شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    شاهد بالفيديو.. "تعب الداية وخسارة السماية" حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي ترد على معلق سخر من إطلالتها قائلاً: "لونك ضرب"    مدرب السودان "كواسي أبياه": مواجهة غينيا الاستوائية ستكون قوية… واللاعبون قادرون على تجاوز الصعاب    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    الخرطوم وأنقرة: من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    مطار الخرطوم يعود للعمل 5 يناير القادم    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    مصر تؤكد دعمها الكامل لوحدة وسيادة الصومال    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(05) تَخْرِيْمَاتٌ وَ تَبْرِيْمَاتٌ فِي الحَالَةِ السُّودَانِيَّةِ: التَّعْلِيْمُ وَ الهَوِيَّةُ .. بقلم: فَيْصَلْ بَسَمَةْ
نشر في سودانيل يوم 29 - 10 - 2019

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيْمِ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَ أَتَمُّ التَّسْلِيْمِ عَلَىَٰ سَيِّدْنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَىَٰ آلِهِ وَ صَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ وَ عَلَيْنَا.
بِالنَّظَرِ إِلَىَٰ العَمَلِيَّةِ التَّعْلِيْمِيَّةِ فِي السُّودَانِ فِى حِقْبَةِ الإِسْتِعْمَارِ البِرِيْطَانِيِّ يُلَاحَظُ المُرَاقِبُ أَنَّ المَنَاهِجَ وَ المَرَاحِلَ التَّعْلِيْمِيَّةِ رُبَمَا كَانَتْ مَنْقُوصَةً وَ مُخْتَصَرَةً وَ يَبْدُوا أَنَّهَا لَمْ تُطَبَقْ فِي السُّودَانِ كَمَا طُبِقَتْ فِي بِرِيْطَانْيَا وَ فِي مُسْتَعْمَرَاتٍ أُخْرَىَٰ لَهَا حَولَ العَالَمِ وَ يَبْدُوا أَنَّ ذَٰلِكَ التُّخَلِفَ هُوَ الَّذِي دَفَعَ بَعْضٌ مِنْ الخِرِيْجِيِيْنَ كَالسَّيَّدَانِ مُحَمَّدْ أَحْمَدْ المَحْجُوبْ وَ مُحَمَّدْ عَامِرْ بَشِيْرْ فُورَاوِي إِلَىَٰ المُطَالَبَةِ بِتَغْيِيْرِ المَنَاهِجِ لِتَصْبِحَ مِثْلَ نَظِيْرَاتِهَا فِي بِرِيْطَانْيَا وَ مِصْرَ (مَرْجِعْ 1) ذَٰلِكَ التَّخَلُفُ فِي التَّعْلِيْمِ فِي السُّودَانِ مُقَارَنَةً بِدُولِ الجِوَارِ تَضَمَّنَتْهُ أَيْضاً مُذَكِرَةٌ رَفَعَهَا مُؤتَمَرُ الخِرِيْجِيِيْنَ إِلَىَٰ السِّكِرْتِيْرِ الإِدَارِيِّ فِي 1938 مِيْلَادِيَّةْ وَ كَذَٰلِكَ تَقْرِيْرُ دِي لَا وَارْ De La Warr فِي 1937 مِيْلَادِيَّةْ (مَرْجِعْ 1).
كَانَتْ المَنَاهِجُ المُطَبَّقَةُ فِي السُّوْدَانِ وَ المَرَاحِلُ مُخْتَصَرَةً فِي المَدَارِسِ:
- الصُّغْرَىَٰ
- الأَوَّلِيَّةْ
- الوُسْطَىَٰ
وَ كَانَتْ هُنَالِكَ مَدْرَسَةٌ ثَانَوِيَّةٌ أُحَادِيَّةٌ هِيَ مَدْرَسَةُ غُرْدُونْ وَ الَتِّي كَانَتْ النَّوَاةَ لِكُلِّيَّةِ غُرْدُونْ التِّذْكَارِيَّةِ Gordon Memorial College (مَرْجِعْ 1) ، وَ غُرْدُونْ هُوَ الحَاكِمُ البِرِيْطَانِيُّ الَّذِي قُتِلَ عَلَىَٰ يَدِ أَنْصَارِ الإِمَامِ مُحَمَّدْ أَحْمَدْ المَهَدِي عَلِيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ فَتَحِ الخُرْطُومْ فِي 26 يَنَايْرْ 1885 مِيْلَادِيَّةْ ، كَمَا كَانَ هُنَالِكَ تَبَايُنٌ كَبِيْرٌ فِي تَوزِيْعِ المَدَارِسِ بَيْنَ شَمَالِ وَ جَنُوبِ السُّودَانِ وَ بَيْنَ العَاصِمَةِ الخُرْطُومْ وَ بَقِيَّةِ الأَقَالِيْمِ أَمَّا الإِنَاثُ فَكَانَ نَصِيْبُهُمْ مَنْقُوصاً فِي التَّعْلِيْمِ وَ لَمْ يَنْطَلِقْ تَعْلِيْمُ المَرْأَةِ الحَدِيْثِ فِي السُّودَانِ إِلَّا بَعْدَ مُبَادَرَةِ الشَّيْخِ بَابِكِرْ بَدْرِي الَّذِي أَنْشَأَ أَوَّلَ مَدْرَسَةٍ خَآصَّةٍ لِلبَنَاتِ فِي مَدِيْنَةِ رُفَاعَةْ فِي 1907 مِيْلَادِيَّةْ ، وَ عَلَىَٰ الرَّغْمِ مِنْ تَبَنِي السُّلُطَاتُ الإِسْتِعْمَارِيَّةُ البِرِيْطَانِيَّةُ لِسِّيَاسَةٍ حَكُومِيَّةٍ تَعْلِيْمِيَّةٍ مُتَقَدِمَةٍ كَانَتْ تَبْدُو أَكْثَرَ إِنْفِتَاحاً مُقَارَنَةً بِالمُسْتَعْمَرَاتِ الأَفْرِيْقِيَّةِ الأُخْرَىَٰ إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ مُتَخَلِفَتَةً مُقَارَنَةً بِالتَّعْلِيْمِ فِي بِرِيْطَانْيَا وَ مِصْرَ ، لَكِنْ يَبْدُوا أَنَّ تِلْكَ السُّلْطَاتِ قَدْ قَدَّرَتْ أَنَّ تِلْكَ المَنَاهِجَ وَ ذَٰلِكَ التَّرْتِيْبَ تَتَنَاسَبُ وَ تَتَلَائِمُ مَعَ طَبِيْعَةِ وَ إِحْتِيَاجَاتِ السُّودَانِ وَ المَرْحَلَةِ آنَذَاكَ فَقَدْ كَانَتْ أَهْدَافُ التَّعْلِيْمِ:
1- تَخْرِيْجَ الصُّنَاعِ المَهَرَةِ (الفَنِّيِيْنَ)
2- تَخْرِيْجَ صَفْوَةٍ مِنْ طَبَقَةٍ صَغِيْرَةٍ مِنْ السُّودَانِيِيْنَ الإِدَارِيِيْنَ لِشَغْلِ الوَظَائِفِ الحَكُومِيَّةِ الصُّغْرَىَٰ فِي الخِدْمَةِ المَدَنِيَّةِ
3- تَدْرِيْبَ السُّودَانِيِيْنَ لِلعَمَلِ بِالجَيْشِ وَ القُوَاتِ النِّظَامِيَّةِ الأُخْرَىَٰ
4- التَّعْلِيْمَ بِالقَدْرِ الَّذِي يَمْحُو الأُمِيَّةَ وَ يَنْشُرُ التَّعْلِيْمِ بَيْنَ عَامَّةِ سُكَانِ البِلَادِ بِمَا يَتِيْحُ فَقَطْ فَهْمَ أَبْجَدِيَاتِ عَمَلِ الجِهَازِ الحَكُومِيِّ (فَكْ الخَطْ) وَ قَدْ لَامَ السَّيِّدُ غِرِيْفِيْثْ Griffith وَ هُوَ أَوَّلُ مُدِيْرٍ لِمَعَهَدِ بَخْتِ الرِّضَا المُدَرَسِيْنَ البِرِيْطَانِيِيْنَ عَلَىَٰ تَدْرِيْسِ الثَّورَةِ الفَرَنْسِيَّةِ (مَرْجِعْ 2) وَ كَانَ يَرَىَٰ أَنَّ التَّعْلِيْمَ الأَهْلِيَّ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ أَكَادِيْمِيَّةٍ فَكَانَ إِخْتِصَارُ المَرَاحِلِ التَّعْلِيْمِيَّةِ وَ تَحْوِيْرُ المِنَاهِجِ ، وَ هَكَذَا تَمَّ تَجْهِيْزُ السُّودَانِيِيْنَ وَ فِيْهُمْ اللَّاعِبُونَ الأَسَاسِيونَ مِنْ السَّاسَةِ وَ التَّنْفِيْذِيِيْنَ لِيَكُونُوا: عُمَالاً وَ مُزَارِعِيْنَ وَ كَتَبَةً (مَرْجِعْ 2) ، وَ يَبْدُوا أَنَّهُ كَانَ تَعْلِيْمٌ وَ "تَدْرِيْبٌ فُصِّلَ عَلَىَٰ عَجَلٍ وَ بِمَا يُلَائِمُ البِيْئَةُ المَحَلِّيَّةُ (مَرْجِعْ 2) وَ بِمَا يُوَافِقُ أَهْدَافَ السُّلْطَاتِ المُسْتَعْمِرَةِ الحَاكِمَةِ وَ ذَٰلِكَ حَتَّىَٰ تُسْتُوفَىَٰ الشُّرُوطُ المَطْلُوبَةِ لِتَسِيِيْرِ أُمُورِ الدَّولَةِ وَ دُولَابِ العَمَلِ فِي الخِدْمَةِ المَدَنِيَّةِ وَ القُوَاتِ النِّظَامِيَّةِ وَ القَضَاءِ وَ الجِهَازِ التَّنْفِيْذِيِّ تَحَسُباً لِجَلَاءِ المُسْتَعْمِرِ وَ لِمَلءِ الفَرَاغِ الَّذِي سَوفَ يَنْجُمُ بَعْدَ الجَلَاءِ وَ جَرَاءَ التَّخَلُصِ مِنْ العَمَالَةِ الأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي جَلَبَهَا مَعَهُ المُسْتَعْمِرُ البِرِيْطَانِيُّ مِنْ: الأُورُوبِيِيْنَ وَ المَصْرِيِيْنَ وَ الأَرْمَنِ وَ الشُّوَامِ وَ الآسْيَوِيِيْنَ وَ المَغَارِبَةِ وَ كَذَٰلِكَ لِضَمَانِ الوَلَاءِ فِي مُقْبِلِ الأَيَّامِ لِلأَمْبَرَاطُورِيَّةِ الَتِّي كَانَتْ لَا تَغِيْبُ عَنْهَا الشَّمْسُ ، هَذِهِ الصُّورَةُ الغَيْرُ مُضِيْئَةٍ تَخَلَلَتَهَا مُبَادَرَاتٌ إِيْجَابِيَّةٌ فِي التَّعْلِيْمِ صَدَرَتْ مِنْ مُؤَتَمَرِ الإِدَارَةِ فِي السُّودَانِ (1946/1947) مِيْلَادِيَّةْ أَفْضَتْ إِلَىَٰ خُطَةٍ خُمَاسِيَّةٍ كَانَ المَأَمُولُ مِنْهَا ضَمَانَ عَدَالَةِ تَوزِيْعِ فُرَصِ التَّعْلِيْمِ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ السُّودَانِ.
وَ قَدْ شَابَ العَمَلِيَّةُ التَّعْلِيْمِيَّةُ وَ تَصْمِيْمُ المَنَاهِجِ وَ التَّدْرِيْبُ بَعَضَ القُصُورِ ، وَ كَانَ إِخْتِيَارُ التَّلَامِيْذِ وَ الطَّلَبَةِ لِلمَدَارِسِ وَ المَعَاهِدِ تَنْقُصُهُ الشَّفَافِيَّةَ ، وَ يَبْدُوا أَنَّ سِيَاسَةَ المُسْتَعْمِرِ كَانَ شِعَارُهَا هُوَ أَنَّ (أَي شِئٍ أَفَضَلُ مِنْ لَا شَئٍ) ، و كَانَ إِخْتِيَارُ التَّلَامِيْذِ وَ الطَّلَبَةَِ فِي أَغْلَبِ الأَحْيَانِ إِنْتِقَائِيّاً وَ كَانَتْ إِخْتِبَارَاتُ الكَفَاءَةِ وَ المَقْدِرَاتِ تَفْتَقِرُ إِلَىَٰ المَنْهَجِيَّةِ كَمَا لَمْ تُرَاعَىَٰ العَدَالَةُ فِي التَّوزِيْعِ عَلَىَٰ مُكَوِنَاتِ القَومِيَّةِ السُّودَانِيِّةِ بَلْ كَانَ الإِخْتِيَارُ فِي أَغْلَبِ الأَحْيَانِ يَتِمُّ عَلَىَٰ أَسَاسِ الحَظْوَةِ فَجَاءَ الإِخْتِيَارُ خُصُوصاً فِي التَّعْلِيْمِ العَالِي صَفَوِيّاً (مَرِجِعْ 1) وَ مِنْ نَصَيْبِ أَبْنَاءِ شِيْوخِ القَبَائِلِ وَ النُّظَارِ وَ العُمَدِ وَ بَقِيَّةِ الأَعْيَانِ وَ امْتَدَتْ الإِنْتِقَائِيَّةُ لِتَشْمَلَ بَعْضاً مِنْ المَحَاسِيْبَ مِنْ قَاطِنِيِّ التَّجَمُعَاتِ الحَضَرِيَّةِ وَ كَذَٰلِكَ كُلَّ مَنْ خَدَمَ وَ تَعَاوَنَ مَعَ السُّلُطَاتِ البِرِيْطَانِيِّةِ المُسْتَعْمِرَةِ.
الدَّارِسُ المُتَفَحِّصُ لِلحَالَةِ السُّودَانِيَّةِ لَنْ يُصَادِفْ الكَثِيْرَ مِنَ العَنَاءِ فِي رَصْدِ الأَمْثِلَةِ لِلأَخْطَاءِ الإِدَارِيَّةِ وَ السِّيَاسِيَّةِ الَّتِي إِرْتَكَبَهَا (الخِرِيِجِونَ) مِنْ "جِيْلِ السَّودَنَةِ" فِي شَتَّىَٰ المَجَالَاتِ وَ مَا حَدَثَ فِي مُشْكِلِةِ الجَنُوبِ وَ الهَوِيَّةِ وَ دَسْتُورِ البِلَادِ الدَّائِمِ وَ بَعْضِ مَشَارِيْعِ التَّنْمِيَةِ المُتَعَثِرَةِ هِيَ بَعْضٌ مِنْ تِلْكَ الإِخْفَاقَاتِ فَمَطَالِبُ الجَنُوبِيِيْنَ المَشْرُوعَةِ فِي الحُكْمِ الذَّاتِيِّ أَو الكُونْفِدْرَالِيَّةِ أُسِئَ فَهْمُهَا بِسَبَبِ الجَهْلِ وَ قَصْرِ النَّظَرِ السَّيَاسِيِّ وَ الإِسْتِعْلَاءِ العِرْقِيِّ وَ العُنْصُرِيَّةِ وَ الخُوفِ المُبَطَّنِ مِنَ الوَاقِعِ الأَفْرِيْقِيِّ فَتَمَّ تَسْفِيْهُ حُلُمَ الجَنُوبِيِيْنَ فِي الحُكْمِ الفِيِدْرَالِيِّ وَ غُمْضَ حَقُّهُمُ المَشْرُوعُ فِي السِّيَادَةِ وَ فِي الوَظَائِفِ المُسَوْدَنَةِ بِحُجَةِ عَدَمَ جَاهِزِيَّةِ الجَنُوبِيِيْنَ لِتَسْيِيْرِ أُمُورِهِمْ الإِتِّحَادِيَّةِ وَ المَحَلِّيَّةِ وَ لَا عَجَبَ فِي ذَٰلِكَ خُصُوصاً إِنْ عُلِمَ أَنَّ قَرَارَاتِ السَّودَنَةِ أَصْدَرَتْهَا لِجَانٌ مِنْ "الخَرِيْجِبِيْنَ" هِيَ فِي ذَاتِهَا فَاقِدَةٌ لِلأَهْلِيَّةِ وَ الجَاهِزِيَّةِ وَ قَدْ تَذَمَّرَ الجَنُوبِيُونَ مِنْ تِلْكَ القَرَارَاتِ وَ وَصَفَوهَا بِالعُنْصُرِيَّةِ فَغَالِبِيَّةُ أَعْضَاءِ اللِّجَانِ كَانَتْ مِنْ الخِرِيِجِيِيْنَ "المَنْدَكُورُو" مِنْ الشِّمَالِ النِّيْلِيِّ ، وَ المَنْدَكُورُو فِي لُغَاتِ أَهْلِ جَنُوبِ السُّودَانِ يُرْمَزُ بِهِ سَلْباً إِلَىَٰ الشَّخْصِيَّةِ الشِّمَالِيِّةِ وَ بِالتَحْدِيْدِ النِّيْلِيِّةِ ، وَ الَّذِي يُدْعَىَٰ أَيْضَاً بالجَلَابِيِّ وَ يُقَالُ أَنَّ لِكِلَا المُسَمَيَيْنِ مَدْلُولَاتٌ عُنْصِرِيَّةٌ تَعُودُ إِلَىَٰ زَمَنِ الرِّقِ وَ الإِضْطِهَادِ الشِّمَالِيِّ لِلجَنُوبِيِيْنَ.
أَمَّا هَوِيَّةُ أَهْلِ السُّوْدَانِ فَهِيَ وَاضِحَةٌ وضُوحُ الشَّمْسِ فَهِيَ إِفْرِيْقِيَّةٌ لَا شَيَةَ فِيْهَا يَسْنِدُهُا فِي ذَٰلِكَ العُنْصُرُ العِرْقِيُّ وَ الوَاقِعُ الجُغْرَافِيُّ وَ المَورُوثُ الإِفْرِيْقِيُّ فِي الثَّقَافِةِ وَ العَادَاتِ وَ التَّقَالِيْدِ وَ كَذَٰلِكَ التَّارِيْخُ المُوَثَّقُ فِي الآثَارِ وَ المَخْطُوطَاتِ ، وَ هِيَ لَيْسَتْ فِي حَوجَةٍ إِلَىَٰ وِرَشٍ لِلعَمَلِ وَ نَدَوَاتٍ وَ أَبْحَاثٍ وَ مَخْطُوطَاتٍ لِتَأكِيْدِهَا فَالأُمَمُ تَتَخَلَقُ بِالتَّدَاخُلِ وَ التَّمَازُجِ وَ تَنْمُو فِي البُعْدَيْنِ الجُغْرَافِيِّ وَ الزّمَانِيِّ فَتَتَكَونُ هَوِيَتُهَا وَ تَكُونُ كَمَا هِيَ فَالهَوِيَّةُ لَا تُصْنَعُ وَ لَا تُصْطَنَعُ وَ لَا هِيَ (مُخَرَجَاتٌ تَوَافُقِيَّةٌ) إِثْرَ حِوَارٍ وَ لَكِنْهَا وَاقِعٌ مُعَاشٌ ، مَا حَدَثَ فِي الحَالَةِ السُّودَانِيِّةِ هُوَ أَنَّ أَقَلْيَّةً حَدِيْثُةَ "الإِسْتِعْرَابِ" فَرَضَتْ وَ تَشَبَسَتْ بِهَوِيَّةٍ أَعْرَابِيَّةٍ مَشْكُوكٍ فِي أَمْرِهَا وَ نَسَبَتَ كُلِّ السُّودَانِ إِلَىَٰ مَا تَظُنُّ أَنَّهَا هَوِيَتُهَا وَ أَلصَقَتَهُ بِأُمَّةٍ:
أَصْلُهَا لِلعَرَبْ
دِيْنُهَا خَيْرُ دِيْنِهَا يُحَبْ
وَ ذَٰلِكَ فِي بَلَدٍ يَتَكَوَنُ مِنَ العَدِيْدِ مِنَ الأَقْوَامِ غَالِبِيَتُهَا أَفْرِيْقِيَّةٌ وَ أَكْثَرُهَا مِنَ النَّاطِقِيْنَ بِغْيْرِهَا وَ هِيَ أَقَلِّيَاتٌ لَا يُسْتَهَانُ بِهَا لَهَا عَادَاتٌ وَ تَقَالِيْدٌ وَ مَورُوثَاتٌ أَعْرَابِيَّةٌ وَ غَيْرُ أَعْرَابِيَّةٍ وَ لِبْعْضٍ مِنْهَا دِيَانَاتٌ أُخْرَىَٰ سَمَاوِيَّةٌ وَ غَيْرُ سَمَاوِيَّةٍ ، هَذَا التَّصَرُفُ لَيْسَ لَهُ تَفْسِيْرٌ سِوىَٰ العُنْصُرِيَّةَ وَ الإِسْتِعْلَاءَ العِرْقِيِّ وَ الإِنْحِيَازَ إِلَىَٰ عُنْصِرٍ أَوْحَدٍ مِنْ أَقَلَّيَّةٍ "مُسْتَعْرِبَةٍ" مُتَمَكِنَةٍ ، وَ هُوَ مَنْطِقٌ سَنَامُهُ الجَهْلُ وَ قُصْرُ النَّظَرِ وَ الأُمِيَّةُ الفِكْرِيِّةُ وَ العَنْجَهِيَّةُ وَ عَدَمُ إِحْتِرَامِ بَقِيَّةَ مُكَونَاتِ القَومِيَاتِ السُّودَانِيِّةِ.
وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ وَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَ أَتَمُّ التَّسْلِيْمِ عَلَىَٰ سَيِّدْنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَىَٰ آلِهِ وَ صَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ وَ عَلَيْنَا.
فَيْصَلْ بَسَمَةْ
1- Iris Seri-Hersch. Education in Colonial Sudan, 1900 -1957
2- F. L. Griffith. An Experiment in Education: An Account of the Attempts to Improve the Lower StagesofBoys' Education in the Moslem Anglo-Egyptian Sudan, 1930-1950.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.