رغم المنطق البيوفيزيائى لقوانين الطبيعية , إلاّ إنّها أحياناً مثيرة للدهشة بسبب تأثيراتها الجانبية على تصوراتنا البشرية. مثال نموذجى: أنثى فرس النبى (أمّ طهّارة) تقوم بقتل الذكر بعد التزاوج مباشرة و إلتهامه تماماً لم تترك فيه شياُ يُذكر, وهنا تنتهى صلاحية الزوج, و الحكمة فى هذه المجزرة أنّ التلقيح لا يتمّ إلاّ بعد أنْ تأكل الأنثى الذكر أكلاً حقيقياً , لأنّ الأمشاج الذكرية تتواجد فى سائر أعضاء جسد الذكر فلا يتمّ التلقيح إلا بهذه الطريقة المأساوية, هذا السيناريو الغريب يتضمن بعض قوانين الإستدامة البيوفيزائية و له إمتداد فى المجال الإجتماعى كنموذج لقانون الطبيعة . و بنفس المنوال نجد الأدوار السالبة فى الأنشطة البشرية تصير مكملة للأدوار الإيجابية بقانون الطبيعة. لو قُدِر للمؤتمر الوطنى و أتباعه أنْ يحشدوا كل الشّعب السّودانى فى يوم 30/يونيو/2020 و معهم كتائب الظلّ بكامل عتاده لإسقاط الحكومة الإنتقالية, فإن المؤتمر الوطنى سيكون فقط بمثابة ذكر "فرس النبى" , سينحصر دوره فقط فى تحفيز الثورة على إستعادة حيويتها و ينتهى دوره نهائياً . و لمن ينتظرون صلاح قوش ليتولى حكم البلاد فلينتظروا العنقاء. الثورة عبارة عن مجموعة من الظرف يتفاعل معها كثير من النشطاء بأدوار مختلفة و لآجال متفاوتة, تصاحبها أنشطة و سلوكيات متوافقة من جهة, و متضاربة من جهةٍ أخرى, و كل هذا الزخم يُختزل فى مفهوم " الثورة و الثورة المضادة", الأدوار التى يلعبها الأفراد و الجماعات فى عملية الثورة السودانية هى أدوار تكاملية, متولّد عن العقل الجمعى للشعب , فمن السذاجة إعتبار بعض الأدوار ملكية خاصة , فى تلك اللحظات تنتفى عقلية التمييز الحزبى و العِرقى و الدّينى لدى الثوّار , و من حاول لعب أدوار أخرى غير التى فرضتها طبيعة الثورة , يتحمل تكلفة الخروج من لائحة الشرف الثورى, لقد أطلق البعض على هذه الظاهرة عبارة " سرقة الثورة" . لعب تنظيم قوى الحرية و التغيير أدوار رائدة فى بداية الثورة , لكنهم ظلّوا يفقدون كل يوم درجة من مخزونهم الثورى الإيجابى أمام إستمرارية الثورة الشعبية نتيجة لملاحقة المصالح الحزبية, على رأس هؤلاء حزب الأمة : هو أوّل من قام بإطلاق نداء للتجمع الذى أدى إلى الإعتصام حول القيادة فى 6 / ابريل 2019 , و بهذا كان مؤشره الثورى فى أعلى قمته, و ما لبث أن ظلّ هذا المؤشر فى التراجع, مروراً بالإنسحاب من ساحة الإعتصام إستراقاً فى ليلة المجزرة , و إطلاق بعض العبارات التهكمية على الثُّوار إلى أنْ جمّد نشاطه فى تجمع إعلان قوى الحرية و التغيير, الأمر الذى جعله فى لحظة من اللحظات فى صفٍ واحد مع فلول النظام البائد . فيا تُرى هل مسيرة 30/ يونيو ستكون عظةً له خاصةً و "قحت " عامة ؟؟ لتصحيح مسارهم على خطى المسودة الدستورية. أمّا بخصوص المؤسسة العسكرية و دورها فى الثورة, هناك أسئلة ملحّة يجب الإجابة عليها, هى تساؤلات حول المهام الأساسية لقوات الشعب المسلحة؟ و لماذا تشتدّ المطالبة بإعادة هيكلة القوات المسلحة؟ فى دفاتر تاريخ قواتنا المسلحة لم نقرأ شيئاً عن إنجازات على المستوى المناط به ( مثل أى قوات من دُول أخرى) , حتى فى أشد اللحظات حوجةً, عندما أُحتلت مصر حلايب, ضربت جهات أجنبية مجهولة مصنع الشفاء , قُتل مواطن بصاروخ فى بورتسودان و تدمير رتل من السيارات على ساحل البحر الاحمر و قد لمحت اسرائيل بمسؤوليتها, تم ضرب مجمع التصنيع الحربى( اليرموك) و أُتهمت إسرائيل أيضاً, فى المقابل ظلّت القوات المسلحة تقاتل بنيها منذ الإستقلال, حتى إنها قامت مقام جهاز الأمن سىء الذكر فى بعض الولايات حيث يقوم مكتب الإستخبارات بإعتقال و تعذيب و قتل المواطن, إذن هذه الحقائق تدلّ على أنّ المؤسسة العسكرية تعانى من خلل " وظيفى" يعيقها عن لعب دورها الحقيقى, هذا الفراغ الوظيفى لم يكن " فناءً" بل هو طاقة سالبة أدّت إلى إنتاج ما يُسمى بالقوات شبه العسكرية (paramilitary) لتقمص شخصية العسكر فى محاربة الخصوم السياسيين الوطنيين و إمتدادته الشعبية, من ناحية أخرى ورثت المؤسسة العسكرية "العقدة النابيليونية" التى طمست البصيرة العسكرية فى إستيعاب المدنيين بواقعهم الحقيقى, مما أكسبها نزعة الإنقلاب المستمرعلى الأنظمة المدنية, لدرجة صار هذا أشبه بمتلازمة " الوسواس القهرى" التى فيها يجد الجيش نفسه كالمُجْبَر على القيام بالإنقلابات العسكرية . ألم يكن ذلك مدعاة لهيكلة القواة المسلحة ؟, ترقية عقيدة الجيش حتى يكون ولائه للوطن بدلاً من الطوائف الدينية و الأحزاب السياسية, و من ثَمّ تكون المؤسسة العسكرية ذات علاقة تكاملية مع المدنيين. أمّا بالنسبة للذين يثيرون تخوفات الناس و إرتيابهم فيما يخص الترتيبات الأمنية الخاصة بإتفاق جوبا, هناك حقائق تجريبية شهدتها الساحة السودانية بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل 2005 يجب الرجوع إليها و الإستفادة منها. و لعلّ من المفارقات العجيبة و المزهلة عندما تم توقيع إتفاقية السلام الشامل , قامت الحركة الشعبية بتسليم 125 اسيراً لحكومة الإنقاذ منهم منْ أُسر منذ عشرين عاماً, فى المقابل لم تستطع الحكومة المركزية أن تسلم أسيراً واحداً للحركة الشعبية, هذه الخلفية تجعلنا نصدق كثيراً مما تدّعيه هذه الحركات التى وُصفت بما وُصفت, و نكذب كثيراً مما تدّعيه الحكومة الإسلامية فيما زعمت, هذا غيضٌ من فيض. هذه رسالة مفتاحية لمن خافوا أو خُوِفوا من مشاركة الحركات المسلحة فى السلطة بعد توقيع السلام. مسيرة 30/يونيو تُعتبر تجديد الثورة لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية ( جيش, شرطة و أمن ) حتى تصبح متآلفة مع الشعب و إزالة حالة التخاصم معه. من أهم مستحقات الفترة الإنتقالية : تكوين المجلس التشريعى بشكل يسمح له محاسبة الحكومة الإنتقالية, بناء سلطة قضائية خالية من التوجهات الإيديولوجية , توحيد رؤى و توجهات " شباب الثورة" عبر جسم مؤسسى كما أقترحه بعض النشطاء. النصف الثانى من العام 2020 , هو فترة السقوط النهائى لإمبراطورية القراصنة (الدولة العميقة) التى إجتهدت فى إحراج المكونات الحزبية ل "ق ح ت" أمام الثّوّار, و لعلّ الحكومة الإنتقالية شعرت بالحرج و خطورة موقفها أمامهم, حيث بدأت بعض الإجراءات المهمة فى مؤسسات الدولة و السعى الحثيث لإصلاح العلاقة ما بين مكونات قوى الحرية و التغيير من ناحية , و من ناحية أخرى ترميم العلاقة ما بين مجلس الوزراء و السيادى, فى اللحظات الأخيرة, تحوطاً لمقابلة الضغوط التى ربما تفرضها مسيرة 30/يونيو و ما بعدها . عبدالرحمن صالح أحمد (أبوعفيف) رسائل الثورة (30) 21/6/2020 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. facebook:Abdurrahman Salih