عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 26 يناير 2019 لثلاث عقود خلت ظللت مثل كثيرين أتابع فى صدمة ووجوم وحزن بشاعة وبربرية الحركة الإسلامية وتعطشها المفرط للدماء والمذابح العديدة البشعة التى إرتكبتها ضد السودانيين. وبنظرة سريعة جداً لما حدث يلاحظ الإنسان أن هذه الحركة الدموية لم تترك بقعة فى بلاد السودان لم تسفك فيها الدم الحرام او تنتهك حرمات الناس. يلاحظ ايضاً أن الرجلين الذان تعاقبا على قيادة الحركة الإسلامية تنافسا فى سفك الدماء. فإن إنفرد الترابى بسفك دماء أهلنا فى الجنوب حتى بلغ ضحاياه الملايين، إنفرد البشير بأهل دارفور فأشبعهم تقتيلاً وذبحا وحرقا وإغتصابا وهى ممارسات إعترف هو نفسه بها. وعندما لم ترو دماء أهل دارفور تعطشه للدماء ذهب يبحث عن المزيد فى جبال النوبة والنيل الأزرق، ثم ما لبث أن اضاف لها مذبحة سبتمبر 2013 تحت سمع وبصر السودانيين والعالم. ثم جاءت ثورة ديسمبر 2018 لتكشف لغالبية السودانيين بربرية الحركة الإسلامية التى تحكمهم. وكأن الله أراد أن يفضح جرائمها، فأصبح كل ما يرتكبونه من همجية وقتل وتعذيب ووحشية وبهائمية وضرب مبرح لم تنج منه حتى الفتيات والنساء صرف النظر عن أعمارهم، موثقاً بالفيديو والصور يشاهده العالم من أقصاه الى أقصاه. ولم تتوقف الحركة الإسلامية عند القتل والضرب والسحل، بل تمادى بلطجيتها ليكشفوا للسودانيين أن جحور ظلامية للحركة ليس لها قاع ممتلئة بأسوء الممارسات التى لم تعرفها حتى القرون الوسطى وبربرية الأمم الغابرة. أصبح بلطجية الحركة الإسلامية بعد أن يقتلوا الشباب يتهجمون على أسرهم حتى فى سرادق العزاء ليمنعوا الأسر المكلومة الحداد على ابنائها، يرمون السرداق بقنابل الغاز، يهاجمونها بالذخيرة الحية، لا بل أكثر من ذلك يسحقون بسياراتهم ذات الدفع الرباعى جمهور المعزين والمشيعين. هذه الممارسات جديدة لم يعرفها السودانيين من قبل، براءة الإختراع فيها محفوظة للحركة الإسلامية التى لم ينضب معين عقلها الشيطانى المجرم حتى صار ينافس نفسه فى البربرية والبشاعة، تبقت لهم (أفران) الغاز التى لا نستبعدها طالما ظل الجنون يركب الحركة ويوجه بلطجيتها. قد يصعب على الكثير من السودانيين تفهم أن ما تقوم به الحركة الإسلامية قائم على تفسير ومفهوم دينى لأحد شيوخ الأخوان المسلمين إسمه سيد قطب! ولذلك، فكل ما يقوم به هؤلاء البلطجية له تبرير فى فهمهم الغريب للإسلام. فهؤلاء يعتقدون مطمئنين أن ما يفعلونه فى السودانيين هو دفاع عن دين الله، ولذلك فهو مبرر! هذا فقط ما يفسر صمت "علماء السودان" عن البربرية والبشاعة وسفك الدماء، والصمت علامة الرضا. فى حقيقة الأمر، فإن الحركة الإسلامية فى جوهرها حركة تكفيرية تستند بالكامل على مفاهيم سيد قطب الذى أفتى بكفر المجتمعات الحالية حتى وإن كانت تقوم بجميع أركان الإسلام الخمسة. يقول فض فوه: "نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، فنونهم وآدابهم شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكيراً إسلاميا، هو كذلك من صنع هذه الجاهلية [...] إن مهمتنا الأولى هى تغيير واقع هذا المجتمع وتغيير هذا الواقع الجاهلى بأكلمه (معالم فى الطريق).عن قطب يقول الدكتور طارق البشرى (أخ مسلم): "إن دعوته إنما تقوم لإنشاء الدين إنشاءً، أى أنها دعوة لإعتناق عقيدة الإسلام حتى لو كانت بين قوم يدعون أنهم مسلمون".(الحركة الإسلامية رؤية مستقلية). وفى موقع آخر من كتابه (معالم) يقول قطب بعد أن يعرف المجتمع الجاهلى: "بهذا التعريف تدخل فى إطار المجتمع الجاهلى جميع المجتمعات القائمة اليوم فى الأرض فعلاً" ويقول فى موقع آخر:"ليس المجتمع الإسلامى هو الذى يضم أناساً يسمون أنفسهم مسلمين، بينما شريعة الإسلام ليست هى قانون هذا المجتمع، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام"، وفى موقع آخر:" تدخل فى المجتمع الجاهلى تلك المجتمعات التى تزعم لنفسها أنها مسلمة". يعلم السودانيون أن الحركة الإسلامية تعتمد إعتماداً شبه كامل فى تجنيد الأعضاء خاصة صغار الشباب على مؤلفات سيد قطب، ولن تجد اياً من أعضاء الحركة إلا وقد قرأها، بل تكاد أغلبيتهم تحفظها حفظاً كما أكد الإسلامى السابق عمار محمد آدم فى أحد إعترافاته. وما نقول لا يحتاج الى إستدلال، بل هو أمر يعترف به أعضاء الحركة أنفسهم. من يتمعن فى ممارسات الترابى وجماعته يلاحظ بيسر أنهم أخذوا مفاهيم سيد قطب حول جاهلية المجتمع وقاموا بسودنتها وإعادة تسميتها واخرجوها فى برامج عملية مثل قوافل الدعوة الشاملة وإعادة صياغة المجتمع، تزكية المجتمع وأخيراً الهجرة الى الله وغيرها... كل هذه البرامج التى صرفوا فيها ترليونات الجنيهات على مدار ثلاثين عاما تستبطن مفاهيم قطب بأن المجتمع الذى قاموا فيه مجتمع جاهلى يجب دعوته الى الدين من جديد. وعند قطب فالمجتمع الحالى غير مسلم وإن كان يقوم بكل أركان الإسلام الخمسة بحقها، وهو يرى أن المجتمع يظل جاهلى طالما لم يقر ب "حاكمية الله" ويطبق أحكامه حسب فهمه؛ ويحقق ما اسماه "العبودية المطلقة لله". وبالطبع – كما يتوقع القارئ – لم يفصل قطب كيفية تحقيق تلك العبودية المطلقة بالنظر لتعقيدات العالم الحالية وتقاطعات الحياة مع الشعوب والمجتمعات الأخرى والعولمة وغيرها... (اهو كلام والسلام)! وكما سبقت الإشارة، تقوم مفاهيم سيد قطب على تكفير المجتمعات، ولذلك فما نراه اليوم من بربرية الحركة الإسلامية ضد الشباب العزل قائم على أن جنود الله أو جنود الدولة الإسلامية يقاتلون الكفار تقرباً لله. فهؤلاء البلطجية عندما يطلقون النار على الشباب فهم على قناعة تامة فى قرارة أنفسهم أنهم يقتلون الكفار، وإن ذلك القتل يقربهم الى الله زلفى. بالنسبة لهم، فالشباب الذين يتظاهرون فى الشوارع ما هم فى حقيقتهم إلا جنود الكفر وعساكر الشيطان الذين خرجوا لمقاتلة الدولة الإسلامية، ولذلك فقتلهم او تعذيبهم او إستباحة حرماتهم وحرمات أسرهم بأى صورة أمر مشروع ولا غبار عليه. ولأن ذلك هو الفهم السائد عند البلطجية وقادتهم من كبار القتلة، لذلك لا تتم مساءلة او معاقبة من يرتكبون القتل ويسفكون الدماء، ففى نظرهم أن البلطجية هم جند الله يقومون بواجبهم فى الدفاع عن الدولة الإسلامية. وليس فيما أقول جديد، فالجنرال البشير نفسه يكرر بإستمرار وعلى رؤوس الأشهاد فى ختام مخاطباته العامة :"فالترق كل الدماء"...! ترى دماء من تلك التى يعملون على إراقتها إن لم تكن دماء السودانيين، كما أثبت الواقع وأكدت الممارسة! لقد آن للسودانيين أن يعلموا ان الحركة الإسلامية التى تحكمهم حركة تكفيرية تتعامل معهم على انهم مجتمع جاهلى كافر. يقول عمار محمد آدم:"الإسلامى يعتقد انه وكيل الله فى الأرض، هو لايقول ذلك ولكنه فى قرارة نفسه مقتنع به وينظر الى الآخرين أنهم على ضلال [...] ويظل الولاء للتنظيم على حساب الولاء للأسرة والمجتمع فكل العمر للتنظيم". ولأن ذلك هو الفهم السائد الذى تقوم عليه دولتهم، فمن وجهة نظرهم ليس ثمة مشكلة أن إستباحوا دماء واعراض وحرمات وأملاك السودانيين متى ما تحرك السودانيون لمقاومة سلطة سلطتهم. واقع الممارسة يقول أنهم لا يرون أن هنالك اى مشكلة فيما يرتكبون من جرائم، بل ربما يتساءلون بينهم .. أين المشلكة فيما يفعلون أو (مكانها وين... مكانها وين)! أما صمت جيش الحركة الإسلامية حالياً الذى تمت "قطبنته" فيمكن تفسيره على أن الجيش "يفهم" أن ما يقوم به بلطجية الحركة فى جهاز الأمن من جرائم ضد السودانيين على أنه عمل مشروع، فالذين يتم قتلهم - كما ترى قيادة الجيش - ليسوا مواطنيين لهم حقوق فى بلادهم، إنما هم كفار يقاومون الدولة الإسلامية. وهكذا، فالجيش ينظر لما يدور بن بلطجية الأمن وبين السودانيين على انه صراع بين كفار ومسلمين، إذ لو لم تكن تلك هى نظرته لكان قد تدخل لحقن الدماء! إن اخطر ما إرتكبته الحركة الإسلامية ليس هو إختطاف بلاد السودان وإذلال شعبها وإستباحة حرماتهم فحسب، بل هو إختطاف دينهم الصوفى المتسامح، الذى يحرم سفك الدماء ويقدس ويصون الحرمات التى أمر الله أن تصان. ولذلك فهذه الثورة المباركة معنية فى المقام الأول بإستعادة السودانيين لعقيدتهم المتسامحة التى وفرت لهم التعايش السلمى لعقود طويلة. ومما يسعد النفس حقيقة أن بعض الأئمة المستنيرين وبعض قادة الصوفية نهضوا للقيام بواجبهم لتنبيه الناس لخطورة الموبقات التى يرتكبها تكفيريو الجبهة الإسلامية وبلطجيتها. إن المسئولية على عاتق هؤلاء النفر لجد ضخمة؛ وعليهم مواصلة سعيهم دون كلل او وجل فذلك هو واجبهم الدينى والوطنى. فى خاتمة هذا المقال دعنا نقدم إقتباساً آخر من كتاب قطب "معالم" حتى يستطيع القارئ أن يرى بعينيه التجسيد الفعلى لأفكار قطب الذى تمثله الحركة الإسلامية. يقول قطب عن المجتمع المسلم وتحققه:" لأن وجود المجتمع المسلم لا يتحقق بمجرد قيام القاعدة النظرية فى قلوب أفراد مهما تبلغ كثرتهم لا يتمثلون فى تجمع عضوى متناسق متعاون... له وجود ذاتى مستقل يعمل أعضاؤه عملاً عضوياً كأعضاء الكائن الحي على تأصيل وجوده وتعميقه وتوسيعه وفى الدفاع عن كيانه ضد العوامل التى تهاجم وجوده وكيانه ويعملون تحت قيادة مستقلة عن قيادة المجتمع الجاهلى تنظم حركتهم وتنسقها وتوجههم لتأصيل وتعميق وتوسيع وجودهم الإسلامى ولمكافحة ومقاومة وإزالة الوجود الآخر الجاهلى". اليس هذا ما قامت وتقوم به الحركة الإسلامية السودانية! كيان مستقل عن المجتمع يمكّن نفسه ويوسّع نفوذه ويعمقه ويعمل لإزالة المجتمع " الجاهلى! ترى هل ظلمناهم عندما قلنا عنهم أنهم قطبيون تكفيريون! للمزيد عن قطبية الترابى وحركته الإسلامية أحيل القارئ لكتابى "حياكة الدجل".