التصريح الذي تم تداوله على نطاق واسع والذي أدلى به وزير الري السيد ياسر عباس حول :(أن الآثار الإيجابية المرتبطة بالسد قد تنقلب لمخاطر). ليس تصريحاً عابراً يمكن ان يُترك دون تحليل أو تدبر لمحتواه وفحواه ... فالتصريح من حيث هو مختلف عما ظل يدلى به طوال توليه ملف السد الإثيوبي في اللهجة والمحتوى، كان لابد من التوقف عنده لإلقاء نظرة من منظور علم المخاطر حتى يتم تقييمه من وجهة نظر قادرة على استكناه ما قد يترتب عليه من عواقب ... ولما كان الجديد في تصريح الوزير إحتمالية ان تتحول الإيجابيات لمخاطر ، استوجب التطرق لذلك التصريح من منظور علم إدارة المخاطر. فالواضح والجلي أن عنصر المخاطر لم يدر بخلد المفاوض السوداني ( الوزير )، أو أنه اهملها إهمالاً كاملاً يصل لمرحلة التفريط في الأمن القومي. ذلك أن وضع المخاطر في الحسبان يؤكد على أهمية أن يكون متخذو القرار على علم ودراية كافية بعلم المخاطر من حيث كيفية إجراء تقييمها، ومن ثم كيفية تبنى الخيارات التنموية بناء على معطيات قراءة تلك المخاطر. فالبنظر لتصريحات السيد الوزير والذي لا يمكن أخذه على أنه تصريح فارغ المحتوى أو أنه صحوة متأخرة ، أو الاستخفاف به وبما يترتب عليه ، لأن به على أحسن الفروض "جهل" بمحتوى دلالة استخدام مصطلح مخاطر. وفي أسؤ الفروض يمكن فهم استخدام كلمة مخاطر هنا على أنها تبرئة للذمة من قبل الوزير على ما قد يحيق بالسودان من تلك المخاطر حال تحولها لواقع. أو أن هنالك ثمة وعوداً قد قدمت له من الطرف الإثيوبي جعلته يُشيّد قصوراً من الآمال على كُثيّبٍ من الرمال، ما لبثت إثيوبيا أن عصفت بها لتذروها الرياح بعد أن استهلكت كل الوقت في التفاوض دون أن تلزم نفسها بإتفاق مكتوب. المعروف أن المخاطر هي واحدة من العناصر الاسياسية التي تحدث الكوارث. لأنها متغير أساسي في معادلة حدوث الكارثة. فعندما يصرح وزير الري بأن الإيجابيات المتوقعة من السد - والتي بنى عليها كل استراتيجيته التفاوضية طيلة فترة التفاوض - قد تتحول لمخاطر، فهذا من شأنه أن يدين الوزير بشكل مباشر لأنه يحاول أن يخلي طرفه من كارثة بدأت تتراءي أمام ناظريه. وإخلاء المسؤولية هنا أخلاقي وتاريخي وفني ، لكنه بالطبع لايتم هكذا وبمثل هذا التصريح المغتضب. فبعد أن لم تستطع سفينة التفاوض أن ترسي على أي بر آمن، يُطمئِن الجميع أن المفاوض السوداني قد وصل اخيرا وبعد انفضاض سامر التفاوض أنه حتى ما كان يعول عليه من إيجابيات قد تنقلب لمخاطر. هنا وبعيداً عن مدى حضور سيناريوهات تلك المخاطر في ذهن الوزير الذي أخذ يفاوض بناءً على رؤية أساسية أن موضوع السد فني مرتبط بالمياه فقط وينتظر منه "إيجابيات" .. يظل هنالك تساؤل مهم وهو كيف يمكن أن يقنع الوزير اؤلئك النفر من السودانيين "المساكين" الذين تصدوا للدفاع عن السد بناء على تلك "الإيجابيات" التي كان يُبشر بها قد اضحت الآن -وبقدرة قادر - ذات مخاطر محتملة ؟! إن استخدام مصطلح مخاطر يحيل الي تصورات أو سيناريوهات مدعمة ببدائل موضوعية مقنعة تمكن الشخص المتأثر بها من اتخاذ كافة التدابير اللازمة التي تقيه منها ، إما بتفاديها أو تقليلها للحد المقبول، أو رفضها. المدهش في الأمر أن الوزير اكد على إمكانية أن تنقلب الإيجابيات لمخاطر. وبفرضية إمكانية تحقق ذلك عمليا، وما يمكن أن يضاف إليها تلك المخاطر التي لم تكن في حسبان الوزير والمتمثلة في بقية وجود مخاطر أخرى لم ترتبط عنده بتلك الإيجابيات للسد وتجاوزها الوزير في كل مراحل التفاوض وأهمها سعة السد وقربه من الحدود السودانية أو قل بشكل أدق وجوده داخل الأراضي السودانية (أراضي بنى شنقول)... هذان المعطيان هما المخاطر الحقيقية للسد ، فإذا ما أضيف إليهما المخاطر المكتشفة حديثا يكون موقف الوزير من السد إجمالا موقف غفلة و تفريط بفعل عدم إدراك المخاطر. وأن المنصة أو الفرضيات التي انطلق منها كلها كانت قائمة على أسس غير سليمة أوصلته لدرجة التشكيك حتى في الإيجابيات واحتمال تحولها لمخاطر. خلاصة القول ومهما كانت الأسباب التي دعت الوزير الي تبني هذه اللهجة اليائسة المتشائمة بعد كل تلك البشريات التي ظل يزفها للسودانيين من إيجابيات السد، وبما انه المسؤول عن هذا الملف الحيوي والحساس والمرتبط ببقاء السودان وجودياً وأمنياً وجبت مساءلته ومحاسبته عن قصور رؤيته وعدم إدراكه لما يكتنف السد من مخاطر حتى من تلك التى كان يعتقد أنها إيجابيات. د.محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية.