جاءت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو إلى السودان في وقت تدخل فيه البلاد مرحلة جديدة من البناء والإصلاح أو الانهيار . أذ تصارع الحكومة المدنية التي يرأسها السيدعبد الله حمدوك - وهو إقتصادي سابق في الأممالمتحدة - للسيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية القوية في السودان ، الأمر الذي يضر بالانتقال إلى الحكم المدني الكامل المقرر في عام 2022. فبدون دعم قوي من المجتمع الدولي وخاصة الولاياتالمتحدة ، فأن ذلك ينذر بانزلاق السودان إلى نظام ديكتاتوري جديد ، تعقبة تداعيات وخيمة على الأمن والسلم الدوليين. على الرغم من الاطاحة بالنظام الديكتاتوري، لا تزال السياسة الأمريكية تجاة السودان تسير بذات النهج الذي كانت علية في عهد البشير الذي استمر لمدة 30 عامًا. ولاجل الحيلولة دون وقوع كارثة ، يجب على واشنطن صياغة سياسة جديدة ، والانتقال من سياسة العصا إلى سياسة الجزرة مع الالتزام بالسرعة والحذر اللازمين.و بالتركيز على ثلاثة عناصر رئيسية. يجب أن يكون الانتعاش الاقتصادي في السودان على رأس الأولويات. فسياسة الولاياتالمتحدة المترددة بشأن إنهاء العقوبات ، أدت الي تفاقم المعاناة.هذا بالاضافة الي الاضرارالتي احدثها انتشار فايروس الكورونا بالاقتصاد السوداني - الذي كان بالفعل في حالة يرثى لها قبل تفشي الوباء - وأدى إلى تأخير الانتقال إلى الحكم المدني.كما ظلت البلاد تعاني من بطالة واسعة النطاق وأسوأ مجاعة في تاريخها الحديث،علاوة علي الديون الخارجية والتضخم اللذان أعاقا محاولات تحفيز الاستثمار.الجدير بالذكر ان معظم موارد السودان النفطية كانت موجودة في جنوب البلاد ، وعندما انفصل جنوب السودان في عام 2011 ، ذهبت معه الإيرادات التي كانت تشكل عصب الاقتصاد السوداني . هذة الظروف الاقتصادية الصعبة يمكن ان تدفع المتظاهرين اليائسين ، الذين عادوا بالفعل إلى شوارع الخرطوم بأعداد كبيرة ، الي أن ينقلبوا بسهولة على حكومة حمدوك وبالتالي أتاحة ذرائع يمكن ان يستقلها الجيش للسيطرة الكاملة علي مقاليد الحكم. يجب على وزارة الخارجية أن تطلب من الكونجرس إزالة أسم السودان على الفور من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، والتي تحجب عنة فعليًا جميع المساعدات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.خلال زيارتة الاخير للسودان اقترح وزير الخارجية بومبيو الانتظار حتى تدفع الحكومة السودانية التي تعاني من ضائقة مالية مستفحلة مبلغ 335 مليون دولار كتعويضات لأسر ضحايا تفجيرات سفارتي امريكا في نيروبي ودار السلام عام 1998 ، حيث كان نظام عمر البشير قد ساعد على إيواء الإرهابيين في تلك الفترة. بيد ان المزيد من التأخير قد يرقى إلى معاقبة الشعب السوداني على جرائم الديكتاتور الذي أطاحوا به - وهو انتقاد يطال غالبًا فرض العقوبات نفسها. ولا ينبغي لوزارة الخارجية أن تنتظر انفراج غير منظور في العلاقات السودانية- الإسرائيلية ، وهو أمر يتطلب وجود حكومة مدنية أقوى. اوضح تقرير نشر حديثا لمجموعة الأزمات الدولية تناول المخاطر التي يواجهها السودان الآن. جاء فية ان الحكومة الانتقالية تحاول إنهاء سياسة دعم الوقود التي أتبعها نظام البشير ، والتي أدت إلى إفلاس البلاد التي يعمها التضخم والفساد. لذلك لاتملك الحكومة الانتقالية الحالية الموارد اللازمة لمساعدة فقراء السودان على تحمل ما يصاحب ذلك من ارتفاع في أسعار السلع الأساسية. أن المساعدة الخارجية هي الحل الواقعي الوحيد لمشاكل السودان الحالية. يجب أن تكون الولاياتالمتحدة شريكًا أساسيًا في تقديم تلك المساعدة ، والعمل علي تشجيع حلفائنا بقوة على المشاركة.كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد تعهدت بدفع مبلغ 356.2 مليون دولار في مؤتمر أصدقاء السودان في يونيو الماضي وهي بداية جيدة. كما اقترحت مجموعة الأزمات الدولية برنامج تحويل نقدي للأسر لتعويض ارتفاع أسعار السلع الأساسية وهو اقتراح سليم. يجب على الولاياتالمتحدة أيضًا إشراك السودان في اتفاقية التجارة الحرة التي تتيح الوصول إلى الأسواق الأمريكية بدون رسوم جمركية ، مع منح تسهيلات للشركات الأمريكية لإجراء معاملات تجارية مباشرة مع نظرائهم السودانيين. ثانيًا ، يجب أن تساعد الولاياتالمتحدة في تطوير اتفاقيات لتوحيد الجيش وإقامة سلام دائم مع حركات التمرد في البلاد. وسوف تقطع اتفاقات السلام التي تم التوصل إليها في 31 أغسطس الماضي شوطًا طويلاً نحو توحيد السودان ودعم الحكومة المدنية ، لكنها مع ذلك تظل بداية هشة.أذ قاطعت مجموعتان متمردتان رئيسيتان المحادثات. وخلال الأسابيع الأخيرة المنصرمة قُتل المئات في دارفور ، هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام بة في المستقبل لتحقيق الاستقرار في المنطقة ووقف العنف.كما يعتبر إنشاء صندوق للتنمية بقيمة 750 مليون دولار أمراً مهما و حاسماً في الاتفاقية.و يجب على الولاياتالمتحدة ضمان هذه المساعدة. إن إنهاء الصراع في دارفور ، الذي خلف 300 ألف قتيل و 2.5 مليون نازح ، يستحق هذا التمويل. سيدمج اتفاق السلام مقاتلي الجماعات المتمردة في الجيش الوطني ، وهي خطوة رئيسية نحو إعادة هيكلة الجيش. بيد انها لم تشمل الأجهزة الأمنية ، أو قوات الدعم السريع ، وهي جماعة شبه عسكرية سيئة السمعة تابعة للدولة ارتكبت فظائع لا حصر لها في دارفور وتتدخل الآن في مسار انتقال البلاد إلى الديمقراطية. لإقامة علاقات مدنية-عسكرية أكثر متانة، يجب على الدبلوماسيين الأمريكيين العمل على ضمان استيعاب قوات الدعم السريع أيضًا في الجيش السوداني النظامي. وسيؤدي توحيد القوات المسلحة السودانية إلى تعزيز تعاون البلاد في مجال مكافحة الإرهاب حيث تعمل الولاياتالمتحدة مع حلفائها لوقف انتشار التطرف العنيف في جميع أنحاء منطقة الساحل. أخيرًا ، يجب على الولاياتالمتحدة وضع مقاربات جديدة لمشاركة الخبرات الطبية والتكنولوجية مع السودان. فعلى المدى القصير ، سيساعد ذلك في مكافحة فيروس كورونا. وعلى المدى الطويل ، ستساعد في سد الفجوة الغذائية في السودان وإعادة بناء اقتصادها. يمتلك السودان إمكانات هائلة في مجال الزراعة والطاقة الشمسية ، ولكن كغيرها من المجالات الأخري، فقد تم تبديدها خلال سنوات حكم البشير.أن توفير الغذاء والتوظيف والأمن والكهرباء على نطاق واسع تعد كلها متطلبات أساسية لبناء نظام اقتصادي قادر على دعم شعب السودان. وذلك سيتطلب تقديم المساعدة للسودان من الأسرة الدولية بأسرها. يوما ما ، سوف يساعد السودان في إطعامنا. وبحسب تقديرات ماكينزي تستحوذ أفريقيا علي ما يقارب 60 % من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. وفي ظل بدء التحديات التي يشكلها تغير المناخ إزاء شح موارد الغذاء العالمية ، قد تصبح القارة الأفريقية بمثابة سلة غذاء العالم،من أجل تحقيق تبادل للمنافع بشكل أكبر . لذلك يمكن أن يلعب السودان دورًا رئيسيًا ومحوريا لتحقيق هذة الغاية في المستقبل. السؤال الآن ، هل سيحقق السودان مستقبلاً جديدًا كدولة ديمقراطية حديثة أم سيعود إلى أهوال سنوات البشير؟ الجواب قد يتوقف على جدية أمريكا أو تقاعسها. يجب ألا تقف الولاياتالمتحدة متفرجًا في هذه الفترة الحرجة من تاريخ السودان. فسياسة الانتظار والترقب ليست كافية. يمكن لواشنطن أن تبدأ اليوم في اتخاذ خطوات عمليه لمساعدة السودان على إعادة البناء من تحت ركام و رماد الديكتاتورية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.