مُنذ اليومِ الأوَّل لإستيلاء فصيلة الأُسُود على السُلْطَة في غَابَةِ السعد، وتسنّثم أتباع الأسد بن الأجرب مقاليدَ أمورِ العرين، سادَ احترامُ القُوَّةِ الأقوياء بالمعنى المُبتذل للكلمة، وفي تبدِّي طبيعي لهذا الإبتذال، وامتداداً له، أُضطُهِدَت إناثُ الغَابَة، إلا من موقفٍ إنتهازيٍ، حين تحتاجُ اللَّبْؤُة، أو سُلْطَة العرين لخدماتهن، أو دعمهن، فتملأُ الغَابَةَ بالصراخِ حول نُصرة الإناث، وتكريمهن، ثم لا تلبثُ أن تُذيقهن الأَمَرِّيْن: أمهات، وزوجات، وأخوات، وزميلات فور انجلاء الملمةِ، وذهاب الحاجة، وإنتفاء الغرض. وقد وَضعَ مستشارو العرين، وناصحو اللَّبْؤُة، قوانيناً، وترسانةً من اللوائح، والنظم التي تبيحُ لهم إضطهادهن في المناطق الحضريَّة في الغَابَة. أما في الرِّيف، وأطراف الغَابَة البعيدة، فقد أذاقتهن كلابُ العرين الويلات من صنوف جرائم الحرب: حرقٌ ونهب، وإفقار، واغتصاب، وقتل... وحرمت أطفالهن من حق الحياة المسالمة، الوادعة، التي يستحقونها. وعليه، فإن لإناث حَيواناتِ الغَابَة، اللائي جُلدن، وأودعن الحراسات، والسجون، وتمت إهانتهن المنظمة، بكل الأشكال، وعلى رؤؤس الأشهاد، بموجب منظومة النظام العام، أوغيرها، إنَّ لهن قضية! وقد عبَّر أعلانُ الحريَّة والتغيير عن تلك القضايا، وخصوصيتها. وَكَانَ لابد لإناث الغَابَة منفردات، أوفي منظماتهن، واتحاداتهن، غزالاتً، وزافات، ومُهرات، وبلابل صادحة، كان لابد لهن من مناصرة مسيرة التغيير، وتلبية نداء الكرامة، فنزلن مع النازلين إلى الشوارع، وهتفن مع الهاتفين، وَجُدْن بما استطعن، بلا منٍ ولا أذى! وَكَانَت قُوى العرين، وكلابهُ، وضباعهُ، تعوِّل على عزلهن بالإرهاب، والتخويف، والإغتصاب' والتحرش الجنسي، ولكن قطار الثورة كان قد تخطى وضعهن كحريم، إلى مواطنات، يتصدين، كما الذكور، لجهل وبطش العرين. ولكن، لا اللَّبْؤُة، ولا أسدها المهزول، كانوا على دراية بقدرة المهرات، والغزالات، والنوق، في غابتنا على الصمود، ولم يكونوا، لا الأسد، ولا اللبؤات، على قدر المقام! كان موقف العرين من الفَن والفنَّانِين، كما هو من الجماليات كافة، يفتقر إلى الإحساس، والحساسيّة... ولكن، لم يكُن متوقعاً أن تصل القباحة، وتبلد الإحساس، لدرجة الإجرام بأغتيال الطيور الصادحة كما حدث في دار الفنانين في بداية عهد اللبؤة البائس، واستشهد جراء هجومٍ إرهابيٍ يغذيه الهوس والخواء الروحي، كروانٌ عزيزٌ على الغابة، كان في أوج عطائه، وفي ريعان الشباب. وقُهرت الجوقات الموسيقية، التابعة لأسماك البحر، الحوت، والدلافين المرهفة، بالجلدِ والمُطاردة، والقهر، وتخريبِ البيئه الفنية. فصعدَ هابطُ الغناء، ولمعتْ الحناجرُ الصدئة، وغنَّت (لبُؤَاتُ القَلعَة) في إحتفالات العرين، ومناسباته الرسمية، بدعوةٍ، وتشجيعٍ من اللبؤةِ ستَّ الأسم، فصبَّت نشازاً على نشاز، وأهالت قُبحاً على قبح، سَادَ في أرجاء الغابة، وتمدد. ولم تستطع جوقاتُ العرين ان تضيف إلى الغناءِ في الغابة سِوَى النَّشاز، ولم تتجاوز النماذج التي قدمتها لجمهور الغابة، الذَّوَّاق، سوى البوم، والغِربان، والحمير الناهِقة. - لأنَّ فاقدُ الشيءِ لا يُعطيه. وهاجرت كلُّ الطيور الصادِحَة، ومنها من رَحَل وصوتَهُ حَزِين، وآثر من تبقى، في سُكونِ اللَّيل، أن يصمتَ الصَّمتَ الرِّهيب! وكان إذن للفنانين، والمغنيين، ومحبي الجمال، قضيةٌ، عبر عنها ميثاق الحرية والتغيير، فأقبلوا، واحتفلوا، وأضافوا لمساتٍ مُبهجةً من الإنشراحِ، والحُبُور، على مجريات الثَّوْرَة، وَوَقائِعها اليوميَّة. لقد أضفَى تشكِيلِيو الغَابَة، بخلطاتٍ من الألوانِ الزاهيّة، وضربات الريشة الأنيقة، والمُغنون بالعزف على الناي، وعزقِ الطبول، وترديدِ الأهازيج الثوريَّة، أضفُوا ألقاً، وأضافوا سحراً، لا يُدانى، على رزنامة الثورة. وأبدت الشاباتُ، والشبابُ من حيواناتِ الغابة مهاراتٍ هائلةً: قدرات عالية في التنظيم، ودقة في التنسيق، والتنفيذ، وإلتزام بالمواعيد، وحساسية ناضجة تجاه الزمن، فأبدعوا الشعارات، والهتافات، وفنون الفر، والكر، وأجادوا توثيق مخازي العدو، فأخافوه. وقد أوضحت تلك الإبداعات، ضرورة رعايتهم، وصقل مواهبهم، بوسائلٍ، وطرقٍ مؤسسيَّة في غدِ غابةِ السعد المأمُول. وإن على تجمع المهنيين، يقع عبءُ أن يبني الحياة الجديدة، ويبتكر.