إن الذى يتابع ويراقب المسرح السياسي الراهن في السوداني يستبين حقيقة الواقع ومفادها أن ليس هناك نظام متبع يقود إلى تحقيق معنى وجود حكومة راشدة ذات نسق موحد يقع عليها عبء ثقيل ومهام جسام يُناط بها الاضطلاع لأجل التصدي لهموم العباد والبلاد على حد سواء ، ما معناه أن ليست هناك حكومة في الوضعية السودانية الماثلة بل أن هناك مجموعة (عصابة ) أصحاب مصالح متربعون على عرش السلطة سنين عددا وكل سنة تمر على إثرها تتضح ملامح ومعالم السمة الغالبة لتلك (العصابة ) منحدرة منها البنوة الشرعية (ما فيا الفساد مافيا الحرب مافيا انتهاك حقوق الانسان مافيا العبث بالمال العام مافيا الإتجار في العملة وتدمير الاقتصاد الوطني مافيا قتل النفس بغير الحق مافيا ...... إلخ ) ؛ تلك (العصابة ) تجدها لا تتورع في الإقدام على فعل كل شيء يروق لها حتى ولئن كان مخالفا لتعاليم ديننا الحنيف لطالما كان الأمر متعلقا بحماية مصالح هؤلاء فهو مباح في شرعهم بمقتضى الضرورة الخاصة المجافية للمصلحة العامة ؛ فكل أمر يتعارض مع هذه المصالح الخاصة لهذه (العصابة ) فإلى كنسه وإزالته ومحوه من الوجود تماما سبيلا من أجل البقاء وإرساء دعائم الجبروت والطغيان وساعتها لا تجدى بعثات الرسل ولا الوعاظ ولا لئن أتى من كل فج عميق كل هاديا مرشدا .. لماذا ؟.. لأن الطاغية لا يتورع لما يجرى من حوله حتى تأتيه الطامة الكبرى ويرى برهان ربه عنده وسائر الجزاء وسوء المنقلب .. قال تعالى :(اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ (20) فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ (22) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ (25) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (26) . إن هذا لم يكن شعرا ولم ينبغى لنا ذلك إن هو إلا ذكرٌ وقرآن مبين .. بالغ الإحاطة والشمول والاستغراق .. الآية : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) . * العاقل طبيب نفسه .. فماذا يستفاد من سُلطة تؤدى إلى الهلاك أو ثروة تقود إلى الدمار .. ثم يطمع أن يزيد على غير هدى ولا عقل ولا استحياء لا من العباد ولا رب العباد والعياذ بالله ؛ فيقول الحق عز وجل :(قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75) . * إن الله استخلف الإنسان في الأرض لكى يعمرها لا ليدمرها مخالفة لمرامي الدين السامية .. الآية : (وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) . * ومع ذلك تجد بعض الناس يتشبثون بالدين ويستخدمونه وسيلة ومطية واساءة استغلال هذا الدين لخدمة الأغراض ويخادعون ظاهرا الناس بأنهم على نهج الدين وفى خاتمة الأمر إنما يخادعون أنفسهم بأنهم يحسنون صنعا وهم على غير جادة الصواب وعلى إثر ذلك ما لهم في الآخرة من أنصاب وذلك هو الخسران المبين .. الآية : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) . * ها أنتم هؤلاء (حكومة معارضة ) جميعا تعيثون في الأرض فسادا إلا من رحم ربى (وهم قلة تحسبهم بأصابع اليد) ماذا يشفع لكم كى يغنى عنكم من الله شئ .. لا تتوهمون بأن سلفكم الصالح أو الرسول (ص) سينتظركم في بوابة الرحمة مشرعة لكم فادخلوا (زمرا في الجنة ) .. لماذا كل الإحباط ؟! لأن : (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل : { وأنذر عشيرتك الأقربين } . قال : ( يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا فاطمة بنت محمد ، سليني ما شئت من مالي ، لا أغني عنك من الله شيئا ) . * فاتقوا الله في الناس وأنفسكم وأهلكم لأن العاقبة أشد وقعا الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) . * بعد هذا السرد على هدى القرآن ونهج الدين في مواجهة أناس جاءوا لحكم العباد والبلاد باسم الدين ورفعوه شعار لإرساء أسمى معانى دولة الاسلام مهددون في سبيل ذلك كما بعيونهم أعتى دول الكفر والإلحاد وتم تأسيس عقيدتهم على إحدى المشاريع الطائفية (المشروع الحضاري) الذى لم يصمد كثيرا لأنه جاء يحمل تناقضات طيه فعصفت به في مسعى لانقلاب السحر على الساحر وتلاشى على إثر ذلك هذا المشروع ولم تتبق منه سوى شذرات خجولة تتفوه بها أفواه الذين يمتطون صهوات جياد إلباس الحق بالباطل ابتداء . وتحولت على إثر حتى شعارات ذاك المشروع الحضاري من (أمريكا وروسيا قد دنا عذابها عداوة إلى أمريكا وروسيا قد دنا اقترابها حبا ) وارتمت الحكومة الإسلاموية وفى معيتها العباد والبلاد في أحضان (أمريكا وروسيا ) على غير استحياء في مسعى لإرساء أسمى آيات الوصاية الأجنبية على السودان الذى بات جراء ذلك منتقص السيادة ومسلوب الإرادة ومقيد القرارات سيما بشأن المسائل والأمور والقضايا المصيرية . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
