تردد اسمه كثيراً على ألسنة الناس، حين بزغ نجمه فناناً بارعاً يُجِيدُ الغناء وأداء الأغنية السودانية. كان برنامج (نجوم الغد) النافذة الأولى التي أطل من خلالها على جمهوره على امتداد أرض السودان الطيبة، فدخل إلى قلوب آلاف السودانيين، إذ أستطاع بمقدراته الفنية وثقافة حنجرته الضخمة صناعة الثأثير الموسيقي، وهو يؤدي الأغنية السودانية واحدة تلو الأُخرى في مسارح الغناء، على مدار أكثر من عشر سنوات، فأحبه الكبار قبل الصغار، وتعلقوا به فناناً موهوباً تغنى للسودان، الوطن الأفريقي الكبير. - أيقونة الفن السوداني كان إذا وقف أمام جمهوره، بدأ صغير الجسم والحجم. وإذا تغنى لهم، أتاهم صوته كبيراً وعملاقاً. وكان ذلك سبب اشتهاره ب"العملاق الصغير". وكان إذا صدح، طرب الجميع من تطريبه، وصدحوا معه في إعجاب مثير. كان كلما غنى للسودان، استشعر الجميع جمال الثقافة السودانية في صوته، وروعة قيم أهل السودان في الكلمات التي رددها. ورغم أنه وجد تفاعلاً عند أهل السودان جميعاً، إلا أن حب أهل الشمال له كان أكثر من أهله في الجنوب، ربما لأنهم راوا فيه لساناً معبراً عن ثقافة السودان الشمالي. ولذلك راوا فيه أيضاً أيقونة الوحدة، وأعتبروه جسراً رابطاً بين شقي السودان. - المرض عاش الفنان شول منوت كبيراً ومحبوباً. وقدم عدداً من الأغاني الجميلة لأهل السودان في صالات الخرطوم واستوديوهات قنواتها التلفزيونية، لكنه أصيب بمرض السل (الدرن) وعانى لأكثر من خمس سنوات، قضاءها بين ولاية الخرطوم وولاية السنار، بين التحويل المتكرر مِن الخرطوم إلى السنار (جيئةً وذهاباً)، حتى استقر به المقام في مستشفى أبي عنجة بأمدرمان أخيراً حيث وافته المنية يوم السبت الموافق 14 مارس 2020م. وتناول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خبر وفاته في أجواء مسمومة بإنتشار وباء (الكورونا) الذي بث الذعر في كل المسكونة. ويبدو أن إنشغال الناس بالكورونا عمل على تفويت فرصة تحريك ظروف وفاته قلوبنا. لم يصدق بعض الناس الخبر لتكرار أخباراً تحمل إليهم وفاته، ثم يتضح لاحقاً أنه مجرد شائعات. لكن في يوم السبت الماضي جاء الخبر حقيقياً، فتمناه الناس أن يكون شائعة وكذب كما كان يحدث في الماضي. لكن الفيديو لايف الذي نقل خبر وفاته من داخل المستشفى حيث ظهر جثمانه راقداً على السرير بعد وفاته بساعة ونصف، وأخته تجهش بالبكاء خارج المبنى، أكد صدق الخبر الذي تمناه الناس أن يكون شائعة. جرت مبادرات كثيرة على المستوى الشعبي لعلاجه، أثناء مرضه، وسافر إلى مصر في بحثاً عن بلسم شافي، فتحسنت حالته نوعاً ما، لكن التراجع لازم تلك المبادرات. - السودان الجنوبي والمبدعين كمبدع وإنسان مؤثر في الساحة الفنية، كان من المفترض أن يجد الفنان شول منوت اهتماماً من الدوائر الرسمية في السودان الجنوبي وإنقاذ حياته، لكن الواقع الماثل في السودان الجنوبي، واقع لا يعطي اعتباراً للإبداع والمبدعين. كان الأجدر الاهتمام به طالما أصبح رمزاً فنياً عبر بفنه عن الهوية السودانية: (أنا سوداني أنا سوداني أنا) ... لكن واقعنا واقع لا يُقَدِّرُ الفن والإبداع وتحفيز المبدعين وإنقاذهم حين يداهمهم خطر ما، مثل الذي تعرض له شول منوت. - ما الذي بقي الآن بعد رحيله؟ رحل الشاب المبدع بعيداً عن الاهتمام العام، إذ انحسر الاهتمام به حين عرف الجميع أنه مصاب بمرض الربو. ويبدو أن نوع مرضه قد ألقى بمزيدٍ ظلال الانحسار على جمهور من مريديه الذين تعلقوا به حين كان معافى وسليم. وهنا تطابقت قصته وحالته نوعاً ما مع حالة الفنان التشكيلي والكاتب والمغني السوداني الراحل محمد حسين بهنس الذي تُوفِي في شتاء القاهرة متأثراً بالجوع والبرد في ديسمبر عام 2013م، بعد أن كان نجماً مشيعاً تجمع الكثيرون حوله حين تألق في ساحات الإبداع، لينحسر دائرة الأهتمام به رويداً رويداً حتى مات منقطعاً على رصيف بارد، تاركاً العار على جدار الضمير الإنساني السوداني. وهكذا رحل شول منوت تاركاً وصمة العار مكتوباً على جدار ضميرنا الجماعي في السودان الجنوبي. إنها معاناة ومحنة الإبداع والمبدعين في شقي السودان! ومع ذلك سيبقى تأثيره الفني واسمه باقياً في سجل الحركة الفنية السودانية في شقي السودان. رحمه الله رحمةً واسعة، وجعل له الفردوس من نصيبه .. إنا لله وإنا إليه راجعون. *دينقديت أيوك كاتب وشاعر وصحافي من السودان الجنوبي. البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.