طالعت رد الاخ د.عبد الوهاب الافندي على رسالة بعثها له الدكتور شرف الدين بانقا وزير الاسكان السابق تحدثت عن رؤية د. بانقا عن بعض التعليقات التي كتبها الدكتور الافندي عن عملية معالجة السكن العشوائي في التسعينيات من القرن المنصرم وعلى اثرها كتب د.عبد الوهاب مقالا تحت عنوان (عن النزوح والعمران وتناقضات الحداثة الاسلامية) في صحيفتي القدس العربي و التيار السوداني بتاريخ الجممعة 12/3/2010 فآليت على نفسي الا ان اكتب ردا عن ماجاء في المقال الذي نشر في القدس العربي و التيار السودانية بداية فاني قد تمنيت لو افتتح الاخ عبد الوهاب مقاله بالاشادة بانجازات وزارة الاسكان في عهد الدكتور شرف الدين بانقا و التي حلت مشاكل السكن العشوائي و اقامت خطة اسكانية عظيمة و انشات الطرق و الكباري و اقامت محطات المجاري في وقت كانت الدولة تفتقر لامكانيات البترول و في زمن الحصار الكبير على السودان، و على الرغم من ان رسالة الدكتور بانقا و التي اطلعت عليها في جريدة القدس العربي كانت واضحة الا ان الدكتور عبد الوهاب آثر على نفسه تجاهل بعض النقاط و التي ساتحدث عنها في هذا المقال ان شاء الله النقطة الاولى: عملية ترحيل النازحين و السكن العشوائي: لقد ركز كاتب المقال على هذه النقطة و وصف العملية بانها ( ترحيل قسري) و ( نقل للمواطنين الى العراء) و (حرمان للبشر من مقومات الحياة) كما تحدث عن سكان عشش فلاتة ( سكان عشش فلاتة كانوا يقيمون أمنون راضون منذ عقود) ان القارئ للمقال يستشف ان الهدف من الدولة وقتها هو ترحيل النازحين وهذا خطا كبير فالوزارة وقتها كان هدفها هو (دمج النازحين و تخطيط مناطقهم) وعلى الرغم من ان د.بانقا وضح تماما لكاتب المقال ان 85% من النازحين تم استيعابهم في مناطقهم و تم تخطيط مناطقهم في المواقع التي سكنوا فيها و نضرب مثالا بمواقع (كرتون كسلا ، كرتون بارونا و كرتون ود البشير و كرتون التكامل ) التي كانت في الحاج اليوسف و التي تم تخطيطها تماما و تم توسيعها و أدخلت لها الخدمات حتى تجاوزت ترعة السليت و وصلت الى منطقة عد بابكر، مما جعل الحاج يوسف مدينة تضم جميع ابناء السودان الا ان كاتب المقال آثر اهمال هذه النقطة تماما واتهم الاسلاميين بالجهوية و العنصرية! وركز على نسبة ال 15% المتبقية، ان نسبة 15% المتبقية تم ترحيلها ليس رغبة من الوزارة في ذلك اصلا الا ان مناطقهم لم تكن قابلة للتخطيط او للسكن الادمي. كانوا هؤلاء يسكنون في (مخلفات المناطق الصناعية في بحري و امدرمان و مدابغ النيل الابيض وبالقرب من السوق المركزي بالخرطوم) هذه المناطق ليست ديارا يا اخي عبد الوهاب ليتم اخراجهم منها بل هي اماكن للقمامة وبيع الخضروات وقد تم ترحيلهم الى مناطق دار السلام في المدن الثلاثة وادخلت لهم خدمات المياه قبل ان يصلوا اليها و الحقت لهم خدمات التعليم و الصحة، ويمكن لدكتور عبد الوهاب ان يزور هذه المناطق الان لترسم مقارنة بينها و بين المناطق السابقة. اما بخصوص سكان عشش فلاتة فهم كانوا قد رحلوا قبل الانقاذ ثلاث مرات اخرها كان الى جوار السوق الشعبي . هم عشرون الف اسرة يسكنون في مكان قليل المساحة للفرد الواحد (خمسة امتار) غير قابل للتخطيط اصلا ولا يتمتعون باي نوع من الخدمات رحلوا الى منطقة الانقاذ التي اصبحت تسمى ( الوزير دقس) و نشرت لهم الخدمات و اصبحوا في مركز الخرطوم الجديد وهم لايفرقهم بالمناسبة من منزل د. شرف الدين بانقا وزير الاسكان سوى شارع اسفلت فهم يا اخي عبد الوهاب قد رحلوا الى مناطق تقع في جيرة منزل وزير الاسكان فكيف يكون ذلك تهجيرا قسريا؟؟ ان الحكومة الان تتقاخر في انها قد حلت مشكلة عشش فلاتة بل ان مرشح المؤتمر الوطني خاطبهم ان حكومة الانقاذ هي الحكومة الوحيدة التي حلت مشاكلكم. ان ترحيل العشش اصبح الان يستخدم كدعاية انتخابية يستخدمها حتى نائب رئيس الجمهورية في الوقت الذي تعرض فيه الدكتور بانقا لكثير من المضايقات الحكومية من اجل تنفيذ هذا المشروع الا انه كان يعمل تحت رؤية شرعية و اكاديمية بحتة. انني لا اقول ان اوضاع النازحين جيدة للغاية وانهم يعيشون الرفاهية الا انهم يعيشون في اوضاع سكنية افضل من مناطقهم القديمة و كل ذلك تم بجهود تطوعية ومثابرة من قبل وزارة الاسكان و جموع النازحين في تحسين اوضاعهم وهم مازالوا يكافحون في هذه البلاد من اجل لقمة العيش ومن اجل حياة افضل ويجب على الدولة ان تقف معهم و ان تساعدهم وان توفر لهم الخدمات وان تجعلهم في مقدمة اهتماماتها. كل هذه المعلومات و الاحصائيات الدقيقة نشرت في كتاب قديم من 280 صفحة يحتوي تفاصيل دقيقة عن مواقع الاسكان القديمة و البديلة و الاوضاع الصحية و التعليمية و امدادات المياه مدعم بالخرائط و الصور و الاحصائيات كتبه د.بانقا تحت عنوان ( النازحون وفرص السلام) كتب وطبع قديما حتى لا يقول قائل ان هذ الكلام هو نوع من ( التوبة الى الله ) كما ذكر كاتب المقال. كما ان كاتب المقال لم يقارن اوضاع النازحين في مناطقهم القديمة و البديلة؟ ان الدكتور الافندي يستقي معلوماته من منظمات الاغائة ويصفها بانها اقرب للاخلاقية و قد أتفق معه في ذلك قليلا. الا ان تقاريرهم ليست بالضرورة ان تكون صحيحة خاصة في ذلك المجال اذ ان الجهة المنوط بها تقدير انسانية و مهنية عملية ترحيل النازحين هي United Nation center for Human settlement و المعروفة اختصارا ب ((Habitat و هي التي اشادت بالتجربة السودانية كما ان جامعة زيورخ السيوسرية كانت قد قدمت الى السودان من اجل التقييم الاكاديمي للتجربة وأشادت بها. وحتى وان سلمنا بتقارير ( بعض المنظمات) إذ ان هناك (منظمات دولية اشادت ايضا بالتجربة) فكيف يستقيم ذلك و الدكتور بانقا قد كرمته الدولة ونال نجمة الانجاز ومنح وسام ابن السودان البار و كرمته جامعة جوبا التي كانت اقرب الى قضايا النازحين و كرمته جامعة الخرطوم بل ان النازحين نفسهم اقاموا له التكريم يا اخي عبد الوهاب وذلك بعد خروجه من الوزارة حتى لاياتي قائل ليقول انه (شغل حكومة) فهل هؤلاء هجروا قسريا؟؟ ان هذه المعلومات قد لاتكون متوفرة لدى كاتب المقال الذي اصبح يرمي جميع الاسلاميين في سلة واحدة. النقطة الثانية: العدالة في توزيع الاراضي: لقد ذكر الدكتور الافندي ( و لكن الممارسة في توزيع الاراضي ظلت تستند على اسس لاتساوي بين كل المواطنين بحيث تخصص لبعضهم مناطق ذات قيمة اقتصادية عالية ولغيرهم اراض متدنية القيمة) ان هذا التقييم ينافي الواقع و ينافي الممارسة في التسعينيات فالاراضي كانت توزع بناء على النقاط المستوفية للمتقدم و كانت تتم عن طريق القرعة و وزارة الاسكان لم تكن تقيم خطة اسكانية للفقراء و اخرى للاغنياء فهي خطة عامة يتقدم لها المتقدمون.. ان هذا التقييم يوضح عدم دراية كبيرة من كاتب المقال عن مسيرة الخطة الاسكانية في الخرطوم و التوسع الكبير التي حدث لها في التسعينيات حتى توقفت الان. ، لك ياسيدي ان تزور مواقع الخطة الاسكانية لترى من القاطنون فيها؟. اما الاغنياء فلم يشتركون في خطة اسكانية تصدر قرعتها بعد سنوات؟ . فهو قادر ان يشتري قطعة ارض او بيت في قلب الخرطوم. ان الخطة الاسكانية كانت خطة للذين لايملكون ارضا في الخرطوم.و ليست للاغنياء و على الرغم ان د.بانقا كان دائما يتحدث ان من الدولة يجب ان تبني مسكنا لكل مواطن الا ان التطبيق العملي لم يكن ممكنا لقلة موارد الدولة فاصبحت الدولة السودانية و منذ القدم تقدم قطع الارض بدلا من المنازل المشيدة النقطة الثالثة: النظرة الشرعية في عملية الترحيل للعشوائيات: لقد كتب د. الافندي (وهذا يقودنا إلى نقطة لا تقل أهمية، وهي المسوغ الشرعي لإخراج الناس من ديارهم. فالمعروف أن البشر في ديار الإسلام عموماً، وفي السودان ما قبل الاستعمار، كانوا يتبوأون من الأرض حيث شاءوا، إذا لم يشكل هذا تعدياً على ملك الغير) وكانما يريد الكاتب ان يقول ان عملية ترحيل العشوائيات هي عملية مخالفة للشريعة الاسلامية، وان اتفقنا مع الكاتب في ان للانسان الحق في التملك و السكن وهو حق شرعي لا جدال فيه و لاخلاف الا ان تنظيم عملية التملك من صلاحيات الولاية العامة وهي وان كانت من قضايا الاجتهاد الا ان لها اسنادا.... يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا قسمت الارض وحدت فلا شفعة فيها) اي بعد تخطيطها. فمن هذا الذي يحدد و يقسم ؟ انها الولاية العامة (و قد أشارت الروايات التاريخية الخاصة يتاريخ المدينة النبوية إلى طريق يمتد من المسجد ويتجه غربا حتى يصل إلى جبل سلع وطريق من المسجد يخترق منازل بني عدي بن النجار ويصل إلى قباء جنوبا ومن قباء وجد طريق يتجه شمالا إلى البقيع. كانت الشوارع قياسية فقد كان عرض الشارع الرئيسي سبعة أذرع، والذي يتفرع منه خمسة أذرع والشارع الأصغر ثلاثة أذرع. وغطيت شوارع المدينة في حينها بالحصى ) فهذا يؤكد سلطة الولاية العامة في بناء الطرق وتحديد مساراتها و بالتالي قياسا فان لها الحق في تحديد مواقع المساكن و وضعيتها ...... و الاية الكريمة تقول ( افمن يمشي مكبا على وجهه اهدى امن يمشي سويا على صراط مستقيم) فتسوية الارض و تخطيطها واصلاحها جزءا مهما من امور الولاية العامة وكلنا نذكر حديث عمر بن الخطاب (لوعثرت بغلة فى العراق لسئلنى عنها الله لما لم تمهد لها الطريق يا عمر) فمابالك بالبشر يعيشون في اراض غير صالحة للعيش ولاتستطيع الطرق شقها او الكهرباء او المياه، يتركون دون تحسين لمواقعهم !؟ ولذلك كان الترحيل الى مواقع مخططة هدفا شرعيا في حد ذاته. ويمكن للكاتب ان يزور هذه المواقع حين زيارته القادمة الى الخرطوم , و الدكتور بانقا قد انتهى الان من كتأبة كتاب تحت عنوان ( حق استخدام الارض) يمكن ايضا ان تضطلع عليه حين يخرج مطبوعا للناس انه يحزنني مانتهى اليه مقال الكاتب في نعت تصرفات الاسلاميين بالراسمالية و الطبقية و الجهوية و العرقية و احتقار كرامة الانسان.. و ان كان يتهم الكاتب جموعا من الاسلاميين فانه قد كتب ذلك في مقال يتحدث فيه عن سياسات د.بانقا التي كانت ابعد ماتكون عن هذه المسميات فقد كان منزله مفتوحا للمواطنين جميعهم يوميا ، وهو الوحيد من وزراء الاسلاميين الذي خصص يوما كاملا حتى المساء يستقبل فيه المواطنين تحت شجرة في فناء الوزارة حتى سمي يوم الثلاثاء في الوزارة ب ( يوم العيادة) وهو الذي غير فكرة المواطنين عن وزارة ارتبطت بالفساد و المحسبوية فاصبحت مثالا للنزاهة و الشفافية فلا لابناء الوزير و زوجاته و اخوانه واخواته قطعا للاراضي كما كان في السابق... وان كنت فردا من اسرته الصغيرة الا انني من مواطني الخرطوم الكبيرة الذي عمل بمستشفيات العاصمة في الاطراف ويعلم كيف هي احوال النازحين و العشوائيات . وقد كان على الكاتب ان يقرأ ماكتبه الدكتور بانقا في كتبه ليصل الى معلومة صحيحة ومن كافة الجهات وان لايعتمد فقط على اراء دون التدقيق في صحتها. وان كنت اعلم ان الدكتور بانقا لم يرغب في مواصلة السجال في هذا الامر الا انني لم استطع الا ان اوضح في هذا المقال الكثير من الامور التي عايشتها لاكثر من اثني عشر عاما ومازلت اعايشها حين لقائي مع كثير من المواطنين الذين سكنوا في ولاية الخرطوم . د .أمين شرف الدين بانقا طبيب و كاتب سوداني