صلاح-الدين-والقدس-5-18    المضادات الأرضية التابعة للجيش تصدّت لهجوم بالطيران المسيّر على مواقع في مدينة بورتسودان    استهداف بورتسودان.. خبير عسكري يشرح دلالة التوقيت وتأثيره على أمن مصر    ما حقيقة وجود خلية الميليشيا في مستشفى الأمير عثمان دقنة؟    محمد وداعة يكتب: عدوان الامارات .. الحق فى استخدام المادة 51    التضامن يصالح أنصاره عبر بوابة الجزيرة بالدامر    اتحاد بورتسودان يزور بعثة نادي السهم الدامر    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    شاهد بالفيديو.. قائد كتائب البراء بن مالك في تصريحات جديدة: (مافي راجل عنده علينا كلمة وأرجل مننا ما شايفين)    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    شاهد بالفيديو.. شيبة ضرار يردد نشيد الروضة الشهير أمام جمع غفير من الحاضرين: (ماما لبستني الجزمة والشراب مشيت للأفندي أديني كراس) وساخرون: (البلد دي الجاتها تختاها)    شاهد بالصورة.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل تسابيح خاطر تنشر صورة حديثة وتسير على درب زوجها وتغلق باب التعليقات: (لا أرىَ كأسك إلا مِن نصيبي)    إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    برئاسة الفريق أول الركن البرهان – مجلس الأمن والدفاع يعقد اجتماعا طارئاً    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُحَمَّد وَدَّ السُّلطَان -أبْ لِحَايّة، قصصٌ من التراثْ السوداني- الحَلَقةُ التَّاسِعة .. جمعُ وإعداد/ عادل سيد أحمد.
نشر في سودانيل يوم 12 - 12 - 2019

كان للسلطان ثلاثة أولاد، يحبهم بإنصافٍ ويَعدِلُ في معاملتهم...
وكان تتوسط بَاحةَ قصره حديقةٌ غنَّاءُ، فيها من كلِّ بستانٍ نبتةٌ بهيجةٌ وثمر! ... وكان من نباتات تلك الحديقة شجرةُ تفاحٍ تطرحُ ثلاثَ ثمراتٍ حُمُر كلِّ عام، يتفاءل باستوآئها السُّلطَان ويظنُّ فيها خيراً بأهله وأولاده، كأن تزيدهم ذكاءً وشجاعةً وصحَّة...
وبسبب تفاؤله بتلك التُّفَاحَات الحمراء فقد كان يحرص على تقسيمها بينهم بالعدل: ثَمرةٌ... ثَمَرة!
وفي إحدى السنوات اكتشَفَ السُّلطَانُ إنَّ شخصاً ما سطا على الحديقة، وقطف الثمرات الثلاث فور نُضجِها، فغضبَ غضباً شديداً، ولكن لم يكن هناك ما يمكنه فعله، فلقد سُرِقَت الثَّمَراتُ وانتهى الأمرُ.
وعندما تكرَّر سَرِقة التفاحات في العام الذي يليه، ازداد غضبُ السُّلطَان وجُنَّ جنونُه، وأمر أولادَه الثلاثَة، في العام الثالث، بأن يحرسوا شجرة التفاح وأن يُحافِظُوا على سلامةِ ثمراتها لحين نضجها، وأن ينتبهوا فلا يعبث بها دخيلٌ ولا يَسرِقُها مُتَطاوِل.
وكان اليومُ الأول في الحراسة من نصيبِ الابن الأكبر، الذي شرع فيها فعلاً، ولكنه لم يستطع السهر على حماية الثمار، ونام.
وأثناء نومه جاء من كان يسرق الثمر...
وفي الصباح، لم يجد الابنُ الأكبر التفاحةَ الأُولى، ولمّا أخبر والده بنباء السرقة، غضب منه غَضَباً شَدِيداً.
و في اليوم التالي، أمر السلطانُ ابنَه الأَوسَط بحراسةِ الثمرَ، فاطاعه وشرع في حراسة الثمرتين، ولكنه نعس فنام كأخيهِ الأكبر ، وسُرِقَت الثمرةُ الثَّانيَة.
أما في اليومِ الثَّالِثْ الذي كانت الحراسةُ فيه من نصيب الابن الأصْغَر (مُحَمَّد) الذي غَالَبَ شعوره بالنعاس، وسهر، ولم ينُم حتى حانتِ اللَّحظةُ التي اعتاد السارقُ أن يأتي فيها...
وسمع محمد صوتَ خُطُواتٍ ثقيلةٍ، ثم رأى يداً ضخمةً تمتدُ لتقتطفَ الثَّمرةَ الثالثة... فاستلَّ سيفَه، وضرب به اليدَ المَمْدُودة، فاطاح بها وملأتِ الدِّماءُ المكان!
ولكن استطاع السارقُ رغم جراحِهِ قطفَ الثمرةِ والهَرَبَ بها إلى خارج حديقة القصر.
وفي الصباح اقتفى الأبُ وأبناؤه الثلاثة أثر أقدام الكائن الغريب (الغُوْل)، وتابعوا بقع الدماء على الأرض... حتى انتهت تلك الآثارُ عِندَ فَوهةِ بئرٍ عميقة.
ولما كانوا حانقين وغاضبين أشدَّ الغضب، فقد قرر الأب والأبناء الثلاثة أن ينزلوا إلى البئر مهما كانت الصعوبة ودرجة المخاطرة، وأن يقومُوا، مهما كلفهم الأمر، بالقَصَاصِ من ذلك الكائن الغريب، السارق الذي حَرمَهُم من ثمرات التفاح الأثيرة عندهم، لمدة ثلاث سنوات، وقتله وتخليصِ أهل البلدة منه إلى الأبد.
ونزل الابنُ الأكبرُ إلى منتصف البئر، حيثُ الرُّطوبةِ والظلام، فخافَ، وهزَّ الحبل المربوط في وسطه، فسحبَهُ أبوه وأخواه إلى السطح، ونزل بدلًا عنه الولدُ الأوسط، وكان أحسنُ حالاً من أخيه بقليل ولم يَصمُدْ حتَّى يصلَ قاعَ البئر، فسحبه أخواه وأبوه هو الآخر إلى السطح، ونزل بدلاً عنه (مُحَمَّد) الابن الأصغر للسلطان، وتحلَّى مُحّمدٌ بالجَلدِ والصَّبرِ والشَّجَاعة ووصل قاعَ البئر دون أن يطلب الخروج أو يهزَّ الحبل.
وانتظره أبُوه وأخواه في الخَارِج أمام فَوْهةِ البئر ولكن، دُونَ طائِل.
أمّا مُحَمَّد فقد ولَجَ عالمًا جديدًا أسفل البئر، عالمٌ كانَ يُسيطِرُ عليه الغُوْل سيطرةً كامِلةً، ويُرهب سُكَّانهُ من أنسٍ وبهائمٍ وجِنْ ...
ولا يستطع الجميع أن يقاوموه أو يعصوا له أمرا!
وآنس السكان في محمدٍ الخير، وأحبوه حين التقوه... وشكُوا لهُ همَّهَم وحكوا له عن سطوة الغُوْل، وقال له حكيمهم:
- إن الغُوْلَ ينامُ بعينٍ مَفتُوحة وأُخرى مُغمَضَة مرةً في كلَّ عام، وأنَّ ضربةَ واحدةٍ فقط بالسيفٍ كافيةٌ لقتلِهِ، ولكن، إذا ضربته مرتين أو أكثر فإنه يعُود للحياةِ مُجدداً... وإنَّ عليه أن يَحذَر، ويتذكَّر هذا الكلام إن هُو أراد أن يقتُل الغُوْل ويُحرِّر الناسَ من سطوتِهِ ويُؤمنهم من بطشِهِ وشُرُوره!
وطالَ انتظارُ مُحَمَّدٍ لنَومةِ الغُوْل، وعليه فقد طال انتظار أبيه وأخويه، لمحمدٍ خارج البئر حتى يئسُوا من عَودَتِه وظنوا أنه قد مات، فرجعوا حُزانى إلى الديار...
ولكنَّ مُحَمَّداً الشُّجاع كان يعدُّ العُدَّةَ للقاء وقَتلِ الغُوْل والتخلُّص منه إلى الأبد.
وأخيراً جدَّاً نامَ الغُوْلُ، وأغمضَ عيناً وترك الأخرى مفتوحة، لأن الحيلةَ بالتظاهر بالنوم لجذب صيدٍ سمين كانت قد أعيته... وغلبه النعاس فنام.
وانقضّ مُحَمَّد فأجهز عليه بضربةٍ واحدةٍ من سيفه شقت قلبه، ولكنه طمعا في ضربةٍ ثانية ظلَّ يتأوه ويطلب من مُحَمَّد أن يكمل قتله ليريحه من الألم.
ولكن مُحَمَّداً كان منتبهاً ومتذكراً لوصية الحكيم، فلم يوجه له ضربةً ثانيةً فيحيى!
وماتَ الغُوْلُ بعد زمن، وعندما تأكد لمُحَمَّد أن الغُوْلَ قد صارَ جثةً هامدةً لا روح فيها، بدأ التجوّل في أرجاءٍ الكهف الذي كان يعيش فيه الغُوْل...
ووجد في محمدٌ في إحدى غرف الكهف أميرً جميلة، ترفُل في أغلالِها، وكان يبدو عليها الهزالُ الشديد ويتملكها الخوفُ... فحرّرها محمدٌ من قيودها، وسألها:
- عمن تكون؟ وما هي قصُتها؟
فقالت له الأميرة:
- إنها ابنة السُّلطَان (فلان)، وأن قريتها غير بعيدة عن هذا المكان، وأن الغُوْل قد اصطادها من دون رفيقاتها عندما كنّ يردن الماء يوماً ما... وأنه ظلَّ يهينُها ويعذبها لسنوات.
وتآنسا، فلمست الأميرةُ في محمدٍ الشجاعةَ والشهامةَ ووأيقنت من منبته الطيب، فأعطته ثلاثَة عُلبٍ، حَوَت ثياباً تنضحُ بالحياةِ وتفيضُ بها...
أوَّلُها كان يمثِّل الليلَ بنجومهِ وسمائهِ وقمره، والثاني كان يُمثِّل البحرَ بمائهِ وأمواجهِ وأسماكهِ، أمَّا الثالثُ فقد كانَ يُمثِّلُ النهارَ بشمسهِ وسحبهِ.
وقالت له الأميرة:
- إن عليه أن يقدِّم هذه العلب مهراً لها، حين يتقدم لخطبتها من والدها السُّلطَان لتتعرّف عليه حتى لا يكونُ الزواج منها من نصيب غيره!
وكان رأيُ مُحَمَّدٍ أن الحبل لا يقوَى على حملهما معاً... وأن عليها أن تتسلقه إلى الخارج وحدها... أما هو فسيلحق بها بعد أن يجد طريقة للخروج.
أمّا هي، التي صارت غارقةً في حبه الآن، فقد رأت أن يحاولا الصعود معاً في الحبل.
واختلفا، ولكن، انتصر رأيُ مُحَمَّدٍ على رأيها.
وأخيراً، تسلقتِ الأميرةُ الحبلَ إلى فوهةِ البئر، بينما ظلَّ هو في القاع يبحثُ عن طريقةٍ للخروجِ واللحاق بها...
ولكن، لم يكُن هناك ثمةٌ احتمالٍ، أو بارقةٍ لأملْ بأن خروجه ممكن، وأن حلمه بلقائها منطقي وقابل للتحقيق!
وبعدَ انتظارٍ لشهورٍ طويلة، قابلَ مُحَمَّدٌ رجلاً يَرعى غنماً، فجلسَ بجواره ليتجاذب معه أطرافَ الحديث، وسألَ الراعيُ محمداً عن قِصَّته، فحكى له بطلنا القصة كلها من أولها إلى آخرها.
وفي النهاية سأل الراعي:
- كيف يُمكن لي أن أصْعُدَ إلى فَوهةِ البئر، وهل بإمكانك مساعدتي على الخُرُوج؟
فأطرق الراعي براسه مُفكراً، وصمتَ قليلاً، ثُمَّ قالَ لمُحَمَّدٍ:
- الطريقةُ الوحيدةُ هي أن تُطارِد هذا القطيعَ من الخِرَاف، وتقبضُ إن حالفك الحظُّ على خروفٍ أبيضٍ، وأمَّا إن كانَ حظُّك عَاثِراً وفَألُك نحساً وقبضتَ خَرُوفاً أسودَ، فإنَّهُ لن يقودَك إلى فوهةِ البئر، وإنما سَيخسِفُ بك الخروفُ الأسودُ إلى سَابِع أرض.
وقبل (مُحَمَّدٌ) المِغْوَارُ التّحدي، وأغمض عينيهِ وطارد قطيعَ الخِرْفَان...
فإذا به يُمسِك خروفاً أسوداً خسفَ بهِ إلى سابعِ أرض.
ولمّا فتحَ (مُحَمَّدٌ) عينيه، وجدَ نفسَهُ في مكانٍ غريب، لم ير مكاناً مِثلَه من قبل، فأصابه المنظرُ بالرهبةِ والخوف، وتوجه صَوب شاطيءٍ كان قريبٍاً من المكان الذي وجد نفسه فيه.
وما إن بدأ يغسلُ وجهَهُ، ويغتَسِل، حتّى سمعَ صوتَ نحيبٍ يأتي من مكانٍ قريب، فالتفتَ ليرى مصدرَ الصُّوت، فإذا به يجدُ فتاةً جميلةً هيئتها كانت هيئةُ عروسٍ بكامل حُلَلِها وحُليها، وكانت جالسةً وهي تبكي إلى جوارِ صخرة كبيرة بجوار الشَّاطِيء.
فاقترب منها (مُحَمَّدٌ)... وجلسَ إلى جوارِها، وحاولَ تهدئةِ روعَها وطمأنتها...
فسكتت، إلا من بقايا شهيقٍ خلَّفَهُ البُكاء المستمر، وسألها (مُحَمَّدٌ):
- عمن تكون؟ ولماذا تجلس وحيدة؟ وأين أهلها؟ ولماذا تبكي؟
فأجابته الأميرة:
- أنا ابنة السُّلطَان فلان... سلطان هذه القرية، وقد جاء دوري لأكُون القُربان للتِّمساحِ العُشاري العَاتِي، الذي يُهدد القرية وأهلها، لأن ضربةً واحدةً من ذيلهُ تكفي لإبادتنا جميعاً...
وخبرته إنَّ العادةَ قد جرَت بتقديمِ القُربان من أجمل بنات القرية البالغات ليأكلها التَّمْسَاح كلَّ سنة.
وقالت له:
- وها أنا بنتُ السُّلطَان قد حان دوري ولا أستطيع أن أرفض لأبي طلباً، ولا أجرؤ على الهرب حتَّى لا أجلِب لهُ العارَ فأقصِم لهُ ظهرِه.
فطلب منها (مُحَمَّدٌ) أن تعتلِي الصَّخرةَ، مبتعدةً قليلاً عن الشَّاطِيء وعن متناولِ التَّمْسَاح، بحيثُ يكمُنُ هو تحتِ الصَّخرة ليقتلَ التَّمْسَاح...
ولكنها رفضت طلبه، أوّلِ الأمر، إلا أن (مُحَمَّداً) إستطاع أن يُقنعها بأنه سيقتلُ التَّمْسَاح ويُخلِّص منه أهلَ القريةِ، إلى الأبد!
وأخيراً جَلَستِ الأميرةُ، أعلى الصخرةِ، كمَا أوْصَاها (مُحَمَّدٌ)، أمّا هو فقد جلَسَ تحِتها في انتظارِ قُدُومِ التَّمْسَاح العُشَارِي...
وفجأةً، فارت المياه وهاجت الأمواجُ وماجت، واضطرَبَ البحرُ وأزبد، قبلَ أن يظهرَ التَّمْسَاحُ العُشَارِيُ الضَّخمُ المُخيف.
وأخرج رأسه وجسمهُ من الماء قبالة الأميرة وهو يهِمُّ باصطيادها.
ولكن، ما أن مدّ التمساحُ رأسَهُ ليبتلعها، حتَّى عاجلهُ (مُحَمَّد) بضربةٍ شافيةٍ من سيفه البتَّار، ففصل رأسّهُ عن جسدِهِ ومات.
وانطلقتِ الأميرةُ تعدو وهي فرِحةً إلى قريتها...
ولكنَّ أَبَاها السُّلطَانُ لم يُصدق حكايتها، وغضِبَ من هربها غَضَباً شديداً، ظناً منه بأنها قد اختلقت قِصَّةَ الفارسِ الذي قتل التَّمْسَاح التي لا يمكن تصديقها اختلاقاً، لتبرير الهرَب من بين فكي التمساح!
ولكنهم لمّا وصَلُوا إلى الشَّاطِيء هُو وحرّاسُه، ووجدوا ماءَ البحرٍ محمراً بلونِ الدَّم، ورأوا رأس التَّمْسَاح، وشاهدوا (مُحَمَّداً) وهو لا يزالُ داخلِ البَحرِ يُحاوِل تنظيفَ ملابسِهِ التي اتَّسَخَت بدماءِ التَّمْسَاح، وحكى لهم مُحَمَّدٌ القصةَ ذاتِها، صدَّقُوه، ودعُوهُ إلى النزول بالقصر، ضَيفَاً على السُّلطَان.
وهناكَ في القصر سَألَهُ السُّلطَانُ:
- عمَّا هي قصته؟ وماذا أتى به إليهم في القرية؟ وماذا يُريد أن يفعل؟
فعرّفه (مُحَمَّدٌ) بنفسِهِ، وحكى له قصَّتَه من بدايتها حينما قطف الغولُ التفاحة الثالثة.
ثم أخبره بأنَّ كُل ما يُريدهُ هُو:
- الصُّعُودُ إلى فوهةِ البئر!
فأطرَقَ السُّلطَانُ مدةً طويلةً، ثُمَّ أجابَ مُحَمَّداً وهو يعتذر، وقالَ لَهُ:
- إنه ليس في مقدوره تلبيةُ هذا الطلب (بالذات!) أبداً... أبداً!
ووأوضَحَ السلطانُ لمُحَمَّدٍ:
- أنه موافقٌ وقادرٌ على منحه كنوز الدنيا كلها من ذهبٍ، وفضَّةٍ ومجوهرات، ولكنه لا حيلة له ولا يستطيع إيصال مُحَمَّد إلى فوهة البئر.
وكرّر اعتذاره لمُحمَّدٍ بشدَّة، مُبدِيَاً له أسَفَه الأَكِيد.
وودّعه (مُحَمَّدٌ)، وانصرف حائراً إلى خارجِ القَصْر.
وظلَّ محمدٌ يَحدُوهُ بصيصٌ مِن الأمل، يبحثُ عن:
- (الطريقة التي سترفَعَهُ من سَابعِ أَرض إلى فَوهةِ البئر؟).
وبينما هو جالسٌ إلى ظلِّ شجرةٍ وارفةٍ، إذا به يسمعُ صراخَ فِراخِ العُقاب.
فرفعَ بَصرَهُ إلى قِمَة الشَّجَرة ليرى أفعىً ضخمةً تهِمُّ بالتهام فراخ العقاب الصغيرة، فضرب رأسَها بسيفه وأطاح به.
ولأنَّ العُقّابَ كان قريبٌ من الشجرة فقد اتيح له ان ير كُلَّ ما جَرَى، فحطَّ يدفعه الشعورُ بالامتنان، في كتفِ (مُحَمَّدٍ) وشكره ثُمَّ سأله:
- عمّا يمكن أن يفعله لأجله؟
فقال له (مُحَمَّد):
- (إنَّه يُريدَ الصُّعُودَ إلى فوهةِ البئر).
وكان ذلك سهلاً على العُقاب الضخم، ولكنه قال لمُحَمَّدٍ:
- (المسافةُ إلى فوهةِ البئر بعيدةٌ، وستحتاجُ مِنَّ إلى شُهُورٍ من السَّفر، وسَأحمِلُك أنا إلى هناك... ولكنني أحتاجُ إلى سبعينَ خَرُوفَا مَحشُواً وسبعينَ قربةٍ مليئةً بالماء... فإذا ما صحت بك:
- - البرد... البرد، تلقى في فمي قربة ماء!
وأما إذا قلت لك:
- الحر... الحر... فتلقي الخروف المحشو في فمي).
وجهّز السُّلطَان لمُحَمَّدٍ الزوادة من الخرفان المحشوَّة وقرب الماء المطلوبة كلها، وودعه...
وطارَ مُحَمَّدٌ على ظهرِ العُقَاب، إلى الأعلى، نحوَ فوهةِ البئر، وكانَ وكُلَّما صاحَ به العُقابُ:
- الحَرُ... الحَرْ!
ألقمه خَرُوفاً محشُّوًّا... وكلَّما صَاحَ العُقابُ:
- البّرْدُ... البَرْدْ!
سقاهُ محمدٌ قربةً من الماء...
وهكذا استمرا حتى اقتربا من فوهةِ البئر، وتبقَّى الخروفُ الأخير، فصَاحَ العُقابُ بمحمدٍ:
- الحر... الحر!
وألقى إليه مُحَمَّد بالخروفِ فعلاً، ولكن، العقابَ أفلت الوجبة، وسقط الخروفُ المَحشُوُ في قاعِ البئر.
فما كانَ من مُحَمَّدٍ إلا أن اقتطع شريحةً من لحمِ فخذِهِ، والقى بها في فمِ العُقَاب.
أخيرا، وَصَلا إلى فوهةِ البئر، ولكن، وقبلِ أن يفتَرِقا، أخرجَ العقابُ قطعة لحم محمدٍ التي كان قطعها له من فخذه... وأرجعها في مكانها، مُضمِّداً جُرحه.
ثُمَّ ودَّعَ العُقابُ محمداً وانطلق في رحلتِهِ للعَوْدةِ إلى سَابِعِ أَرْض.
أما مُحَمَّدٌ، فقد توجَّه من فورِهِ إلى قصرِ أبيه في الديار.
ولكنهُ وجد هناك أخباراً حزينةً تفيدُ بوفاةِ والده السلطان منذ سنتين.
ولكنه وجد، رغم ذلك النباء الحزين، وجد مظاهرَ احتفالاتٍ وبهرجةً... وقد كانت تلك الأفراح للإحتفالِ بمناسبةِ زوَاج أخيهِ الأكبر.
ولكن نفسُ مُحَمَّدٍ لم تطاوِعهُ بالدخول إلى القصر الذي تملأ أركانَه زكرياته مع أبيه السلطان.
وجلسَ فوقَ عتبةِ باب القصر، وأطرقَ وهو حزينٌ على فراق أبيه.
وفجأةً سمعَ صَوتَ رجلٍ مُسنٍ يبكي، فاقترب منه وسأله:
- عمَّا به؟
فقالَ له الرَّجُلُ:
- أنا تَمِيْمْ الخيَّاط، وقد هدَّدَني أخوكَ بالقتلِ إن لم أُخط لهُ ثلاثةَ ثيابٍ تفيضُ بالحَيَاةِ: أوَّلُها كان يمثِّل الليلَ بنجومهِ وسمائهِ وقمره، والثاني كان يُمثِّل البحرَ بمائهِ وأمواجهِ وأسماكهِ، أمَّا الثالثُ فقد كانَ يُمثِّلُ النهارَ بشمسهِ وسحبهِ.
وأدرك (مُحَمَّدٌ)، وعلى الفور، من تكُون العَرُوس، وهدَّأ من روعِ الخيَّاط، وقالَ له:
- أنَّهُ سيُساعِدهُ!
وأعطاهُ عُلبَ بنت السُّلطان الثلاثة.
وأنطلق الخياطُ بالعُلبِ فرحاً إلى ابن السُّلطَان، وأعاها لَهُ، ثم أعطاها ابنُ السُّلطَان بدوره لوالدِ العروس، وعندما وصَلت الثِّيابُ الثلاثةُ للعَرُوس، سألت خطيبها أخا محمدٍ الكبير بإلحاح:
- عن الكيفيَّة التى حَصَل بها على تلك العُلَب؟
فأسرَّ لها بأنَّهُ:
- أمر َ ترزيَّ البلاطِ (تَمِيْمْ) بحياكةِ تلك الثياب، فخاطها تميمٌ!
ثم طلبتِ الأميرةُ لقاءَ تميمٍ الخيَّاط على انفراد، وسألته بعدما انفردا ببعضِهما مُهدِّدةً إيَّاهُ بالقَتلِ، إن هُوَ كَذَبَ عليها:
- من أين له أن يأتي بالعُلب الثَّلاثة؟
فأقر الخياطُ بحصُولِهِ على تلك الثياب من مُحَمَّد ود السُّلطان.
وفي الحال، أوقفت بنتُ السُّلطان مّراسِمَ زواجها من أخو مُحمَّد الابن الأكبر للسُلطَان.
ورضي أخو محمدٍ الكبير عن رأيِهَا وقرارِهَا.
وأطلعتِ الأميرةُ الجميلةُ أباها السلطان على أمرِ مَا كَانَ بينَها وبينَ مُحَمَّدٍ، وقالت له:
- إنها ما قبلت بالزواج من الأمير أخي محمدٍ الكبير، إلا لظنِّها الخاطيءِ بأنَّ مُحَمَّداً قد مَات!
وأقر السلطان محمداً زوجًا لابنته الصغِيرةَ الأميرة الجميلة التي كانت رهينةً للغول! وأمر حاشيتَهُ بتجويد استضافةِ (مُحَمَّدٍ) والسهر على راحته طوال إقامته في القصر.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.