لقد أقبلت الحيوانات لا على الإعلان وحده، وإنما على مسيرة التغيير برمتها، وأبدت، في سبيل زوال حكم اللبؤة، القدرة على الصبر والمثابرة والإبداع، وجاد سكان الغابات العالمية من الحيوانات المهاجرة، غزلاناً وزرافات وهداهد ونوراس ومهرات وفصائل أخرى عديدة من الحيوانات المُسالمة، ذات الحس المرهف والإحساس القويم، جادت بأحسن ما عندها من مواهب وما اكتسبته من خبرات جراء وجودها في غابات العالم الأول واحتكاكها مع سكانه المُتحضِّرين ، وأبدت تضامناً غير مسبوق مع تلك المسيرة، واستطاعت، لا أن ترفد الثورة في داخل الغابة فقط وضمن نطاقاتها الضيقة فحسب، ولكنها خاطبت بلسان الثُّورة و الثُّوار خاطبت حيواناتِ العالمِ كلِّها، فرادى وفي مؤسسات ومنظمات وقدرت على أن توصل صوت الثورة للإعلام العالمي وعبرهُ، بحيثُ ردَّدتِ الدنيا خلف غابتنا (غابة السَّعْد الذي عاد) شعارَ الثورة الأكبر، وبكلِّ الأصوات: من النهيق إلى الصهيل إلى الثغاءِ إلى الهديل: - تسقط بس! وصار مأثور القول والشعر الذي صاغته وأبدعته قريحة الفطاحلة من شعراء الغابة الذهبيين، هي القولُ في مبتدأه و منتهاهُ وحسن ختامه: ثغت الغزلان، وصهلت المُهرات، وصدحت الهداهد والنوارس، تردد ما كانَ قد تراكم من آداب الثورةِ وفُنُونها، بحيث لا تبتغي تعبيراً أو تتحرى دقة، إلا وتجدها، هناك، وسط درر قصائد وأقوال وفنون كانت قد صيغت زمن سكة الأهوال، ودماس ليالي الغابة المرعبة، في عقود انجدلت من الدماء النازفة و الدموع الناضحة من حيوانات الغابة، وجادت بها شياطين شعر النوارس الذهبية، ومنها قول الشاعر الماسي، شاعر حيوانات غابة السَّعْد، الذي تنبأ بحلول هذا اليوم، وحدوث هذا الانفجار العظيم، الذي لا شبيه له لا في مسار الحياة في الغابة ولا طوال تاريخيها المديد: - مشت الشوارِع ضي وعبّا الهُتاف الجَوْ يا مُستبد قُول لَيْ... الليلة شِنْ بِتْسَو ؟ وقد خلقت حالةُ الثورةِ و الانتفاض هذه، كنتيجة، خلقت جو عام من الأمل و التفاؤل، أعاد كم هائل من الحيوانات القاصية في المضارب و السهول وتخوم الجبال إلى وسط الغابة وحكّرها، مرة أخرى في قلبها النابض وصدرها الحنُون. لقد أدركت الحيوانات الحكيمة، بادئ الأمر، إن استيلاء العَرِيْن على السلطة في الغابة واطلاق يد مؤيدي الاسد بن الأَجرَب في شئون أهلها فيه خطر شديد على مُجمل مفاصل الحياة للمؤسسات كما للأفراد والاجيال القادمة. وقد أعلنت فصائل من الافيال والهداهد والنوارس والغزلان وبعض الحيوانات الأخرى الواقعة تحت تصنيف (الضحايا الأشد تضرُّراً)، أعلنت كلها أنها ستُستهدَف أولاً، نعم، ولكن الشر سيعم الغابة كلها من أصغر جربوع لأتخن دقن فيها، وإن تيوس العرين ستعيثُ في الزرع فيمحل والضرع فيجف، وستغيبُ قيم الغابة الراسخة في التعايش والتسامح، وتحلُّ محلها مشاعر البغضاء والكراهية بين الحيوانات، وستسُودُ مفاهيم جديدة، وتظهر سلوكيات مقيتة، لا تمتُّ لغابةِ السعدِ بصلة، وقد حدث ما تنبأت به تلك الفصائل الحكيمة، فكانت السياسات الإقصائية، والتمكين، واحتكار السلطة، والثروة بواسطة العرين، وأسوده، ولبؤاته، وكلابه، وضباعه، وهوامله، حتى صارت غابتنا، بشهادة القاضي والداني: - (غابةُ نحسٍ!). يدُوس فيها الأسد بن الأجرب على ضحاياه بلا رحمة، مُعملاً أنيابه، ومخالبهُ، كلما وجد لحماً طريَّاً، أو كلما دنت له مائدة. - لاحقتهُ اللَّعنة! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.