج متجاوزة خارج تاريخ المجتمع و الدولة ليست سوى ضرب من اضغاث الاحلام! و يُعزى صاحب حرب الهامش ضد الهامش ما اسماها ب "الحملة التى تعرض لها" إلى "إقترابه من نقد الابقار المقدسة"، و هكذا بطريقة سحرية يتحول نقد أفكاره إلى "حملة" تستدعى تضامناً من "اجاويد مفترضين" على شاكلة هؤلاء الذين قال عنهم انهم حاولوا "تهدئة خواطرى" بينما تصبح حملته العشواءعلى الكل نقداً يجب ان يُهتدى و يُسترشد به. نقول أولا لم يكن بالمقال المذكور نقد بالمعنى "العلمى" و الفكرى المتعارف عليه و الذى يستدعى طرح الافكار المحددة على نحو منتظم و من ثم تفنيدها و تبيين نقاط ضعفها و قوتها إلخ، و لكنه على العكس من ذلك إحتوى على إصدار مقولات مبهمة ومطلقة لم تترك معها اى مجال للحوار او المناقشة: (تخولت على مكان الآخر بالتمام و الكمال!). و كذلك احتوى على تعميمات و توصيفات دون تقديم اى تعريفات بشأنها على النحو الذى ذكرنا فى معرض ردنا السابق. و على ذات النهج يتحدث فى هذا المقال ايضاً عن "ابقار مقدسة" دون ان يكلف نفسه عناء شرح ما يعنيه هو بتلك الابقار و لذا تصبح الدالة "ابقار مقدسة" مجرد حيلة ل"نفخ الخطاب"! و فى هذا لا يختلف وظيفة الخطاب عن ذلك الذى يتم فيه إتهام المخالفين ب"الشيوعية" أو "المروق" أو "الزندقة"‘ الخ. للاسف الشديد لا توجد ابقار مقدسة فى السودان سواءا كان ذلك فى "الهامش" او فى "المركز" و كان من الممكن لوجود مثل هذه "الابقار المقدسة" (على العكس مما هو متوقع) أكان ذلك فى الحقيقة او فى الخيال؛ كان من شأنها ان تساهم فى خلق حالة من الترابط الاجتماعى و المجتمعى لانها كانت بباسطة ستكون مرجعيات شبه ثابتة و نقاط حد ادنى يلجأ الناس إليها فى الاوقات الحالكة كالتى يعايشها الجميع الآن وهناك تجارب كثيرة حولنا تؤكد على مضاءة تلك الفكرة، على سبيل المثال "الديمقراطية الامريكية" و "النظام الصحى الكندى" و "الجيش المصرى" إلخ. لكن دولتنا وُلدت خارج مثل تلك الارحام و تربت و تررعرت أيضاً خارجها و لا تزل بغير مرجعيات كبرى و مقدسة اللهم إلاّ المرجعيات "المحلية" كالقبيلة أو الجهة‘ إلخ؛ فهل نسميها "اغنام مقدسة؟!). لا يختلف أثنان حول التفشى المُقلق لحالة الفاقة فى الانتاج الفكرى فى السودان؛ و هى حالة تنسحب على و تغطى كل القضايا الكبرى التى لازمت دولة ما بعد الكولونيالية فى السودان منذ بواكير ظهورها و إلى يومنا هذا، فالامر إذن لا يتعلق ب او ينحصر فى عدم نقد مقولات المركز والهامش فقط. و ثانياً، على الرغم من انه يقع على عاتق الجميع، بخاصة حملة الفكر و الثقافة حقيقة او إدعاءا، مسئولية تفشى فقر الانتاج الفكرى فى السودان، لكن بالضرورة ان يقع العبء الاكبر على اصحاب مناطق النفوذ و الامتيازات الذين إستأثروا بسبب شروط التاريخ و الجغرافيا و السلطة بالنصيب الاكبر من وسائل الانتاج الفكرى و الثقافى، و نعنى بذلك المركز، و نسيوا او تناسوا الاطراف النائية و الهامشية! إتسمت الكثير من كتابات "حملة الفكر و الثقافة" فى السودان على الرغم من راتبيتها وإنتشارها الكمى، إتسمت بالاغراق التام فى التوصيف و الشكوى من اوضاع محددة على نحو مُمل و مكرور و فى ذات الوقت إتسمت بالافتقار الحاد إلى حد الكارثة إلى تحليلات حصيفة و صارمة تقارب ما بين الواقع و المزاعم النظرية بحيث ترفد العمل السياسى، على وجه الدقة، بأدوات قادرة على قراءة الواقع و تفهمه و بالتالى العمل على معالجته بما يخدم المصالح العامة. و لعله من طرائف مشاهد السودان ان اصبح البعض من طبقة الهتيفة يطلق على هؤلاء "الوصّافين" ألقاباً مثل "مفكر" و "عالم" إلخ على النحو الذى يتعامل فيه هؤلاء مع نجوم الكورة و الغناء فإمتلأ عالمنا بأصحاب هذه الالقاب المجانية من الناحية العددية و من بعد ذلك بدأ هؤلاء يُذيقوننا صنوفا من عذابات الإبتزاز بينما تتفاخم و تتناسل قضايا البلد الملحة و العاجلة و لا تجد من يتصدى لها. وأيضاً من سمات حالة الفاقة الفكرية ضمن المشهد السودانى هو غياب منبر جامع و مستودع افكار لمثقفى السودان و الانتلجنسيا و الباحثين و المهتمين، إلخ، يتبادل فيه هؤلاء الافكار و يطورون لغة حد ادنى مشتركة ترفد عملية الانتاج الفكرى و المعالجات الفكرية للقضايا الماثلة و العالقة. و تزامن كل ذلك مع غياب الاستقرار السياسى و قمع المختلفين و المخالفين مع السلطة "كل انواع السلطات". و من سمات تفشى حالة الفاقة الفكرية ايضاً الخوف من النقد والذى سرعان ما يتم ترجمته إلى مسائل شخصية و لعله لهذا السبب ابتعد الكثيرون عن الخوض فيه وآثروا السلامة و الطمأنينة. فهناك على الدوام ذوات تصبوا لان تصبح مقدسة؛ و إن الاقتراب من هذه الذوات هى التى تفتح بوابات التخوين و إغتيال الشخصيات على كل من يتجرأ على ذلك و و بالتالى لا يجب إرجاء سبب تلك الحملات إلى الاقتراب من "الابقار المقدسة" التى لا تُوجد إلاّ فى دهاليز الخيالات! محمد عثمان (دريج) يوليو 8/2017 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.