المحاسبة الحكومية أو المالية العامة تعني أمران هامان أو وسيلتان هامتين هما ايرادات الدولة اللازمة لتحقيق الانفاق وتوزيع العبء الضريبي، وفي السودان يأتي الاهتمام بالإنفاق العام بسبب الزيادة المضطردة والمستمرة في الإنفاق العام، والتضخم المتسارع وشح الموارد، وهذه الاسباب هي التي تثقل الموازنة وكاهل المواطن وانعكس ذلك في اقل تقدير في حجم الضرائب المفروضة وهي لاشك ذات تأثير مباشر على المواطن، في ظل سعى الحكومة الي (الفوتره) واستخدام الوسائل التكنولوجية في التحصيل لرفع كفاءة التحصيل مما يساعد في رفع حجم الضرائب المحصلة ويحقق السرعة والقدرة على تقدير النسب الضريبية بصورة اكثر دقة. لكن هذه الضرائب ربما يكون لها انعكاسات غير محمودة على الاقتصاد بصفة عامة والمواطن بصفة خاصة حيث تقل قدرته على الانتاج والانتاجية، فتأثيرها على الدخل مثلا يدفع المواطن الى تقليل استهلاكه، أما من ناحية الانتاجية يتدخل فيها العامل النفسي حيث يصبح المواطن دون حافز للإنتاجية بسبب عدم وجود الاجر المجزِ الذى تفرض عليه الضريبة، أما من ناحية الانتاج فالضريبة ترفع نفقات الانتاج مما يؤدي الى انخفاض الارباح ويعنى ذلك ان الضرائب تتناسب طردياً مع تكلفة الانتاج وعكسياً مع الارباح، أيضاً تؤثر الضريبة على المنافسة التي يشكلها العرض والطلب حيث يكون المنتج محكوم بقانون العرض والطلب ولا يستطيع زيادة أسعار المنتجات لتعويض زيادة تكلفة الضرائب ويؤدى ذلك الى انخفاض الانتاج الذى ربما يكون غير مجدياً للمنتج، وكذلك الانتاج المعد للتصدير حيث تقل قدرة المنتج على المنافسة في الاسواق الخارجية اذا كانت الضرائب المفروضة عليه وعلى مدخلات الانتاج اكبر من الضرائب السائدة حول العالم، ولن نتحدث عن اثر الضريبة على الادخار بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود حيث أنه لا فرصة لديهم اصلاً للادخار بسبب ضعف رواتبهم وعظم الضريبة المفروضة عليهم. أيضاً للضريبة أثر مباشر على الاستثمارات وبالتالي التنمية الاقتصادية حيث يحدد النظام الضريبي وحجم الوعاء الضريبي قدرت المستثمر على الاستثمار والاستمرار والتوسع فيه. من جانب آخر يعتبر عجز الموازنة المستمر يفاقم مشكلة الدين العام الذى يعتبر انعكاس لعدم قدرت الحكومة على خفض النفقات العامة أو الحد منها، لذلك نجد ان التحول الي ادارة الانشطة الحكومية اصبح ضرورة ملحة لتكون منهجاً يطبق مع اتجاهات خفض النفقات العامة من خلال الاصلاح الاداري والمالي وتوفر الارادة السياسية لمكافحة الفساد والقضاء عليه؛ وتعتبر الموازنة العامة هي المحور الاساسي في خطط الانفاق وضبطه لأنها تعبر عن المبالغ المرصودة سنوياً لإدارة الموازنة وتلعب دوراً هاماً في الوصول الى انفاق فعال، لذلك هي مؤهلة لتلعب دوراً اساسياً في ترشيد الانفاق والتأكد من فعاليته من خلال تحديد الأنشطة ورصد الاموال الخاصة بالتنفيذ، وبعد تنفيذ هذه البرامج والانشطة يتم التأكد من أن عمليات الانفاق قد تمت وفقاً لمؤشرات الانتاجية الافضل ومدى تحقق الاهداف الموضوعة؛ حيث ان الانفاق دون معرفة مؤشرات الانتاجية المتعلقة بكافة الانشطة يعتبر ارتجالاً من شانه تبديد المال العام واهدار الوقت دون نتائج تذكر. وبما أن الموازنة العامة للدولة تمثل اطار عمل لنشاطات مختلف وزارات الدولة وأهدفها من خطط الانفاق وطرق تحقيق هذه الاهداف؛ يعتبر تبويب الموازنة وظائفياً بما في ذلك البرامج والانشطة الرئيسة امراً هاماً، ويجب تحديد أهداف كل الانشطة واعداد مؤشرات كمية ونوعية تستخدم في التنفيذ لتوفير مؤشرات واقعية لقياس اداء الادارات المعنية من خلال نتائج تنفيذها للموازنة. كل هذه العناصر تمثل بُعداً مهماً في التحول الي ادارة الأنشطة الحكومية، مما يجعلها تحدث نقلة نوعية وتطور في مفهوم النظرة الي الموازنة وتحويلها من مجرد موازنة قائمة على بنود صماء شاملة معتمدة على ثقافة المتاح من الوسائل الي موازنة جديدة تتصف بالحيوية قائمة على ثقافة الاهداف المتوقعة، وبذلك يكون الانفاق محدد بهدف معين يتم انجازه عبر النشاط؛ ويمكن قياس اداء العاملين بمبدأ آليات تحديد حدود العمل او النشاط المنجز ووسائل خفض الانفاق وتحقيق أعلى انتاجية ممكنة. إن التحول الي الموازنة القائمة على ادارة الاداء للأنشطة الحكومية لا تقتصر على الموازنة العامة الدول بل يشمل شركات ومؤسسات القطاع الخاص حتى تلك المؤسسات غير القائمة على الربح ومعروف أن قياس الاداء المعروف بالمتوازن طبق اولاً في القطاع الخاص، حيث يعتبر الآن قياس الأداء المتوازن امراً ضرورياً لكل مؤسسة تسعى الي التميز والنجاح والاستمرار، وثقافة البرامج والأداء وادارة الأموال بفعالية باتت أحد الأهداف التي تسعى اليها كافة المؤسسات العامة والخاصة للوصول الي الجودة في الانتاج، التعليم والخدمات وتحقيق القدرة التنافسية سواءً محلياً او عالمياً. إذا اردنا في السودان تحقيق النجاح والخروج من حالة الانهيار والتخبط التي يعيشها اقتصادنا حالياً علينا ان نتبنى مفاهيم جديدة لتنفيذ الموازنة العامة من خلال التحول الي ادارة الأنشطة الحكومية وذلك عبر موازنة البرامج والاداء التي تعكس سياسة الحكومة الاصلاحية والتنموية وتعبر عن كافة انشطتها خاصة وان هناك تجارب دولية رائدة في هذا المجال مثل ماليزيا التي صرح باني نهضتها مهاتير محمد أن اكثر من سأله عن تجربة ماليزيا كان السودانيون؛ ولم ننجح في شيء نجحت فيه ماليزيا، فماليزيا اعتمدت وطورت موازنتها من خلال تعميق موازنة البرامج والاداء لتواكب التحديات التي واجهت اقتصادها، وحققت زيادة متوالية في معدلات النمو في كل القطاعات، واستطاعت توسيع القاعدة التصديرية خاصة الصادرات الصناعية القادرة على المنافسة في الاسواق الدولية؛ وحدث هذا التطور من خلال التخصيص الأمثل للموارد، وزيادة كفاءة وفعالية البرامج، وتدعيم آليات الرقابة المسئولية، ومن خلال تحديد أهداف الانفاق، واعداد اتفاقيات تتعلق ببرامج الانشطة مع الجهات المختصة بالتنفيذ. فهل ننتقل من مرحلة الغزل في التجربة الماليزية الي مرحلة العمل أم نقعد لننظم الشعر؟. الصيحة: 15/07/2018 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.