لغة القرآن لغة عجيبة تتميز بخواص كثيرة لا أحسب أن شخصى الضعيف قادر على حصرها كلها لكن أذكر منها الفصاحة و الإبانة و الإيجاز و المثانية و عدم التناقض و نعمة كبيرة لم تتأت للكتب السماوية التى سبقت, هى ثبات رسمه مع مرونة تأويله مما يجعله صالحا لكل زمان و مكان بحسب المتلقى. القرآن بحكم أنه كتاب من عند الله الخالق الحكيم و بحسب وصف منزله جل و علا يحتاج إلى تعقل و تفكر و تدبر, يحزننى كثيرا أن أجد كثيرا من الناس مؤمنين و غير مؤمنين يتسرعون فى إطلاق الأحكام أو يتسرعون فى تاويل بعض الآيات التى تشير لبعض القضايا, التسرع ناتج من عوامل كثيرة أهمها عدم الغوص فى معانى المترادفات التى يتسرع الواهم إلى أن المعنى واحد فيها مع أن التدبر يشير أن المترادفات تشير إلى معانى مختلفة بحسب السياق و بعضها إصطلاحى بحسب السياق. في (المنهج والمصطلح) يصنِّف خلدون مستويات ثلاثة للتَّعاطي مع اللفظ: مستوى لغويَّاً يُقصر التَّعاطي معه بما لا يتجاوز دلالته المعجميَّة. مستوى اصطلاحيَّاً حسب تعريفه الافتراضي، والمعرفة المراد منه إنتاجها. مستوى شعاريَّاً يقيِّده بمنظور الجَّماعة السِّياسيَّة، العقديَّة، الإعلان التِّجاري .. الخ. مع ذلك ينبغي ألا يُفهم، خطأ، أن الباب موصد، تماماً، في وجه أيِّ استخدام للفظ خارج دلالته المعجميَّة المباشرة، إذ قد يُكتب له حظ آخر من الاستخدام، مفرداً كان أو جمعاً، حين (يستقرُّ)، أيضاً، بدلالة أخرى مجازيَّة، أي استخدامه كمصطلح. وإذن فكلمة (يستقرُّ) هي، بالقطع، الكلمة المفتاحيَّة هنا، بكلِّ محمولاتها من معاني (الاستمراريَّة)، و(الرُّسوخ)، و(الثَّبات)، و(تواتر الاستخدام). من الكلمات المتواترة فى القرآن هما إسمى الذات : الله و الرب, مما لا شك أن الله و الرب هما نفس المعنى فالله واحد و لكن له صفات و تصرفات متعددة-إذن فما مغزى الإسمين طالما يدلان على نفس الإله الذى ليس كمثله شئ. فهم معنى و مغزى إستخدام الإسمين يحل كثيرا من المعضلات الفكرية و لنبدأ بإسم الجلالة الله: الله سبحانه و تعالى ليس كمثله شئ فلا تدركه العقول و هو الأزلى السرمدى موجد الأشياء و القوانين التى تسير عليها و هو الوحيد القادر على خرق تلك القوانين. الرب: الرب هو الله لكنه يتبدى لنا فى إضطراد القوانين الطبيعية المنضبطة التى أوجدها فى الكون، قال تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54) الأعراف فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(12) فصلت اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12) الطلاق تناولت مسألة الأرض و السموات السبع و عرش الرحمن فى مقالات سابقة –أنظر (عرش الرحمن و السموات السبع 1)و 2 و (إضافة هامة جدا لمقالى عرش الرحمن), بإختصار السموات السبع هى ليست شكلا من أشكال البناء الكونى بل هى مستويات غيبية كل مستوى منها هو عبارة (سوفتوير) لتدبير شأن من شأن الأرض و العرش هو بمثابة وحدة المعالجة المركزية التى يتم فيها تدبير شؤون الأرض (عالم الربوبية). عالم الربوبية تسير فيه الأمور بقوانين ثابتة لا تتغير و المتغيرات لا تظهر إلا بعد مضى آماد طويلة , الأمور فى عالم الربوبية تسير على قدمين: القوانين الطبيعية و المقادير اللذان حددهما الخالق المستوى على عرشه و و هو الوحيد القادر على إجراء التغيرات فى النتائج إن شاء , على سبيل المثال: الشمس و القمر بحسبان, انا كل شئ خلقناه بقدر, و خلق كل شئ فقدره تقديرا, و أنبتا فيها من كل شئ موزون, و السماء رفعها ووضع الميزان, و أنزلنا من السماء ماء بقدر, العالم الذى نعيش فيه مبنى فى معظمه على تصرفات الربوبية المضطردة ,و نسبة لطغيان عنصر العادة على عقولنا فقد نسينا أن حتى التصرفات الربوبية الثابتة فى باطنها كثير من الإعجاز فبالرغم من أن العلم الحديث مثلا أثبت أن الأجرام السماوية تدور حول بعضها و تثبت فى مدارتها نتيجة للتساوي بين جاذبية الأجرام الأكبر و القوة النابذة للاجرام الأصغر, إلا أنه لا يستطيع تفسير ثبات تلك الأجرام فى مدارتها لمليارات السنين دون قصور ذاتى أو إضطراب و منها المنطقة التى نعيش فيها من المجموعة الشمسية منذ أكثر من 4.5 مليار سنة و بالرغم من أن علم الاحياء قد عرف كثيرا من أسرار علم الأحياء إلا أنه لم يعرف سر الحياة و هكذا . و لا ننسى التوازن البديع بين صنوف الأحياء الذى أدى لنشأة علم التوازن البيئى الحيوى و أدى للتعرف على شجرة الحياة التى جلس الإنسان على قمتها فى تصميم يدل على مصمم ذكى خلف كل تلك الصور البديعة من الخلق و التدبير . آيات جلية توضع الفرق بين التصرفات الإلهية و التصرفات الربوبية : وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) الإسراء فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا(13) الشمس كان قوام حياة قوم صالح البيوت الفخمة التى كانوا ينحتونها فى الجبال تفاخرا و رفاهية و تجارة القوافل على ظهور الإبل-فجعل الله لهم معجزة حسية (مبصرة) ناقة نحتها لهم من الصخر و نفخ فيها الروح و لذا جاءت التسمية (ناقة الله) و ليس ناقة الرب. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(260) البقرة طلب سيدنا إبراهيم المعجزة من ربه ليطمئن قلبه و عندها كان الرد بأن (الله ) عزيز حكيم. أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(259) البقرة لاحظ فى قصة هذا النبى و الذى رأى إعجاز الموت و البعث بعينيه لم يستخدم تعبير الرب هنا مطلقا, إذن فواضح من السياق متى تستخدم كلمتى الله و الرب فى السياق القرآنى. قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ(115) الحواريون سألوا سيدنا عيسى عليه السلام :هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء- فأتت الإستجابة من (الله) لأنه أمر خارق للعادة فكلنا يعلم متطلبات الوليمة و المائدة و لكنها أتت من عند الله مباشرة بدون واسطة دنيوية. ظاهرة العلم الحديث و فتنة الربوبية: ظاهرة العلم الحديث بنيت على على قياس المقادير التى أودعها الخالق فى الكون و القوانين التى تحكمها بناء على حواسنا و أدواتنا و كما بنيت ايضا على معاداة الدين الذى إختلط بكثير من الاباطيل و سبب كثيرا من الظلم لبنى الإنسان و معاداة العلم بأيدى الجهلة و المستبدين: الشمس و القمر بحسبان,السماء رفعها ووضع الميزان, الذى قدر فهدى,و خلق كل شئ فقدره تقديرا,إنا كل شئ خلقناه بقدر. كثير من العلماء مؤمنين بالله و لكنهم يعتقدون بأن الأديان أنسنت الإله بإضافة صفات إليه لا توجد إلا لدى البشر و هم بالاضافة لما سبق من اسباب الجفوة بين العلم و الدين كفروا بالاديان مع إيمانهم بالإله, الرد على ذلك بسيط فاولا و أخيرا ليست هناك أديان اصلا هو دين واحد هو الإسلام و شرائع متعددة و كتب قد حرفت الا واحدا إلتزم الخالق بألا يتم يتم تحريفه و صدق وعده. القرآن لم يؤنسن الإله لكن الصفات المنسوبة إليه هى فى معظمها فى مقام الربوبية , أنظر أخى القارئ الكريم إلى قصة سيدنا موسى عليه السلام و هذه الايات: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ( رَبِّ) إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ(28) استجاب الرب لموسى بأن هيا له من أسباب الدنيا عملا و زوجة و نسبا –لم يستجب الله بأن ينزل عليه كنزا من السماء مثلا!! صار ت الطبيعة التى هى مظهر من مظاهر الربوبية إلها مفترضا لدى العلماء الماديين بتوقف المعجزات و التى كانت رسائل قوية للعقل البدائى للإنسان, و هكذا حدثت الجفوة بين العلم و الدين و أسرار الدين الواحد (الإسلام ) هى بين دفتى المصحف و قد يسره الله لنا و أمرنا بتعقله و تدبره فهل من مدكر. المترادفات التى تتشابه فى المعنى كثيرة و فك طلاسمها رهين بالإكثار من قراءة القرآن و تدبر معانيه و منها السماء,الأرض, السموات, السموات و الأرض , البشر, الإنسان, ارجو أن أتمكن من معالجتها فى مقالات قادمة. [email protected]