[email protected] يعد تلفزيون السودان القومى من أطرف التلفزيونات فى العالم ، وأوصى الذين لديهم حساسية منه أن يواظبوا على مشاهدته هذه الأيام خاصة الشريط الأخبارى أسفل الشاشة الذى درج على الترويج لبضاعة الحكومة و المؤتمر الوطنى بشكل مكشوف.... والشنطة التى وردت في العنوان أعلاه ليست شنطة فلوس كما قد يتبادر الى الذهن فى هذا الوقت بالذات ، ولكنها شنطة أدوات حرفية مثل الأدوات الكهربائية وأدوات السباكة...وهلم جرا. وأنا هنا ليس بصدد التعليق على الشنطة المهنية التى ظهرت الى الوجود بقدرة قادر هذه الأيام مثل ظهور تاكسى الخرطوم ، وانما أود التعليق على لفظ المتشردين الذى ورد هكذا حرفياً و حافياً دون تشذيب في حق هؤلاء الشباب...فمثلاً كان بمقدور التلفزيون العتيق أن يعيد صياغة الخبر ويقول ( أن الجهات المختصة ستقوم بتزويد الحرفيين غير القادرين بحقائب تحتوى على المعدات والأدوات التى تساعدهم على كسب الرزق ....مثلاً ) ، ولكن يبدو أن التلفزيون السودانى ولكثرة السفريات التى تقوم بها أطقمه تحت شتى المسميات وأشهرها الطواف على سفارات البلاد فى شتى بقاع العالم لنقل أخبار الدبلوماسيين والجاليات السودانية المخملية ، أصبح هو نفسه تلفزيوناً دبلوماسيأ ( مع الاعتذار للدبلوماسيين ) لايعرف شيئاً عن أخبار المشردين الا عندما توزع عليهم الحقائب أيام الأنتخابات أو عندما تدهسهم السيارات في الشوارع . وأقترح هنا أن تخصص ميزانية السفر بالتلفزيون لهذا العام لصغار المشردين ( على غرار صغار المستثمرين ) وأن يمكث التلفزيون معنا هذا العام والعام الذى يليه وهما عاما الأنتخابات واستفتاء الجنوب وليختلط بالمشردين ويطلع على أخبارهم عن قرب....حتى اذا ما أتيحت فرصة السفر لسائحيه مرة أخرى ، ارتقوا باهتماماتهم ونقلوا لنا أخبارومشاكل المشردين فى الغربة بدلاً من أخبار رؤساء وأعضاء الصناديق الخيرية الموالون للحكومة. ولعلم التلفزيون ، أو الجهة الكريمة واهبة الشنط ، أن مشردى السودان كثر وينقسمون الى عدة أقسام منها : صغار المشردين ( كما أسلفنا ) من مجهولى الأبوين أو موجودى الأبوين الذين يشمون البنزين ويأكلون من صناديق القمامة ويتسولون وينامون كيفما اتفق في أى جحر. كبار صغار المشردين الذين يمسحون زجاج العربات و يبيعون بضاعتهم التى تتراوح بين المناديل الورقية والأحزمة الجلدية الى المقصات الكبيرة الحادة التى تستخدم في قطع الأشجار. وهؤلاء يتمركزون حول مجمعات اشارات المرور. وقد أحصيت 43 منهم فى احدى المرات. شباب المشردين من خريجى الجامعات المختلفة ومنهم من لم يحظ بفرصة عمل منذ 10 سنوات. كبار المشردين من الجيش والشرطة الذين شردتهم الأنقاذ بسبب كفاءاتهم العسكرية العالية . كبار المشردين من الخدمة المدنية الذين كانت الخدمة المدنية في زمانهم يشار اليها بالبنان نزاهة وعفة ومسئولية. كبار المشردين من أساتذة الجامعات والعلماءالذين يعملون فى الداخل والخارج وعيونهم تقطر دماً على ما آل اليه حال التعليم فى يلادنا. المشردون العاملون داخل دواوين الدولة من الذين تمارس ضدهم أبشع أنواع التفرقة فى الترقيات والتنقلات والأمتيازات. كبار المشردين من التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين أفلسوا بين عشية وضحاها ودخلوا السجون. المشردون من المغتربين الذين سافروا الى بلاد الله الواسعة ولكن لم يسعفهم الحظ بعد في العثور على العمل المناسب وعلقوا هناك ولم يستطيعوا العودة. المشردون العائدون من الغربة ولم تنجزهم هنداً بما وعدت وعلقوا بين ظهرانينا. المشردون والنازحون فى بقاع البلاد المختلفة بسبب الحروب والنزاعات. المشردون الطوعيون الذين خرجوا بمحض ارادتهم لأسباب يعرفونها هم . وبالمناسبة فان هذه القائمة لا تشمل الباعة المتجولون باعتبارهم أصحاب مهن معترف لأن الحكومة تأخذ منهم الجبايات المختلفة ، كما لا تشمل القائمة المشردون المستترون تحت مسميات أخرى . وحسب تلفزيون الحكومة ، فقد استقر الرأى كما أوضحنا ، على منح كل متشرد شنطة أدوات تعينه على الكسب وطلب الرزق. وما دام ذلك كذلك ، فأين شنط باقى المشردين؟؟؟؟؟ أين شنطنا يا مسئولين؟؟ صحيح أن المشردين خشوم بيوت ولكن التشرد واحد وهو الاحساس الكبير بالظلم الاجتماعى وعدم الشعور بالانتماء وأشياء أخرى تخص كل متشرد على حده تحدد تصرفاته تجاه الذين سببوا له هذا الألم... وكان أحد سفراء الأنقاذ فى الخارج قد قال قبل سنوات قليلة وأمام حشد سودانى ضم أكثر من 500 شخص من أفراد الجالية السودانية في ذلك البلد الخليجى ( فى ناس الحكومة دى ما دايراهم عديل كده...عشان نكون واضحين. ) ويا سبحان مغير الأحوال ، فالحكومة الماعايزة الناس هى التى تناضل اليوم من أجل البقاء وان كان ذلك بتوزيع الشنط على المشردين على حد تعبير التلفاز القومى. كلمة أخيرة موجهة لكافة المرشحين وهى أنه ينبغى عليهم ان أرادوا الفوز فى الأنتخابات أن تشمل برامجهم ضرورة الألتفات لمتطلبات كافة المشردين عبر الخطوات التالية : الأنصاف والعدالة ورد المظالم واعادة الاعتبار. التعيين فى دواوين الدولةلاعتبارات الكفاءة فقط. التوزيع العادل للثروة. التنمية المتوازنة. أية خطوات أخرى. ولحين تحقيق ذلك نقول للتلفزيون ما تمشوا يا أخوات و تبيتوا كام يوم فى الفاشر أو نيالا وتعملوا لينا تحقيق عن المرأة العاملة فى دارفور ، أو المرأة الدارفورية الشيخة التى تبز كافة نساء السودان فى كرم الضيافة والنظافة وترتيب المائدة الشهية ، وبعد ذلك يمكن أن تطيروا مباشرة الى باريس خاصة بعد تحسن العلاقات بين انجمينا والخرطوم والتى تمر عبر جنوب بلاد الغال.