د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاقة المسلم مع غير المسلم في المنظور الإسلامي بين المبادئ الإسلامية والممارسة العملية .. بقلم: أ.د. أحمد محمد أحمد الجلي
نشر في سودانيل يوم 20 - 09 - 2020


بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقدمة
من القضايا التي تثار في هذا العصر وبحدة شديدة في إطار الفكر الإسلامي وعلى مستوى العالم أجمع ،قضية علاقة المسلمين مع من يخالفونهم في العقيدة والدين، ويختلفون معهم في التوجه الحضاري والتكوين الثقافي.إذ اتهم المسلمون،لا سيما بعد أحداث 11 / سبتمبر/2001م، بأنهم دعاة حرب واستئصال للآخرين،وأنهم يسعون الى تدمير الحضارة الإنسانية المعاصرة، وقد أيدت سلوكيات بعض الجماعات الإسلامية وممارساتها للعنف، من قطع للرؤوس واحراق للناس احياء،وهدم الآثار التاريخية وتدميرها، هذه الصورة الشائة عن الإسلام والمسلمين .ولم تقف التهم عند أولئك الذين قاموا بأعمال أثاروا بها الفزع في نفوس الناس ونشروا الرعب في العالم ، بل عمم الحكم على المسلمين جميعا، وسحبت التهمة على الإسلام نفسه. إذ اتهم الإسلام بأنَّه العامل الرئيس وراء تلك الأعمال ،وأنه يأمر أتباعه بإعلان الحرب على الآخرين،وأنَّ ظواهر العنف والإرهاب التي تقوم بها بعض الجماعات التي تدعي الإسلام وتقوم بتلك الأعمال باسم الإسلام ،إنَّما هي نتاج طبيعي لتعاليم الإسلام الذي يدعو –كما يقول خصومه –إلى إقصاء الآخرين، وعدم التعايش مع غير المؤمنين برسالته،وأنه يشجع على القتل وإراقة الدماء ، واستئصال المخالفين أيًّا كانت هويتهم،وانه يكن العداء للآخر أيَّاً كانت ديانته وتوجهاته.
ولم تكن قضية الارهاب،وعداء الإسلام للآخر، مثار جدل في تاريخ المسلمين. إذ أن تاريخ المسلمين، رغم ما وقع فيه من حروب وصراع بين بعض الفئات الإسلامية وبينهم وبين غير المسلمين هنا وهناك، ولأ سباب مشروعة نشير إليها فيما بعد، فهذا التاريخ شاهد على ما ساد العلاقة بين المسلمين والآخرين من تسامح وتعاون وحسن تعامل، وكان ذلك التاريخ إنعكاساً لتعاليم الإسلام وقيمه التي حددت العلاقة مع الآخر وفقاً لضوابط معينة وأسس واضحة، تقوم على البر والإحسان وحسن المعاملة والإنصاف والعدل في الخصومة في السلم والحرب. بل إنًّ ذلك السلوك الإنساني الراقي كان عاملاً مهماً من عوامل انجذاب الناس الى هذا الدين ودخول الناس فيه والإقبال عليه.
وتحاول هذه الدراسة بيان الأسس الفكرية والقيم التي تحكم العلاقة بين المسلم وغير المسلم وفقاً للمنظور الإسلامي، وكيف انعكست تلك القيم على حياة المسلمين خلال التاريخ، واسهمت في نشر الاسلام، وتقبل كثير من المجتمعات لهذا الدين وحسن استقبال اهله.
كما سيعرض البحث لبعض الشبهات التي أثيرت حول إساءة بعض المسلمين معاملة غير المسلمين في ظروف خاصة وأماكن معينة. كما ستتبع الدراسة ظاهرة العداء للإسلام والخوف منه لا سيما في الغرب الأوربي والأمريكي وتوضيح أسباب تلك الظواهر. وتركز الدراسة بصفة خاصة على موقف المسلمين من غير المسلمين في هذا العصر الذي يشهد تأزماً في علاقات المسلمين بغيرهم لاسيما في الغرب الأوربي حيث توجه حملات منظمة وممنهجة على المسلمين ديناً وحضارة. وهذا يستدعي استكشاف الدوافع وراء هذه الحملة وأبعادها، وكيف يمكن للمسلمين مواجهتها والتعامل معها.
وقد قسمت البحث إلى ثلاثة محاور تضمن كلاً منهما مبحثين أوثلاثة تتابعت كما يلي:
المحور الأول: الأسس النظرية لموقف الإسلام من الآخر وتعامل المسلمين مع غير هم.
المحور الثاني: علاقة المسلمين بالآخر خلال التاريخ.
المحور الثالث: علاقة الغرب بالإسلام والمسلمين من الحروب الصليبية الى العصر الراهن.
المحور الأول
الأسس النظرية لموقف الإسلام من الآخر وتعامل المسلمين مع غيرهم
المبحث الأول: الأسس الفكرية والعقدية لعلاقة المسلم بغيره
من خلال استعراض النصوص الإسلامية، ومراجعة ما ورد في القرآن والسنة النبوية من ضوابط توجه علاقات المسلمين مع غيرهم، يمكن أن نستخلص الأسس الفكرية والعقدية التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات بين المسلمين وغيرهم، من أصحاب الديانات الأخرى والحضارات الإنسانية، والتي تتمثل فيما يلي:
1-الآخر مجال للدعوة الإسلامية
إنَّ الآخر في التصور الإسلامي مجال للدعوة الإسلامية، و مدار للخطاب الإسلامي، ومن ثم لا يمكن القول بإقصائه، أو اتخاذ موقف عدائي نحوه.فالإسلام في جوهره، كما هو معلوم، ليس ديناً منغلقاً على نفسه، بل هو دعوة عالمية إلى البشر جميعاً، تخاطب الناس كافة على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، واعراقهم وطبقاتهم الاجتماعية.وقد تأكدت هذه الحقيقة في جملة من المبادئ التي نص عليها القرآن الكريم، وفصلتها سنة الرسول ،والتزم بها المسلمون في واقع حياتهم. فالرسالة التي جاء بها محمد ، لم تختص بالجنس العربي ولم تقف عند حدود الجزيرة العربية، بل كانت رسالة عامة عالمية. تجاوزت حدود القوم والعرب الذين خاطبهم الاسلام ، والزمان الذي ظهرت فيه الرسالة المحمدية،والمكان الذي بدأت فيه الدعوة وانطلقت منه، ومن ثم كان من الطبيعي أن يهتم المسلمون بالآخرين، ويحسنوا التعامل معهم، ويمهدوا الطريق للتواصل مع الآخر المخالف في الدين والمعتقد، وإيصال الدعوة الإسلامية اليه.
2-وحدة الأصل الإنساني
يقرر الإسلام أنَّ الناس جميعاً يعودون إلى أصل واحد، وإنَّ وحدة الخلق الإنساني حقيقة مقررة في ابتداء الخلق، سعت الأديان السماوية كلها، وخاصة الإسلام، إلى التأكيد عليها، وإحيائها في نفوس الناس، وإزالة كل ما يؤدي إلى إضعافها من حقد وخصام وإفساد بين الناس. وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة في العديد من آياته ومن ذلك قوله تعالى: (هُوَ 0لَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَ‌ٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهاَ )،الأعراف:189.وقوله تعالى: (يَٰأَيُّهَا 0لنَّاسُ 0تَّقُوا رَبَّكُمُ 0لَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَ‌ٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً * وَ0تَّقُوا 0للَّهَ 0لَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِۦ وَ0لْأَرْحَامَ * إِنَّ 0للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء:1،.وقد أكد الرسول ،على عدم المفاضلة بين الناس بسبب انتمائهم العرقي أو الجهوي ،لأنَّ الناس جميعاً شركاء في الإنسانية،وهم سواء من حيث بشريتهم،وأن تمايزهم يكون بمقدار تقواهم واستقامتهم وما يقدمونه من عمل صالح. فقد ورد عن النبي  أنه قال:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ،إنَّ أكْرمَكُمْ عند الله أتقاكم ".
3-تكريم الإنسان:
إنَّ الانسان بصرف النظر عن دينه وأصله كائن مكرم عند الله تعالى، وهو مفضل ومميز على كثير من المخلوقات. (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، الإسراء: 70.فكرمهم كما يقول المفسرون- بالعلم والعقل ،وإرسال الرسل ،وانزال الكتب. ومن الأمثلة العملية على هذا التكريم ما رواه البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما،فقيل لهما: إنها من أهل الأرض-أي من أهل الذمة-فقالا: إن النبي  ، مرت به جنازة فقام فقيل له:إنَّها جنازة يهودي.فقال:أليست نفساً"..
4-وحدة الرسالات الإلهية التي جاءت إلى البشر.
يلتقي الإسلام في أصوله العقدية، ومبادئه الإيمانية، مع الرسالات الإلهية السابقة جميعاً، إذ أنَّ تلك الرسالات السماوية جميعاً قد خرجت من مشكاة واحدة،وتعود إلى أصل واحد،ومن ثم لا تختلف في جوهرها،و لا تتعارض في قيمها وتعاليمها.وقد أكد القرآن الكريم ذلك كما في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ 0لدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَ0لَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦ إِبْرَ‌ٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا 0لدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ * كَبُرَ عَلَى 0لْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ * 0للَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)، الشورى:13. وقد أكد الإسلام هذه الحقيقة بأن جعل الإيمان بالرسل السابقين أمراً لا يكتمل إيمان المسلم إلا به: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة:136 ومن ثم دعا الإسلام الى الإيمان بجميع الرسالات السماوية والى تكريم جميع الأنبياء والرسل ، دون تفريق بينهم أو تفضيل . ) ءَامَنَ 0لرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ وَ0لْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِ0للَّهِ وَمَلَٰئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِۦ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ 0لْمَصِيرُ) ، البقرة: 285 ". ويؤكد الرسول  على العلاقة الوثيقة بين هذه الرسالات و تكاملها،والصلة بين الأنبياء والمرسلين،كما في قوله : " مَثَلي ومَثَل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه و أجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلاًّ وضعت هذه اللبنة ، قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"
5-اختلاف الناس في الدين من السنن الإلهية:
يقرر الإسلام أنَّ هناك سنناً اجتماعية جعلها الله حاكمة في المجتمعات الإنسانية.ومن هذه السنن تعدد الديانات واختلاف الناس حولها نظراً لاختلاف خياراتهم، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ. وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هود: 118-119.كما يختلف الناس أيضاً في ألوانهم وألسنتهم، وفي العادات، والأعراف والشرائع:( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً، وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم، فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) المائدة:48. وقوله تعالى: (وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ 0لسَّمَٰوَ‌ٰتِ وَ0لْأَرْضِ وَ0خْتِلَٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَ‌ٰنِكُمْ * إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْعَٰلِمِين) َالروم:22.
وتبعاً لهذا جعل الإسلام حرية الاعتقاد مبدأ من المبادىء المهمة فيه، وأكدها بصورة قاطعة لا تحتمل لبساَ ولا تأويلاَ، وقرر أنَّه لا يجوز إكراه شخص على ممالأة احدى الديانات تحاملاَ على غيرها، فقال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِى 0لدِّينِ * قَد تَّبَيَّنَ 0لرُّشْدُ مِنَ 0لْغَىِّ * فَمَن يَكْفُرْ بِ0لطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِ0للَّهِ فَقَدِ 0سْتَمْسَكَ بِ0لْعُرْوَةِ 0لْوُثْقَىٰ لَا 0نفِصَامَ لَهَا * وَ0للَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة:256. وقد قرر القرآن الكريم هذا المبدأ، مبدأ حرية التدين، في عدة آيات، منها قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف:29
وبتأكيد هذه المبادىء، وإشاعة تلك القيم، قضى الإسلام على التعصب الديني الذي استشرى-قبل ظهور الإسلام-في كثير من المجتمعات، وجر على البشرية ويلات الحروب والصراعات الدموية.ولم يتخلص الناس منه نظرياَ إلاَّ بعد الثورة الفرنسية، وما قررته المواثيق الدولية المعاصرة من حقوق للإنسان ومن بينها حرية الاعتقاد.
وبمقتضى حرية العقيدة، التي كفلها الإسلام، تمكن غير المسلمين من أهل الكتاب من أداء شعائرهم الدينية في دور العبادة الخاصة بهم، والتي سمح لهم باقإمتها وترميم ما يتهدم منها.وكتب التاريخ خير شاهد على ذلك سواء في ذلك ما كتبه المؤرخون المسيحيون أوالمؤرخون المسلمون.( - الحوار بين الأديان (صوفي أبو طالب) في:الإسلام ومستقبل الحوار الحضاري ، ص:159.)
6-العدل والمساواة بين المسلمين وأهل الكتاب من قيم الاسلام وتعاليمه.
يعد مبدأ العدل بين الناس من أبرز مبادئ الإسلام ومقاصده. وخطاب الإسلام يتوجه إلى الناس جميعاً دون تمييز بينهم بسبب الدين أو اللغة أو الأصل أو الحرفة أو الطبقة الاجتماعية.فأمر الله سبحانه وتعالى بالعدل بين الناس (إِنَّ 0للَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا 0لْأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ 0لنَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِ0لْعَدْلِ إِنَّ 0للَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓ إِنَّ 0للَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)، النساء:58. وقد جعل الرسول ،الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله فقال :"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلاَّ ظله:الإمام العادل ،وشاب نشأ بعبادة الله، "..وحرص الإسلام على تأكيد أنَّ العداوة بين الناس لا ينبغي أن تحملهم على الظلم، وعدم إقامة العدل: (يَٰأَيُّهَا 0لَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّ‌ٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِ0لْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنََٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا* 0عْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَ0تَّقُوا 0للَّهَ * إِنَّ 0للَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )، المائدة:8.
كما قرر الإسلام مبدأ المساواة كأساس متين تقوم عليه المعاملة بين الناس جميعاً داخل المجتمع المسلم ووفقاً لتعاليم الإسلام،فالناس جميعاً خلقوا من أصل واحد، فالأب آدم ،والأم حواءُ ،فيقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) النساء:1 .وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله :"إنَّ الله قد أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقيٌّ، وفاجر شقيٌّ ،أنتم بنو آدم وآدم من تراب،ليدعنَّ رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم،أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن.". ويقرر الرسول  أن الله لاينظر إلى صور الناس و لا إلى ألوانهم ولا إلى أموالهم ،ولكن ينظر إلى قلوبهم وما تنطوي عليه من خير أو شر،وما يصدر عنهم من أعمال طيبة خالصة،فقد ورد عن أبي هريرة أن رسول الله  قال:" إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم،ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"..
وتاريخ المسلمين يؤكد التزامهم بهذه المباديء، وتمسكهم بها. ويمكن الإشارة هنا إلى قصة عمر  مع عمرو بن العاص واليه على مصر ،حينما اعتدى ابن عمرو ، على غلام قبطي فاز عليه بسباق الخيل، فضربه ابن عمرو قائلاً له: خذها وأنا ابن الأكرمين. فما كان من والد الغلام الا أن رفع أمره الى عمر، حينما لم يجد النصفة من عمرو، فاستدعى عمر عمرو بن العاص وابنه ،ولما تحقق من صدق القبطي ،طلب منه أن يقتص من ابن الوالي ، وقال عمر قولته المشهورة مخاطباً عمرو بن العاص :متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. ثم قال للمصري: انصرف راشداً فإن رابك ريب فاكتب إليَّ. ( انظر: مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (ابن الجوزي)،ص96-97.-)
ووفقاً لتلك التعاليم القرآنية، والقيم النبوية،سادت روح المساواة في المجتمعات الإسلامية، وأصبحت حقيقة مستقرة بين الناس، تؤكدها مواقف الحكام، وتصرفات العامة، وتسندها أحكام الإسلام من العبادات والمعاملات والحدود، التي تبرز من خلالها قيمة المساواة بين الناس بشكل واضح.
7-العلاقة بين الناس أساسها التعاون: قدبين القرآن الكريم، كما سبق أن أشرنا، أن معيار التفاضل بين الناس هو مقدار ما يحمل كل منهم من قيم إنسانية، أو يتحلى به من تقوى كما عبر القرآن الكريم. ومن ثم فإنَّ اختلاف الناس شعوباً وقبائل لا ينبغي أن يكون مسوغاً للصراع والتنازع والفرقة.بل ينبغي أن يكون سبيلاً إلى التفاهم وتبادل المنافع والمعارف والتجارب (يَٰأَيُّهَا 0لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ 0للَّهِ أَتْقَاكُمْ * إِنَّ 0للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات:13.
فالناس سواسية من حيث بشريتهم. و يكون تمايزهم بمقدار تقواهم واستقامتهم ،وما يقدمونه من عمل صالح.،وأن الأساس الذي تقوم عليه علاقات الناس مسلمين وغير مسلمين،التعاون والعمل المشترك من أجل خير الناس جميعًا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة:2. كما أن اختلاف الدين ليس مدعاة للعداوة أو الاعتداء،ولا يحل الخلاف الديني عن طريق حمل الأقوياء الناس واكراههم على معتقداتهم،فالقرآن يقرر: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ،البقرة:256 . وأن دور الرسول هو البلاغ: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، آل عمران:20. وقد اعتبر الإسلام الإساءة الى فرد من الناس إساءة إلى الإنسانية كلها،وفي المقابل يعد تقديم الخير إلى فرد واحد من أفراد الإنسانية بمثابة تقديم الخير إلى الإنسانية كلها، وإنَّ قتل فرد بمثابة قتل وتعد على الجميع ،وأنَّ إحياء نفس واحدة بمثابة إحياء للناس جميعاً،وهذا ما عبرت عنه الآية الكريمة :(مِنْ أَجْلِ ذَ‌ٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرَ‌ٰءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى 0لْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ 0لنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا 0لنَّاسَ جَمِيعًا ) المائدة:32.
8-المسلم ليس مسئولاً عن معاقبة الكافر على كفره:جعل الله تعالى مهمة الرسول  تبليغ رسالة ربه،وما على الرسول إلا ذلك كما قال تعالى: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) ،النحل: 82، وقوله تعالى:( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) ،العنكبوت: 18 ،وقوله تعالىى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) الغاشية: 21-22، ومهمة المسلمين ما هي إلا امتداد لمهمة الرسول ،ومن ثم فإنَّ دروهم لا يتجاوز حدود الدعوة الى الله تعالى ،وحث الناس على الدخول في دين الله الحق ،وليس من مسؤليتهم دخول الناس في الدين،وحمل الناس على الإسلام ، أوإكراههم على ذلك ،وتبعاً لهذا فإنَّه ليس من شأن المسلم عقاب الكافر على كفره،وعدم اتباعه الهدي الإلهي ،بل إنَّ حساب الناس على إيمانهم وكفرهم ، أمر يتولاه الله سبحانه وتعالى، فيجازي المؤمن على إيمانه ويعاقب من كفر على كفره وجحوده. ويؤيد ذلك ما ورد في العديد من الآيات، مثل قوله تعالى: (وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ، اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، الحج: 68-69.وبهذا تحسم مواقف الغضب والكراهية بين المختلفين في الدين، إذ يدركون أنَّ الله هو الذي يتولى حساب الجميع ويحكم بينهم في دار غير الدار الدنيا: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ،البقرة:113.
بهذه الروح العالية ووفقاً لهذه المبادئ السامية، والنظرة المتسامحة، وضع الإسلام أسس العلاقة مع الآخرين، فأكد الوحدة بين الناس، وفي الوقت نفسه قرر سنة الاختلاف والتنوع، ودعا إلى منهج التدافع بدلاً من الصراع في معالجة المتناقضات التي تفرزها الحياة بين الفرقاء المتعددين. والى الحوار بدلاً من الصدام والخصام. وهكذا فإنَّ الاختلاف بين الناس، وما يترتب عليه من تدافع أو حوار حضاري سنة من سنن الله التي تحكم المجتمعات والأفراد، وأنَّه رحمة من عنده يتبين من خلالها ويتميز الحق من الباطل، ويظهر الخير على الشر. (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، الحج:40. (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة:251. ومن هنا شجع الإسلام التدافع لا الصراع، ودعا إلى الحوار بدلاً من التصادم والعراك.ومن يقرأ القرآن يدرك دوره، ودور الحوارات المتعددة والمتنوعة المبثوثة في سوره وآياته في صياغة الروح الحوارية لدى المسلمين، والتي تجسدت في علاقة الإسلام وأمته وحضارته مع الآخرين.( انظر: الحوار في القرآن والسنة ،أسسه وأهدافه وضوابطه) أحمد محمد الجلي),مجلة الأحمدية ،تصدار عن دار البحوث الإسلامية وإحياء التراث ( دبي ) العدد السادس عشر / المحرم 1425/ فبراير 2004م.)
ولم تكن تلك المبادئ مجرد نظريات مثالية أو شعارات غير واقعية، ولكنها كانت واقعاً عاشه المسلمون، وطبق عملياً في المجتمع الإسلامي الأول، حيث رأينا الموالي من غير العرب يتصدرون مكان القيادة، ويشارك غير المسلمين، من مختلف الأعراق والأديان والملل، في بناء الدولة الإسلامية. ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية واحتوائها حضارات عريقة، ولغات عديدة -نمت العلوم والمعارف، وبرز ساسة ومفكرون وفلاسفة من الفرس والترك والروم، ومن اليهود والنصارى وغير هؤلاء وأولئك من الشعوب والأجناس وأصحاب الملل والنحل والمعتقدات.
ومن خلال الواقع التاريخي لحركة المسلمين، نجد أنَّ الدولة الإسلامية منذ نشأتها الأولى تألفت من شعوب وأجناس ونحل ومعتقدات متباينة، وأنَّ ذلك الاختلاف، لم يمنع غير المسلمين من السريان والفرس وغيرهم من الإندماج في المجتمع الإسلامي، والمشاركة النشطة في العمل الفكري والثقافي بالترجمة والتأليف، ومزاولة الطب والفلك وسائر العلوم. وأنَّ ذلك التنوع السلالي واللغوي والثقافي يعد مفخرة من مفاخر الإسلام، وتأكيداً لطبيعة رسالته الكونية وثقافته الإنسانية التي شارك فيها أعلام متميزون، وأسهم في بنائها مفكرون عظام من أمثال: ابن سينا، والغزالي، والخوارزمي، وغيرهم. كما لم يكن هناك حرج لدى المجتمع المسلم أن تنتقل القيادة السياسية للعالم الإسلامي برمتها من ديار العرب، وأن تصبح الجزيرة العربية نفسها -مهد الرسالة، ومنزل الوحي -جزءاً من الإمبراطورية العثمانية (التركية)، وأن يقود دولاً إسلامية، ملوك وأمراء وقادة من الترك والألبان والأكراد وغيرهم.
وفي تلك الأجواء التي كان يسودها التسامح وقبول الآخر،وجد الحبر اليهودي موسى بن ميمون القرطبي، (ولد في قرطبة عام 1135 م ، وتوفي عام 1204 م في القاهرة،و كان يعمل طبيباً للأسرة الأيوبية في مصر)، مكانته في المجتمع الإسلامي،واستطاع أن يكتب أشهر كُتبه " دلالة الحائرين"، في أصول الدين اليهودي ، ويوجه الرسائل للجاليات اليهودية المنتشرة في العالم الإسلامي، يحثها على التمسك بدينها وثقافتها. كما استطاع يوحنا الدمشقي، النصراني، الذي كان وزيراً للمالية في قصر الخليفة الأموي في دمشق، أن يكتب كتباً في الإلهيات المسيحية، وأن يؤلف رسالتين على شكل محاورة بين مسيحي ومسلم في شأن ألوهية المسيح وحرية الإرادة الإنسانية، حاول من خلالها تبرير العقيدة النصرانية والدفاع عنها، في مواجهة مفهوم التوحيد الإسلامي، وخلال كتاباته، طعن في عقيدة المسلمين، وألف الكتب في الرد عليهم وجادل علماءهم في أمور كثيرة. وفي الحالتين لم تثر ثائرة أحد من المسلمين على ما كتبه موسى بن ميمون ويوحنا الدمشقي، مع أن كتبهما اشتملت على غمز بطريقة مباشرة، وغير مباشرة في الإسلام، بل كان الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن هي الوسيلة التي اتبعها علماء المسلمين في مواجهة تلك التجنيات على الإسلام وتعاليمه.
المبحث الثاني :السلام وليس الحرب أساس علاقة المسلم مع الآخر
دعا الإسلام إلى السلام بين الأمم والشعوب، وبين المجتمعات المتعددة الأجناس، المختلفة الأعراق واللغات والثقافات والعقائد، وحمل تلك الدعوة والتزم بها المسلمون، وذلك قبل أن تلتزم دول العالم -بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة سنة 1948م -بعدم اعتداء بعضها على بعض، وبحل المنازعات بينها بالطرق السلمية.
وقد أقام الإسلام دعوته إلى السلام على الأسس التالية:
أ-قد أمر الله المسلمين أن يتجهوا إلى السلم والدخول فيه، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)، البقرة: 208. وحث المسلمين على قبول السلم إذا رأوا من أعدائهم ميلاً له، والاستجابة لدعوة السلام إذا صدقت نية الطرف الآخر في التوصل إليه. يقول تعالى:)وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (، الأنفال: 61. وقوله تعالى: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً)، النساء: 90، فهذه الآيات البينات، جاء فيها الأمر بقبول السلم من غير المسلمين إذا جنحوا إليه، ولم يبادروا المسلمين بعداوة أو قتال.
ب-.-شجع القرآن الكريم وحث المسلمين -في العديد من الآيات-على إحسان الصلة بمن يخالفونهم في الدين والعقيدة، ودعاهم الى الالتزام بمبدأ العدل في معاملة غيرهم، والبر بهم ما داموا غير مقاتلين، ولم يعتدوا على المسلمين.كقوله تعالى :( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). الممتحنة:8.
ج-أمر الإسلام بأن تبدأ علاقة المسلم بالآخر، بدعوته إلى الإسلام، وان يكون ذلك عن طريق الحوار والجدال بالحسنى، والموعظة الحسنة، فقال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل:125. وتطبيقاً لهذا المنهج الرباني، قام الرسول  بإرسال الرسل وكتابة الكتب إلى أمراء زمانه وحكام الدول آنذاك داعياً إياهم إلى الإسلام، كما أمر رسله ومبعوثيه إلى القبائل أن يبدأوهم بالدعوة الى الإسلام،وعرض رسالته عليهم،وإقناعهم بها. فقد ورد قول النبي  لعلي بن أبي طالب يوم خيبر حينما سأله علي فقال : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال  : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام ،وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم"
وكان ، إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً ،ثم يبين له أسس التعامل مع الآخر،والقيم الأخلاقية التي ينبغي مراعاتها قائلاً: " اغزوا باسم الله ، في سبيل الله . قاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولاتغلوا ،ولاتغدروا ،ولا تمثلوا ،ولا تقتلوا وليداً.وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، (أو خلال)، فأيَّتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم.ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحولوا منها،فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين. ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن أبوا هم ابوا فسلهم الجزية. فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم". . ومعنى هذا أنَّ دعوة الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم أمر واجب إن لم تكن قد بلغتهم الدعوة، ومستحبة إن تكن قد بلغتهم. هذا إذا كان المسلمون هم الذين قصدوا الكفار في ديارهم، أما إذا كان الكفار هم الذين قصدوا المسلمين، ففي هذه الحالة للمسلمين الحق أن يقاتلوهم من غير دعوة، لأنَّهم بذلك يدافعون عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
وهكذا فإنَّ الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم لا الحرب، وأنَّ البداية معهم ينبغي أن تكون دعوتهم إلى دين الإسلام كمرحلة أولى لا يسبقها غيرها، وفي هذه الحال لا يعدو الأمر أن يستجيبوا لتلك الدعوة، أو يردوها من غير أذى أو معاندة، أو يقفوا في طريق الدعوة ويمنعوا المسلمين من البلاغ، وتبعاً لذلك تتحدد علاقة المسلمين بهم على النحو التالي:
1-فمن استجاب منهم للدعوة، واعتنق دين الإسلام، أصبح أخاً للمسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم. قال تعالى: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) التوبة: 11.
2-ومن لم يقبل الدخول في الإسلام، لكنًّه لم يقف في طريق دعوته، ولا قاتل من يدعو إليه، وسالم المسلمين سواء كان من أهل العهد أم لم يكن. فأمثال هؤلاء يكون الأصل في حقهم المسالمة، ما لم يعتدوا بقول أو فعل. وعلى هؤلاء تحمل الآيات التي أمر الله فيها بالسلم، وأباح فيها الإحسان للآخر غير المسلم، كقوله تعالى :( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ")، الممتحنة: 8. وقوله:( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) النساء:5. قال الشوكاني رحمه الله تعليقاً على هذه الآية: " فإن اعتزلوكم ولم يتعرضوا لقتالكم وألقوا إليكم السلم أي استسلموا لكم وانقادوا، " فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً"، أي طريقاً، فلا يحل لكم قتلهم ولا أسرهم ولا نهب أموالهم، فهذا الاستسلام يمنع من ذلك ويحرمه". (فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (محمد بن علي الشوكاني) ، 1/742.)
3-من لم يرفض الإسلام فحسب بل وقف في طريق الدعوة إليه، أو نقض عهده مع المسلمين، أو اعتدي على أحد منهم بقول أو فعل، أو خطط لذلك مستقبلاً، فهؤلاء الأصل في حقهم الحرب، وهي المرحلة التالية لدعوتهم إلى دين الإسلام. وعلى هؤلاء تحمل الآيات الواردة بقتال المشركين، كقوله تعالى :) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ( ، البقرة 193 ، وقوله تعالى : ( فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )، التوبة 5، وقوله تعالى :( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ) البقرة :191.والمراد بهؤلاء الذين أمر الله بقتالهم في هاتين الآيتين كفار مكة الذين قاتلوا رسول الله وصحابته وأخرجوهم منها. ، وقال الله تعالى في حقهم: " وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ". فأمر الله بقتالهم أنى كانوا، لأنَّهم آذوا رسول الله  ، وصحابته-رضي الله عنهم-،وأخرجوهم من ديارهم،ووقفوا في طريق دعوتهم للإسلام.قال ابن تيمية رحمه الله : (القتال هو لمن يقاتلنا، إذا أردنا إظهار دين الله، كما قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) ،البقرة: 190(مجموع فتاوى ابن تيمية (ابن تيمية )، 28/354.) وقال الإمام النووي رحمه الله: (الناس صنفان: فأما الذين قاتلوا أهل الإسلام أو أجلوهم عن أوطانهم أو أعانوا على شيء من ذلك، فمن الظلم المنهي عنه أن يتولاهم المسلمون، ويحسنوا إليهم. ولهؤلاء وأمثالهم شرع القتال ليفسحوا للدعوة سبيلها. وأما الذين لم يفعلوا شيئاً من ذلك، فلا على المسلمين جناح أوحرج في الإحسان إليهم والبذل لهم." ( المنهاج في شرح صحيح مسلم (النووي ،: ج 1 /98-99..) وأما قوله تعالى: (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً)، التوبة: 36. فهذا من طريق المقابلة الجماعية أمام تكتل المشركين الجماعي. وهو أمر لكافة المسلمين المُقاتلين بمحاربة كافة المشركين المقاتلين. قال ابن كثير رحمه الله تعليقاً على هذه الآية: "كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم، فاجتمعوا أنتم أيضاً لهم إذا حاربتموهم، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون. ويحتمل أنَّه أذن للمؤمنين بقتال المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم".( انظر:هل الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم السلم أم الحرب؟(عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل) في: http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-86-4230.htm.))
المبحث الثالث:الحرب في الإسلام ضرورة وليست إستراتيجية.
رغم أنَّ الحرب كما يقول بعض علماء الاجتماع والسياسة،جزءٌ من الطبيعة الإنسانية،وأنَّ ازهاق الأرواح جبلة جبل عليها الإنسان، وغريزة من غرائزه المتأصلة،ولذا جاءت الاديان لمحاربتها وتطهير النفس منها،ومن ثم أعلن القرآن الكريم أنَّ القتال أمر مكروه ،واستثناء وليس القاعدة ،وهو ضرورة تقدر بقدرها .وليس هو السبيل إلى تقدم الأمم وتطور المجتمعات وازدهار العلوم والحضارات كما تدعي بعض الفلسفات،كما انه ليس الاساس الذي ينبغي ان تقوم عليه العلاقة بين الناس. يقول الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة:216. كما نهى النبي  عن الرغبة في الحرب، وتمني لقاء العدو وقال :"لا تتمنوا لقاء العدو،فإذا لقيتموهم فاصبروا" (صحيح البخاري.كتاب الجهاد والسير ،باب لا تمنوا لقاء العدو .رقم:3026.)وهذا يدل على أنَّ حالة الحرب حالة طارئة، لا يشرع للمسلم أن يتمناها إلا إذا قامت أسبابها، وتوافرت دواعيها. فإن قدر للمسلم لقاء عدوه، فالمشروع حينئذ الصبر والثبات، وإعداد القوة.
أسباب الحرب ودوافعها في الإسلام: قيد الإسلام الحرب بقيود تهدف إلى تضييق نطاقها، والتخفيف ما أمكن مما يترتب عليها من مآس وآلام، ومن ثم فإنَّ الحرب في الإسلام لا تشرع إلا في الحالات التالية:
- الدفاع عن النفس: قد شرع الإسلام -في العديدمن الآيات القرآنية-القتال وأاحه للمسلمين في حال الإعتداء عليهم أو ظلمهم أو مقاتلتهم. كقوله تعالى :( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ،فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ، البقرة: 190-192، وهذا حق مشروع كفلته كل القوانين البشرية والأديان السماوية والوضعية ،وأباحت لمن اعتُدِيَّ عليه أو ظُلِمَ أن يدفع عن نفسه العدوان، ويرفع الظلم الذي يقع عليه. ورغم أن الإسلام أباح للمسلم رد العدون ومقاومة الظلم والسعي إلى رفعه، فإنَّه قيد هذا الحق بعدم تجاوز الحد في القتال، وعدم التعدي فيه، والمعاملة بالمثل ،كما أشارت إلى ذلك الآية السابقة. وحروب النبي  ، التي خاضها ضد المشركين، كان المشركون فيها هم المعتدون أو المتسببون في القتال، بأسباب مباشرة أو غير مباشرة. وهذا يؤكد أنَّ الأصل مع الكفار السلم لا الحرب، ولو كان الأصل معهم الحرب لكان النبي يبدؤهم بذلك. والمتواتر من سيرته ، أنه لم يبدأ أحداً بالقتال.كما أنَّ رسائل النبي ، إلى الملوك والأمراء، ودعوته لهم بالدخول في الإسلام ، يدل على أنَّ الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم السلم، والبدء بالدعوة الى الحق ولو كان الأصل الحرب لما أرسل الرسول إليهم رسائل، وإنما بعث إليهم جيوشاً لمحاربتهم وقتالهم.
- الرد على من نقض العهود: كما شرعت الحرب في الإسلام للرد على نقض المعاهدات ونكث العهود من قبل الآخرين، أو سعيهم في الكيد للإسلام والمسلمين. يقول سبحانه وتعالى: (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) التوبة، 12.
- درء الفتنة: قد يشرع القتال لدرء من أراد فتنة المسلمين عن دينهم، والسعي بالفساد بينهم، وتهديد سلامة المجتمع والدولة الإسلامية. يقول الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)، البقرة، 193.
- رد الظلم: كما تجوز الحرب لرد الظلم ورفع الاضطهاد عن المستضعفين، ومن لا قدرة لهم ولا حيلة على رد العدوان.يقول تعالى:( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً)، النساء: 75. وقوله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) ، الحج: 39 – 40... وهذا حق تضمنته كل المواثيق الدولية ،بل إنَّ المنظمة الدولية للأمم المتحدة أعطت لنفسها الحق بالتدخل العسكري في مثل هذه الحالات،وهو ما وقع كثيراً في العقود الأخيرة.
التخفيف من آثار الحرب وآلامها: وضع الإسلام من التعاليم ما يقلل من شرور الحرب-حينما تقع-ويخفف من ويلاتها، إذا ما اضطر المسلمون إلى خوضها. فوضع من الضوابط ما يمكن أن نسميه "آداب القتال وأخلاقياته" أو قانون الحرب، وذلك كي يخفف من آثار الحرب السالبة، وما تسببه للناس من مآس . ومن تلك الضوابط:
حماية غير المقاتلين من النساء والصبيان والعجزة. والشيوخ وغيرهم ممن يطلق عليهم المدنيين، وعدم التعرض لرجال الدين الذين انقطعوا للعبادة ولم يشاركوا في الحرب، فهؤلاء جميعاً يأمر الإسلام بحمايتهم وتوفير الأمن لهم.فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أنَّ رسول الله  رأى في بعض مغازيه إمرأة مقتولة ،فأنكر ذلك ،ونهى عن قتل النساء والصبيان". وقال: " لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً و لا امرأةً".. وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي  كان اذا بعث جيوشه قال: " لا تقتلوا أصحاب الصوامع".كما وصى الخليفة أبوبكر يزيد بن أبي سفيان حين ولاه قيادة الجيش قائلاَّ: " إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف-( وهنا يفرق بين رهبان النصارى ورؤساءهم ،فأمر بقتل الأخيرين لما لهم من تإثير على أتباعهم) -، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأةً ،ولا صبياً ،ولا كبيراً هرماً ،ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً ،ولا تعقرن شاةً ولا بعيراً إلا لمأكلة ،ولا تحرقن نخلاً، ولا تغرقنه، ولا تغلل ولا تجبن ( أي لا تخاف من العدو فيطمع فيك)..".
عدم استخدام الأسلحة الفتاكة: ومن ضوابط الحرب في الإسلام، عدم استخدام الأسلحة الفتاكة، أو ما يعرف بأسلحة الدمار الشامل مثل: الأسلحة الكيماوية، والأسلحة الجرثومية، أو القنابل النووية، أو القنابل الحارقة، التي تؤدي إلى هدم الدور وحرق الأراضي وتدمير المباني، وقتل الحيوانات.فهذا كله من الإفساد في الأرض الذي نهى عنه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) البقرة:205. وقد ورد في وصية أبي بكر السالفة الذكر:" ولا تقطعن شجراً مثمراً ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاةً ولا بعيراً إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلاً ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن".
احترام الإنسان المحارب حياَ وميتاَ، إنَّ الرجل المقاتل هو إنسان في المقام الأول، ومن ثم أوصى الإسلام بوجوب حفظ كرامته إذا قتل أو جرح أو وقع أسيراَ. فقد أمر الإسلام بحسن معاملته حياً أو ميتاً، وأوجب دفن الموتى وإحترام إنسانيتهم. ففي حديث يعلى بن مُّرة قال: " سافرت مع النبي  غير مرة فرأيته إذا مر بجيفة إنسان فلا يجاوزها حتى يأمر بدفنها و لا يسأل مسلم هو أم كافر". ولما قتل مشركو قريش في بدر أمر الرسول  بأن يحفر لهم حفرة ويدفنوا فيها. وأما الجرحى فأمر الإسلام بعلاجهم ورعايتهم، ونهى عن قتلهم، فقد قال  عند فتح مكة : " ألا لا يجهزن على جريح و لا يتبعن مدبر ،و لا يقتلن أسير ،ومن أغلق عليه بابه فهو آمن".، ونهى النبي  عن التمثيل بالقتلى والجرحى، ومن وصاياه  للمقاتلين: " اخرجوا باسم الله،تقاتلون في سبيل الله من كفر،لا تغدروا، ولا تغلُّوا و لا تمثلوا،و لا تقتلوا الولدان".
أما الأسرى فقد منع الإسلام قتلهم، وأمر بإطعامهم ورعايتهم وعلاجهم، فقال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) الإنسان: 8-9.كما جعل لهم أسباباً كثيرة لاطلاق سراحهم أو فدائهم.
وهنا لا بد من الإشارة الى مصطلح الجهاد وما ارتبط به من سوء فهم، وتصويره بأنَّه يوجب مقاتلة غير المسلمين والقضاء عليهم باعتبارهم كفارا. وحقيقة فإنًّ الجهاد في المصطلح الإسلامي يعني بذل الجهد والطاقة في القيام بأمر معين،ومن ثم استخدم مرتبطا بالقرآن كما في قوله تعالى: (فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ) الفرقان:52، إشارة إلى جهاد الدعوة والحُجة وذلك ببذل الوسع والطاقة في مدافعة الباطل الاعتقادي والفكري بهذا القرآن ، وذلك بابلاغ آياته والاحتجاج ببراهينه وبأحكامه وعقائده ،وما فيه من زواجر ،وهذا النوع من الجهاد سابق ومقدم على جهاد السلاح والسنان، وذلك - كما قال ابن القيم -: «لعظيم منفعته، وشدة مؤنته، وكثرة أعدائه»، ولأنه لولا قوة الحجة، لما أفادت حجة القوة، ولما أدت شرعة الجهاد مقاصدها من الهداية والإصلاح، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، ولأنَّ المجاهد بلسانه يكون جهاده أخوف على نفسه؛ لأنه يكون بين ظهراني من يجاهدهم، وتحت سطوتهم في الغالب" ( زاد المعاد في هدي خير العباد،( ابن القيم )، . 5/3 ).أما الجهاد بمعنى القتال فإنه لا يقع –كما أشرنا- إلا إذا كان لضرورة معينة،ويجري وفقاً لضوابط مشددة، ولا يصح أن ينال المدنيين المسالمين، ولا يجوز أن يكون فيه دمار شامل للإنسان أو الأشياء النافعة للإنسان. ومن هنا يتبين أنَّ ما تقوم به بعض الجماعات المتطرفة من قتل للأبرياء وتعد على الناس ،وانتهاك للحرمات ، أعمال منافية لأدب الإسلام في السلم والحرب، ومخالفة لنصوص القرآن وهدي الرسول  ،وبعيدة عن الروح العامة للدين الإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.