شكراً للقاضي حمزة زين العابدين ووظيفته مسئول الإعلام بالسلطة القضائية أن غلبت عليه صفته كضابط إعلام ومُراسل صحفي على كونه رجل قانون وصل في تدرُّجه بالعمل في القضاء حتى بلغ درجة قاضٍ بمحكمة الإستئناف، فقد نقل معاليه القرار الذي أصدرته اللجنة التي شكلها رئيس القضاء وتضم في عضويتها نائبه ووزير العدل، والتي إنتهت إلى قرار بإلزام المُشترين في معاملات بيع العقارات والسيارات بسداد الجزء النقدي من ثمن المبيع بموجب شيك مُعتمد من البنك وعدم الإعتداد بتوثيق عقد البيع الذي يُجريه المحامي وموثِّق العقود إلاّ بعد تحصيل قيمة الشيك (بمعنى إيداعه في حساب البائع) وجعل القرار ذلك شرطاً لإتمام المعاملة بتسجيل العقار أو السيارة في إسم المشتري، ووجه الشكر للقاضي الإعلامي حمزة زين العابدين أنه وضع دواعي وأسباب صدور هذا القرار "على بَلاطة" حين ذكر بأن المقصود منه هو التمشِّي مع حزمة الإجراءات والسياسات الإقتصادية التي تنتهجها الدولة، وبكلام آخر، مساعدة الجهات الأخرى في سد النقص في السيولة النقدية وإسترجاع ماهو متداول منها خارج المصارف. بخلاف المآخِذ القانونية - ونأتي لجردها لاحقاً - التي تُجهِض وتُبطِل هذا القرار، إلاّ أن الجانب الذي يُؤسِي المرء فيه هو أن يقبل أكبر رؤوس في أجهزة العدالة إستخدام آلة العدالة نفسها في مساعدة الجهاز التنفيذي على نصب "كمين" للسطو على أموال المواطنين، وهذا وصف يعكس الواقع والحقيقة وليس فيه أيِّ تجنٍ أو تطاول على أصحاب المعالي حُرّاس العدالة، فالمواطن الذي ينتهي إلى قرار ببيع منزله أو سيارته، لا يفعل ذلك بغرض التخلص من ممتلكاته، فهو يبتغي من ذلك الحصول على المقابل (النقدي) لمواجهة إلتزام آخر يرى فيه أولوية، كأن يُريد تدبير نفقات علاج لنفسه أو أحد ذويه، أو تزويج بنته أو سداد ديون تراكمت عليه ... إلخ، وبموجب هذا الكمين فإن البائع لا يستطيع تحقيق شيئ من ذلك، لأنه لا يستطيع الحصول على ثمن بيع منزله أو سيارته، حيث تذهب النقود مباشرة إلى حسابه بالبنك ويقوم الأخير بإحتجازها بطرفه ويتفضّل بصرفها له على دفعات يومية بواقع ألفي جنيه في اليوم. ليس من مهام القضاء أن يُعين الجهاز التنفيذي في إنجاح سياسة مالية تقوم على إغتصاب الملكية والإنتقاص من حرية المالك في التصرف في ملكه بالمخالفة للقانون الذي جعل النقود أداة لتبرئة الذمة عند الشراء، والصحيح أن يقف القضاء على مسافة واحدة بين من وضعوا هذه السياسة والذين تضرروا منها وفقدوا أكثر من نصف قيمة أموالهم نتيجة إحتجاز البنوك لإيداعاتهم بدون وجه حق. وبهذا القرار يكون القضاء قد فصل مُسبقاً في الدعاوى التي كان يمكن للأشخاص اللجوء إليه للتظلم من إحتجاز أموالهم لدى البنوك. ثم، أن هذا "كمين" مُفتضَح ومكشوف للذين نُصِب لإصطيادهم ومن ثم لا يُنتظَر أن يُحقق الأهداف التي سعى إليها، فليس هناك صاحب عقار أو سيارة من البلاهة بحيث يقوم بتسجيل مِلكه في إسم الغير في مقابل أموال لا تدخل في حرزه وليس له سلطان عليها، وسوف يؤدي ذلك إلى أحد أمرين: إما توقف أو تراجع حركة بيع العقارات والسيارات أو الإلتفاف على القرار عن طريق القانون أو الحيلة. والقرار نفسه وضّح مسار التحايل عليه، فقد ورد في صلبه أن إلزام السداد بشيك مصرفي يكون (فقط) في الحال التي يكون فيها المقابل (أو جزء منه) عن طريق النقد، وذلك يعني أن أي (جزء) من الثمن بغض النظر عن قيمته من الممكن أن يكون في صورة بدل عيني، كأن يُذكر في عقد بيع السيارة أو العقار أن جزءاً من الثمن إستئجار صالة أفراح أو قطع غيار سيارات أو مولِّد كهربائي .. إلخ، ثم يُذكر جزءاً ضئيلاً من الثمن عن طريق النقد، وهذا يفتح الباب للتنازع بين الأطراف وضياع وإهدار الحقوق. كما يمكن الإلتفاف على هذا القرار عن طريق القانون، وذلك بأن يقوم المشتري بسداد قيمة المبيع نقداً للبائع بالمخالفة لهذا القرار ثم يتفق طرفي المعاملة (البائع والمشتري) على الإختصام صورياً أمام المحكمة برفع دعوى يطلب فيها المشتري تقرير صحة ونفاذ البيع، وفي أول جلسة تحدد لنظر القضية يحضر الطرفان ويُقِر البائع بإستلام الثمن نقداً وهنا يتعين على المحكمة (وجوباً) إصدار حكم يتضمن أمراً للجهة المعنية (تسجيلات الأراضي أو المرور بحسب الحال) بنقل سجل المبيع في إسم المشتري. ويبقى السؤال: ما الذي دفع رئيس القضاء من الأصل لإستصدار هذا القرار؟ وهل فعل ذلك من تلقاء نفسه أم بطلب من الجهة التي يريد أن يُعينها في إنجاح السياسة الإقتصادية (رئاسة الجمهورية أو وزارة المالية أو لجنة صًنّاع السوق)؟ ما هذا الذي يجري في القضاء؟ سيف الدولة حمدناالله عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.