كان يوم التاسع من يناير يوماً مشهوداً.. تحدت فيه حكومة الإنقاذ الشعب السوداني البطل الذي ظل في انتفاضة ثورية لأسبوعين بحشد مصنوع في الساحة الخضراء ويا للأسى ( صناعة تايوانية )..حزب المؤتمر الوطني المتهالك ظل لأيام مضطرباً لايعرف أين يقيم الحشد مرة في الساحة الخضراء ومرة استجابة لنصائح المرعوبين من أعضائه أن يكون الحشد في ساحة الشهداء أمام القصر الجمهورى ، وبعضهم خاف وارتجف أن يأتي الشباب الثائر ومن خلال الحشد يقتحم القصر. كل امكانيات الدولة سخرت من أجل إنجاح الحشد ، السيارات الحكومية والمؤجرة وجلب الموظفين وتوفير الغذاء والمياه وتوزيع الاكل مالذ وطاب كأنهم ذاهبون إلى حفلة. لايخافون لومة لائم في تسخير أموال الشعب من أجل هذا الحفل الزائف. البعض كان متفائلاً أن يخرج البشير بوصفة جديدة ترضى طموح الشارع الثائر ، ولكن يبدو أن فاقد الشىء لايمكن أن يقدم شىء ولهذا جاء الخطاب هزيلا وضعيفا وختمه كعادته بسب الشعب واتهام المندسين والمتامرين ، وقد وصفهم من قبل بالفئران والمنبوذين والخونة واستعمل كل قواميس الكلمات السئية في شتم شعبه. ثم انتقل الى الوصلة التي يجيدها وهي (الرقص) على جماجم ودماء الشباب الذين راحوا ضحية العنف والقهر واستخدام الرصاص الحي في مواجهة مظاهراتهم السلمية. مشهد غريب من رئيس يرقص ودماء الشهداء لم تجف بعد كأنه لم يحدث شىء!! ما هذه المهانة ، حتى أصبحنا مصدر التندر من كل الجنسيات في الخارج من وصلة الرقص التي لاتنتهي .. ولكن واضح أن ثوار أم درمان كتبوا بالأمس شهادة وفاة الانقاذ بالخط العريض ، وان رقصة الأمس ستكون رقصة (التانجو) الأخيرة !! لقد رسم أبناء امدرمان شيبا وشبابا لوحة رائعة ، وتقدمت جحافلهم تتحدى الرصاص والسلاح والجنود المدججين بالسلاح والخوذات العسكرية مضحين بأنفسهم... تحدى لكل قوات الجبروت والقهر في رسالة وأضحة أن الشباب الذي خرج طوال الايام الماضية لديه هدف واحد ورسالة واحدة وهي اقصاء هذا النظام الذي حطم طموحاتهم وأحال البلاد إلى دولة فاشلة في كل شىء. ثلاثون عاماً نفس الخطاب ونفس الدجل ونفس شعارات الدين التي استهلكوها حتى مل الناس منهم وكل ذلك من أجل أن يستمروا في التثبث بالحكم. شبعوا من المال والجاه والسلطان واكتنظوا الأموال والثروات فعمتهم السلطة وظنوا أن لأ أحد سيبعدهم عن هذا النعيم !! ولكن جاءت لحظة الحسم وانطلق الشباب وهم جيل الإنقاذ الذين ولدوا في عهد الإنقاذ يتحدون كل الصعاب... ونجح مناضلو (الكيبورد) كما حاول بعض عجائز ونفايات المؤتمر الوطني وبعض أرزقية الاعلام السخرية من شباب الفيس وووسائل التواصل الاجتماعي وادعوا أن هؤلاء المناضلين الذين يختبئون وراء الكيبورد لن يفعلوا شيئاً فناموا على العسل وجاءت لحظة الحقيقة ليكتشفوا أن أمثال عبدالرحمن الخضر وعلي عثمان طه وربيع عبد العاطى وحسبو وغيرهم لاعلاقة لهم بالمستقبل الذي يحلم به هؤلاء الشباب ، تكلست عقولهم وأفكارهم خلال الثلاثين عاما ونسوا أن عجلة التاريخ لاترحم الطغاة مهما امتلكوا من القوة والجبروت. بالأمس بدأت الشرارة في عطبرة وانتقلت إلى القضارف ومدني ونيالا وكوستى وبورسودان وبري الصامدة وغيرها من المدن والأحياء لوحة سريالية اختلط فيها الشباب بالشيب والنساء بالأطفال ، الجميع هتافهم واحد ( تسقط ، بس ). الشعب السوداني شعب عبقري في كل شىء في ثوراته وفي خياراته لاسقاط النظم الدكتاتورية. سلمية سلمية تحدت كل الظروف وكل وسائل القمع التي تمثلت في إطلاق الغاز المسيل للدموع وضرب المتظاهرين بالهروات والطلقات المطاطية والرصاص الحى التي حشدها أساطين الكيزان وهم يخططون ثلاثين عاما من أجل البقاء والاستمرار في السلطة ولكن ملحمة امدرمان التي كانت ردا على حشد الساحة أسقط في أيديهم.مشاهد ولوحة رائعة رسمها أهل امدرمان وانت ترى الأطفال والنساء وكبار السن يحملون المياه والساندويتشات لاطعام المتظاهرين ، وفتحوا بيوتهم للمصابين والمتأثرين بالغازات المسيلة للدموع ، بل اختلطت هتافات الشباب وزغاريد النساء وهي تجلجل في شوارع امدرمان. إن أيام البشير أصبحت (معدودة) .. وأن التغيير واقع لامحالة إن لم يكن اليوم فلن يكون بعيداً ، وكل مراقب ومتابع يعرف أن العمر الافتراضى لحكومة الانقاذ قد انتهى ، وان تهديدات علي عثمان وقادة الانقاذ لن تخيف أحدا ، فهذه فرفرة المذبوحً ،كما جاء بيان دول الترويكا (المملكة المتحدة والنرويج والولايات المتحدة) وكندا قاصمة ظهر لحكومة الانقاذ فالتهديد واضح جدا بأنهم لن يسكتوا إزاء اي انتهاكات جديدة ضد المتظاهرين ، فأسقط في يدهم ، ماهم فاعلون تجاه المظاهرات التي لن تتوقف !! غدا سيطوي الشعب السوداني هذه الصفحة السوداء الحالكة السواد من تاريخه ، ويلقى بكل الذين أذلوه في مزبلة التاريخ !! علي عثمان المبارك صحفي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.