ما حلت أزمة ببلد وإلا ظهر فيها تجار الأزمات، تلك الڤيروسات التي تشكل خطراً على المجتمعات والشعوب أكثر عنفاً وفتكاً من الجوائح المميتة مثل الكورونا والتي أهلكت حتى الآن أكثر من نصف مليون نفس على مستوى العالم، وتتطلب أهم الإجراءات الإحترازية للوقاية من هذا الداء ومنع إنتشاره البقاء في البيوت والإلتزام بذلك، مما يعني لغالبية الشعب السوداني الإعتماد على سنامٍ أعجزته قلة العائدات اليومية وضعف الدخول بجانب سوء الإدارة المالية، حيث تشيع بين الكثيرين مقولة (أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، وعندما هجمت الكورونا بغتةً وجدت جيوباً خاوية وتجاراً سال لعابهم فأصبحوا يقلِّبون الأسعار صعوداً كيفما أشتهوا، ولم يرقبوا في الناس إلاً ولا ذمة. ضربت جائحة الأسعار الضعفاء في مقتل حين تضامن من يستغلون الأوضاع الإستثنائية التي نعيشها هذه الأيام لمضاعفة أرباحهم بمتواليات هندسية تقصم ظهور محدودي الدخل مع الكورونا، وشكلوا ثنائياً عسَّر على الناس حياتهم وحرمهم من ضروريات البقاء، والتي هي سبب مكابدتهم اليومية ،،، مكابدة حرمهم منها الحجر الصحي ومحدودية الحركة، وحين تقفز الأسعار لا تعرف للهبوط معنى، فيشتد الخناق على من قوت يومه معلقٌ بعرق جبينه، وتزداد أرصدة من لا يرتوي من عرق الصابرين وهم لا يدرون أن العُسر ينتظرهم بما كسبت أيديهم، فقد دعى المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمثال هؤلاء قائلاً: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به". هؤلاء يمشون بيننا، إن سألتهم يسبقهم لهج الحمد والشكر المنظوم بعفة، لا يستجدون الناس ما أهمهم وإن هبَّت الريح على جمر الحاجة تحت أقدامهم، ولا يكشفون سِترهم من أجل كسرة خبز، حقهم علينا تفقدهم ولو بشق تمرة أو مذقة لبن، فالجود بالموجود، فإن لم تلفحنا حرارة عوز الجار فلنتحسس أخلاقنا قبل إطلاق سهام النقد على المسؤولين، فَشَدُّ بعضنا بعضا ترياق شافي ضد جشع تجار الأزمات، ويغلق ثقوباً كثيرة بدت في نسيجنا الإجتماعي، ويوثق عراه، خاصةً أن ما يُلقى من طعام في أكياس القمامة بسبب سوء التعامل معه أو عدم إستخدامه قد يكفي لسد رمق من تنوشه رماح الحاجة. إن مَثَلْ تجار الأزمات كمثل القروح التي تدمي البنيان المرصوص، وتستنزف قوته بجشعها المشبوب، لذلك تفقد الجيران في هذا الظرف الدقيق يمُد المجتمع بالقوة اللازمة في مواجهة جائحة الأسعار ويحد من سُعارِها ويطفئ جروحها، فمعركة البناء بعد إنصراف الكورونا تتطلب تضافر النفوس والجهود لبناء مجتمع يلفظ الجشع وخبثه عن بلادنا ،،، فحلمنا إستعادة وطن خالي من النفوس المريضة، تنفتح فيه نفاجات القلوب على معاني النفير والتعاون على البر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.