عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. نشرت بصفحتي على الفيسبوك مقالا يناقش ما إذا كانت هناك حاجة فعلية لتحديد عمر الفترة الانتقالية بأربع سنوات كما هو مقترح من قوى الحرية والتغيير، أم أن ذلك هو من صنف المقولات التي تؤخذ باعتبارها حقيقة ثابتة مقدسة دون تمحيص. وقد رد على الصديق مصطفى مدثر مشكوراً على صفحتي وتبادلنا الرأي وهو أمر صحي تماماً مهما كانت الآراء مختلفة. فوجئت بعد ذلك بالصديق مصطفى ينشر على صفحته (وفي ذات الوقت يكرمني بإرسال ماكتب على الماسنجر) مقالاً بعنوان "حول الانتقال كمنظور للواقع" هو في جوهره رد على ما كتبت دون أن يسميني. وقبل أن أرد على الصديق مصطفى مدثر فها هو ما كتب لمن لم يطلع عليه: "حول الانتقال كمنظور للواقع تحجج قادة ثورة السودان في اختيارهم 4 سنوات عمرا للفترة الانتقالية، بفشل انتقاليتي 64 و85 في السودان اللتين لم تتجاوزا السنة الواحدة. وطبعا واضح أن المدة التي اختاروها لا تتناسب مع الانتقاليتين السابقتين وقد تتناسب فقط مع تجارب قديمة في الانتقال على غرار التجربة الامريكية التي أنجبت ما يعرف بالكونجرس والتي فاقت السبع سنوات أو اكثر. وأساس حجتهم لطول مدة الانتقال هو تلك المهام العسيرة التي اعترف، حتى معاندوهم في تيسير بدئها، بأنها تحتاج لأكثر من أربع سنوات. وهي المهام التي بات يدركها أغلب المنخرطين في فعل الثورة ولا حاجة لرصدها هنا. على أن المغالطة حول عمر الانتقال هي مما يروًج لها ليس فقط قوى الثورة المضادة بل أيضا العديد من المحسوبين على معسكر الثورة. تقول قوى الثورة المضادة من أزيال النظام بقصر الفترة الانتقالية لسبب واضح هو أن أي انتخابات تعقب فترة انتقالية قصيرة ستأتي إلى سدة الحكم مرة اخرى بنفس هؤلاء الازيال لأنهم ببساطة يملكون القدرة على حشد الناخبين بالمال، والأصوات بالرشوة، بل والقدرة على تزوير النتائج وكذلك الضغط لهندسة دوائر الانتخاب بحيث يفوز فيها مرشحوهم دون أن يعلموا أين تقع هذه الدوائر التي فازوا فيها. ولمؤيدي قصر الفترة الانتقالية من أنصار الثورة آراء يمكنني وصفها بالغرابة وساعرضها باختصار. هناك رأي يقول أن انتقالية بطول أربعة سنوات تعادل فترة حكومة منتخبة وهذا برأيهم غير معقول. لماذا؟ لا اجابة. ما القانون الذي يعيب ان تساوي مدة الانتقال مدةَ الحكم المنتخب؟ وهناك رأي آخر لم يزل يسأل: يا شباب انتو متأكدين انكم عايزين انتقالية ثورية ولا عايزين انتقالية ترقيعية، أي تشاركية مع العسكر؟ ثم يعدد مزايا الانتقالية الثورية بأنها ستأتي بتغيير يجعل الشاب السوداني من الثوار يمتلك نفس نسخة التلفون الجديدة في نفس تاريخ نزولها في أسواق أمريكا. وبرغم تعداده لمزايا الانتقالية الثورية إلا أنه في الحقيقة يروج للانتقالية الترقيعية؛ متجاهلا أن الانتقالية الثورية تليق بشعب السودان، كونه خارجا من حروب وراغبا في تغيير ثوري. فالانتقالية الترقيعية على الرغم من كونها نوعا من الانتقاليات إلا أنها لا تليق الا بالعاجز حين لا يقدر على اكمال مشوار التغيير الكامل فيلجا لصيغة المساومة، وهذا واضح في ما يبدو لصاحب هذا الراي الداعم لترقيع النظام الموجود. وهناك رأي ثالث في قصة أربع سنوات إنتقال يتساءل عن كيف توصل لها اصحابها وماهي القاعدة الفكرية التي استندوا إليها رغم أن فطاحلة القانونيين السودانيين لم يفكروا فيها في 85 مثلا. وهذا هو أغرب الآراء كونه يرى أن الانتقال السريع هو من مسلمات الانتقال. فمهما تحدث التاريخ الانساني عن سنة وسنتين فقد لا يخصنا كسودانيين هذا الامر وقد نختار أي عدد من السنين للانتقال لأنه حسب علمي ليس هناك عقوبة دولية لتأخر خلق حكومة منتخبة. والان دعوني أتحدث قليلا في مدح الانتقال. لربما لا يعلم الكثيرون أن الحقائق جميعها والواقع الذي نعيشه إن هو الا انتقالي provisional وأن العقل العلمي لا يقبل الواقع الا كمعرفة انتقالية interim قابلة للتحدي حتى يتم ترسيخها أو ان يتم دحضها وذلك أيضا يتم بكيفية انتقالية. فلماذا هذا التشكك في الانتقال طالما أنه وسيلتنا لتكريس المعرفة دون الحاجه لوصفها بأنها مسلمات أو مع الحاجة لوصفها بأنها مسلمات، إذا بتريد؟" لقد ذكرت في فاتحة مقالي أن أي محاولة لاختبار تلك المقولات الثابتة أو فحصها بدقة " تواجه بهجوم عنيف وباتهامات لا حصر لها، ومن المؤسف أن يتم هذا التغييب للوعي في إطار ثورة عظيمة تعبر في جوهرها عن التوق للاستنارة والوعي". ومن أفضال مقال الصديق مصطفي أنه، والحمد لله، قد كفاني مشقة إثبات ما قلت، فهو يصف المغالطين حول عمر الفترة الانتقالية بأنهم إما "عناصر الثورة المضادة" أو "محسوبين على الثورة". بما أني من "المغالطين" حول عمر الفترة الانتقالية، فلست أدري في أي خانة من الاثنتين وضعني الصديق مصطفى، ولكن منا أعرفه عموماً هو أن المحسوبين على الثورة أكثر خطراً عليها من عناصر الثورة المضادة. مصطفى يلغي ويصادر تماماً الحق في "التساؤل" بوصفه له بأنه "مغالطة"، ما الفرق إذن حينما يصف العساكر الحراك الثوري بأنه "فوضى"؟ وإذا كان مصطفى ينكر على الناس مجرد التساؤل حول شيء ما، فكيف يدعي أن ذلك الشيء ليس من "المسلمات"؟ وما هي المسلمات يا عزيزنا مصطفى إن لم تكن هي تلك المقولات التي لا يسمح لنا بالاقتراب منها أو امتحانها بالتساؤلات؟ هنا أشير إلى أن حديث مصطفى عن الانتقال كمرحلة في تطور المعرفة لا علاقة له بموضوعي عن مرحلة الانتقال من سلطة شمولية إلى سلطة ديمقراطية مدنية، وأن "المسلمة" التي أشرت إليها أنا لم تكن هي ضرورة الانتقال، وإنما طول فترة الانتقال. يرى مصطفى أن الثورة المضادة وأذيال النظام يريدون فترة انتقالية قصيرة لأنها ستجير الانتخابات لمصلحتهم بحكم امتلاكهم للمال والنفوذ والمراكز والقدرة على التزوير إلخ. وهذا صحيح تماماً، ولكنه بالمقابل يفتح الباب لمزيد من "المغالطات". ألا يعني ما يقوله مصطفى أن هذه الجماهير العظيمة التي صنعت هذه الثورة الأسطورية محكوم عليها حتماً بأن تبقى مسلوبة الإرادة وأنها لن تستطيع أن تفرض وتحمي قانوناً انتخابياً عادلاً ونزيهاً يفضح ويمنع ممارسات تزييف وتزوير إرادتها؟ هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، أليس من الجائز أن طول عمر الفترة الانتقالية، بمثل ما يعطي الفرصة لتصفية آثار النظام البائد فإنه أيضاً يباعد ما بين الحالة الثورية الراهنة التي تنحاز فيها الجماهير بصورة مطلقة وحماس دافق لأهدافها الثورية، وهو ما يمكن ترجمته، شرط وحدة قوى الثورة، إلى فوز انتخابي كاسح يتعاظم كلما كانت الانتخابات قريبة، وبين الموعد الذي ستجرى فيه الانتخابات بعد أربع سنوات. وفي تلك الأربع سنوات، حيث ستكون قوى الثورة في كراسي الحكم، قد تؤدي صعوبات ومشاكل وأزمات فترة الانتقال وما قد يكتنفها من صراعات حزبية وغيره، إلى تشويه الممارسة الديمقراطية، وإلى انصراف قطاعات من الجماهير مرة أخرى عن المكاسب الديمقراطية وانفضاضها عنها، وهو ما قد يمنح قوى الثورة المضادة فرصاً أفضل في الانتخابات. ذكر مصطفى مجموعة ثالثة من المغالطين هم من ("أنصار الثورة" الذين لهم آراء "يمكن وصفها بالغرابة")، وأتمنى أن يكون مصطفى قد حسبني من هؤلاء. ومن ضمن الثلاثة آراء (الغريبة) التي نسبها مصطفى لهذه المجموعة رأيان لا يخصاني. الرأي الأول وهو استنكار أن يعادل عمر فترة الانتقال عمر حكومة منتخبة، لم أطرحه أنا ولست مسؤولاً عنه رغم ما فيه من "مغالطة" وجيهةتتعلق بشرعية السلطة وما إذا كانت ثورية أو ديمقراطية منتخبة. الرأي الثاني لا يخصنا مطلقاً لأنه لايعنى بعمر الفترة الانتقالية وإنما بطبيعة السلطة فيها وما إذا كانت ستكون ثورية صافية لقوى الثورة أم ترقيعية يشاركهم فيها العسكر. الرأي (الغريب الثالث) كان جزءأً مما طرحته في مقالي رغم أن مصطفى "حوره" تماماً فهو يذكر "وهذا هو أغرب الآراء كونه يرى أن الانتقال السريع هو من مسلمات الانتقال". التحوير واضح، لإنني لم أطالب مطلقاً بالانتقال السريع كأمر يجب التسليم به، وإنما ذكرت أنه فيما يتعلق بفترة الأربع سنوات (1) فإن الحجج التي قدمت في دعمها حتى الآن ليست مقنعة، (2) أنها ليست بالضرورة الفترة المثلى، و (3) حتى لوكانت هي الفترة المثلى فمن الممكن في سياق التفاوض التنازل عن جزء منها مقابل الحصول على مكاسب في جوانب أخرى، تلك هي "مغالطتي". أنا لم أطرح قصر الفترة الانتقالية كمسلم به وإنما أولئك الذين يصرون على الأربع سنوات، ويمنعون الناس من مجرد طرح التساؤلات حولها، هم من يتمسكون بالمسلمات. "مغالطة" أخيرة، ألا يعتقد الصديق مصطفى أنه ربما يكون هناك من يرون أن فترة الأربع سنوات نفسها ليست كافية ويتهمون من يقبلون بها بأنهم "ثورة مضادة" أو "محسوبين على الثورة" أو من أصحاب الآراء الغريبة؟