في هذه اللحظات من تاريخ السودان الوطني لم يعد للهمس معنى ، فقد أصبح الجهر هو عنوان المرحلة واختلطت الأوراق للدرجة التي يصعب فيها التمييز بالنظرة العابرة العادية دونما حاجة لإعمال الفكر لقراءة ما وراء ذلك حتى يتثنى لنا الحكم وأخذ الموقف السليم لحفظ الحقوق وحمايتها وتثبيتها في خارطة المواقف التي لن يمحوها غبار السير في طريق شاق وطويل، نعلم متاعب السير فيه وتعدد الحفر التي لن تثنينا من الصعود لقمم العدل والسلام والرخاء والتنمية. لقد ظلت كردفان دوماً ومنذ أمد بعيد قلعةً حصينة في البناء الوطني السوداني عبر كافة الحقب وما فتئت تلوك الصبر وتساهم دونما كلل أو ملل في تثبيت دعائم وحدة الوطن وتستوعب بالأريحية كلها ضيفها القريب والبعيد حتى يغمره الإحساس بالانتماء الأصيل ويصبح جزءاً مهماً من نسيجها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ويتحول عبر السنين حاملاً لهمومها وقضايا مؤثراً ومتأثراً بها في متوالية الحياة اليومية . وفي سباق الظفر بنيل الحقوق المتراكمة عبر السنين إتبعت كردفان مسالك تتسم بالعقلانية والإيثار مساهمةًً منها في تقديم النموذج الأمثل لكيفية التعايش وتقديم حق الغير قبل الذات وتلك قيم ورثناها كابراً عن كابر وحريصون علي سيادتها ونرجو أن يتحلى بها الآخرون . وفي سياق الحديث عن الحقوق وكيفية نيلها فقد برز للسطح الجهر بوسائل وآليات جديدة في هذا الزمان وأصبح السعي لها يتسم بكثير من الخشونة والمتاعب ولعل من إبتدر ذلك وجعله منهجاً برز به للسطح النظام الحالي للإنقاذ وقد سبقه لذلك آخرون بوسائل متشابه وهنا تدخل عامل القوة لنيل الحقوق المتعلقة بالثروة والسلطة السودانية وفُرضت الآلية الجديدة للشراكة في السلطة والثروة السودانية فنال الجنوب ما أراد وكذا الشرق وأصبح نظام الإنقاذ يُفاوض وفق تلك الآلية حول أجندة السلطة والثورة السودانية دونما حرج ، وبما أن دار فور ليس استثناءاً فقد دخلت علي خط آليات حمل السلاح لنيل الحقوق ووقعت حكومة المؤتمر الوطني اتفاقات منقوصة لم تُفلح في طي ملف الأزمة مما جعلها مفتوحة لأحداث متواصلة ومتصاعدة في ذات الوقت حتى تزايد الضغط المحلي والإقليمي والدولي للبحث عن مخرج جديد لحل الأزمة وتزامن ذلك مع استحقاقات السلام من إنتخابات تُفضي لتحول ديمقراطي وإستفتاء مختلف حول نهاياته من قبل أطرافه وجماع أهل السودان وبالطبع لكل حساباته حول ذلك. وبجكم جوار كردفان لدار فور فقد كان من الطبيعي أن يكون هناك تداخلاً في مسببات الأزمة وآثارها و حتى محاولات الحلول وهنا دعوني أُشير لتلك التجزئة المعيبة التي تزامنت مع بداية مفاوضات الدوحة من إخراج أمر كردفان من منضدة الدوحة تماماً بمسرحية أبطالها بكل أسف هم من أبناء كردفان لا ننكر عليهم الحق في البحث عن حلول لمساهمة كردفان في الثروة والسلطة السودانية ولطالما أصبح ديدن المؤتمر الوطني هو التفاوض لماذا لم يكن أمر كهذا متاحاً لكافة أبناء كردفان مع الأخذ في الإعتبار النسبة العالية التي برزت في تأييد غالبية أبناء كردفان في إتباع الأسلوب الحضاري لتوصيل القضية الكردفانية لمنبر تفاوضي سلمي من خلال وثيقة كاد المقدمة لأكثر من جهة محلية وإقليمية ودولية تنبه فقط لحقوق كردفانية وتطالب بإتباع ذات الأسلوب الذي اُتبع مع جهات السودان كافة في نيل الحقوق والمساهمة في بناء السودان وفق ذات الآلية التي جري عليها التفاوض الذي أفضي لحلول سكن معها صوت المطالب العالي والمصاحب مع قعقعة السلاح. ولم تتعامل الحكومة مع كافة الخيارات التي طرحها تجمع كردفان بالجدية المطلوبة وتسربت أجندات كردفانية ومعها بعض من أبناء كردفان عبر حملة السلاح بدار فور ومنهم من جاء من المؤتمر الوطني لحسابات خاصة ومنهم من جاء لتشابه القضايا وتقارب الجغرافيا وأصبح جزءاً من نسيج حركات دار فور ودفع بحضور كردفان لمعظم منابر التفاوض أو ساحات المعارك . ولعل آخر حضور لبعض أبناء كردفان هو منبر الدوحة الحالي عبر شخوص كردفانية وكذلك أجندة نسمع بها بين الحين والآخر عبر أحاديث يدلي بها دكتور خليل إبراهيم للفضائيات العربية من أن هناك أجندات تخص كردفان يجب إدراجها في تفاصيل التفاوض وضرورة إيجاد حلول لها كحزمة واحدة مع قضايا دار فور لتكون أساس لحلول شاملة تساهم مع غيرها من مستحقات يتحملها جميع أهل السودان في استقرار السودان وربما وحدته التي تعرضت لاستهتار واضح . ومع تصاعد وسخونة الأجواء حول التفويض الممنوح للوسطاء المتعلق بأزمة دار فور وسباق الإنتخابات السودانية فقد ظلت كردفان كأجندة حية تبحث عن الحل يتناولها الأطراف في ممرات ودهاليز مقار التفاوض ما بين وفد الحكومة وحاملي السلاح والوسطاء مع حضور نوعي لبعض أبناء كردفان في تلك المقار لكن ينتهي الكلام عن قضايا كردفان في تلك الممرات والدهاليز وجلسات أنس تُطيب الخواطر مع ذلكم الشخوص دون وضع تلك الأجندة في طاولة التفاوض عند الإطاريات أو تفاصيل التفاوض وجهاً لوجهه بسبب الزخم المصاحب لعملية التفاوض وتعثرها فيما يخص الأجندات الأساسية وسباق ريح الانتخابات التي أصبحت قاب قوسين أو أدني وما قد تفرزه من واقع يتصاعد مع التعقيد أكثر فأكثر علي مجمل الحياة السياسية السودانية. ولن تجدي نفعاً دفن الرؤوس في الرمال من تجاهل لقضايا حية تتعلق بكر دفان ومكانها في تقسيم حصة السودان بالتساوي في السلطة والثروة دون زيادة أو نقصان أو تجاسر علي آخر،