1. من المهم في هذه المرحلة التاريخية من تاريخ السودان، ان تتضافر جهود المؤسسات الرسمية و الشعبية للوفاء بالالتزامات و المهام التي نص عليها الدستور الانتقالي 2019، بوصفه معبر الى حد كبير عن حالة اوسع توافق وطني، شاركت فيها المؤسسات المدنية بصورة مباشرة وفعالة. و للمجتمع المدني دور كبير في هذه المرحلة، لكونه الجسر بين الشعب و مؤسسات الدولة، و لكونه يمثل مجموع منظمات و تكوينات المجتمع السوداني، و حتى يقوم بذلك الدور، من المهم العمل على اصلاح البيئة القانونية و التنظيمية التي تمكن المجتمع المدني للقيام بدوره في المرحلة الانتقالية. 2. إن التحول السلمي الديمقراطي في السودان الذي تسعى الحكومة الانتقالية الى تحقيقه، لن يكون سهلا على السلطة التنفيذية لو قررت ان تواجه وحدها تحديات تلك المرحلة، و دون الاستعانة بالمجتمع المدني السوداني، بل انها تهدر فرصة كبيرة لديمومة و استدامة الديمقراطية في السودان. ظلت قضايا السلام و حقوق الانسان و سيادة حكم القانون و اصلاح بنية الدولة و تحقيق التنمية المستدامة، في مركز اهتمامات المجتمع المدني في السودان. الهيئة المشرفة على العمل الطوعي: 1. في اطار التفكير في اصلاح مفوضية العمل الطوعي و الانساني، من المهم استدراك ان المنظومة الكائنة اليوم، قد جاءت الى الوجود لتكون جزء من آليات تكريس نظام الحكم الدكتاتوري، و لتدجين العمل الطوعي لصالح دولة التمكين. و من المهم هنا التذكير بأن الارادة السياسية التي تم التعبير عنها في الدستور الانتقالي، قد نصت على ضرورة تفكيك بنية مؤسسات الدكتاتورية كأحد اهم متطلبات الفترة الانتقالية، فقد اشارت احكام الدستور في الفصل الثاني في (مهام الفترة الانتقالية) على (تفكيك بنية دولة التمكين لنظام الثلاثين من يونيو 1989 و بناء دولة القانون و المؤسسات). 2. لقد قام المجتمع المدني بدور كبير و ملحوظ، في اسقاط الدكتاتورية و في تأطير مسار سلمية الثورة، وبالمشاركة في تأطير مسار الفترة الانتقالية. و في إطار تنظيم عمل المجتمع المدني، لم ينص الدستور الانتقالي على آليات محددة او هيئة للاشراف على منظمات المجتمع المدني. و حين عمد الدستور على تنظيم عمل المفوضيات المستقلة، لم يجعل (مفوضية العمل الطوعي و الانساني) جزءً من تلك المفوضيات، اذ لم ينص الفصل الثاني عشر من الدستور بصورة واضحة على انشاء مفوضية للعمل الطوعي و الانساني، اذ لم يذكرها ضمن قائمة المفوضيات التي سينشئها مجلس الوزراء او تلك التي سينشئها مجلس السيادة، و في ذلك مساحة للتفكر و التأمل حول افضل السبل لكفالة حرية التنظيم و التجمع، اذ حسنا فعل الدستور الانتقالي أن ترك الخيارات البدائل مفتوحة امام الحكومة الانتقالية بما يمكن المجتمع المدني من القيام بدوره بافضل الطرق. 3. في اطار تنظيم عمل منظمات المجتمع المدني، من المهم أيضا ان نُذكر ان الدستور الانتقالي قد فتح طريقا آخر للحكومة، في المادة 38(5 ط) منه ، و التي نصت على جواز أن يعين مجلس الوزراء رئيس و اعضاء اي مفوضيات اخرى يرى مجلس الوزراء ضرورة انشائها، و هذا النص يستوعب امكانية ان يظل العمل بخيار المفوضية متاحاً شريطة ان يتم ذلك بقانون يكفل حقوق تكوين الجمعيات و المنظمات وفقا لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي ووفقا لما نصت عليه احكام المادة 57 من الدستور الانتقالي. متى ما تم التوافق على ان يظل خيار العمل بفكرة (مفوضية) للعمل الطوعي، يجب ان تخضع الفكرة لشروط تكوين المفوضيات الواردة في الفصل الثاني عشر، و من بينها ما هو وارد في الفقرة 2 ب من المادة 38، و التي اشترطت في عضو المفوضية عدم تولي مناصب سيادية او دستورية خلال فترة حكم الثلاثين من يونيو 1989. تدابير مرحلية: 1. بادئ ذي بدء، من الضرورة ادراك ان (مفوضية العون الانساني) و المنشأة بموجب قانون العمل الطوعي و الانساني لعام 2006، لا تجد سند دستوري لوجودها الحالي، فهي غير مدرجة ضمن المفوضيات المستقلة التي أقر الدستور الانتقالي بوجودها خلال الفترة الانتقالية. و من جهة أخرى، ان المفوضية لا تقوم بمهمة تنظيم عمل الجمعيات و المنظمات (وفق ما يتطلبه المجتمع الديمقراطي) كمعيار نص عليه الدستور بصورة واضحة و مقصودة، بل انها آلية أمنية ظلت – وفق التقارير الحقوقية – تعمل على انتهاك حرية التنظيم و التجمع. 2. لاغراض الاتساق مع مقتضيات الدستور، و تحقيق متطلبات التحول الديمقراطي و تفكيك بنية دولة التمكين لنظام الثلاثين من يونيو 1989 و بناء دولة القانون و المؤسسات، من الضروري التعجيل، باسرع ما يمكن، بحل مفوضية العون الانساني وفق تدابير قانونية سليمة، و تكليف مؤسسة او وحدة تابعة لوزارة الرعاية الاجتماعية للاشراف على مهام المفوضية المحلولة، إلى حين وضع قرار بواسطة مجلس الوزراء بخصوص تنظيم العمل الطوعي في السودان. 3. لان المادة 27/2 من الدستور نصت على ان ينظم القانون تكوين و تسجيل الجمعيات و المنظمات وفقا لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي، فان الاعداد لصياغة قانون ديمقراطي للمجتمع المدني، يتطلب التفاكر بخصوصه قبل اقتراحه بواسطة الوزارة كمشروع قانون. و في هذا الصدد، تقول افضل الممارسات، ان الخطوة الاولى تكمن في الشروع في أن تنشئ وزيرة الرعاية الاجتماعية لجنة فنية تضم خبراء من وزارة الرعاية الاجتماعية و مفوضية حقوق الانسان و المجتمع المدني، بنسب متساوية، للتفاكر حول افضل الخيارات و البدائل، ووضع تصور حول القانون و المؤسسات التي من المفترض ان ينشئها القانون. يجب على هذه اللجنة الفنية أن تكون مقيدة باختصاص تقديم راي استشاري معين و محدد، ومقيدة كذلك باطار زمني معين لتقديم مقترحاتها لسعادة وزيرة الرعاية الاجتماعية. 4. على سعادة وزيرة الرعاية الاجتماعية ان تقوم برفع توصية لمجلس الوزراء بتقديم مشروع قانون ينظم تكوين و تسجيل منظمات المجتمع المدني، و عرضه للهيئة التشريعية لاجازته. يتأسس مشروع القانون المقترح على توصيات اللجنة الفنية. 5. عند التفكير في وضع قانون جديد للعمل الطوعي، و القبول بفكرة إنشاء مفوضية للعمل الطوعي، يجب ان نستذكر مآخذ العمل التي صاحبت المفوضية في ظل الدكتاتورية. عليه أجد ان من ضرورات حسن ادارة العمل الطوعي ان يتم الفصل بين الهيئة/ الهيئآت التي تقوم بالتسجيل، و المفوضية. الهيئة التي تقوم بالتسجيل و التي في كل التجارب تكون تابعة لواحدة من وزارات السلطة التنفيذية (او عدد من الوزارات حسب التخصص). مهمة المفوضية تكون في مراقبة السلطة التنفيذية و وضع توصيات و تساهم في رسم السياسات الخاصة بالعمل الطوعي، و يتم مراعاة المعايير الدولية في إنشاء المفوضيات التي لها صلة بمواثيق حقوق الانسان، و لعل اهم تلك المعايير تلك التي تم النص عليها في مبادئ باريس للمفوضيات و اللجان المصنفة ضمن مؤسسات حقوق الانسان. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.