السؤال الذي يطرح نفسه، ما قيمة الثورة بلا علمانية...؟ كلما إلتمعت شرارة هذا السؤال في ذهني وفي ذهن كل مواطن سوداني إكتوى بنار المعاناة وشظف العيش ومرارات السجون والمعتقلات والغربة والهجرة، كلما إستحضر تجربة المخاض المُرة، وموقف النخبة السياسية الفاشلة المراوغ الذي "ساقنا بالخلا" منذ الإستقلال هروبا من إستحقاقات تحقيق حلم الشعب السوداني بوطن معافى. منذ فجر الإستقلال تسيدت المشهد السياسي في بلادنا نخبة سياسية فاشلة، ظلت تردد شعارات هلامية لا علاقة لها بواقع الحياة وروح العصر.! شعارات كلها كذب ودجل ونفاق ليس إلا. تجربة المخاض المُرة، أثبتت حقيقة المثل الشعبي السوداني الذي يقول: القلم ما بيزيل بلم.! وإلا كيف لها أن ترفض العلمانية، وهي ركيزة أساسية لبناء دولة وطنيه حديثه، بجانب ثلاثة ركائز أخرى وهي: الدستور، والديمقراطية والليبرالية. أي حديث آخر عن بناء الدولة يتجاهل هذه الركائز أو ينكرها، هو مجرد هراء وعبث لا طائل من ورائه. "الأنتلجنسيا" السودانية بددت عمرها وعمر الوطن تلوك في خطابات، وتردد في شعارات تضليلية بغرض إنجاب مولود مشوه من رحم التراث عاجز عن الحركة لكي تواجه به إستحقاقات بناء الدولة الوطنية الحديثة. مأساة هذه النخبة السياسية الفاسدة المتحالفة مع مراكز التخلف والرأسمالية الطفيلية، هو إنها، تُصر على ممارسة دور الوصاية على الشعب، بأوهام لا سند لها من العلم وروح العصر الذي نعيش فيه، لذلك نراها تعيش في حالة صراع نفسي، فهي من جهة، تدعي العلم، لكن مواقفها وممارساتها اليومية على الأرض، تقول إنها جاهلة.! والمؤسف حقا هو إنها تجهل أنها جاهلة، وهذا هو الجهل المركب بعينه.!!! إذ لا يعقل أن تدعي العلم والمعرفة بالفكر والفلسفة، وتستميت دفاعا عن الظلام، برفض العلمانية ..؟ السؤال الذي يطرح نفسه، كيف لإنسان واعي ومعافى نفسيا يقف ضد الحقائق العلمية التي أخرجت أوروبا من العصور المظلمة ..؟ حجم التخلف الذي ترزح فيه بلادنا مضافا إليه مضاعفات الحرب والفقر والجهل، وضخامة التحديات والمؤامرات الإقليمية والدولية، كلها أوضاع تفرض على "الأنتلجنسيا" السودانية التحلي بالأمانة العلمية والوضوح الفكري والحسم وتحديد الخيارات الصحيحة، بدلا من ممارسة التلفيق والدجل والشعوذة وخداع الشعب بشعارات من قبيل نحن مسلمون. فالسؤال المنطقي هو، ما علاقة العلمانية بالإسلام...؟ أو ما هي علاقة العلمانية بالدين مطلقا ..؟ هل العلمانية هي دين جديد ... ؟ هل هي مذهب فكري يدعوا للكفر والإلحاد...؟ هل العلمانية تدعوا لترك الصلاة، أو الصوم .. ؟ أو تمنع الناس من دفع الزكاة ..؟ أو أداء فريضة الحج..؟ العلمانية، لا تمنع الإنسان من أداء عباداته، ومعاملة الناس بإحسان. "العلمانية" في جوهرها هي تحرير للعقل البشري من الأوهام، وتجريد الحكام الطغاة، والساسة الفاسدين وشيوخ التضليل، من إدعاءاتهم الزائفة، بإمتلاك الحقائق المطلقة. بغرض خداع الشعب وتضليله، والتحكم فيه وتحريكه كالقطيع.! بلادنا لا تخرجها من أزمتها التي رافقتها منذ التأسيس عمليات البنش في مغارات التاريخ المظلمة، وإنما جهود البحث العلمي المشرقة والإنفتاح على العالم، وتبني الخيارات الديمقراطية المنتجة لصالح بلادنا وشعبنا الذي عانى طويلا. نحن اليوم أمام تحدي كبير بعد أن أنجزنا ثورة مشرقة في وسط محيط مظلم.! محيطنا ليس سويسرا ، ولا اليابان ولا سنغافورة، محيطنا يرزح تحت وطأة القهر والظلم والفساد. محيط مظلم، يعمل بكل ما لديه من إمكانيات تخريبية، لإجهاض الثورة، عبر دعمه لكل المتاريس التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق كامل أهداف الثورة، وأبرز هذه المتاريس، المتورطين في جرائم ضد الإنسانية إبان حكم النظام البائد سواء بمشاركتهم الفعلية أو بصمتهم، بجانب تيارات التخلف التي إضطلعت بدور إعاقة مشروع الحداثة والتحديث منذ فجر الإستقلال، للحليولة دون بناء دولة سودانية حديثة حاضنة لكل أبناءها وبناتها. الثورة الكاملة، هي التي تبني دولة قائمة على الدستور الدائم، وديمقراطية مستدامة، وليبرالية تنتصر لحرية الفرد، وعلمانية تحرر العقول من الأوهام. أي حديث آخر لا يعترف بهذه الحقائق العلمية الموضوعية، هو سباحة عكس التيار. الثورة الحقيقية هي ثورة العقل والفكر، التي تدعم مشروع التنوير والإستنارة. الطيب الزين عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.