الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الانتباهة
الأحداث
الأهرام اليوم
الراكوبة
الرأي العام
السودان الإسلامي
السودان اليوم
السوداني
الصحافة
الصدى
الصيحة
المجهر السياسي
المركز السوداني للخدمات الصحفية
المشهد السوداني
النيلين
الوطن
آخر لحظة
باج نيوز
حريات
رماة الحدق
سودان تربيون
سودان سفاري
سودان موشن
سودانيات
سودانيزاونلاين
سودانيل
شبكة الشروق
قوون
كوش نيوز
كورة سودانية
وكالة السودان للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
دبابيس ودالشريف
حسان الناصر: إرث جمال !
في ناس دايرين يعيشوا حالة نفسية بتاعت السودان بعد الحرب دي قصة وانتهت
نزار العقيلي: (الكتيبة نيقرز)
مؤقتاً.. غامبيا لن تصبح "أول دولة" تلغي حظر ختان الإناث
المبعوث الأمريكي يلتقي عمر الدقير ومريم الصادق في القاهرة
الزكاة بالقضارف تسير قافلة دعم ومساندة لولاية الخرطوم
افتتاح مستشفى الوالدين بكرري
رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد الفرقة الثالثه مشاه ومستشفى شندي العسكري
سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين
الحكم بالإعدام على احد منسوبى الدعم السريع بالقضارف
شرطة سجون اقليم النيل الازرق تدشن كيس الصائم لمنسوبيها
مباحث ولاية القضارف تنجح في ضبط شبكة اجرامية – صور
شاهد.. مذيعة سودانية معروفة تنشر صورة لها داخل أستوديو الأخبار بالتلفزيون القومي وتقول:(الدعامة قالو حراس الثورة للمعلومية الاستديو الدمرتوه ده كان اسمو استديو الثورة تم تركيبة بعد الثورة)
شاهد بالصورة.. أحد أفراد الدعم السريع ينشر صورة مع صديقه وهو يسخر فيها من دخول الجيش للإذاعة وبعد ساعات ينشر نفس الصورة وينعي فيها صديقه الذي ظهر معه
شاهد بالصورة والفيديو.. وسط هدوء تام بالمنطقة.. سكان حي أركويت بالخرطوم يقيمون إفطاراتهم الرمضانية بالشارع العام
رامز جلال عن بيكا وكزبرة: «صوتهم تلوث سمعي وأفسدوا السوق»
أرقام مرعبة.. كيليان مبابي يواصل كتابة التاريخ
أكد عدم تعامله مع من لا يحملون الرخصة وعدم إعتماد معاملاتهم الإتحاد السوداني لكرة القدم يصدر تعميم بخصوص الوسطاء
أظرف ما فى الموضوع
رسميا.. فوز بوتين بالانتخابات الرئاسية لولاية خامسة
السعودية: 10 سنوات سجن للإساءة للعلم والنشيد الوطني
ترامب يثير الجدل بتصريح "حمام الدم".. ماذا قصد؟
(فيديو).. ياسر العطا يلوح بانفصال دارفور
بالفيديو.. أمانة المدينة تواصل أعمالها في تحسين المشهد الحضري
المواصفات تبيد (13)طنًا مواد غذائية فاسدة بكوستي
ترامب: لو كنت رئيساً لأمريكا لما حدث غزو غزة
إنريكي: قلوبنا ستقود باريس للفوز بالدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا
إنستغرام يطور خريطة لتحديد أماكن وجود الاصدقاء طوال الوقت
إفرازات الحرب على غزة!
ماذا يمكن أن يفعل الصيام المتقطع للدماغ؟
ويل سميث: قرأت القرآن كاملاً "من الغلاف للغلاف"
غوارديولا معجب بمانشستر سيتي «المدهش»
عبد الماجد عبد الحميد يكتب: الهجوم الإنتحاري
حكم إفطار كبير السن.. الأزهر للفتوى يوضح
رمضان في السودان.. نزوح وارتفاع أسعار وتراجع بالقدرة الشرائية
لعلّكم تتقون
كيف نبني السعادة الأسرية؟
مواجهات نارية بدور ال 8 للأبطال.. الريال يصطدم بالسيتي وباريس يواجه برشلونة
يقتل زوجته من أجل حبيبة وهمية عبر الإنترنت
نصائح لتجنب العطش في رمضان
الجوع يجبر سكان الخرطوم على الزراعة داخل الأحياء والبيوت
تحرير الإذاعة وقصة الشيخ علي عبيد منقاش
وزير الري يشارك في ختام فعاليات معرض صنع في السودان
ضياء الدين بلال يكتب: لهذا يفرحون بتحرير الإذاعة يا مناع..؟!
صيام الجائعين..!
الموسيقى في أعلى تجلّياتها
مفهوم «الممنوع»
السودان..حادث مأساوي وإصابة 4 مواطنين
رسائل الأميرة ديانا "الغرامية" في مزاد علني بمبلغ "خيالي"
إضراب عمال الموانئ
مختار القلع يدشن انطلاقته من أم الدنيا..سودانا عالى المقام اغنية للوطن في افتتاح مشاويره،،
بالصور.. قوات مكافحة التهريب بقوات الجمارك تتمكن من ضبط عدد(145) كيلو من المخدرات بالبحر الاحمر
إصابة نجل "البرهان" في حادث سير بتركيا
العقيد عضيبه: قلة خبرة السائقين الجدد رفعت حوادث حديثي القيادة
الأرقُ.. غيضٌ من فيضٍ!
اكتشاف طفرة جينية أدت إلى اختفاء "ذيول" أسلاف البشر
"الكرش" يضرّ أدمغة الرجال
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
تَخْرِيْمَاتٌ وتَبْرِيْمَاتٌ فِي الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ وَالسُّودَانِ وَالمِيْزَانِ .. بقلم: د. فَيْصَلْ بَسَمَةْ
سلام
نشر في
سودانيل
يوم 22 - 08 - 2019
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيْمِ
وَ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عَلَىَٰ سَيْدِنَا مُحَمَّدْ وَ عَلَىَٰ آلِهِ وَ صَحْبِهِ أَجْمَعِيْنْ وَ عَلَيْنَا
تَحَدَّثَ البَعْضُ عَنْ التَّجَاربِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ فِي السُّودَانِ وَ عَنْ تَقْيِيْمِهَا وَ وَضْعِهَا فِى المِيْزَانِ ، فَقَفَزَتْ إِلَىَٰ الذِّهِنِ عُدَّةُ أَسْئِلَةٍ:
هَلْ كَانَ فِي السُّودَانِ دِيْمُقْرَاطِيَّةً حَتَّىَٰ تُوزَنُ؟
وَ هَلْ هُنَالِكَ مِيْزَانٌ لِلدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ فِي السُّودَانِ؟
وَ هَلْ عَلِمَ السُّودَانِيْونَ أَنَّ لِلدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ مِيْزَانٌ؟
وَ مَا هِىَ المَوَازِيْنُ وَ المَعَايِيْرُ الَتِّي يَسْتَخْدِمُهَا السُّودَانِيْونَ وَ الآخَرُونَ فِي وَزْنِ دِيْمُقْرَاطِيَّةِ السُّودَانِ وَ دِيْمُقْرَاطِيَاتِهِمْ؟
وَ مَا هُوَ السُّودَانُ؟
وَ مَنْ هُمُ السُّودَانِيْونَ؟
فَلْنَبْدَأُ بِمَنْ هُمُ السُّودَانِيْونَ وَ بِالهَوِيَّةِ "سَبَبْ الأَذِيَّةْ" ، البَدِيْهِيُّ هُوَ أَنَّ هَوِيَّةَ السُّودَانِ هِيَ هَوِيَّةُ مُكَوِنَاتِهِ السُّكَانِيَّةِ وَ العِرْقِيَّةِ وَ الإِثْنِيَّةِ ، لَكِنْ يَبْدُوا أَنَّ هُنَالِكَ مَنْ يَرَىَٰ غَيْرَ ذَٰلِكَ فَهُنَالِكَ بَعْضٌ مِنْ السُّودَانِيِيْنَ يَظُنُّ أَنَّ عُنْصُرَ السُّودَانِ الغَالِبُ:
"أَصْلُهُ لِلعَرَبِ"
المَجْمُوعَاتُ وَ القَومِيَاتُ السُّودَانِيَّةُ قَدِيْمَةٌ قِدَمَ التَّارِيْخِ ، تَتَعَايْشُ هَذِهِ القَومِيَاتُ فِي سَلَامٍ وَ إِنْسِجَامٍ فِي رُقْعَةِ الأَرْضِ الإِفْرِيْقِيَّةِ المَعْرُوفَةِ جُغْرَافِيّاً وَ سِيَاسِيّاً وَ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيْدٍ بِبِلَادِ السُّودَانِ ، تَجَاوَرَتْ هَذِهِ القَومِيَاتُ وَ تَمَازَجَتْ وَ تَصَاهَرَتْ وَ كَانَ مَا بَيْنَهَا مِمَّا يَكُوْنُ بَيْنَ القَبَائِلِ وَ المَجْمُوعَاتِ المُتَجَاوِرَةِ فِي المَكَانِ مِنْ التَّفَاعُلَاتِ وَ التَّدَاخُلَاتِ وَ الإِحْتِكَاكَاتِ وَ رُبَمَا الإِقْتِتَالُ عَلَىَٰ الأَرَاضِي وَ المَرَاعِي وَ المِيَاهِ وَ المَوَارِدِ الأُخْرَىَٰ وَ كَذَٰلِكَ فِي التَّنَافُسِ عَلَىَٰ بَسْطِ النُّفُوذِ ، ثُمَّ بَعْدِ النِّزَاعَاتِ تَأَتِي الأَجَاوِيْدُ وَ تَحْكِيْمُ العَقَلِ وَ تَغْلِيْبُ المَصَالِحِ فَتَكُونُ التَّنَازُلِاتُ وَ التَّرَاضِي وَ التَّسَامُحُ ثُمَّ الصُّلْحُ وَ الوِئَامُ وَ السَّلاَمُ وَ التَّدَاخُلُ الإِجْتِمَاعِيُّ وَ تَسِيْرُ الحَيَاةُ وَ تَسْتَمِرُ المَصَالِحُ المُشْتَرَكَةُ ، هَذَا الوَاقِعُ "السُّودَانِيُّ" وَ التَّارِيْخُ وَ الإِرْثُ العَرِيْضُ المَاثِلُ لِلعَيَانِ وَ "المُعَاشُ" مُمَارَسَةً جَنَحَتْ بَعْضٌ مِنْ النُّخَبِ السُّودَانِيَّةِ الحَدِيْثَةِ إِلَىَٰ تَجَاهُلِهِ أَو تَعْقِيْدِهِ وَ أَبَتْ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَ الهَوِيَّةَ السُّودَانِيَّةِ مَشْكُوكاً فِي أَمْرِهَا وَ مَدْعَاةً لِلتَّفْرُقَةِ وَ حَاوَلَتْ أَنْ تَسُوقَهَا وَ تَسْوِيْقَهَا فِي كُلِّ الإِتِّجَاهَاتِ خُصُوصاً شَمَالاً وَ شَرْقاً.
عُقْبَ جَلَاءِ المُسْتَعْمِرِ البِرِيْطَانِيِّ وَ مَوظَفِيْهِ مِنَ المَصْرِيِيْنَ مِنْ أَرَاضِي دَولَةِ السُّودَانِ المُسْتَقِلَةِ فَرَضَ بَعْضٌ مِنْ جِيْلِ الإِسْتِقْلَالِ وَ السُّودَنَةِ "المُتَفَرْنِجِ" سِيَاسَاتٌ لَا تَخْلُو مِنْ قُصْرٍ فِي النَّظَرِ وَ التَّسَرُعِ فَاخْتَارَ هَويَّةً أَعْرَابِيَّةً إِسْلَامِيَّةً أَسْبَغَهَا عَلَىَٰ البِلَادِ وَ يَبْدُوا أَنَّ ذَٰلِكَ كَانَ خِدْمَةً لِمَصَالِحَ أَقَلِّيَاتٍ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الثَّقَافَتَيْنِ الإِعْرَابِيَّةِ وَ الإِسْلَامِيَّةِ كَانَتْ قَدْ أَصَابَتْ حُظُوظاً فِي التَّعْلِيْمِ وَ التَّنْمِيَةِ وَ التَّوظِيْفِ وَ السُّلْطَةِ أَبَانَ الحِقْبَةِ الإِسْتِعْمَارِيَّةِ وَ يَبْدُوا أَنَّ ذَٰلِكَ كَانَ خَصْماً عَلَىَٰ حَقِّ أَغْلِبِيَاتٍ "غَيْرِ أَعْرَابِيَّةٍ" غَلَبَ فِيْهَا العُنْصُرُ الأَفْرِيْقِيُّ تُأَكِّدُ قَرَائِنُ الأَحْوَالِ أَنَّهَا لَمْ تَنَلْ نَصِيْباً مِنْ تِلْكَ الحُظُوظِ بَلْ رُبَمَا حُرِمَتْ مِنْهَا.
بَانَتْ تِلْكَ الهَويَّةُ وَ ذَٰلِكَ التَّوجُهُ فِي نَشِيِدٍ مَشْهُورٍ مِنْ قَصَائِدِ الإِسْتِقْلَالِ إِسْتَهَلَهُ الشَّاعِرُ قَائِلاً:
أَنَا سُودَانِي أَنَا
ثُمَّ أَسْهَبَ فِي وَصْفِ الأَمُّةِ السُّودَانِيَّةِ وَ خِصَالِهَا وَ اسْتَطْرَدَ حَتَّىَٰ ضَمَّ السُّودَانَ إِلَىَٰ أُمِّةِ الأَعْرَابِ وَ اخْتَتَمَ بِقَاعِدَةٍ:
دَوحَةُ العَرَبِ أَصْلُهَا كَرَمٌ
وَ إِلَىَٰ العُرْبِ تُنْسَبُ الفِطَنُ
وَ يَبْدُوا أَنَّ العَالَمَ مَا زَالَ فِي إِنْتِظَارِ مَنْ يَشْرَحُ لُهُمْ فِطَنَ الأَعْرَابِ وَ دَلَائِلَ كَرَمِهِمْ وَ إِسْهَامَاتِهِمْ فِي الحَضَارَةِ الإِنْسَانِيَّةِ! ، وَ الحَدِيْثُ هُنَا عَنْ الأَعْرَابِ وَ لَيْسَ عَنْ الإِسْلَامِ فَلِلأَعَاجِمُ إِسْهَامَاتٌ مُقَدَرَةٌ فِي الحَضَارَةِ الإِسْلَامِيَّةِ رُبَمَا تَفُوقُ إِسْهَامَاتِ الأَعْرَابِ.
وَ أَضَافَ آخَّرُ يَنْشُدُ العُلَا لِلسُّودَانِ قَائِلاً:
أُمَّةٌ أَصْلُهَا لِلعَرَبْ
دِيْنُهَا خَيْرُ دِيْنٍ يُحَبْ
وَ يَبْدُوا أَنَّ الشَّاعِرَ لَمْ يَعِرْ إِنْتِبَاهاً لِلنَّاطِقِيْنَ بِغْيْرِهَا وَ لَا لِلأَدْيَانِ الأُخْرَىَٰ السَّمَاوِيَّةَ مِنْهَا وَ الغَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ ، وَ تَلَا ذَٰلِكَ خِطَابَاتٌ وَ مُمَارَسَاتٌ فِي السِّيَاسَةِ وَ التَّعْلِيْمِ وَ التَّوظِيْفِ فِي الخِدْمَةِ المَدَنِيَّةِ وَ القُوَاتِ النِّظَامِيَّةِ كَرَّسَتْ وَ أَثَارَتْ نَعْرَاتٌ بَيْنَ مُكَوِنَاتِ الأُمَّةِ السُّودَانِيِّةِ وَ أَفْضَتْ إِلَىَٰ إِيْقَاظِ فِتَنٍ أَدَتْ إِلَىَٰ تَمْزِيْقِ البِلَادِ فِي مُقْبِلِ الأَيَّامِ.
ثُمَّ جَاءَ جِيْلٌ مُسْتَنِيْرٌ:
"مُشْرِئِبٌ إِلَىَٰ النُّجُومِ"
جِيْلٌ يُجِيْدُ الأَحْلَامَ وَ ِنَظْمَ الكَلَامِ ، جِيْلٌ إِدَعَىَٰ أَنَّهُ أَتَىَٰ:
لِيَنْتَقِي صَدْرَ السَّمَاءِ لِشَّعْبِهِ
وَ كَذَٰلِكَ:
القِيَّمَ الجَدِيدةِ وَ السِّيَرْ
وَ أَنَّهُ أَتَىَٰ:
لِصِّيَاغَةِ الدُّنْيَا
وَ تَرْكِيْبِِ الْحَيَاةِ القَادِمَةْ
جِيْلُ العَطَاءِ المُسْتَجِيْشُ ضَرَاوَةً وَ مُقَاوَمَةْ
جِيْلٌ أَتَىَٰ بِهَوِيَّةٍ هِيَ فِيْمَا بَيْنَ الغَابَةِ وَ الصَحْرَاءِ فَتَغَنَىَٰ لِلسُوْدَانِ:
إِسْمِكِ الظَافِرُ يَنْمُو
فِي ضَمِيْرِ الشَّعَبِ إِيْمَاناً وَ بُشْرَىَٰ
وَ عَلَىَٰ الغَابَةِ وَ الصَحْرَاءِ
يَمْتَدُ وِشَاحاً
وَ جَاهَرَ آخَرٌ مِنْ ذَٰلِكَ الجِيْلِ أَو جِيْلٌ مُقَارِبٌ قَائِلاً:
بَقِيْفْ فِي الدَّارْ
وَسْطْ الدَّارْ
بَقُولْ لِلدُّنْيَا
كُلَّ الدُّنْيَا
دِيْلْ أَهَلِي
عَرَبْ مَمْزُوجَةْ بِدَمِّ الزُّنُوجْ الحَارْ
فَكَانَتْ هَوِيَّةٌ هُلَامِيَّةً فِيْهَا إِصْرَارٌ بَائِنٌ عَلَىَٰ الإِنْتِسَابِ إِلَىَٰ الأَعْرَابِيَّةِ ، هَوِيَّةٌ (بَيْنَ بَيْنَ) لَا هِيَ طَالَتْ رِمَالَ وَ غَازَ وَ زَيْتَ الصَّحْرَاءِ وَ لَا ارْتَوَتْ مِنْ أَلْبَانِ الإِبِلِ وَ لَا اسْتَقَتْ مِنْ أَمْطَارِ وَ أَنْهَارِ الإِسْتِوَاءِ وَ لَا تَزَيَنَتْ بِأَبَنُوسِ الغَابَةِ أَو عَاجِهَا وَ لَا أَكَلَتْ مِنْ ثِمَارِهَا الإِسْتِوَائِيَّةِ.
وَ كَانَ أَنْ إِنْتَهَىَٰ الحَالُ بِطَلَائِعٍ وَ جَمَاعَاتٌ مِنْ ذَٰلِكَ الجِيْلِ مَاسِحِيِّ جُوخٍ وَ أَحْذِيَةٍ وَ مُؤَخِرَاتٍ فَي بِلَاطَاتِ الطُّغَاةِ مِنْ العَسْكَرِ الَّذِينَ وَأَدُو الدِّيْمُقْرَاطِيَاتِ وَ أَقْعَدُوا الأُمَّةَ السُّودَانِيِّةَ عَنْ النُّهُوضِ وَ النَّمَاءِ وَ الإِزْدِهَارِ ، حَدَثَ ذَٰلِكَ فِي 25 مَايْو 1969 مِيْلَادِيَّةْ حِيْنَمَا إِنْضَمَتْ بَعْضٌ مِنْ النُّخَبِ إِلَىَٰ "الطَّلَائِعِ الإِشْتِرَاكِيَّةِ" تُشَارِكُ فِي وَأَدِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ الوَلِيْدَةِ وَ تُغَنِي لِلنِّظَامِ وَ الطَّاغِيَةِ:
يَا فَارِسْنَا
وَ حَارِسْنَا
يَا جِيِشْنَا
وَ مَدَارِسْنَا
لِيْنَا زَمَنْ نَفَتِشْ لِيِكْ
وَ جِيِتْنَا
اللِّيْلَةْ كَايِسْنَا
ثُمَّ أَعْقَبَهُمْ فَصِيْلٌ مُتَأَسِلِمٌ نَصَّبَ الطَّاغِيَةَ إِمَاماً وَ خَلِيْفَةً لِلمُسْلِمِيْنَ يَقْطُعُ الأَيَادِي وَ المُفْسِدِيْنَ مِنْ خِلَافٍ وَ يَدُّقُ أَعْنَاقَ المُعَارِضِيْنَ السِّيَاسِيِيْنَ بِتُهْمَةِ الرِّدَةِ ، ثُمَّ جَاءَ جِيْلٌ لَاحِقٌ فَنَادَىَٰ بِهَا إِفْرِيْقِيَّةً زِنْجِيَّةً خَالِصَةً جُذُورُهَا نُوبِيَّةٌ مِنْ كُوشْ ، وَ قَدْ أَثَارَتْ تِلْكَ النَّعْرَةَ بَعْضٌ مِنْ النُّخَبِ مِنْ جَنُوبِ وَ شَمَالِ السُّودَانِ فَأَحْيَتْ الفِتْنَةَ وَ أَجَجَتْ أُتُونَ الحُرُوبِ الأَهْلِيَّةِ فِي كُلِّ بِقَاعِ السُّودَانِ بِدَعَاوَىَٰ العُنْصُرِيَّةِ وَ التَّهْمِيْشِ وَ الإِقْصَاءِ مِنْ السُّلْطَةِ وَ الإِقْتِسَامِ الغَيْرِ عَادِلٍ لِلثَّرَوَاتِ فَانْسَاقَ خَلْفَ تِلْكَ الدَّعَاوَىَٰ جُمُوعٌ مِنْ الغَلَابَةِ وَ المُهَمَشِيْنَ غَالِبِيَتُهُمْ مِنْ النَّاطِقِيْنَ بِغْيْرِهَا وَ سُرْعَانَ مَا رَكِبَ المَوجَةَ وَ إِنْضَمَ إِلَىَٰ الرَّكْبِ بَعْضٌ مِنْ المُنْبُوذِيْنَ مِنْ مَأَجُورِيِْ السِّيَاسَةِ مِنْ ذَٰلِكَ "الجِيْلِ المُصَادِمِ الإِشْتِرَاكِيِّ" وَ بَعْضٌ مِنْ فُلُولِ عَهْدِ الطَّاغِيَةِ جَعْفَرْ النِّمِيْرِي وَ كَثِيْرٌ مِنَ أَرْزَقِيَّةِ السِّيَاسَةِ مِنْ الشِّمَالِيِيْنَ وَ الجَنُوبِيِيْنَ وَ بَعْضٌ مِنْ مَرَافِيْدِ الأَحْزَابِ الأُخْرَىَٰ ، ثُمَّ كَانَتْ الطَّآمُّةُ الكُبْرَىٰ فِي ظُهُورِ الدَّجَّالِ وَ إِبْلِيسَ وَ فِي زُمْرَتِهِ بَعْْضٌ مِنْ النُّخَبِ المُتَأَسْلِمَةِ مِنْ جَمَاعَةِ الإِنْقَاذِ العَسْكَرِيَّةِ وَ المَدَنِيَّةِ فِي 30 يُونْيُو 1989 مِيْلَادِيَّةْ رَافِعيْنَ شِعَارَ:
هِيَ لِلَّهْ
لَا لِلسُّلْطَةْ
لَا لِلجَاهْ
شِعَارٌ وَأَدُوْا بِهِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةَ الوَلِيْدَةَ خِدَاعاً وَ نِفَاقاً وَ دَغْدَغُوا بِهِ وَ بِشِعَارَاتِ دِيْنِيِّةٍ أُخْرَىَٰ مَشَاعِرَ الغَافِلِيْنَ مِنْ السُّودَانِيِيْنَ وَ البُسَطَاءِ ، وَ اخْتَلَقُوا أَوهَاماً وَ مَشَارِيْعَ سَاقُوا بِهَا المُتَحَمِسِيْنَ دِيْنِيّاً إِلَىَٰ جِهَادٍ ضِدَ مُوَاطِنِيْهِمْ الَّذِيْنَ يُخَالِفُونَهُمْ الرَّأَيَ يَقْتُلُونَهُمْ وَ يُشَرِّدُونَهُمْ بِهَا ، سَاقَتْ الإِنْقَاذُ وَ الجَمَاعَاتُ المُتَأَسْلِمَةُ الجُمُوعُ المَخْدُوعَةِ إِلَىَٰ أَطْرَافِ البِلَادِ يَغْسِلُونَ أَدْمْغَتِهِمْ دِيْنِيّاً وَ يَرْمُونَ بِهِمْ إِلَىَٰ أُتُونِ الحُرُوبِ يَسُوقُونَهُمْ إِلَىَٰ المَوتِ يُمَزِّقُونَ بِهِمْ أَطْرَافَ البِلَادِ وَ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ وَ كَانَ ذَٰلِكَ بِدَعَاوَىَٰ الجِهَادِ وَ الهَويَّةِ الأَعْرَابِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ ، جِهَادٌ مَطْعُونٌ فِي شَرْعِيَتِهِ مَاتَتْ مِنْ أَجْلِهِ جُمُوعٌ مِنْ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ سُمْبُلَةً أَو "فَطَايْسْ" فِي جَنُوبِ السُّودَانِ كَمَا قَالَ شَيْخُهُمْ لَاحِقاً.
السُّودَانِيَّةُ أَو السُّودَانَاوِيَّةُ هَوِيَّةٌ فِي ذَاتِ نَفْسِهَا وَ حَقِيْقَةٌ تُغْنِي عَنْ البَحْثِ عَنْ هَوِيَاتٍ إِفْتِرَاضِيَّةٍ لَا تُوجَدُ إِلَّا فِي خَيَالِ بَعْضٍ مِنْ النُّخَبِ السُّودَانِيِّةِ ، وَ مَا السُّودَانِيْونَ إِلَّا أَقْوَامٌ تَلَاقَوْا وَ تَوَاجَدُوا فِي هَذِهِ الرُّقْعَةِ مِنَ الأَرْضِ الإِفْرِيْقِيَّةِ المُسَمَاةُ السُّودَانُ فَتَمَازَجُوا وَ تَصَاهَرُوا وَ تَعَايَشُوا عَلَىَٰ مَرِ القُرُونِ ، وَ تِلْكَ هِيَ الهَوِيَّةُ الَّتِي أَدَارَتْ لَهَا بَعْضٌ مِنْ النُّخَبِ ظَهَرَهَا وَ دَارَتْ فِي كُلِّ الإِتِجَاهَاتِ تَبْحَثُ عَنْ هَوِيَّةٍ أُخْرَىَٰ وَ مُؤَمَلَةً أَنْ تُمَثِّلَ الهَوِيَّةُ المُنْتَقَاةُ طُمُوحَاتِ المُكَوِنِ الأَعْرَابِيِّ فِي القَومِيَاتِ السُّودَانِيِّةِ بَيْنَمَا تَتَجَاهَلُ الكُلَّ وَ بَقِيَّةَ الجَمَاعَاتِ السُّودَانِيِّةِ.
إِنَّ السُّودَانِيِيْنَ وَ السُّودَانَ وَ الإِرْثَ وَ التُّرَاثَ الَّذِي نَعْرِفُهُ هُوَ السُّودَانُ الَّذِي نَالَ إِسْتِقْلَالَهُ فِي الأَوَّلِ مِنْ يَنَايْرْ فِي العَامِ 1956 مِيْلَادِيَّةْ وَ لَكِنْ لَمَّا تَضَارَبَتْ مَصَالِحُ النُّخَبِ وَ تَصَارَعَتْ عَلَىَٰ السُّلْطَةِ جَاءَ الخَلَلُ وَ عِنْدَهَا رَجَعَتْ النُّخَبُ إِلَىَٰ القَبِيْلَةِ وَ الجِهَةِ وَ أَحْيَاناً الأَيْدِلُوجِيَاتِ وَ الأَدْيَانِ تَسْتَنْجِدُ وَ تَسْتَقِوي بِهَا فَأُدْخِلَتْ البِلَادُ وَ القَومِيَاتُ فِي الصِرَاعَاتِ فَكَانَتْ الحُرُوبُ وَ المَجَازِرُ وَ الإِنْقِسَامَاتُ ، وَ فِي خِضَمِ هَذَا العِرَاكِ الطَّوِيْلِ أَغْفَلَتْ وَ تَنَاسَتْ النُّخَبُ النِّظَامَ وَ الدَّولَةَ وَ التَّنْمِيَّةَ وَ الشَّعْبَ السُّودَانِيِّ وَ رَفَاهِيْتَهُ وَ التَّرْبِيَةَ وَ سَادَ الفَسَادُ وَ التَّخَلُّفُ فِي المُجْتَمَعِ السُّودَانِيِّ ، وَ ظَهَرَتْ الشَّخْصِيَّةُ السُّودَانِيَّةُ عَلَىَٰ حَقِيْقَتِهَا وَ بَانَتْ كُلُّ النَّوَاقِصِ وَ السُّلُوكِيَاتِ السَّالِبَةِ الكَامِنَةُ فِي دَاخِلِهَا رَغْمَ مُحَاوَلَاتِ التَّغْطِيَةِ وَ الإِدِعَاءَتِ بِالسِّمُوِ الأَخْلَاقِيِّ وَ حَمِيْدِ الخِصَالِ.
فِي عَالمِ الإِنْسَانِ وَ القَانُونِ لَا تَكْلِيْفَ لِطِفْلٍ حَتَّىَٰ يَبْلُغُ مَرْحَلَةَ النِّضُوجِ وَ البُلُوغِ ، وَ سِنُّ البُلُوغِ لِلأَطْفَالِ عِنْدَ غَالَبِيَّةِ الدُّولِ تَكُونُ فِيْمَا بَيْنَ ال 16 وَ 18 عَاماً أَمَّا سِنُّ البُلُوغِ وَ التَّكْلِيِفِ بِمِقْيَاسِ الشُّعْوبِ وَ التَّجَارِبِ الإِنْسَانِيَّةِ بِمَا فِيْهَا الدِّيْمُقْرَاطِيَّةُ فَقَدْ تَبْلُغُ مِئَاتُ السِّنِيْنَ ، وَ فِي التَّجْرَبَةِ السِّيَاسِيَّةِ السُّودَانِيَّةِ وَأَدَّ العَسْكَرُ كُلَّ الدِّيِمُقْرَاطِيَاتِ حَتَّىَٰ قَبْلَ الفِطَامِ (الفِصَالُ) ، وَ فِصَالُ صَغِيْرِ الإِنْسَانِ فِي عَامِيْنِ وَ ذَٰلِكَ كَمَا جَاءَ فِي القُرَآنِّ العَظِيْمِ:
(وَ الْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)
(وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَ فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)
(وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَ وَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَ حَمْلُهُ وَ فِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيْمُ
أَمَّا الفِصَالُ فِي تَّجَارِبِ الشُّعُوبِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَفَقٍ عَلَيْهِ فَقَدْ يَكُونَ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ أَو أَرْبَعَيْنَ أَو مَئَةَ عَامٍ وَ الأَرْجَحُ مَئَتَيِّ عَامٍ فَعَامٌ فِي حَيَاةِ إِنْسَانٍ رُبَمَا هُوَ مَئَةُ عَامٍ بِحِسَابِ أَعْمَارِ الشُّعُوبِ وَ قِيَاساً عَلَىَٰ ذَٰلِكَ فَإِنَّ تَجَارُبَ الشُّعُوبِ وَ مِنْهَا نُظُمُ الحُكْمِ وَ الدِّولَةِ تَحْتَاجُ إِلَىَٰ مِئَاتِ السِّنِيْنِ مِنْ التَّطْبِيْقِ وَ التَّجْرِيْبِ كَيْمَا تَنْضَجُ وَ مِنْ ثَمَّ يَتِمُّ فِصَالَهَا.
الدِّيْمُقْرَاطِيَّةُ السُّودَانِيَّةُ "لَمْ تَسْمَعْ بِهَا بَنَاتُ عَمِّهَا" مِنْ "شَفَقَةْ" العَسْكَرِ الغَيْرِ نَاضِجِيْنَ ، العَسْكَرُ المُتَعَطِشِونَ لِلسُّلْطَةِ وَ التَّسَلُطِ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ مُحَرِّضُونَ مُنَظِّرُونَ وَ مُطَبِّلُونَ مِنَ النُّخَبِ وَ السَّاسَةِ "المَلَكِيَّةْ" يُنَافِقُونَهُمْ وَ يُزَيِّنُونَ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ حَتَّىَٰ يُحَقِقُونَ بِهِمْ طُمُوحَاتِهِمْ فِي السُّلْطَةِ ، وَ فِي مِثْلِ هَذِهِ البِيْئَةِ فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ المُرَجَحِ أَنْ يَتَسَنَىَٰ للدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ السُّودَانِيَّةِ النُّمُوَ وَ مِنْ ثَمَّ بُلُوغِ سِنِّ الفِصَالِ وَ دَعْكَ مِنْ النُّضُوجِ وَ بُلُوغِ سِنِّ التَّكْلِيْفِ.
كُلُّ الشُّعُوبِ ، وَ السَّودَانِيْونَ لَيْسُوا إِسْتِثْنَاءً ، لَهَا الحَقُّ فِي الحُرِّيَّةِ وَ السَّلَامِ وَ العَدَالَةِ وَ العَيْشِ الكَرِيْمِ ، وَ قَدْ عُرِّفَ العْيْشُ الكَرِيْمُ عَلَىَٰ أَنَّهُ المَسْكَنُ وَ المَلْبَسُ وَ المَأَكَلُ وَ التَّعْلِيْمُ وَ الصَّحَةُ وَ الأَمْنُ وَ مَتَىَٰ مَا تَهَيَأَتْ هَذِهِ الأَسَاسِيَاتُ كَانَتْ الكِفَايَةُ تَتْبَعُهَا الرَّفَاهِيَّةُ يَسْبُقُهُمَا المُؤَسَسَيَّةُ وَ العَدْلُ ، وَ العَدْلُ إِحْتِكَامٌ لِلقَانُونِ وَ فِيِهِ المُسَاوَاةُ وَ حُرِّيَّةُ الرَّأَيِّ وَ قُبُولُ النَّقْدِ وَ سِمَاعُ الرَّأَيِّ الآخَرِ كَمَا فِيِهِ التَّرَاضِي.
الحَدِيثُ عَنِ التَّقْيِيْمِ وَ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ وَ المِيْزَانِ يُثِيِرُهُ الحَادِبُونَ عَلَيِهَا وَ المُنَاصِرُونَ لِلنُّظِمِ الإِسْتِبْدَادِيَّةِ عَلَىَٰ حَدٍ سِوَاءٍ ، لَكِنْ غَالِبِيَّةَ النَّقْدِ يَأَتِي مِنَ المُعَسْكَرِ الأَخِيْرِ وَ مُعْظَمُ أَنْصَارِ الدِّيْكَتَاتُورِيَاتِ وَ الطُّغَاةِ يَفْتَرِضُوَنَ أَنَّ السُّودَانَ غَيْرُ مُهَيَأٍ لِلدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ وَ مِنْ هُنَا جَاءَ التَّسَاؤِلُ:
هَلْ السُّودَانُ مُهَيَأٌ لِلحُكْمِ الدِّيْمُقْرَاطِيِّ؟
السُّؤَالُ يُوحِي بِأَنَّ هُنَالِكَ مَنْ وَضَعَ شُرُوطاً وَ مُتَطَلَبَاتٍ لِلإِنْضِمَامِ لِنَادِي الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ وَ كَأَنَّ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةَ أَنْدِيَةٌ وَ كُلِّيَاتٌ وَ جَامَعَاتٌ وَ شَهَادَاتٌ وَ أَنْوَاطٌ تَمْنَحُهَا وَ تَجُودُ بِهَا "جِهَاتٌ بِعَيْنِهَا" ، وَ يَبْدُوا أَنَّهُ قَدْ فَاتَ عَلَىَٰ السَّائِلِ أَنَّ الحُرِّيَّةَ حَقٌّ إِنْسَانِيٌّ مُسْتَحَقٌ لَا يُجَزَّءُ وَ لَا يُمْنَحُ عَطِيَّةً ، وَ هُوَ حَقٌّ كَمَا حَقِّ الشَّعَبِ فِي الحَيَاةِ وَ فِي إِخْتِيَارِ مَنْ يَحْكُمُهُ وَ فِي التَّرَاضِي عَلَىَٰ طَبِيْعَةِ الحُكْمِ وَ عَلَىَٰ آلِيَّةِ التَّعَامُلِ بَيْنَ الحَاكِمِ وَ المَحْكُومِ وَ كَذَٰلِكَ فِي إِخْتِيَارِ دِيْنِهِ:
(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
صَدَقَ اللَّهُ العَظِيْمُ
وَ تِلْكَ هِيَ العَدَالَةُ وَ الحُرِّيَّةُ وَ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةُ فِي أَعْلَىَٰ مَرَاتِبِهَا.
كَمَا شَاعَ القُولُ أَنَّ التَجَارِبَ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ السُّودَانِيِّةِ شَابَهَا قُصُورٌ وَ أَنَّ السُّودَانِيِيْنَ لَيْسُوا جَاهِزِيْنَ لَهَا ، وَ تَنَاسَوْا التَّارِيْخَ المُعَاصِرِ وَ كَيْفَ أَنَّ الشَّعْبَ السُّودَانِيِّ النَّاضِجِ قَامَ بِثَورَتَيْنِ ضِدَ الكَبْتِ أَطَاحَ فِيِهِمَا بِنِظَامِيْنِ عَسْكَرِيِيْنِ مُسْتَبِدَيْنِ فِي أُكْتُوبَرْ 1964 وَ أَبْرِيْلْ 1985 مِيْلَادِيَّةْ أَعْقَبَتْهُمَا إِنْتِخَابَاتٌ لَكِنْ رَغْمَ ذَٰلِكَ فَإِنَّ مِنَ الصَّعَبِ وَصْفُ مَا حَدَثَ بَعْدَ تِلْكَ الثَّورَتَيْنِ بِالحِقَبِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ ، وَ حَتَّىَٰ إِنْ كَانَ كَذَٰلِكَ فَمَا كَانَ مِنْ نُظُمٍ مُنْتَخَبَةٍ فِإِنَّهَا لَمْ تُمْنَحْ الفُرَصَةُ كِيْمَا تُجَرِّبُ وَ تُجَرَّبُ حَتَّىَٰ تُصْبِحُ تِلْكَ المُحَاوَلَاتُ تَجَارِباً دِيْمُقْرَاطِيَّةً نَاضِجَةً ، كَانَتْ تِلْكَ مُحَاوَلَاتٌ مُتَكَرِرَةٌ لِنَيِلِ الحُرِّيَّةِ وَ مُمَارَسَةِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ أُجْهَضَهَا مِرَاراً وَ مُبَكِراً العَسْكَرُ وَ آخَّرُونَ مِنْ المُتَعَطِشِيْنَ إِلَىَٰ السُّلْطَةِ وَ إِلَىَٰ إِخْتِصَارِ مَسَارَاتِ التَّارِيْخِ وَ التَّطُورِ ، وَ مَا تَلَا ذَٰلِكَ هِيَ مُمَارَسَاتٌ وَ نُظِمٌ غَيْرُ نَاضِجَةٍ سِيَاسِيّاً وَ إِدَارِيّاً قَمَعَتْ الشَّعَبَ وَ أَذَلَتْهُ وَ حَجَبَتْ عَنْهُ نُورَ العِلْمِ وَ الحَقِيْقَةِ فَضَاعَتْ قِيَّمُ الحَقِّ وَ الجَمَالِ وَ إِحْتِرَامَ الحَيَاةِ وَ الرَّأَيِّ الآخَّرِ وَ العَدَالَةَ وَ السِّلْمَ الإِجْتِمَاعِيَّ.
أَتَىَٰ العَسْكَرُ وَ الوَالِيُّ المُسْتَبِدُ وَ أَتَتْ مَعَهُمْ بِطَانَاتُ السُّوءِ مِنْ الأَرْزَقِيَّةِ الَتِّي زَيَّنَتْ لِلوَالِي السُّلْطَةَ المُطْلَقَةِ وَ حكَمَ الرَئِيْسِ القَائِدِ فَمَجَّدُوهُ حَتَّىَٰ كَادَ أَنْ يُعْبَدَ ، وَ كَانَ البَطْشُ وَ النِّفَاقُ وَ تَسْفِيِهُ الرَّأىَ الآخَّرِ وَ تَجْرِيْمُ المُعَارِضَيْنَ ، وَ اسْتَشْرَىَٰ الفَسَادُ وَ أَمْرَاضٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ أُخْرَىَٰ وَلَّدَّهَا الكَبْتُ ، فَأَضْحَىَٰ الشَّعَبُ المَعْلُولُ ذُو التَّنْشِئَةِ وَ التَّرْبِيَةِ اللَّتَانِ جَانَبَهُمَا الصَّوَابَ تَائِهاً ، وَ أَفْرَزَتْ التَّجَارِبُ الفَاشِلَةُ إِنْسَاناً مُقْلَداً وَ خَامِلاً وَ غَيْرَ مُبْدِعٍ ، إِنْسَانٌ فَارِغٌ مُوهُومٌ بِالتَّمَيُّزِ عَلَىَٰ النَسَقِ الغَرْبِيِّ أَو الأَعْرَابِيِّ الوَطَنُ عِنْدَهُ كَلِمَاتٌ وَ لَحْنٌ فِي أُغْنِيَةٍ.
حَالَةُ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ كَمَرِيْضٍ مُصَابٌ بِأَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ وَ مُسْتِعْصِيَةٍ أُدخِلَ لِتَوِهِ فِي مَصَحَةِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ لَكِنْ رَجُلُ أَمْنِ المَصَحَةِ العَسْكَرِيِّ قَرَرَ مُنْفَرِداً إِخْرَاجَ المَرِيْضَ مِنَ المَصَحَةِ دُونَ الرِّجُوعِ إِلَىَٰ الإِدَارَةِ وَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقَابِلَ المَرِيْضُ الطَبِيْبَ وَ مِنْ دُونِ إِجْرَاءِ الفُحُوصَاتِ اللَّازِمَةِ فَخَرَجَ المَرِيْصُ إِلَىَٰ الشَّارِعِ مَعْلُولاً بِلَا وَصْفَةٍ أَو تَوصِيَةٍ يَمْشِي خَلَفَ العَسْكَرِيِّ ، خَرَجَ المَرِيْضُ عَلِيْلاً لَا يَقْوَىَٰ عَلَىَٰ حَمْلِ نَفْسِهِ فَتَلَقَفَتْهُ جَهَلَةُ السِّيَاسَةِ وَ عَطَّارُوهَا وَ الدَّجَالُونَ وَ الأَرْزَقِيَّةُ يُجَرِبُونَ فِيِهِ مُعَلَاجَاتٍ وَ وَصَفَاتٍ غَيْرِ نَاجِعَةٍ أُعِدَتْ عَلَىَٰ عَجَلٍ فِي الشَّرْقِ وَ الغَرْبِ فَاقَمَتْ عَلَيِهِ الأَعْرَاضَ وَ الأَمَرَاضَ.
جَهَلَةُ السِّيَاسَةِ وَ الدَّجَالُونَ وَ الأَرْزَقِيَّةُ وَ عَطَّارُو السِّيَاسَةِ وَ الأَحْزَابُ وَ الطَّوَائِفُ فِي السُّودَانِ فِي حَوجَةٍ لِلزَّمَنِ حَتَّىَٰ يَكْتَمِلُ وَ يَقْوَىَٰ عُودُهُمْ وَ مِنْ ثَمَّ يَنَضَجُونَ سِيَاسِيّاً ، وَ مَا مَارَسُوهُ مِنْ مِمُارَسَاتٍ فِي الحُكْمِ هُوَ تَجَارِبٌ دِيْمُقْرَاطِيَّةٌ فَطِيَرَةٌ ، وَ كُلُّ هَذِهِ المُمَارَسَاتُ فِي حَقِيْقَةِ الأَمْرِ جُزْءٌ مِنْ عَمَلِيَةِ وِلَادَةِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ ، وَ مَخَاضُ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ مَعْلُومٌ فِيِهِ التَّعَسُرُ فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ الصَّبْرِ عَلَىَٰ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ حَتَّىَٰ تُولَدُ وَ تَنْمُو وَ تَنْضَجُ ، وَ حَالَمَا نَضُجَتْ تَكُونُ حِيْنَذَاكَ قَادِرَةٌ عَلَىَٰ تَنْشِئَةِ وَ إِنْتَاجِ الفَرْدِ القَادِرِ عَلَىَٰ إِخْتِيَارِ وَ تَقْدِيْمِ قَيِادَتِهِ الرَّشِيْدَةِ المُنْتَخَبَةِ الَتِّي تُمَثِلُهُ سِيَاسِيّاً.
السَّائِدُ اليَوْمَ فِي السِّيَاسَةِ فِي السُّودَانِ هُوَ رَّاعِيُّ الحِزْبِ وَ مُرْشِدُ الجَمَاعَةِ وَ إِمَامُ الطَّائِفَةِ وَ قَدْ إنِْتَهَتْ وَ هَرَمَتْ أَغْلَبُ تِلْكَ الزَّعَامَاتِ وَ تَجَاوَزَتْ فَتْرَةَ صَلَاحِيَتِهَا بِمَرَاحِلَ عَدِيْدَةٍ ، وَ الخُرُوجُ مِنْ الأَزْمَّةِ السِّيَاسِيَّةِ السُّودَانِيَّةِ الحَالِيَّةِ يَتَطَلَبُ أَنْ تَتَفَهَمَ هَذِهِ المَنْظُومَاتُ وَ تِلْكَ الزَّعَامَاتُ أَنَّ القِيَادَةَ يَجِبْ أَنْ تَتَوَلَاهَا وَ تَتَقَدَمُ صُفُوفَهَا الكَفَاءَاتُ الشَّابَةُ ذَاتُ العَزْمِ ، وَ أَنْ تُمْنَحْ تِلْكَ الكَفَاءَاتُ الفُرْصَةَ لِتَقُودَ البِنَاءَ ، وَ أَنَّ التَّجْرِيْبَ وَ مُوَاكَبَةَ العَصْرِ وَ العِلْمِ وَ التَّطُورِ وَ التَّطْبِيْقَاتِ الحَدِيْثَةِ فِي الإِدَارَةِ وَ الحُكْمِ تَسْتَغِرِقُ وَقْتاً وَ تَسْتَلْزِمُ الصَّبْرَ وَ الأَخِيْرُ يُعِيْنُ الشُّعُوبَ عَلَىَٰ تَحَمُّلِ مَشَاقِ البِنَاءِ وَ النُّمُوِ مِنْ أَجْلِ بُلُوغِ سِنِّ النُّضْجِ وَ التَّكْلِيْفِ وَ الخُصُوبَةِ وَ الإِنْتَاجِ.
السُّودَانُ مَرِيْضٌ بِدَاءِ العُنْصُرِيَّةِ ، وَ عِلَاجُ العُنْصُرِيَّةِ يَكْمُنُ فِي التَّنْشِئَةِ وَ العَدْلِ وَ المُسَاوَاةِ ، وَ لَا يَتَأَتَىَٰ الشِّفَاءُ إِلَّا بِتَنَاولِ العِلَاجِ حَتَّىَٰ وَ لُو كَانَ عَلْقَماً وَ كَذَٰلِكَ فِي الصَّبْرِ عَلَيِهِ ، وَ الشِّفَاءُ يُسَاعِدُ عَلَىَٰ تَنْشِئَةِ وَ خَلْقِ أَجْيَالٍ مُتَعَافِيَةٍ مِنْ دَاءِ العُنْصُرِيَّةِ البَغِيْضِ ، وَ التَّنْشِئَةُ وَ التَّرْبِيَةُ السَّلِيْمَتَانِ يُغْرِزَانِ الأَخْلَاقَ وَ القِيَّمَ الإِنْسَانِيَّةِ الرَّاقِيَةِ وَ كَذَٰلِكَ التَّمَدُنَ وَ السُّلُوكَ القَوَيْمِ ، وَ مَتَىَٰ مَا كَانَ ذَٰلِكَ كَانَ العَدْلُ وَ النِّظَامُ وَ كَانَتْ المُؤَسَسِيَّةُ وَ المَسْئُولِيَّةُ و الإِنْتَاجُ وَ الكِفَايَةُ وَ الرَّفَاهِيَّةُ وَ كَانَ التَّرَاضِي عَلَىَٰ آلِيَّةِ فِي التَّعَامُلِ بَيْنَ الحَاكِمِ وَ المَحْكُومِ وَ يُمْكِنُ تَسْمِّيَةُ النَّاتِجَ دِيْمُقْرَاطِيَّةً كَمَا يُمْكِنُ إِسْبَاغُ أَي مُسَمَّىً آخَرَ عَلَيْهَا فَمَا الدِّيْمُقْرَاطِيَّةُ إِلَّا إِسْمٌ وَ مَا أَكْثَرُ الأَسْمَاءِ الَتِّي عَلَّمَهَا اللَّهُ الإِنْسَانَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَ الحَمْدُ لِلَّهِ العَظِيْمِ وَ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عَلَىَٰ رَسُولِهِ الأَمِيْنِ
د. فَيْصَلْ بَسَمَةْ
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
تَخْرِيْمَاتٌ وَ تَبْرِيْمَاتٌ فِي الهَويَّةِ وَ الوَطَنِيَّةِ السُّودَانِيِّةِ .. بقلم: د. فَيْصَلْ بَسَمَةْ
جِيْشْ الهَنَا .. بقلم: د. فَيْصَلْ بَسَمَةْ
التَّهْمِيْشُ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيْدَ بِهَا بَاطْلٌ .. بقلم: د. فَيْصَلْ بَسَمَةْ
النَّكْبَةُ المَسَّخَتْ عَلِيْنَا العِيْدْ .. بقلم: د. فَيْصَلْ بَسَمَةْ
كَلَامُ زَعَلْ بَقْصُدُو .. بقلم: د. فَيْصَلْ بَسَمَةْ
أبلغ عن إشهار غير لائق