بسم الله الرحمن الرحيم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. يبدو ان ما يحدث من مماحكات وتقدم وتاخر في سير المفاوضات، هو امر طبيعي لمخاض وضع جديد، او اقلاه للتخلص من ارث تليد ضارب بجذوره في تربة الدولة السودانية المتنازعة او غير مكتملة التشكل، وما نظام الانقاذ إلا الوجه الاكثر عبوس وتجهم وبشاعة منها! والحال هذه، المجلس العسكري لا يمثل نفسه، ولكنه وجه آخر لثقافة الذكورة والوصاية او الهيمنة في اقصي تجلياتها، بعد ان زودته منظومة الانقاذ (كاحد امتدادتها) بكل رواسبها التحتية المتعفنة (خليط مركبات النقص من الاقوياء وعقد التفوق تجاه الضعفاء). لذلك ليس مصادفة ان ينادي المجلس بتطبيق الشريعة الاسلامية (الصورة المخادعة/المقدسة لعمل تلك الثقافة) او ان يستعين بكل التيارات الدينية والمحافظة واذرع وآليات وكيانات المنظومة البائدة، من اجل قطع الطريق علي مشروع الحرية والتغيير، وبالاخص الشباب الثوري الذي ينادي بصورة لا لبس فيها، عن حاجته لدولة مدنية كاملة الدسم. اي القطع مع اي اسلوب مراوغة يصبح كحصان طروادة او مسمار جحا، لضرب الثورة من الداخل ومن ثم تمهيد الطريق لاعادة انتاج اوضاع ما قبل الثورة في نسخة جديدة، ولكن الاخطر بعد تزويدها (تزويرها) بمظاهر مدنية. اذا صح ذلك يصح اكثر اننا امام عالمين، عالم في طور التشكل يهتدي بمنطق بسيط وهو، عدم الرجوع للوراء او اعادة انتاج ذات الاخطاء، اقلاه علي المدي القريب. وعالم آخر انتج ذات الاخطاء، وغير انه اسير افرازاتها، إلا انه متجذِّر ليس في السلطة فقط كاظهر علاماته، ولكن ممتد من المجتمع وخاصة مفاصله الحساسة من تقاليد وعادات متغلغلة (الايمان بعقائد الخلاص والحلول الجاهزة وليس السعي والمشاركة الجادة في ايجاد الحلول وتحمل التبعات، اي غياب المسؤولية الجماعية والاصح ترحيلها للسلطة العليا) الي الاقتصاد وطبيعته التقليدية الذي آل للوضعية الريعية الطفيلية علي ايدي الجماعات الدينية العاطلة، الي مؤسسات عسكرية وامنية ومليشياوية تؤمن بشرعية القوة العارية! اي ما يحكم منطق السيادة الكاملة وليس المشاركة! وعندما يتغذي ذلك علي عداءات وثنائيات متضادة، حقيقة كانت او متوهمة، تكرس لحالة الاستقطاب المجتمعي، نصبح امام وضعية معقدة تزيدها الهشاشة قابلية للاشتعال. وبما ان اعلاه كلام اقرب للتجريد ولكن عند تنزيله علي ارض الواقع، نجده يضع عبء اللحظة التاريخية الاكثر حساسية وتعقيد في مسار الدولة السودانية منذ الاستقلال، علي عاتق قوي الحرية والتغيير بوصفها تمثل جسر العبور للعالم المغاير، مع العلم انه عالم ضبابي ولم يتبلور بعد علي شكل مشروع مكتمل، اي هو ليس معطي جاهز ولكنه رهين بذل الجهد والمثابرة عليه واقتفاء المقاربات الموضوعية وصولا للاستفادة من عبر الماضي وفرص الحاضر وتطلعات المستقبل. وعليه، هنالك عدة نقاط نتشاركها مع قوي التغيير، ولقطع الطريق علي مناورات ومماطلات واحتمال تملص المجلس العسكري، ووضعه امام استحقاق اللحظة الراهنة، التي تكافئ تضحيات الثوار والانفتاح علي العالم المطلوب: اولها، يستحسن ان تتمسك هذه القوي بما نالته من مكاسب مستحقة، وان توظف كل الادوات للمحافظة عليها بضمانات دستورية، ومن ثم البناء عليه لاكمال باقي المستحقات. لان المجلس العسكري بتعنته يشكل عقبة اساسية ولكنها ليست العقبة الوحيدة، بل العقبة الاصعب هي ادارة الفترة الانتقالية في اجواء ملبدة بالقضايا الملحة والضاغطة والملفات الحساسة، وتربص الاعداء والكارهين والساعين لافشال التجربة من كل مكان، وكأننا امام مريض ينازع من اجل البقاء في ظروف لا تتوافر فيها ادوات الرعاية الطبية! اي عقبة المجلس هي فقط في درجة تاثيرها علي عوامل نجاح الفترة الانتقالية كغاية اصلية. ثانيا، ما ذكر اعلاه لا يقلل من اهمية عقبة المجلس الذي يسعي للتحول من شريك الي عقدة منشار، ولكن يعني ان مهارة ادارة هذه العقبة ستترتب عليها ما بعدها (الجواب وعنوانه). وبصورة اكثر تحديد المرحلة القادمة تحتاج لوضع سيناريوهات وبدائل بقدر التحديات، وعدم الاكتفاء بتصور واحد او موقف جامد او افكار مستهلكة، مثلا لا يكفي القول ان السودان يملك ثروات كاشارة لعلاج المشكلة الاقتصادية، لانه لو صح ذلك لما كنا في هذه الكارثة الاقتصادية اساسا! ولكن غير سد منافذ الفساد وسوء الادارة، نحتاج لتهيئة البيئة الملائمة لانتاج افكار ومشاريع خلاقة تحدث اختراق في كيفية التعامل مع هذه الثروات بالصورة المثلي، اي التحول من ثقافة الصرف البذخي والمظهري الي ثقافة العمل والانتاج والادخار وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية. وفي ذات السياق لا يكفي الحديث عن اقتلاع الدولة العميقة كانجاز او هدف، ولكن الاهم هو قطع الطريق علي تكوين هكذا دولة من الاساس، ولن يتم ذلك الا بتطبيق مبدأ الشفافية والمواطنة والرقابة المتبادلة او توزيع السلطات، وهو ما يلخصه عودة السلطة للشعب، ووضع الحكومات والحكام في حجمهم الطبيعي كخدام لذات الشعب. ثالثا، وكما سلف نحن ليس في مواجهة المجلس العسكري حصريا، ولكن منظومة متكاملة يجتاحها وهم الوصاية ومركزية الذات ونزوع طاغ للسيطرة والاحتكار، وبما ان هكذا جماعات وعقليات وتقاليد متجذرة، فمؤكد ان مقاومتها تحتاج للنفس الطويل والاصرار علي استخدام كافة الوسائل التي تسرع من عملية تمدين الدولة والمجتمع. ومن خلال انعكاس النتائج الباهرة لهكذا جهود علي الدولة والمجتمع سيكون الانتصار مجرد وقت. لان الفرد في النهاية معني بالمكاسب العاجلة التي يتحصل عليها وليس انتظار وعود العقائد بمختلف مصادرها، والاخيرة بطبعها او دينميات عملها لا تؤثر إلا في مجتمعات مازومة او تعاني العجز والشلل والطغيان، اي المجتمع من ينتج عقائده وليس العكس، او اقلاه ما يكيف العقائد بما يتوافق واحتياجاته وتطلعاته. وهنا فقط يتم قطع الطريق علي موارد الدولة العميقة (خلايا سرطانية) وغيرها من تيارات دينية وقوي محافظة وكل جماعة تحاول التكسب من تغبيش وعي المواطنين. وبكلام محدد يجب مواجهة هذه التحالفات المعادية للدولة المدنية بسلاح الدولة المدنية وادواتها، وليس بمجاراتها عبر ردات الفعل او الاكتفاء بفضح فساد قادتها ورموزها. فهم بما يحتلونه من مكانة عاطفية مسيطرة، قادرون علي المرواغة والهروب من هذا الحصار الاخلاقي، يساعدهم في ذلك حالة المظلومية التي يسوقون بها مشاريهم (الخاصة)، اضافة الي توسل الخوف علي الدين وشريعته من الاعداء، كسلاح ينفذ مباشرة الي قلوب المريدين، الذين تغرقهم هواجس الدين عن رؤية كل ما عداه. رابعها، الفترة القادمة ليست فترة مكاسب خاصة لاي مكون من مكونات تحالف قوي الحرية التغيير او تبرير للصراعات الجانبية التي تتلبس غطاء الاختلافات الديمقراطية الاعتيادية لاخفاء اغراضها او تلطيف حدتها او ارسال تطمينات كاذبة للانصار، ولا حتي فترة اقصاء للمخالفين! بقدر ما هي فترة عمل جاد لاعداد المسرح للانتقال لوضع ديمقراطي ودولة مدنية يكسب فيها الجميع واولهم اعداءها، بما تتيحه من مجال لحرية العمل والحركة شريطة الالتزام باصول اللعبة وعلي راسها نبذ العنف والتمييز علي اي اساس. خامسها، في هذه المرحلة المتقدمة او عند اول عقبة حقيقية لا اعتقد ان التصعيد مطلوب سواء بالعصيان او غيره، فهذا الاسلوب هو الكرت الاخير بعد دراسة كافة جوانبه، حتي لا يصبح المجلس وكأنه الضحية بدلا من المذنب امام الراي العام الداخلي والخارجي. بمعني يتم اللجوء لهكذا خيار بعد استنفاد كل الطرق والاساليب الاخري، اي ان تصبح مخاطرته مقبولة او لا توجد مخاطرة حوله اصلا، وهذا غير حسابات الكلفة المتعلقة به. لان فشل اي خيار يعني مباشرة انه يصب في صالح المجلس بصورة كاملة ويتحول الي سلاح بيده بدل ان يكون ضده، وتاليا يدفعه للتراجع عن اي التزام، بل و قد يدفعه لتغيير مساره في الاتجاه المعكاس، وهو عموما لا يطلب اكثر من ذلك؟ ولمواجهة هذه العقبة يمكن التقدم بعدة اقتراحات تعطي المجلس نوع من الرضا لقطع الطريق ليس علي التعنت فقط، ولكن علي الانقلابات المحتملة من المجلس خاصة او احد مكوناته او غيره، علي الا يمس ذلك جوهر او ضمانات الفترة الانتقالية المدنية! بمعني آخر، يجب نزع دور الوصاية من المجلس من دون المرور بالطعن في المجلس او تكوينه او قدراته، وما قد يترتب علي ذلك من نتائج عكسية. ورغم صعوبة النجاح في هذه المعادلة إلا ان خوضها هو الطريق الاسلم في هذه المرحلة، علي ان يترك نقد المجلس وفضحه للكتاب والصحفين وليس لقوي التغيير! المهم من هذه البدائل: 1/ يمكن ان تكون نسبة المجلس السيادي مناصفة كما رشح اكثر من مرة، ولكن علي ان يقوم المجلس العسكري بترشيح شخصيتين مدنيتين من خارج قوي التغيير ولم تشارك النظام السابق، وفي ذات الوقت تقوم قوي التغيير بترشيح شخصيتين عسكريتين من خارج المجلس العسكري ومن المعارضين الوطنين الاكفاء الذين فصلوا بسبب معارضتهم للنظام السابق، وان تتواقف هذه المجموعة علي اختيار الرئيس من بينها وعلي طريقة عملها، وبهذا يتم تحييد قوي التغيير والمجلس العسكري كحل وسط للتخلص من حاجز عدم الثقة. 2/ ربط رئاسة المجلس بالمدنية، بمعني اذا اراد البرهان الرئاسة فعليه ان يستقيل من منصبه العسكري، ويستعاض عنه باختيار اثنين من اعضاء المجلس العسكري وسبعة مدنين من قوي التغيير، ويتم اتخاذ القرارات بالتوافق بين الجميع بعد عرض كل فرد او مجموعة وجهة نظرها. 3/ اذا اصر المجلس العسكري علي الرئاسة بصفته هذه، في هذه الحالة يجب ان يصبح عدد اعضاءه داخل مجلس السيادة ثلاثة مقابل سبعة للمدنين. والعكس صحيح يمكن ن يكون الرئيس مدني مع عضوين، مقابل سبعة من العسكر فيهم اربعة عساكر من اختيار قوي التغيير و ثلاثة اعضاء من المجلس العسكري. 4/ يمكن ايجاد مخرج آخر يتجاوز مسالة العدد والنسبة والرئاسة، وذلك باختيار اربع شخصيات وطنية غير متحزبة من كل اقليم السودان، شمال وسط شرق غرب، يضاف لهم اثنان من اعضاء المجلس العسكري، علي ان تكون الرئاسة دورية كل ستة شهور. اي المسألة نوع من التسويات وكل المقصود غير التوافق في اتخاذ القرارات داخل المجلس السيادي، هو ان يلعب دوره في تضميد الجراح والبداية بروح جديدة ونفوس صافية لبناء ما دمرته الصراعات والخلافات والفساد والاستبداد. والاهم الاستفادة من عبرها، لتامين المستقبل من السقوط في ذات المستنقعات. والخلاصة، الغرض مما ذكر اعلاه بدل من جعل عقبة المجلس مناسبة للاحباط وبث الياس والشقاق او التصعيد المتبادل، ان تتحول الي تحدٍ يحفز قوي التغيير علي تجديد ادواتها وتكتيكاتها وزيادة تماسك مكوناتها وارتباطها مع الثوار في الشارع، وعدم الاستجابة لاستفزازات المجلس العسكري او التحجر عند سيتاريو واحد! واهمية هذه المرونة انها تمثل اول خطوات كسب المعركة، وكمدخل ملاءم للتصدي لغيرها من معارك الفترة القادمة. وهنا هنا تحديدا تظهر قدرة مكونات قوي التغيير علي الادارة الجيدة للصراع والابداع في اجتراح الحلول غير المتوقعة، التي تقوده الي تحقيق اهدافه باقل كلفة وفي اقصر زمن. وهذا وحده ما يجعل الفترة الانتقالية هي البداية الفعلية للدولة التي نحلم بها. ودمتم في رعاية الله.