بسم الله الرحمن الرحيم . قال تعالى في محكم تنزيله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118). نرى إلزاماً على كل مؤسسة وطنية ، أحزاباً كانت ام جماعاتاً ، بل و على كل مواطن سوداني يؤمن بالوطن و بسلامته و بالديموقراطية منهجاً و بالوحدة الوطنية طريقاً و مخرجاً من أزمة الحكم المستحكمة ، ان يقف الان لحظة تأمل مع الذات و يراجع كل سجل الاضابير و الموروث و صحيفة الأماني و الأهداف و الغايات الكبرى للوطن السودان . نحن اليوم أصبحنا على مفترق طرق وحالةً فاصلةً ما بين التقدم والنجاح كشعب واحد ، او التراجع والخذلان و الهزيمة أفراداً وجماعاتاً . تلك الحالة هي نتاج مباشر للحدث الكبير صباح اليوم الذي باغت الشعب السوداني بأسره بالمحاولة الدنيئه و الخبيثة التي إستهدفت إغتيال رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك المكلّف من قبل الشعب السوداني لقيادة المرحلة الانتقالية كرمز للاجماع الوطني للامة على المرحلة الانتقالية. والحادثة على غرابتها و إستهجانها و نشازها على العرف السوداني الذي يظل يتميز بالمزاج المعتدل و البعد عن العنف بل والانحياز الكامل للسلم و الطيبة و الخصومة السياسية المهذبة المتحضّرة ، فان الحادثة هي إشارة واضحة وحقيقية لمدى تدهور المفاهيم و الممارسات لدى البعض من ذوي النفوس المريضة في إستيراد و تطبيق هذا النهج القميء و الذي يظل يفشل و يسقط في جُبْ الكراهية و الغلّ و سوء المآل ، و بكامل الإدانة من جميع قطاعات المجتمع المدني و السياسي بل و من جميع فئات الشعب السوداني . حادثة اليوم ذات أهمية مخصوصة لمجمل الاعتبارات التي سقناها اعلاه ولكن علينا الاستفادة منها كتجربة فريدة و منها نخلص الى عدة إستنتاجات ، و تستوجب ايضاً إرسال عدة رسائل :- أولا : نهنئ الدكتور حمدوك على سلامته الشخصية كأحد ابناء الشعب السوداني و نشكر الله على نجاته كرمز للثورة و أهدافها بالتغيير نحو الحرية والسلام والعدالة . ولعل الاستنتاج يكون صحيحاً و حقيقياً بان المحاولة الفاشلة و نجاة الدكتور حمدوك منها قد شكلت ، من حيث لا يدري من يقف من وراءها ، شكلت إستفتاءاً شعبياً لاختيار الشعب السوداني بالتغيير بثورة سلمية بكل رموزها و في مقدمتهم السيد رئيس الوزراء دكتور حمدوك . ثانياً: هي رسالة لقوى الشر التي تقف وراء هذا الفعل الشائن ان قوى الظلام لن تنتصر أبداً و انهم لخاسئون و ان شرهم لابد ان يرتد لنحورهم و ان حرص و وعي شباب الثورة سيظل يفوّت عليهم مؤامراتهم الخاسئة و الخاسرة و ان ضبطهم و إخضاعهم للعدالة لابد واقع عليهم في اقرب فرصة ان شاء الله . ثالثاً : هي رسالة للحاضنة السياسية للحكومة ، قوى الحرية والتغيير، ان تعوا الدرس و تحرصوا و تمحصوا ما يدور من مؤامرات و افعال و نوايا شر و إثم لوأد الثورة و الردة الى نظام ساد لثلاثة عقود وإنهار بالبلاد أخلاقياً و اقتصادياً و مجتمعياً و سياسياً الى الدرك الأسفل . الان يجب على قوى الحرية والتغيير اعادة حساباتها و التنبه الى ضرورة وحدة الصف الوطني علواً على الأجندات الخاصة دون إلغاء او تهميش للفكر و العمل السياسي والتنظيمي الحر و انما هي دعوة لإعادة ترتيب الأولويات وفق مبدأ ان الوطن فوق الجميع . رابعاً : هي رسالة تنبيه لأجهزة الدولة الاستخباراتية و الشُرَطية و العدلية أن إنتبهوا و إضطلعوا بواجباتكم على اكمل وجه ما إستطعتم و لا عذر لكم ان استطار الشر وانتشرت قواه تعبث بمقدرات و مكاسب الثورة . و نقولها صراحة ان أولى واجبات الاستخبارات هي العمل وفق المنظومات المهنية العالية والمتخصصة لكشف المؤامرات كالتي وقعت اليوم - ونحمد الله كثيراً على فشلها- الا ان الاتعاظ و الحرص مستقبلا يضع على كاهلكم مهمة العمل الجاد للكشف عن مثل هذه المخططات قبل أوانها . هذه هي المهمة الأولي لتلك الأجهزة وفق مُسمّاها و وفق الغرض من تأسيسها التي تأتي أولاً قبل المهام التشريفية و البروتوكولية التي تنحصر في الصالات و القاعات الفخمة ! نحن نؤمِّن على دور الاستخبارات في عالم اليوم و من اجل قناعتنا بوجوبه نطالب بمراجعة دوره و أهدافه والغرض منه وإلا سنسأل الحكومة ذاتها عن جدوى الصرف الضخم على هذه الأجهزة الاستخباراتية من الميزانية العامة للشعب السوداني دون جدوى! خامساًو أخيراً : هي رسالة للمجتمع الدولي الذي ظللنا نؤمّن على أهمية دوره في تضافره و إسناده و وقوفه مع الثورة و حكومتها في مساعيها الجادة للتغيير بالإصلاح و اعادة الصياغة لكل الحاضر أملاً في المستقبل الذي نتوافق على ملامحه مع بقية المجتمع الدولي ليكون مجتمعاً فاضلاً يرعى الأخلاق والقيم كمبادئ و ينتهج الديموقراطية و الحرية كأسلوب و يسعي نحو تحقيق السلام و الطمأنينة و التنمية لجميع مكونات الشعب و يتخذ من تطبيق دولة القانون اداةً للوصول لهذه الأهداف . و اخيرا وليس آخراً ان يُصلح و يقوي و يطوّر علاقاته مع كل دول المجتمع الدولي على أساس التعايش السلمي الذي يراعي حسن الجوار و المصالح المشتركة للعالم الذي صار قرية واحدة . نشكر المولى عزّ و جلّ على ان قدّر و لطف و منع وقوع الأذى على كل أفراد الوفد ، و نشكر شباب الثورة و حُمَاتها على خروجهم الى الشارع استنكاراً للحادثة ، و نهنئ الشعب الواعي الذي جعل من الشر خيراً و وجاز القول رب ضارة نافعة ، فهذا الامر قد شكّل مدعاة لإصرار و عزيمة الشعب السوداني على المضي قدماً في طريق تأمين مسارالثورة . الحزب الوطني الاتحادي الموحّد . الخرطوم : الاثنين 9 مارس 2020