اثارت موجة السيول والفيضانات الأخيرة التي اجتاحت مناطق السودان النيلي عدة أسئلة منها، ماهي علاقة تلك الفيضانات بالسدود المقامة على نهر النيل وروافده؟ أما السؤال المهم فلعله (هل قيام سد النهضة سيحمي السودان من خطر الفيضانات الكبيرة؟) وكما الأسئلة، صدرت الكثير من التأكيدات المتكررة الجازمة للعديد من الخبراء السودانيين بزوال خطر الفيضانات تماماً من السودان بعد اكتمال بناء سد النهضة، لكن حدوث بعض الفيضانات الشديدة بعد قيام العديد من السدود في عدة مناطق العالم منها افريقيا والولايات المتحدةوالصين تنسف التأكيدات الجازمة لهؤلاء الخبراء. لنأخذ مثالا على ذلك: سد المضايق الثلاث (Three Gorges Dam) على نهر اليانغستي في الصين الذي يعتبر من أكبر السدود الكهرومائية في العالم. وقد تم الانتهاء من بناء هذا السد العملاق في عام 2006 واستغرق بناؤه أكثر من (10) أعوام وبتكلفة بلغت حوالي مائتين مليار دولار1. كانت من إحدى مسوغات الحكومة الصينية وتبريراتها لقيام السد الضخم هو الحماية من خطر الفيضانات وانتاج غزير من الكهرباء يدفع بعمليات التنمية. لكن هطول أمطار غزيرة على نهر اليانغستي في شهر أغسطس المنصرم أدي الي ارتفاع منسوب المياه في بحيرة السد إلى ما يقارب السعة التخزينية القصوى للبحيرة. هذا الارتفاع في المياه أجبر السلطات هنالك الي فتح بوابات السد لتمرير المياه الزائدة تفادياً لانهيار السد. وكنتيجة لفتح البوابات حدثت فيضانات مدمرة في العديد من المدن أسفل النهر، وموت أو فقدان (158) مواطن، وإجلاء (3.76) مليون مواطن، وبلغ عدد الذين تأثروا بالفيضانات حوالي (54.8) مليون مواطن، وقدرت الخسائر المادية بحوالي (20.5) مليار دولار، وذلك وفقاً لما جاء بتقرير أعده نيكتر جان في موقع قناة السي ان ان الاخبارية2. كما أدت فيضانات حدثت في عام 2018 الي تقوس أو انحناء ملحوظ في جسم السد مما يهدد سلامة السد، ذلك على الرغم من أن الجهات المعنية بالسد قد صدرت في البدء فكرة أن جسم السد يمكنه تحمل أي فيضان كبير كالذي يحدث مرة كل عشرة آلاف سنة علي حسب ما ذكر تقرير اخباري مصور لقناة ان تي دي الاخبارية3. لا يمكن لسد النهضة أن يمنع السيول في السودان، لكنه ربما يمنع الفيضانات الموسمية العادية التي تحدث نتيجة من تغول الانسان والمباني على حرم نهر النيل وروافده. مع أهمية تلك الفيضانات الموسمية لعملية تجديد التربة والوقاية من التصحر في مناطق نهر النيل والولاية الشمالية. وعليه، فإن حماية سد النهضة للسودان من الفيضانات الكبيرة التي تحدث مرة أو مرتين في كل قرن تظل محل شك، خصوصا مع التقارير المتكررة من المنظمة الدولية للأنهار التي تحذر السكان المحليين من الاعتقاد أن قيام السدود سيحميهم من خطر الفيضان4. أي فتح لبوابات سد النهضة تحت ضغط الفيضان سيؤدي الي دمار سدي الروصيرص وسنار ومن ثم الفناء التام للسودان النيلي كما أشار غير مرة الدكتور محمد عبد الحميد خبير المخاطر. والكارثة الأخرى الكبيرة تكمن (حالة انهيار السدود السودانية) في خروج مشروع الجزيرة والمشاريع المروية الأخرى من خارطة الإنتاج للأبد، وما يمكن أن يسببه ذلك الخروج من نقص حاد في الأغذية في الأعوام التي تلي الفيضانات خصوصا إذا كانت أعوام جفاف. وفي ظل التغيرات المناخية العنيفة التي قد يشهدها العالم في المستقبل، فإن المعلومات الأولية مثل الخرائط المحدثة أو البيانات هي المفتاح الاساسي لإيجاد خطط وبدائل لمواجهة خطر أي فيضانات غير مسبوقة. كما تلعب تلك الخرائط الدور المحوري في تنوير العامة ومتخذي القرار بالمناطق الطبيعية التي يتمدد فيها النيل وروافده والتنبيه من خطورة إقامة مزارع أو منشئات دائمة في تلك المناطق. لذلك يتوجب على الحكومة مساعدة وزارة الري والدفاع المدني والجهات الأخرى ذات الاختصاص على تحديث الخرائط وبناء قاعدة بيانات كبيرة يسهل الوصول اليها من قبل للعامة. وقديما قيل الاستعداد للمصيبة يمنع المصيبة. د. أحمد عبد الله الشيخ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. صورة اخذت من موقع صحيفة الديلي ميل البريطانية توضح الانحناء الذي حدث في السد5. المراجع 1. https://www.youtube.com/watch?v=W_6bC5jiP5U&feature=youtu.be 2. https://www.cnn.com/style/article/china-three-gorges-dam-intl-hnk-dst/index.html 3. https://www.youtube.com/watch?v=n6QyfrS7ARI&feature=youtu.be 4. https://www.internationalrivers.org/sites/default/files/attached-files/irfactsheet_dammed_rivers_lores.pdf 5. https://www.dailymail.co.uk/news/article-7227511/Three-Gorges-Dam-safe-say-China-officials-dismissing-online-rumors.html