اكتمال عقد الأجانب بالمريخ    خطاب من صحن طائر: "عذرا على تأخرنا كنا نتفرج عليكم منذ قرون"!    ذهب أفريقيا في قبضة 7 شركات.. قائمة ب10 دول تُنتج ولا تستفيد    مجلس المريخ يهنئ معتصم جعفر بفوزه برئاسة الاتحاد السوداني لكرة القدم    شاهد بالفيديو.. ظهور لامين يامال في السودان.. طفل سوداني يتلاعب بزملائه في الملعب ويقدم فنون كروية مذهلة على طريقة نجم برشلونة ومحللون عرب يصوبون أنظارهم نحوه من أجل تسويقه    موعد مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند في كأس العالم للأندية    ترامب يعلن موافقة إسرائيل على هدنة بغزة لمدة 60 يوما    مليشيا دقلو الإجرامية اقتحمت (خلاوي خرسي لتحفيظ القرآن الكريم)    العزل العادل.. يا عادل!!    التشكيلات المنافقة (قحط _تقدم _ صمود) ماهي إلا حلف جنجويدي مكتمل الأركان    تنسيقية لجان المقاومة: فك الحصار عن الفاشر لن يأتي إلا بالقوة    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    كامل إدريس يعلن عزمه عقد لقاء جامع يضم مختلف القوى السياسية والمجتمعية قريباً    عوض بابكر .. بأي دمعٍ نبكيك .. وبأي حرفٍ نرثيك ..!    والي الشمالية يخاطب الجمعية العمومية للإتحاد السوداني لكرة القدم    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    جوارديولا بعد الإقصاء من المونديال: بونو كلمة سر تأهل الهلال    بالانتصار الخامس.. الهلال يزاحم كبار العالم في المونديال    لماذا يستعصم السفير نورالدين ساتي الصمت بينما تضج الميديا بأخباره    الشباب يكسب النصر ويقترب من الثانية بكوستي    البرهان يتلقى وعدًا من السيسي    مسيرات انتحارية تستهدف قاعدة مروي الجويّة    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    السودان يشارك في بطولة العالم للألعاب المائية بسنغافورة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    السودان.. خبر سعيد للمزارعين    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الادبية بجنوب السودان: أرثر غابرييال ياك و بوي جون
نشر في سودانيل يوم 05 - 04 - 2018

يلاحظ مؤخراً، تنامي المنتوج ألادبي الجنوب السوداني المكتوب باللغة العربية. قبل عشر سنوات من الان، كان من الصعوبة الزعم بوجود أدب من جنوب السودان (ضمن الدولة ألام) بعيداً عن كتابات القامة تعبان لو ليونق، سر اني كلويلجانق، والكتابات الابداعية لبعض قادة الحركة الشعبية لورنس كورباندي، أدوارد لينو أبييي، باقان أموم و غيرهم. ومعظمهم يكتبون باللغة الانقّليزية و الاسّبَانية. على حد تَعبير القَاص نيول لويط، "جنوب السودان حديثة جداً بالطبع لادعاء إمتلاك أي أرث أدبي ضخم."
(2)
معظم الاعمال الادبية المكتوبة بالانقليزية بدول الشتات، أميركا تحديداً - كتبها روائيين أجانب عن تجارب الجنوبيين (ضحايا الحربُ الاهلية السودانية) و معاناتهم بدول المهجر. معظم هذه الاعمال خدمت وقتها كوثائق لتسجيل الانتهاكات التي حدثت كنتيجة طبيعية للحرب، مما ينفى عن معظمها، صفة الخيالية، رغم تتمتع عدد كبير من هذه الاعمال بحس فني و جمالي عالي. للروائي الامريكي ديف إيغرس رواية "What is What" عن حياة فالنتيتنو أشيك دينق، لمايكل سويني رواية معنونة ب"My Escape from Slavery " عن فرانسيس بول، جودي بريستين "They Poured Fire on Us from the Sky" عن حياة ثلاثة من أطفال الحرب. "معظم هذه الكتابات التراجيدية. تحكي قصص مروعة عن الصراع من اجل البقاء، تصور فظائع الحرب الاهلية، المأسي و الفقر، مرونة و قوة الروح الانسانية في مواجهة الشر و الاحباط. رغم ذلك، تظل هذه الاعمال غير قابلة للتقديم كأدب جنوب سوداني".
نجد تجارب جيدة في القصة، من كتاب جنوب سودانيين بدول الشتات في السنوات الاخيرة الذين باللغة الانقليزية. أدوارد إراماغو، نيول لويط، لوقالي، وغيرهم من اتخذوا اللغة العربية وسيطاً بينهم و القراءة. التجارب المبكرة في كتابة القصة، آرثر غابرييال ياك "لايهم فانت من هناك" و مؤخراً روايته الاولى "يوم أنتحار عزرائيل" كتابات استيلا قيتانو "زهور زابلة و العودة" ، قير تونق رواية "نيان دي ران"، و في الشّعر، تجارب أتيم سايمون "تراتيل ديسمبر"، نيالاو حسن أيول "قرابين نيكانق"، سايمون أبراهام، رجويس أستنسلاوس و غيرهم من الاقلام الجديرة بالمتابعة. من بين ألاسماء المذكورة، يقف أرثر غابرييال ياك و بوي جون كحالتين شاذتين، بحكم تجربتهما في الشّعر، القصة و لاحقاً الرواية. فكلاهما أنتج رواية ضمن مشروع أفاق في دورتين متتاليتين. للكاتب أرثر غابرييال تجربة قصصية فريدة و امكانات عظيمة في السرد القصصي. اما الكاتب الاخر. فقد مررت بمقال يتناول تجربته الشعرية بمجلة البعيد الالكترونية. كتب فيها الشاعر: حاتم الكناني في وصفه: "ان تكون بروح طفل، يعني ان تطرح من الاسئلة أقساها و اوضحها، و اكثرها فضحاً لبني كاسدة. لذلك فان بوي جون هو ألاكثر اعتناقا للطفولة في جيله". وهذا أصدق وصف للكاتب حتى ألان.
(3)
كتب الشاعر: سر أني كلويلجانق في سبعينيات القرن الماضي واحدة من أجمل نصوصه. و نشر في كتابه المعنون ب"أسطورة الحرية و اشعار اخرى" The Myth of Freedom and Other Poems نص بعنوان "حرب الحب"، أدناه مقتطع من النص:
"أيّ حَرْب هَذي؟!
عَودَة للْاّيام الغابرَة؟!
إشعاٌل لحَرْب الكَراهيَّة،
بينما نحنُ أحْوَجُ ما نكونُ
لإشعَال حَرْب الحٌب..."
انه لامراً محزن، ان يصر البعض على إبقاء نار الحرب مشتعلاً. من ركام الحرب اللئيمة، كتب أرثر غابرييال ياك "يوم أنتحار عزرائيل". رواية مستلهمة من أحداث العنف الاخيرة بجوبا، عاصمة جنوب السودان (ديسمبر 2013)، تحكي قصة الجنرال فرانكو الذي ينتمي لاحدى ألاثنيات بجنوب السودان. النقيب الذي مارس أبشع انواع التعذيب القتل على مواطنين ابرياء فقط لانتمائاتهم الاثنية، يكتشف لاحقا انه ينتمي بيولوجيا للاثنية الاخرى. اكتشاف قلب حياته راسا على عقب و ينهي حياته منتحراً في سعي لتخليص نفسه من شبح الاحساس بالذنب. و هو ألاخر، ضحية لعذاب والدته على يد (ابوه؟) السادي. عالج الرواية احداث من التاريخ المعاش بطريقة متواضعة نسبيا مقارنة بتجارب الكاتب في القصة تحديدا. ربما لضيق الوقت المقرر (ضمن مشروع افاق) او تعقيدات الرواية التاريخية في حد ذاتها.
(4)
"كوميان" (وتعني "غطيني" بلغة الشلك) ثاني روايات بوي جون ) (كتبت قبل العام 2014 ) صدرت عن دار رفيقي للطباعة و النشر مطلع العام الماضي في حجم متوسط (249) صفحة. اولى ملاحظاتي عن الرواية انها مثل اول رواية منشورة للروائي عن دار الساقي للنشر ضمن مشروع أفاق، "جنة الخفافيش" تكشف اهتمام بوي جون بعكس واحدة من اهم الفترات في التاريخ السوداني الحديث "فترة الجنرال عبود" و ما مثلها للشعوب السودانية شمالا و جنوبا، باحباطاتها، و اخفافاتها التي انعكست سلباً على البلد القارة في السنوات اللاحقة. لا يخطي العين الحيز الكبير الذي افرده الكاتب لحرب السبعة عشر عام و انعكاساته على المجتمعات جنوبا بصفة خاصة. حادثة طرد البعثات التبشيرية بجنوب السودان و تصعيد العدائيات بين الجانين المتحاربين أنذاك و انعكاساتها على المحيط الاجتماعي الجنوبي بصفة عامة، نمولي، حيث تقع معظم احداث الرواية بشكل خاص - و بسرد سلس و جميل. و بامكان الروائي التنصل بالطبع عن الابعاد التاريخية للرواية و الاراء المتضمنة في النصوص على ألسنة شخوصها، التحجج بانه روائي و ليس مؤرخاً و الاحتماء بمسمى "التخييل التاريخي". و هي من أعقد اشكال الكتابة الروائية.
صعوبة رواية التخييل التاريخي تتمثل في تعقيدات الموازنة بين، تسجيل الاحداث و الاحوال كما هي، و معالجة التاريخ بلغة شاعرية و ادوات فنية و جمالية تبتعد عن النقل الفوتوغرافي السطحي للاحداث. ولان الرواية في جرثومتها "تخييل منطلق من منظور او رؤية، فالناس، الزمان، العلاقات و المكان في الرواية ليسوا نسخة عما في الواقع الموضوعي، ثمة درجة ما من الانزياح في الرواية بحكم طبيعتها كمتخيل، كفن، كألية" يجب الحفاظ عليها دوما. لذا من الطبيعي ان "ارتباط نص ما بالواقع الاجتماعي الذي نحيا و بالقضايا المصيرية التى نواجهها لا يرقى به الى مستوى القيمة الادبية، لان الارتباط التاريخي وحده لا تكفي لخلق الاثر الادبي الجيد.
(5)
يلاحظ في رواية "يوم انتحار عزرائيل"، طغيان اللغة المعيارية في الحوارات مما افقد الرواية التنوع اللغوي و الاثني التي كانت ستعطي الرواية أبعاد ثقافية أشمل. خصوصاً مع الوضع في الاعتبار ان اللغة تخدم كمدخل لتقصي خلفيات الشخوص الروائية في معظم الاحيان و تبيان تنوعهم الثقافي، الاجتماعي و الخ.
في رواية "كوميان" طغى النقل الفوتوغرافي للاحداث على بعض اجزاء الرواية، الاجزاء التى تصور عوالم الحاج يوسف تحديدا، بلغة اقرب الى التقريرية، منها للغة الجمالية و الفنية على ما اعتقد، او ربما لان كاتب المقال جزء من هذا التاريخ و العوالم.
تتبع الرواية السرد المتقطع التي لا تلتزم بالتسلسل الزمني للاحداث، باستخدام تقنيات سردية مثل، الاسترجاع و التلخيص و غيرها. مع إعتماد صوت سردي واحد (السرد المونولوجي). السرد الذاتي (ضمير المتكلم) في بدايات النص، و هي تقنية سردية معقدة لدرجة ما، و يحسب للروائي نجاحه نسبياً في استخدامها. ملفت للنظر ايضاً، توظيف التنوع اللهجي و اللغوي في استنطاق شخوص العمل، تحديداً في المشاهد الحوارية، حيث ان اي محاولة إلتزام باللغة الفصحى كانت ستذيب النبرات و اللهجات و تضع الشخوص في مستوى لغوي واحد – و شخصياً، لست من انصار التضحية بفنية و جمال الحوار المتناغم مع التكوين الاثني و الثقافي للشخوص، حفاظاً على المستوى المعياري للغة.
(6)
في ثيمات النص، تطرق "كوميان" لثيمة الصراع بين التقليدية و الحداثة. إعادة تشكيل المجتمع من قبل مؤسسة الكنيسة عبر الارساليات و البعثات التبشيرية. كيف اعادت الكنيسة تشكيل المجتمعات الجنوبية و نزع القداسة عن معتقداتهم الروحية. هذه "الثيمة" تحديدا، شائعة في الادب الافريقي بصفة عامة بغض النظر عن اللغة المستخدمة لمناقشتها. نجدها في الادب "الفرانكفوني و الانجلوفوني" منذ أربعينيات القرن الماضي، و في الادب "العروبوفوني" ايضا، كما في كوميان.
و معروف عن المجتمعات الجنوبية قدرتهم الغريبة على التوفيق بين المعتقدات المحلية و الديانات السماوية و ميلهم لايجاد تفسيرات للكوارث الطبيعية و البشرية من الموروث الروحي الشعبي دون أدنى احساس بالتناقض.
من الملاحظات المزعجة في الرواية، ميل الكاتب إلى الاطناب غير الضروري، دونما مسوغات سردية، تارة بالانسياق وراء الفضفضة اللغوية، و تارة بتضمين نصوص دون اي مصوغ فني و سردي. النص المقتبس و المترجم عن أشعار تعبان لو ليونق مثالاً، لم يكن يتناسب و النص. فالقدرة على تحويل الاسترسال الطويل الى متن تخييلي مكثف، دقيق و حافل بالمعنى تتطلب التركيز و المراجعة المستمرة اثناء الكتابة و بعدها، و الاستعانة بمحررين لضبط النص لغوياً و فنياً. و هذه تفاصيل مهمة نرجو معالجتها من قبل دار رفيقي للنشر في إصداراتها القادمة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.