عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. رفعت ثورة ديسمبر شعار أساسي ومثل جوهر لهذه الثورة السودانية العظيمة بكلماتٍ ثلاث ( حرية سلام و عدالة ) .. وبعد تشكيل هيكل السلطة الإنتقالية لاحقت هذه السُلطة مطالبات مشروعة من غالبية جماهير الشعب السوداني و بعض الأحزاب والشخصيات والقوي السياسية بضرورة تفكيف نظام الإنقاذ ودولة المؤتمر الوطني فيه والتي لاتزال مُلتفة في خاصرة جميع هياكل الدولة والتي تعيق التحول نحو الديمقراطية في البلد ، بل وتعمل كثورة مضادة فيما يعرف بمفهوم الدولة العميقة .. وهذه حقيقة يشاهدها الجميع ولا يرضي عنها .. واجهت السلطة الإنتقالية ممثلة في مجلسي السيادة والوزراء ضغوطات كبيرة للمُضي في إتجاه تفكيف هذه الدولة العميقة وإزالة كافة أشكال تمكينها ، بل الكثيرين وصموا هذه السُلطة بالفشل نسبة لعملية الإبطاء وعدم الإسراع في هذا الإتجاه .. حتي تم بالأمس ( 28 نوفمبر 2019 ) إجازة مسودة قانون لتفكيك دولة التمكين للمؤتمر الوطني يشمل عدد من البنود والتي في اولها حل حزب المؤتمر الوطني ، ثم و في مجملها تعمل علي إزالة كافة مظاهر هذا التمكين والحقت به كذلك بند واضح وصريح بالعزل السياسي لكل رموز وقيادات الحزب والنظام وعضويته التي شاركت في مناصب سيادية أو وزارية او عُليا إبان فترة حكمهم طوال الثلاثون عاماً الماضية ، وهذا العزل السياسي يتضمن عدم المشاركة أو إنشاء أو الإنضمام لي أي حزب سياسي أو إتحاد أو نقابة وحددته بمدة 10 سنوات .. نريد أن نضع أسئلة لمن وضعوا هذه الفقرة تحديداً فقرة وبند العزل السياسي بل وتحديد أمدها ، علي أي دستور ديمُقراطي إستندوا ، وما هي معايير المشاركة في سُلطة الإنقاذ التي تمنع من شارك بها وزيراً أو في وظيفة سيادية وهو ينتمي للمؤتمر الوطني من العمل السياسي وفي ذات الوقت لا تمنع آخرين من قوي سياسية أُخري شاركت معهم خلال الثلاثون عاماً من ممارسة العمل السياسي ! .. وهل المعيار هو فقط الإنتساب للمؤتمر الوطني حتي يتم عزله أم الإتيان بجُرم يضع صاحبه تحت طائلة القانون الجنائي حتي وإن كان من قوي سياسية أُخري أو مستقلة ! .. وكيف يمكن منع أي إنسان سوداني في دولة قانون من حق يمنحه له الدستور بتقديمه لمحاكمة عادلة وإجرائية قبل إصدار الحُكم عليه وتجريمه إذا أُتفق علي أن أي شخص إرتكب جُرماً يُعاقب عليه القانون الجنائي لا يجب أن يمثل الشعب أو أن يكون في وظيفة سيادية أو دستورية إلا ودونكم أعضاء في مجلس السيادة نفسه الذين شاركوا في وضع هذا القانون وهم متهمون من قبل الشعب السوداني نفسه بإرتكاب جريمة فض الإعتصام وبعضهم شاركوا في قتل وجرائم في دارفور ! .. إذاً فالمعيار من العزل السياسي يجب أن يكون وفقاً لحكم صادر قضائي وبعد إستنفاذ كافة إجراءات التقاضي في جريمة تمس الشرف أو الأمانة جنائياً ، وحتي في هذه الحالة لايكون العزل مُطلقاً أو محدد بأمد زمني ، فالدستور يعطي الجميع حق الإنتساب لأحزاب سياسية وحق التصويت والإنتخاب لكنه لايُعطي الجميع حق الترشح مثلاً وتمثيل الدولة إذا كان هذا الشخص مُدان بجريمة كما وضحنا وكما هو معمول به في كل الدول التي تعمل وفقاً لقوانين ديمُقراطية تحترم حق الإنسان والحريات العامة والخاصة المكفولة نصاً في دساتيرها .. كما أن هذا القانون الذي تم إجازته من مجلسي السيادة والوزراء يمنع حق الاستئناف أو الطعن فيه وهذا شئ معيب جداً أن يصدر بإسم ثورة رفعت شعار الحرية والعدالة ، فلا يمكن أن يأتي بإسمها من يُشرعن لدكتاتورية جديدة أو أعمال ضد الدستور ولا يمكن إطلاق صفة قانون مُحترم عليها .. محاولة كسب الشارع السوداني في غضبه المستحق علي المؤتمر الوطني وكل رموزه وعضويته لايجب أن يكون علي إعمال مبدأ هو في الأصل ضد ما جاءت به الثورة نفسها .. ولا يجب أن يكون فقط إمتداد لتصفية الخصومات السياسية والتمهيد للإقصاء بالقانون وهو ذات ما فعله المؤتمر الوطني وقيادته مع بقية القوي السياسية طوال الثلاثون عاماً الماضية .. كما أن تحديد أمد بعشرة سنوات هو لايتفق مع الوثيقة الدستورية نفسها والتي أمدها نصاً ثلاثة سنوات وبضع أشهر مضي منها أربعة أشهر وتبقي أقل من ثلاث سنوات يتم خلالها عقد مؤتمر دستوري يُمهد لدستور ديمقراطي يُفترض تأسس فيه دولة المواطنة والحُريات والقانون والديمُقراطية في السودان .. فكيف لمن وضعوا هذا القانون أو هذه الفقرة تحديداً فيه ( العزل السياسي لمدة 10 سنوات ) أن يتجاوزوا صلاحية الوثيقة الدستورية التي أتت بهم ، بعد أن تجاوزوا الشعار الأساسي الذي قامت عليه الثورة نفسها ! .. يجب مُحاسبة كل من أجرم من رموز النظام السابق وكل قياداته وعضويته وكل من شاركهم وتقديمهم لمحاكمات عادلة ، وهذا مبدأ لا حياد عنه أو مساومة فيه ، في كل ما يتعلق بضحايا أو فساد ، أما في الجانب السياسي من حق كل من لم يثبت عليه جُرم منهم أن يشارك في الحياة السياسية مثله والآخرين والشعب السوداني هو من يختار ديمُقراطياً .. أخيراً لا يجب إعطاء أي مسوق ومبرر لهؤلاء (الكيزان ) في أن يلتفوا علي السلطة مجدداً سواء بالإنقلاب أو الفوضي أو الأعمال غير القانونية .. لايجب تكرار تجربتي مصر وليبيا في العزل السياسي المُطلق هذا وتغييب الدستور الديمُقراطي العادل .. هم الآن خارج الفترة الإنتقالية وهذا شئ منطقي لأن الشعب إسترد منهم السُلطة حديثاً .. ما بعد الفترة الإنتقالية والإنتهاء من تقديمهم للمحاسبات خلالها يمكن لكل من لم تتم إدانته منهم ممارسة كل حقوقهم الدستورية في المشاركة والعمل السياسي في دولة العدالة والحُريات و المواطنة والديمقراطية الحقيقية و الحديثة .. نضال عبدالوهاب ..