تطور الجدل بين المرشحين في انتخابات الرئاسة السودانية وبين مفوضية الانتخابات بعد الرد على مذكرة المعارضة بطريقة سلبية عززت الانطباع السائد في أوساط المعارضة بتواطؤ المفوضية مع حزب المؤتمر الحاكم في كل حركاته وسكناته. وكان طبيعيا ان تجتمع المعارضة ممثلة في مرشحيها للرئاسة في سقيفة المهدي ومن بينهم مستقلون لدراسة رد المفوضية عليهم وتحديد موقفهم ومن كل ما يجري وفق ما اعلنه المرشحون من مطالب محددة تحملها مؤشرات عدة من أهمها : أولا : رفض الحزب الحاكم لأي تأجيل للانتخابات مهما كانت المبررات المنطقية " حتى لوكان تحقيق السلام في دارفور يقتضي ذلك " تحججا باتفاقية السلام . اعتقاد الحزب الحاكم أنه الكاسب الرئيسي الوحيد في الانتخابات في ظل عدم استعداد الأحزاب المعارضة المنافسة له الكامل للانتخابات بعد أن نجحت سياساته السابقة خلال عقدين من السنوات في إضعافها وإفقارها وتجفيف مواردها واختراق صفوفها واستهداف مواقعها التقليدية بمختلف الأساليب ،ومن خلال توظيف موارد الدولة وإمكانياتها ومؤسساتها وهذا ما لا ينكره قادة الحزب الحاكم في خطابهم السياسي وفي حملاتهم ،بل وتأكيداتهم المستمرة بأنهم نجحوا في تغيير خريطة السودان الاجتماعية لصالحهم . ويفتخر البعض من قادة المؤتمر الوطني أن السودان بعد 20 عاما من حكم الإنقاذ المطلق لن يكن هو كما كان قبلها " على طريقة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي قال في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر أن "أميركا بعد 11 سبتمبر لن تكون مثلما كانت قبلها" ثانيا: أن المطالب التي تطالب بها المعارضة ومرشحوها مطالب منطقية إذا كان الهدف هو مصلحة السودان وتحقيق السلام والاستقرار في ربوعه خاصة وان حل قضية دارفور في إطار ديمقراطي على أساس انتخابي يحل كثيرا من المشاكل التي يمكن ان تثيرها المحاصصة بين الفصائل والحركات المختلفة . ثالثا ان المؤتمر الوطني ظل يقدم تنازلات غير منطقية للحركة الشعبية يتجاوز بها اتفاق السلام نفسه كان آخرها اتفاقه مع الحركة حول مسالة التعداد بمنح الحركة مقاعد إضافية في البرلمان المنتخب على طريقة " الهبة" بطريقة تخالف الأسس الديمقراطية بل وتنسف مصداقية النظام الديمقراطي القادم الذي يتطلع له الجميع ويرجونه وهذا يفسر أن الحزب الحاكم يسعى لديمقراطية شكلية يمكن ان يتجاوزها متى ماشاء او التوسل بها حيث شاء . رابعا أن ارتهان المفوضية لإرادة المؤتمر الوطني وتجاهل مطالب المعارضة ربما لإدراك المفوضية بعجزها في مواجهة الحزب الحاكم لا ينبيء بما يصبو له الجميع من تحول ديمقراطي مقبول بل ويعزز المخاوف بأن يكون التحول الديمقراطي المنشود مجرد حمل كاذب. ولعل من مصلحة الحزب الحاكم دون غيره إدراك حاجتة في ظل الظروف التي يواجهها السودان والملاحقات والعقبات لقيام نظام ديمقراطي حقيقي يعبر عن الوجود الحقيق للقوى السياسية الفاعلة المغدور بها وهي واقع حقيقي مهما كان حجم المتغيرات بدليل وجودها على الساحة وهو هدف يحول دون تحقيقه التضييق على المعارضين واضطرارهم إلى أضيق الطرق . وحتى يمكن تجنب مايمكن أن يحدثه قيام انتخابات مشوهة غير متفق علي نتائجها تعيد على الأذهان سيرة تجارب غير مستقرة وتتسبب في مضاعفات سالبة يدفع ثمنها الوطن لابد من النظر بجدية إلى تحفظات المعارضة ومطالبها حتى لا يكون الحزب الحاكم هو اللاعب الوحيد في الساحة وذلك من خلال إيجاد اتفاق بين مختلف القوى السياسية يحقق الغاية من مطالب المعارضة الموضوعية ويؤمن عملية تحول الحزب الحاكم من حزب شمولي على حزب ديمقراطي منتخب وهي مطالب يمكن معالجتها باستيعاب التحفظات التالية التي تثيرها قوى المعارضة وهي : ضرورة ايجاد انتخابات حرة نزيهة وفق آليات مستقلة وشفافة تبدد الشكوك والمخاوف وتمنع استغلال الحزب الحاكم لموارد الدولة ومؤسساتها لصالح حملته الانتخابية كما هو حادث الآن . أن تتاح الفرصة للمنافسين لمخاطبة القوات النظامية أسوة بالحزب الحاكم . منع استغلال الحزب الحاكم للمؤسسات التنفيذية والفنية والتنظيمات القومية التي تمول من الموارد العامة لصالح حملته الانتخابية كتنظيمات الشباب والمرأة والطلاب وأموال الذكاة وخلاوي القرآن الخ . منع الحزب الحاكم من استغلال السفارات في دول الخليج وغيرها وتقييد وسائل الإعلام القومية من الترويج للحزب الحاكم من خلال برامج البث العادية والبرامج السياسية وغيرها التي تستضيف رموز الحزب الحاكم والمتعاطفين معه بصورة راتبة. حماية أموال وموارد الدولة المالية التي تستخدم في الصرف البذخي على الحملات الانتخابية للحزب الحاكم والممولة من موارد الدولة وإمكانياتها . إزاء كل هذه التحفظات التي تقول بها المعارضة يصبح قيام انتخابات مبراة من الشبهات تسهم في ميلاد نظام ديمقراطي حقيقي لأن الخيار الآخر لن يكن إلا مجرد حمل كاذب للديمقراطية . Hassan Elhassan [[email protected]]