السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلام والمصالحة الوطنية .. بقلم: كوكو موسى
نشر في سودانيل يوم 06 - 10 - 2020

''هم ما بجي لي أي شخص في الحركة ، هم بجي عشان في حاجة ، وجع في قلب بتاعو ، في حاجة سخن في قلب بتاعو ، ده ياهو السبب هم بجي.‘‘*1
د. جون قرنق
جنوب النيل الأزرق ، متحدثاً لقواته المتطوعة حديثاً من الأدوك والذين سيقومون للتو بفتح جبهة النيل الأزرق مذكراً إياهم سبب قدومهم وغيرهم من المقاتلين من جبال النوبة للتجنيد.
إن البرود الذي تم به إستقبال سلام جوبا من جميع القطاعات مبرر ولا يحتاج لكثير توضيح إلا لمن أراد أن يخدع نفسه، وحتى لمن يتمنون أن يوقع عليه القائد عبدالعزيز آدم الحلو والقائد عبد الواحد محمد نور، فإذا إفترضنا بأن هذه الأمنية قد تحققت بتوقيع هذين القائديين حتى مع إقرار علمانية الدولة وتقرير المصير بالنسبة للحركة الشعبية بقيادة الحلو، فمن المرجح بأن هذا لن يقود للسلام. إن توقيع إتفاقيات السلام بهذه الطريقة التي أدمنها المركز لايعني المصالحة الوطنية، ومالم تتصالح الحواضن الإجتماعية للفئتين المتحاربتين فإنه لايمكن تحقيق السلام.
سلام جوبا الذي تم التوقيع عليه مبدئياً في نهاية أغسطس الماضي ومن ثم نهائياً في الثالث من إكتوبر الجاري هو سلام سطحي لايعني التعافي الإجتماعي والسياسي ولا يعني عدم العودة للحرب. نستطيع أن نرى بأن عملية السلام التي تم التوقيع على بنودها النهائية في جوبا لاتمثل إقلاعاً للنخب السودانية هامشاً ومركزاً عن توقيع إتفاقيات سلام ليس لها علاقة بالسبب الرئيسي للمشكلة سبب الحرب وإنما علاقة مباشرة بمشاكل هذه النخب، ويمكننا أن نرى بوضوح بأن كل طرف وقع على السلام وهو مجبور أو حتى متهافت ليحل مشكلته التي تسبب فيها الصراع الطويل وتداعياته على الأطراف المعنية وبسبب الضغوطات الدولية الهائلة والتغيير الداخلي الجزئي لنظام الحكم في السودان ووعده بتحقيق السلام في ستة أشهر. فبالنسبة للحركات المسلحة الموقعة فإن من بينها ما لايمكن أن ينطبق عليه هذا المسمى، ناهيك عن وجود شخصيات تتحرك بصفاتها الإعتبارية السابقة بعد طردها من حركاتها التي كانوا ينتمون إليها وتم التوقيع معهم لأغراض الدعاية والعلاقات العامة والتآمر لا أكثر ولا أقل، أما من يمكن أن نعتبرهم حركات فإن غالبيتهم في حالة موت سريري عسكرياً، ورغم أنه لا يمكن إنكار أن لبعضهم وجود عسكري ملموس إلا أنه بأي حال لم يعد مؤثراً على الأرض ولا يشكل تهديداً إستراتيجياً خطيراً للحكومة. إن نرجسية معظم قادة هذه الحركات هي السبب الرئيسي لتوقيعها لإتفاق مع الحكومة، لقد كان من الأجدى بأن من ليس له قوات بأن يحفظ ماء وجهه وأن يترجل ليحفظ له التاريخ مساهماته في النضال، أما من أصبحت قواته غير مؤثرة فكان من الأجدر له الإندماج مع من له قوى أكثر تأثيراً، حتى لو أدى ذلك لضم قواته وخروجه عن المشهد بالإستقالة وبتنازله عن القيادة لقادته العسكريين لتسهيل دمج القوات وحتى لا يضطر لأن يصبح الرجل الثاني في حركة أخرى. وبما أن هذا سيناريو مثالي وحالم وبما أنه ''حدث ما حدث‘‘ فإن الواقع ونوايا الأطراف الموقعة تبدو جلية وهي حشد كل طرف لحاضنته الإجتماعية ووسائل الضغط الأخرى خلفه عند تنفيذ الإتفاق، بالنسبة للمركز لكي تتم إعاقة أما بالنسبة للحركات لتفيذ البنود المفصلية لكل طرف، وهذا عبارة عن مواصلة الحرب بوسائل أخرى قد تنتهي بالعودة للحرب التقليدية مرة أخرى.
وهذا يقودنا لأن هذا الإتفاق عبارة عن نقل المعارك لكسب الحرب داخل أروقة الحكومة ومؤسسات الدولة المختلفة بعيداً عن تحقيقه بين الحواضن الإجتماعية وفي حالة إنتصار أحد الأطراف سيجد نفسه في مواجهة مع الحاضنة الإجتماعية للطرف الآخر مما سيقوض حتماً عملية السلام برمتها. ولهذا فإن السلام بدون إقتناع حقيقي من النخب الموقعة عليه وإجتهادها في نقل هذا الإقتناع لحواضنها الإجتماعية هو أمر غير ممكن وغير واقعي وعملية سطحية سرعان ما ستتقشر وتتناثر في الهواء.
لصناعة سلام حقيقي ومستدام يجب أن لا يتم إغفال حقيقة أن هناك حاضنتين إجتماعيتين وثالثة في طور التكوين في الدولة السودانية وأن السلام يعني التصالح بين هذه الحواضن عن إقتناع تام، أو على الأقل إقتناع نخب هذه الحواضن بهكذا مصالحة والعمل بإخلاص على تنزيلها لهذه الحواضن في فترة متزامنة. إن الحاضنة الأولى، ولا نقصد الأولى مقاماً ولكن في الترتيب الذي سنذكره هنا، هي السكان الأصليين للشمال والوسط النيلي وهم من يعرفون تاريخياً بالشماليين ومن ينحدرون منهم في جميع المناطق الأخرى وهم من يعرفون تاريخياً بظاهرة الجلابة خصوصاً في مناطق الهامش، وهي الحاضنة المتماهية مع الدولة السودانية حيث لا فرق بين هذه الدولة وهذه الحاضنة الإجتماعية، وفي الحقيقة فإن عملية الحرب والسلام في هذه الدولة محورها تماماً فك التماهي بين هذه الحاضنة والدولة لا أكثر ولا أقل. الحاضنة الثانية وهي ما يعرف بالهامش وعملياً هو طيف عريض يضم داخله كل من لا ينتمي للحاضنة الأولى ولو أنه ينظر إليه في الواقع كنادي لغير العرب من خارج الحاضنة الأولى، والتي تضم عناصر من غير العرب أيضاً ولكنها ليست مهمشة بل من من يمارسون التهميش. وتتخلق في الطريق حاضنة ثالثة من العرب الذين لاينتمون للحاضنة الأولى ويصنفون من ضمن الهامش إلا أنهم أخذوا يكونون وعي خاص بهم قد يضعهم في مفترق طرق مع الحاضنتين الرئيسيتين في هذا الصراع، وفي الحقيقة فإن هذه الجماعة ينظر إليها من قبل الهامش غير العربي كجماعة تابعة وتأتمر بإسم الحاضنة الأولى وتخوض حروبها نيابة عنها، وفي نفس الوقت فإن الحاضنة الأولى تقوم بتهميشهم بأكثر مما تقوم بتهميش غير العرب في الهامش.
إن العديد من السودانيين لا تروقهم حقيقة أن الدولة السودانية عبارة عن رابطة قسرية بين هذه الحواضن والدليل أن الجنوب قد إنفصل عن هذه الرابطة بعد واحدة من أكثر التجارب النضالية تكلفة في تاريخنا المعاصر، وها هي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق تطرح تقرير المصير بقوة بينما تتعالى الأصوات لأول مرة في دارفور والشرق بنفس الطلب، والحل الوحيد العملي الذي لم تجد له الإنسانية بديل حتى الآن هو دولة المواطنة العلمانية الحديثة، والبديل الذي لا مفر منه لذلك هو أن تفرض إحدى هذه الحواضن آيدلوجيتها على الآخرين وبالتالي تحتكر هي كل الإمتيازات، والبديل المطروح الآن هو الآيدلوجيا الإسلاموعروبية، مع وعود من المعتدلين بتخفيف وقعها على الآخرين، ربما عن طريق تزييتها لتنزلق بنعومة، حيث من المعلوم بالضرورة عبر التاريخ القديم والمعاصر بإن إحتكاكها كثقفافة بدوية لا يترك جلداً ولا لحماً ولا عظماً كأي ثقافة بدوية في التاريخ. ويعتقد البعض مخطئاً بأن فرض الإسلاموعروبية في مقابله فرض العلمانية، في الحقيقة فإن فرض الإسلاموعروبية في مقابله فرض الثقافة الإسلاموفوراوية أو الإسلاموزغاوية أو المسيحودينكاوية أو المسيحونويراوية قبل إنفصال الجنوب، ففي الحقيقة مثلا فإن عبد العزيز لن يتجرأ على المطالبة بإسلامومسيحوكجورونوباوية الدولة السودانية! وإلا تم إتهامه بالجنون ومحاربته حتى من بقية مكونات الهامش غير العربية الأخرى بحيث أنها لن تقبل بفرض أي ثقافة عليها سواء كانت إسلاموعروبية أو غيرها، هذا رغم علم عبد العزيز التام بأن تجربة تعايش الإسلام والمسيحية والكجور داخل البيت الواحد بين النوبة تجربة تستحق التعميم إنسانياً وليس في السودان فقط إلا أنه سيطبق شفتيه عليه ويصمت لأنه يعرف بأنه لا يمكنه فرض ثقافته على أحد، ولقد وضح د. جون قرنق هذه النقطة عدة مرات بشرح بسيط وافي يصل لأي عقل به ذرة من العدالة. إن المقاربة الموضوعية بأنه إذا كان هناك فرض للعلمانية فإنه سيكون فرض على الجميع، على المسيحي والمسلم والكجوري وغير العربي والعربي على السواء، وستتيح للجميع ممارسة عاداتهم وأديناهم بحرية ولن تتدخل إلا في حالة ثبوت ضرر من إحدى هذه الممارسات. وإذا كانت العلمانية تابوه بالنسبة لنخبة المركز وحاضنته الإجتماعية لإعتقادهم بأنها مقابل للإنحلال الروحي والأخلاقي، فإننا نتعجب ما الذي يدعوهم للإعتقاد بأنه ليس للآخرين نظم روحية وأخلاقية يخافون عليها، كما أن غرورهم لا يصور لهم بأن هناك ثقافات أخرى أكثر رقياً وتطوراً، جوهراً وليس مظهراً، من ثقافتهم دمرها المستعمر في داخل أفريقيا السوداء هذه نفسها التي يحتقرونها رغم سوادهم هم أنفسهم وفي داخل مجموعات تعرف ب''البدائية‘‘ كثقفافة النوير والبوشمن. ولو كان للأمر علاقة بالإنحلال الأخلاقي والروحي فإننا نتسائل بكل براءة أي إنحلال هذا الذي ستضيفه العلمانية وحقوق الإنسان للمركز ومثقفيه وحاضنته الإجتماعية على حد السواء؟ لقد مارسوا كل إنحلال تعرفه البشرية: سرقوا، قتلوا، كذبوا، نافقوا، تعنصروا، تآمروا، أبادوا، بقروا، مثلوا بالجثث، سحلوا، حرقوا البشر أحياء وأموات، حرقوا الحيوان، حرقوا النبات والجماد، قصفوا المدنيين والأطفال والعجائز والماشية والزرع، قطعوا الأثداء والضحية حية، إغتصبوا نساء ورجال، نقضوا العهود، إستبدوا، إحتقروا، إنقلبوا عسكرياً، أكلوا، شربوا، سكروا، زنوا، لاطوا الأطفال والكبار، تزوجوا القاصرات والطفلات، كشطوا أعضائهن التناسلية، ضربوا النساء، قهروهم، جلدوهم، قهروا الرجال، أذلوهم، دفنوهم أحياء وهم جرحى، نشروا المخدرات، تعاطوها، ... يمكننا أن نستمر حتى مطلع العام القادم ولن تكتمل نصف هذه اللستة، والتي بدأ إرتكابها قبل مجيء الإنقاذ بفترة طويلة. إن هذا يذكرني بمشهد في المسلسل الرمضاني الشهير البرنس والذي لعب دوره النجم الشهير محمد رمضان عندما قالت زوجة أبيه لضرتها زوجة أبيه الأخرى وهم يتآمرون للخروج من المأزق الذي وضعتهم فيه حبكة المسلسل في مواجهة إنتقام البرنس الشنيع بعد أفعالهم الأشنع التي إرتكبوها هم وأبنائهم مع البرنس: (ده نحن ما خليناش حاجة وحشة ما عملنهاش).
ولا يعوزنا القول بأن سلام جوبا سيؤدي إلى تنافس غير صحي بين مكونات قحت والحركات الموقعة على السلام، ورغم عدم تفاعل معظم جمهور الهامش مع هذا الإتفاق بإحساسهم المبرر بأن الحركات الموقعة عليه حركات في حكم المهزومة ولم يكن لديها خيار للإستمرار في الساحة السياسية غير التوقيع، إلا أن هذا الإتفاق ليس سيئاً وقد يحدث خرقاً كبيراً لقوى الهامش في الدولة السودانية إذا أحسنت هذه الحركات إستغلاله ونبذت التنافسية في ما بينها، وفي ما بينها والحركات التي لم توقع. وهذا السيناريو ولو أنه في النهاية يصب في مصلحة الهامش يدل على عدم المصالحة الوطنية وهو مرة أخرى مواصلة للحرب بوسائل أخرى ستختبر المركز وحاضنته الإجتماعية وستسبب إزعاج شديد لهما بحيث أنه لا هذه الحاضنة ولا نخبتها مقتنعة بالسلام.
في النهاية يجب أن يعرف مهندسوا المركز وحاضنته الإجتماعية بأنه طالما ''في حاجة ، وجع في قلب بتاعو ، في حاجة سخن في قلب بتاعو‘‘ فإن إنسان الهامش لن يتوقف عن القتال. والتعويل على أن يخذله قادته، أو يتم تحيدهم عن طريق التصفية كما حدث للمرحومين قرنق وخليل حتى يتوقف النضال أمر غير وارد، فمن يخذل يتم إستبداله (بمن له حاجة أوجع وأسخن في قلب بتاعو)، ومن يرحل يخلفه غيره بنفس الأجندة ونفس الهمة. ها هو د. جون قد رحل وتنفست نخبة المركز ومعظم حاضنته الصعداء فخلفه القائد الحلو بنفس الإصرار مما جعل مذاقه مُراً، ولا يقل عنه في الإصرار القائد عبد الواحد، وهذا يفسر سر الكراهية (رغم قوة الكلمة) الشديدة المتفشية بين نخب المركز ومعظم حاضنته الإجتماعية لهذين القائدين، في الحقيقة إن الشيطنة التي تمت لهذين القائديين في المركز وحاضنته الإجتماعية لم تحدث من قبل إلا لدكتور جون قرنق وياسر عرمان أيام هيسترية وهوس الجبهة الإسلامية من قوة د. جون الغير مسبوقة وإعتقادهم الخاطئ بتورط الشيوعيين مع الحركة الشعبية عن طريق ياسر عرمان. وكحقيقة مُرة يجب أن يعترف بها مثقفوا وسياسيوا الهامش المتعاطفين مع أو الموالين للقائديين الحلو والنور بأنهما لا يمكن قبولهما من الحاضنة الإجتماعية للمركز وأن هذا هو الوضع الحالي بدون ''تذويق‘‘ وبأن هذا لا يمكن أن يحدث بدون مصالحة وطنية تجتهد فيها جميع الأطراف المتحاربة، وفي الحقيقة فإن هذا وضع متبادل، لأنه بنفس القدر لا يوجد قبول لقادة المركز بجميع مشاربهم يمين ويسار لدي الهامش ومثقفيه بل أن المنتمين لتنظيمات المركز السياسية من أبناء الهامش، بدون إستثناء لأي تنظيم حتى لو كان هذا الإنتماء للمؤتمر السوداني مثلاً كأقرب تنظيم للهامش، أصبح يتم النظر إليهم بطريقة معينة. ولكن للأمانة هذا لا يعني بأن الحاضنة الأجتماعية للمركز غير مخترقة البتة، ففي الواقع فإن هناك إختراق ملموس مثلاً وواضح لآراء ومواقف القائديين الحلو والنور في وسط قطاع لا يستهان به من شباب الثورة. لقد تعجبت أنا بنفسي وأنا أجلس بمعية صديق لي وسط مجموعة بها عدد من المنتمين سياسياً لتنظيمات المركز بما فيها تنظيمات حداثوية، بدفاع شاب يافع صغير (ينتمي للجان المقاومة) لم يتخرج من الجامعة بعد عن القائد عبد العزيز آدم الحلو ومواقفه بتحدي ومنطق قوي وسط الحضور الذي لمح بعضهم بإنتقادات ضمنية للرجل كان يمكن أن تمر دون نقاش، في حين لم أمتلك أنا الشجاعة لذلك لكي لا أفسد الجلسة! هذا الشاب ليس لديه علاقة من قريب أو بعيد بالهامش، بل أن عائلته الكبيرة تنتمي لأحدى العوائل المتمكنة في المركز.
بقي أن نقول بأن ذكرنا للحاضنة الإجتماعية للمركز والإشارة إليها وعدم الإكتفاء بالإشارة لنخبة المركز، وهو الأمر الذي لا يحبذه ويثير ضيق معظم المنتمين لهذه الحاضنة، هو ضرورة يجب أن لايتم التهرب منها لأن هذه الحاضنة هي التي تنتج هذه النخب وفي أغلب الأحيان فإن آراءها متطابقة تماماً بل غالباً أن آراءها أسوأ من نخبها، وبما أن النخبة تقع عليها المسئولية الأكبر، إلا أن أي فرد في هذه الحاضنة لديه قدر من المسئولية في تحقيق المصالحة الوطنية عن طريق كشف الحقائق المجردة أمام نفسه أولاً وتقييمها وقرائة إلى أين تقوده هذه الحقائق، وهل هو راغب في إكمال هذا الطريق الذي لا نهاية آمنة له والذي تحاول نخبته إقناعه عكس ذلك، إن هذه الحاضنة ولفساد نخبتها المقيم في حوجة أكثر من أي وقت مضى لناشطين منها مدركين للحقائق القائمة يعملون من الجذور Grassroots movement لإقناع حاضنتهم بتغيير مسارها لأن هذه المسارات أي واحدة منها عبر التاريخ وحسب الظرف التاريخي لديه نهاية معروفة، وفي الحالة السودانية الآن فبإعمال حسابات بسيطة يمكن معرفة نهاية أي مسار بالنسبة لهذه الحاضنة، إن النخبة الحالية لهذه الحاضنة ليست من نوع النخب التي يمكن أن تصنع مصالحة وطنية تاريخية، ولهذا فإن جيل جديد من الناشطين لا بد أن يبرز ويخلص حاضنته من هذه الورطة التاريخية وهو ما يعني خلاص الدولة السودانية برمتها للمؤمنين بها بدون أي مأساة لأي من الحواضن المتورطة الآن بتواجدها داخل هذه الدولة.
كوكو موسى
مراجع:-
*1 تسجيل في اليوتوب بعنوان: جون قرنق يتحدث لقواته في النيل الأزرق
URL: https://www.youtube.com/watch?v=KzXXSODCIKA
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.