تسرب امتحانات الشهادة السودانية، هذا العام، فتح الباب أمام الكثير من الأسئلة والتأويلات. فالأمر لا يبدو أنه وليد خطأ فنى أو أمني مكن الجهة التي سربت مواد الامتحان من نشرها والمتاجرة فيها بين أوساط الطلاب الممتحنين وأسرهم، لا سيما المقتدرين من السودانيين والأجانب الذين أصبح الجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية المؤهلة للانتقال إلى الجامعة من السودان أحد أمنياتهم ويسعون إليه بكل السبل لضمان النجاح وتحقيق نتائج مبهرة تؤهلهم للدخول إلى أفضل الكليات الجامعية في بلدانهم. من الواضح أن هناك "جهة ما" متكامل يقف وراء هذه الفضيحة، ويستعد سنويا لهذا "الموسم" للسمسرة والبيع في أوراق الامتحانات ومستقبل الطلاب السودانيين وأسرهم دون الالتفات إلى شيء آخر، فالثراء واكتناز الأموال - بأي شكل – أصبح هو القيمة السائدة والأعلى الآن. سأسرد هنا واقعة حدثت معي شخصيا وتتعلق بالجلوس لامتحنات الشهادة السودانية، وحدثت إبان عملي في المملكة السعودية، إذ أذكر أن أحد الزملاء من دولة شقيقة ومجاورة للسودان، استفسرني عن إمكانية الجلوس للشهادة السودانية من داخل الخرطوم، إذ أن شقيقه الأصغر يرغب في ذلك بعد أن سمع بسهولة الامتحان في السودان! لم أعرف بماذا أجيبه حينها فلم تكن لدي أي معلومة عن طبيعة جلوس الأجانب لامتحان الشهادة من داخل السودان، المهم تداخل في الحديث زميل آخر من ذات البلد وأخبرني أن أبناء قريتهم يمتحنون سنويا من السودان، كل شباب القرية الممتحنين للشهادة الثانوية يتجهون سنويا إلى السودان مع اقتراب موعد الامتحان ويجلسون للامتحانات من هناك و"جميعهم بحمدالله التحقوا بأفضل الكليات". لم أصدق زميلي بادئ الأمر، وإن قادنا الحديث إلى شبهة فساد تدفع هؤلاء الطلاب إلى السفر بهذه الأعداد والجلوس للامتحان من بلد آخر. الآن وبعد مروري على ما يثار في مواقع التواصل وربطه بواقعة تسرب مواد هذا العام، وطرح البعض لقصص مشابهة لما رويت؛ أكاد أجزم أن الأمر لا يخرج عن "مطحنة فساد" كبرى تطحن فيها مواد الشهادة السودانية سنويا لصالح "الجهة الما" التي يقف وراء الأمر. هل يمكن لأحد الآن أن يثق في بيانات وزارة التربية والتعليم، التي نفت في البداية تسرب مواد الامتحانات ثم عادت وأقرت بتسرب مادة الكيمياء، وحددت موعدا لإعادة الجلوس للامتحان في هذه المادة. كيف يمكن التصديق أن بقية المواد لم تتسرب وتم تداولها قبل الامتحان، لا سيما أن الشائعات الدائرة الآن تتحدث عن تسرب آخر حدث في مادتي اللغة العربية واللغة الإنجليزية؟ هناك ثغرة كبيرة على وزارة التربية والتعليم التوصل إليها وإغلاقها قبل أن يصبح الجلوس لهذه الامتحانات بلا معنى ومثله مثل أي سلعة أخرى – مغشوشة – تعرض في الأسواق. والحادثة الأخيرة – كما يعرف الجميع – ليست الحادثة الأولى خلال السنوات الأخيرة فلقد سبقتها من قبل حادثتان ثم الكشف عنهما وأعيد الجلوس للامتحان فيهما. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.