ذاك، ولم نسمع من الشيوخ والفقهاء رداً ولا تعليقاً. أليس من الأفضل والضروري إبعاد الدين عن السياسة ، حتى لا يأتي (السلطان) فيلغي الأحكام الفقهية ، وحتى لا يضطر علماء الفقه إلي هذه التبريرات إرضاءاً ل (ولي الأمر). السماح للمرأة بقيادة السيارة وتولي المناصب القيادية ، ومباركة الفقهاء لهذا الأمر بالكلام أو الصمت ، هو حلقة من سلسلة طويلة في التاريخ الإسلامي ، ففيه الكثير مما كان محرماً ومنهياً عنها من الممارسات ، ثم صارت تمارس كأنها لم تكن محرمة ولا منهياً عنها في يوم من الأيام. وعلى كل حال ، نترك المرأة السعودية تقود سيارتها في شوارع المملكة متى ما أرادت ، بمفردها أو مع آخرين ، ونترك الدكتورة خلود تمارس مهامها القيادية في منطقة تبوك ، مشاركةً الرجال في مكاتبهم ، ونترك تبديل العلماء لأثوابهم ، وإنسلاخهم عن ثوابتهم في مجالات اللبس والعمل والفن والغناء والسياحة والحفلات ودور السينما والإستلقاء على شواطئ البحر عرايا أو شبه عرايا ، (ونحو ذلك) كما يقولون في مجال الفقه ، وأخيراً ، علمتُ قبل ايام قليلة أن النيابة العامة في السعودية قالت أن البنت البالغة تستطيع أن تعيش وتسكن بمفردها إذا أرادت ، وممنوع على أهلها أن يبلغوا عن غيابها ، ، وقد إختصر أحد أساطين الوهابية المتزمتين موقفهم عندما قال ، أنه (مع {الوسطية} في الدين التي جاء بها ابن سلمان) ، ذلك ، أن عصا إبن سلمان لمن عصى . وعلى كل حال ، نتركهم ونعود إلي سوداننا الحبيب. إن تولي المرأة لمناصب قيادية في السودان ، وإشتراكها في المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ليس وليد اليوم ، فللمرأة في تاريخ السودان صولات وجولات تقاصرت عنها همم الرجال ، فقد قادت الجيوش وهزمت الأعداء ، وإجتهدت في تعليم نفسها ففاقت الرجال ، وشاركت في ثورات السودان بأغلبية ملحوظة ، وأنجزت الكثير في كل المجالات على قدم التساوي مع الرجال ، ولكننا فجأة صحونا ، في ضحى ثورة ديسمبر المجيدة ، على صراخ المتأسلمين برفع العقيرة بحديث أكتشفوه فجأة عند تعيين سيدتين كواليين ، وكأن الحديث لم يكن معلوماً ، فلم نسمع به في عهد من العهود ، رغم أن المرأة السودانية وصلت منصب الوزيرة في عهود سابقة ، وهذا الإعتراض المفاجئ على تولية المرأة ، لهو َ، من الكيزان جزءٌ من نفاقهم المعلوم ، وهو من البعض جزء من معارضة النظام الحالي من أجل المعارضة ، وهو من البعض الآخر من سكان الولايتين (رجولة) فارغة لا معنى لها ، (كيف تحكمنا مرة) (حرّم ما تحكمنا مرة) ، وهو من البعض إحساس بالدونية ، فالرجال دائماً يعتقدون أنهم أفضل من المرأة ، وإستعلاء الرجل على المرأة ليس في العالم الإسلامي فقط ، فقد عانت المرأة طوال التاريخ البشري من هذا الإستعلاء الذكوري ، لأنها كانت أقل تعليماً وأقل معرفة ، ولكن تبدل الحال الآن ، وأصبحت المرأة مساوية للرجل في التعّلم ، ومتكافئة معه في المعرفة ، ومُؤهلة أكثر من الكثيرين من الرجال ، وقد نجد في بعض البيوت أن البنات أكثر تعليماً من الأولاد ، وقد نجد أن ربة الأسرة أكثر تعليماً وفهماً وحكمة من رب الأسرة ، وهكذا فقد تغيرت المرأة تماماً عن ما كانت عليه أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، فوجب علينا أن نقدمها لتقود بما إكتسبته من مؤهلات ، وكمثال ، فإننا نرى نجاح المرأة في قيادة الدول في سنغافورة وموريسص ، فقد قادت سيدتان مسلمتان هتين الدولتين إلي مصاف الدول ذات الرفاهية العالية ، ووفرتا لمواطنيها طرق العبش الكريم ، وحاربتا الفساد بأقوى مما يستطيع الرجل. هذا بالإضافة إلي السيدات الكثيرات اللائي تولين مناصب قيادية وسيادية ودفاعية في كثير من الدول ، وقمن بواجباتهن العملية بأكمل وجه ، ملخّص القول في هذا الأمر ، مُلحقاً بما قلناه في الحلقة السابقة ، هو أنه لا بد لنا أن نفهم أن كثيراً من النصوص عبرّت عن زمن معين ، ووضع إجتماعي معين ، ولكن ، فلا الزمن يتوقف ، ولا الأوضاع الإجتماعية تبقى على ما عليها ، وكما تحوّلت بعض أي القرآن إلي أيات تلاوة ، لأن غرضها الآني إنتهى ، فالأحاديث كذلك ، مرتبطة بأوضاعها وأغراضها الآنية ، أما ما قاله الآخرون ، غير الله وغير رسوله الكريم ، فلسنا ملزمين به أصلاً ، ولنا أن نتجاوزه ، ولنا أن نجتهد وفقاً لمتطلبات العصر. وليس من الدين ، ولا من العقل ، أن نسمح لأنفسنا العيش تحت إستبداد إجتهادات إنسانية متواضعة ، وهي متواضعة لأنها إجتهادات إنسانية ، ولأنها إجتهادات إنسانية فهي بالضرورة قاصرة وناقصة وفيها عيوب، تفقد صلاحيتها بإنتهاء عصرها وتغيّر الظروف التي نشأت فيها ، وبما أنها كذلك ، فهي لا تكتسب قداسة من أي نوع ، ولا يمكن ترفيعها لمقام إلهي أو نبوي ، ولا يمكن النظر إليها كقطعيات غير قابلة للنقض والنقد. قلتُ أن الإجتهادات الإنسانية تفقد صلاحيتها بإنتهاء عصرها ، وهي تنتهي كلياً أو جزئياً ، ولكن الدين في مصدره الإلهي ليس له صلاحية مرتبطة بزمن ، فالقرأن ، وهو كلام الله ، يُعتبر نص ثابت وقديم في نظر المسلمين ، أما الأحاديث فهي أقوال منسوبة إلي الرسول محمد ، والحديث لغة هو الشئ المُحدث ، أو الجديد ، أو نقيض القديم ، وقد إطلقت هذه التسمية على أقوال الرسول إصطلاحاً ، لأن أقوال الرسول غير القرآن ، ولا تعني هذه التسمية غير أن أقوال الرسول حديثة مرتبطة بلحظة الحديث ، ولا يشترك مع القرآن في أنه وحي ، وقد يحتج البعض بأن الآيات الكريمة في سورة النجم ( وما ينطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى)(النجم : 3 ، 4) ، تفيد بأن كلام الرسول مشمول بهذه الآية ، ولكن هذا كلام غير صحيح ، إذ أن الآية جاءت في معرض الكلام عن الوحي ، وهو القرآن ، ولكن بعض الفقهاء رفعوا مكانة الحديث لدرجة القرآن ، وقالوا أن الحديث وحي ، والرسول (ص) منع تدوين الحديث عندما كان القرآن يوحي إليه ، وذلك حتى لا يخلط الناس بين القرآن والحديث فيدونوهما معاً ، والحديث في مجمله منه الصحيح ومنه غير الصحيح ، وطريقة إثبات صحة الحديث طريقة موضوعة ، وضعه بعض فقهاء الحديث ، وليس هناك ما يضطرنا إلي تصديق كل ما صححه الفقهاء ، فالوقت الذي صُححت فيه الأحاديث بعيد عن الوقت الذي قال فيه الرسول هذه الأحاديث ، والطريقة التي صُححت بها الأحاديث طريقة غير دقيقة ، إذ يعتمد على العنعنة والتحديث والأنأنة، والعنعنة هي أن ينقل الراوي الكلام المسموع عن فلان عن فلان حتى توصيله للنبي ، والتحديث هو حدثني فلان عن فلان ، أو أخبرني فلان عن فلان ، أو سَمِعتُ فلاناً يقول عن فلان ، أو سمعنا فلاناً يقول كذا ، والأنأنة هي أن يقول الراوي أن فلاناً قال كذا ، تعتمد كل هذه الطرق على وضع الثقة فيمن يُنقل عنه ، وإفتراضه شخصاً عادلاً ، وتعتمد هذه الطرق على إفتراض آخر ، وهو أن ذاكرة المنقول عنهم (حديدية) لا تعتريها النسيان ، ولكن ، لا يخلو إنسان من نسيان أو هفوة أو سوء فهم أو عدم دقة في النقل أو تحيز لمذهب إو غرض في نفسه أو تأثر بما حوله أو خوف من سلطة أو تملق للسلطان ، نواصل عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.