أطلقت النخب السياسية في السودان على السيد الصادق المهدي خلال مسيرته السياسية ألقاب كثيرة كان أبرزها السندكالي ثم المنظراتي وأبو كلام والآن في ظل بدء العملية الانتخابية أطلق بعضهم على السيد الصادق لقب (الإمام الحيران) وهو لقب يعبر عن شخصية السيد الصادق المترددة التي تحاول الجمع بين المتناقضات مع عدم قدرته في ذات الوقت على اتخاذ موقف حاسم تجاه أي قضية من القضايا أو أمر من الأمور، وربما يحاول السيد الصادق عبر هذه المواقف الإمساك بتلابيب حزب ليس لديه أفكار ثابتة ومحددة تجاه القضايا المطروحة في الساحة السياسية والفكرية بسبب تركيبته التي تجمع بين الأنصار المتعصبين قبليا وإسلاميا والأنصار العلمانيين المنفتحين سياسيا بالإضافة تيارات أخرى وفدت إلى الحزب في أزمنة مختلفة من الحركات الإسلامية واليسارية حيث شكل هذا التجمع خليطا يصعب قيادته بإرادة واحدة فجاءت المواقف الحائرة لتعبر عن هذا الارتباك والتناقض وعدم القدرة على القراءة الصحيحة واتخاذ القرارات السليمة، هذا الارتباك السياسي عصف بالحزب فخرجت منه شخصيات مؤثرة شكلت بدورها أحزاب صغيرة لا تقوى على الفعل السياسي وأصبحت بمثابة تكتلات قبلية ونخبوية صغيرة تحوم حول الحمى ولا تقع فيه، وهذا الارتباك جعل السيد الصادق المهدي يمسي مع أمريكا ويصبح مع إيران ، وفي ذات الوقت هو يقف برجله اليمنى مع البشير وباليسرى مع عرمان، وهو يريد مبارك بجانبه لأنه يؤمن بذكائه وحنكته السياسية وحجم علاقته بأجهزة المخابرات العالمية وخاصة البريطانية والأمريكية، ويخاف من طموحاته السياسية في وراثة الأرض والحزب والأنصار وحينها سيصبح أبنائه تابعين لا متبوعين وعندها سينطبق علي السيد الصادق المثل الذي يقول( التسوي كريت تلقى في جلده). الذي دعانا لهذه المقدمة الطويلة المقال الذي أوردته صحيفة صوت الأمة لسان حال حزب الأمة القومي الذي يتزعمه السيد الصادق المهدي، والذي طلب فيه من اوباما الكف عن تهديد الأمن الإيراني، هذا موقف سياسي طيب تجاه أبناء الإسلام الشيعة في إيران، ولكن هل هو موقف ثابت من إيران وقضاياها وأطروحاتها؟ ، بالتأكيد الإجابة: لا، وهل هو موقف ضد أمريكا؟ والإجابة أيضا: لا، هي حالة نفسية من حالات الهروب والقلق السياسي ومحاولة لإيجاد دور خارجي في توقيت غير مناسب داخليا وخارجيا، وهو تصريح يسعد إيران التي يتعاطف معها السيد الصادق بسبب الالتقاء حول الفكرة المهدية التي تعبر عن حالة فكرية هناك وحالة ثورية هنا مع اختلاف في التفسير والتحليل والموروث الثقافي لدى كل طرف، وهو بالتأكيد يزعج أمريكا ويغضب السعودية واليمن، والكل يعلم إن اكبر تجمع لحزب الأمة خارج السودان يتواجد وينشط داخل أراضي المملكة العربية السعودية . السيد الصادق يتفق مع الرئيس البشير في كثير من الأمور ويختلف معه في بعضها ثم هو في ذات الوقت حانق على البشير الذي سلب منه السلطة بانقلاب عسكري، والصادق يقول عن البشير انه رجل طيب وبن بلد ، وبالإضافة إلى ذلك فان البشير رفض في أول عهده والثورة في أوجها نصائح بعض الرؤساء بكسر رقبة الطائفية من خلال إعدام أعمدتها الصادق ثم الميرغني وهذا الكلام ذكره ذات مرة وزير إعلام سابق وخبير إعلامي كبير، وقال له رئيس تلك الدولة العربية بالحرف لماذا لم يعدم رئيسكم قادة الطائفية، وقال له إذا لم يعدمهم فإنهم سيسببون له إزعاجا وصداعا مستمرا، ولكن الرئيس رفض النصيحة مجددا وفضل الاحتفاظ بالصادق والميرغني، وللبشير مواقف ايجابية كثيرة يعلمها الصادق والمقربون منه، ثم إن الصادق لا يثق ببطانة البشير وتكتيكاتهم السياسية، وسياسات الخم واللم وشق صفوف الحزب. الرسائل التي نشرت مؤخرا في الصحف والانترنت بين السيد الصادق والقائد الراحل جون قرنك دي مبيور، تعبر عن حجم الكراهية والحقد وعدم الثقة الذي يكنه الراحل قرنق وحركته الشعبية ضد الصادق وحزبه، وذات المشهد يتكرر الآن، ولكن تكتيك الحركة يتغير والسبب الرئيسي في ذلك إن الحركة بعد قرنق فقدت فكرها وأيديولوجيتها وأصبحت تخضع لأمزجة قادتها وتوجهاتهم القبلية و السياسية والفكرية قبل انضمامهم للحركة، وأصبحت أشبه بالحركة الجمهورية بعد إعدام محمود محمد طه، فالحركة تقتل الحرية في الجنوب عندما تمنع لام أكول وحزبه من العمل السياسي وتعتقل المناوئين لها وتزج بهم في السجون، وتطالب بالحرية في الخرطوم، الحركة تقتل وتحرق المناوئين بالنار في جونقلي، وترفض مبدأ الاعتقال في الخرطوم، والحركة تستلم أموال البترول فينفقها القادة على ملذاتهم والجنوب يعيش في حالة من البؤس لا يعلم مداها إلى الله، والسيد باقان الفاشل في الجنوب يتحدث عن الفشل في الخرطوم!!، هذه الحركة وهي بهذا السؤ لا تستحق من السيد الصادق إن يكون تابعا لها ورافدا من روافدها، والذي يقرأ رسائل قرنق بتروي وينظر إلى ألفاظها وعباراتها يشك إن يكون الذي كتبها هو قرنق نفسه- وهذا الكلام لا يسيء إلى قرنق الرجل القائد والمثقف والمفكر الكبير، ولكن لقرنق مستشارين يستعين بهم في مثل هذه الأمور - وهي لا تشبه منصور خالد ولكنها تشبه عرمان، وعرمان يسلك دروبا كثيرة لاحتواء الصادق وأسرته وحزبه، وعلى المعنيين إن يستيقظوا ثم( يحكوا عيونهم) كثيرا ليروا جيدا حقيقة هذه المقولة. وجاءت الانتخابات والإمام الذي اشتهر بتردده (حيران)، هل يخوض الانتخابات أم ينسحب منها في آخر لحظة. وهو مع مبارك في ( لم الشمل) وضد طموحات مبارك الذي يريد إن يرث أمجاد جده المهدي في الزعامة والرئاسة، والصادق يريدها في آل بيته الأفاضل. والإمام لا يزال حيران هل يلم الشمل في حضرة أمريكا ومبارك، أم يفارق الشمل من اجل البيت وال البيت.